نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

سامراء وأوليات المسرح العربي:بقلم: محفوظ فرج

محفوظ فرج

المسرح العربي اليوم في أصوله وقوانينه مستورد من الغرب ، وذلك ما لا يختلف عليه أحد من الدارسين ، والمسرح في جذوره يعود إلى المسرح الأغريقي الذي يقال أنه نشأ نشأة تتعلق بالشعائر ، والطقوس الدينية وإن الدراما ( الحركة أو الفعل ) تتعلق بما كان يقدمه اليونانيون من حركات احتفالا بباخوس إله الخمر ، واثبت أيضا أن المسرح اليوناني قد تأثر بحضارة وادي الرافدين ، ووادي النيل ، وتأثر به الرومان وانتشر في أوربا المسيحية خلال عصر النهضة 1، أما العرب فإنهم لم يعرفوا المسرح ، وعندما نسأل لماذا لم يعرف العرب المسرح ؟ تكون الأجوبة متعددة لدى الباحثين فمنهم من عزى ذلك إلى حياة البداوة2 التي عاشها العرب قبل الإسلام ومنهم من يرد ذلك إلى الدين الا سلامي الذي يمنع التصوير وبالتالي التمثيل ، ومنهم من يرد ذلك إلى أن العرب شغلوا بحروبهم ، وغاراتهم 3، ويرجع الدكتور محمد مندور ذلك إلى النزعة الخطابية في الشعر العربي ووصفه الحسي الدقيق ، فضلا عنى ذلك غياب الصراع في المجتمع ، أما توفيق الحكيم فيرى أنه مادام المترجم العربي قد أيقن انه أمام عمل لم يُجعل للقراءة ففيم ترجمته إذن4 ؛ وبسبب من ذلك لم يعرف العرب المسرح حتى سنة 1847 حينما قدم مارون النقاش بداره في بيروت أولى مسرحياته المعدة عن مسرحية البخيل لمولير .
وعلى الرغم من ذلك فإن غياب النشاط المسرحي عند العرب ، لا يمنعنا من البحث في بذور المسرح ، أو ما يشبه المسرحية ، أو ما يسمى ب ( ما قبل المسرحية ) من خلال صور التمثيل العربية ، وقد تتبع صور التمثيل كل من الدكتور محمد حسين الأعرجي والدكتور محمد يوسف نجم فوجدا أن صور التمثيل كانت بدائية ساذجة ، ولكنهما عندما وصلا إلى العصر العباسي أيام كانت سامراء عاصمة الدولة العباسية وجدا اتساعا في النشاط التمثيلي من حيث المكان والملابس والحركات .



ويبدو أن المتابعة التاريخية كانت تدور حول مفردات هي :

1ـ ميمس : وقد جاءت هذه الكلمة من خلال شاهد شعري لحسان بن ثابت في القرن السادس الذي ازدهر فيه التمثيل قال

وأبلغ كل منتخب هواه رحيب الجوف من عبد المدان

ميامس غزة ورجاب غاب خفاف لا تقوم بها اليدان

وقد جاء في شرح الدوان : الميمس أحد الميامس ، وهو الذي يُسخر منه ، حيث ذكر الدكتور محمد يوسف نجم أنه بعد المتابعة ، والبحث عن علاقة الميامس بغزة ( المضاف إليه ) وجد أن مفردة ( الميوماس ) هي حفلة من الحفلات التي تقام في غزة وهي تتصل بشعائر الخصب ثم أصبحت مهرجانا للربيع يشتمل على التمثيل والهزل والتبذل ، وتقوم فيه بعض النساء العاريات بالسباحة في البحر.5






2ـ الكرج : وهي لعبة يلعب بها المخنثون ، وقد اشارة إليها في (الروض الآنف) للسهيلي عند الحديث عن المخنثين في المدينة ( وربما لعب بعضهم بالكرج وفي مراسيل أبي داود أن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) رأى لاعبا يلعب بالكرج فقال لولا اني رأيت هذا يلعب به على عهد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لنفيته من المدينة ) وقد ذكرت كلمة (كرج) في أبيات لجرير قال فيها
لبست سلاحي والفرزدق لعبة عليه وشاحا كرج وجلاجله



وفسر أبو عبيدة في في شرحه للنقائض ( الكرج) هنا بأنها لعبة يلعب بها المخنثون



أما في سامراء فقد ذكرت المصادر أن هنالك صور من التمثيل تشير إلى تحول وانعطاف يشبه المسرح ؛ إذ وردت عن الحكاية في مجالس الخلفاء والأمراء ثلاثة مصطلحات هي السماجة ، والمضحك ، والمحاكي 6، قال الجاحظ في البيان والتبيين ( ومع هذا نجد الحاكية من الناس يحكي ألفاظ سكان اليمن مع مخارج كلامهم ) فظاهرة المحاكات والتقليد قد اتسعت في القرن الثالث الهجري لأسباب عدة منها اختلال الحالة الاقتصادية ، فازدهار الحياة الاقتصادية ، دفع إلى ظهور طبقة غنية من استثمرت أموالها بشراء الضياع ، واقتناء الأراضي الزراعية الواسعة ، أما الفلاحون فقد ازداد حالهم سوءا من خلال نظام الضرائب وعسف الولاة ، فدفع ذلك بطائفة من الناس أن تسلك طريقة الهزل والتساخف سخرية بالوضع مرة ، وكسبا لمعاشهم مرة أخرى7

وإذا كنا وجدنا جانبا من التمثيل من خلال ما ذكر الجاحظ يشير إلى تقليد الآخرين بواسطة الصوت والحركات فإن أصحاب السماجة ( الممثلين الهزليين ) في سامراء قد أضافوا بواسطة أقنعتهم السمجة ، وملابسهم شيئا متقدما مضافا إلى المحكات وهو منالجوانب المهمة المؤثرة في المسرح فمن الاشارات التي وردت عن السماجة سنة 226هـ من ان المعتصم حين أمر بحبس الافشين في سامراء وجه سليمان بن وهب الكاتب يحصي جميع ما في دار الافشين فوجد في داره تمثال انسان من خشب في أذنيه حجران أبيضان ، وأخرج من منزله صور السماجة وغيرها 8، كما يقول الطبري وربما قصد أن غير صور السماجة هو المؤثرات ( الإكسسوار ) الذي يستخدمه أصحاب السماجة عند التمثيل في أعياد نوروز أمام الخلفاء

وحين ننتقل إلى خلافة المتوكل على الله 247هـ نجده قد أظهر في مجالسه اللعب ، والمضاحك ، والهزل فأحضر أصحاب السماجة ـ الممثلين الهزليين ـ واستأنس بحركاتهم يقول المسعودي لم يكن أحد ممن سبقه من خلفاء بني العباس ظهر في مجلسه اللعب والمضاحك ، والهزل ، فإنه السابق إلى ذلك9 فمما ورد في أخبار المتوكل إنه دخل عليه اسحق بن ابراهيم صاحب الشرطة في يوم نوروز والسماجة بين يديه ، وقد قربوا منه للقط الدراهم التي ينثرها عليهم فلما رأى إسحق ذلك ولى مغضبا ، ولما سأله المتوكل عما أغضبه قال : عساك تتوهم أن هذا الملك ليس له من الأعداء مثل ماله من الأولياء : تجلس في مجلس يبتذلك مثل هؤلاء .... يتجذبون ذيلك وكل واحد منهم متنكر بصورة منكرة فما يؤمن أن يكون منهم قد احتسب نفسه ديانة ، أو نية فاسدة وطويّة ردية فيثب بك . فقال له لا تغضب فو الله لا تراني على مثلها أبدا فبني للخليفة بعد ذلك مجلس مشرف ينظر منه إلى السماجة وحركاتهم ؛ ومن خلال ذلك نجد هنالك تطورا في المكان ، إذ تحول إلى اختيار المتوكل مكانا خاصا يتفرج من خلاله على الممثلين الهزليين ، ولابد أن تكون الأرض التي يلعب عليها الممثلون هي أشبه ماتكون بالمسرح ، أما حركات هؤلاء الممثلين فقد وصفها عبد الله بن المعتز بقوله :

قد ظهر الجن في النهار منهم صفوف ودستندبات

تميل في رقصهم قدودهم كما تثنت في الريح سروات

وركب القبح فوق حسنهم وفي سماجاتهم ملاحات10

وفي ذلك يدلنا على أن أصحاب السماجة يؤدون حركات تمثيلية راقصة هي أشبه ما تكون بعمل الجوقة في المسرح الاغريقي .
أتا صور التمثيل على شكل فردي فالأخبار تشير إلى وجود الكثير من المحاكين المضحكين الذين اتصلوا بالخليفة المتوكل على الله ، فمنهم عبادة المخنث11 والحسين بن شعرة مضحك المتوكل في سامراء حين كان منضويا إلى أحمد بن محمد المدبر فقد وجد ابن المدبر يستثقل احمد ابن طولون فدفع ذلك الحسين بن شعرة إلى تقليد أحمد ابن طولون فأحضره وقال له بلغني أنك تتنادر بي فاحذرني فإنك إن وقعت لا ينفعك ابن المدبر ولا غيره ؛ فأخبر الحسين بن شعرة ابن المدبر فقال له ماذا قال لك ؟ فأخذ يقلد صوته وحركاته ، ولعل هذا التقليد في الصوت والحركة كما يقول الدكتور الأعرجي كان يقوم على المبالغة والارتجال ، مما يقربه من الكوميديا المرتجلة وهنالك خبر يشير إلى ما يشبه الاخراج في كيفية إتقان الدور في الكوميديا المرتجلة مما رواه أبو العبر الهاشمي قال ( كنا نختلف إلى رجل يعلمنا الهزل يقول أول ما تريدون قلب الأشياء فإذا أصبح تقول كيف أمسيت؟ وإذا أمسى تقول كيف أصبحت؟

وأبو العبر هذا شاعر مال في أيام المتوكل إلى العبث والمجون لأنه رأى أن شعره لا ينفق بوجود البحتري وأمثاله ورأى الحماقة أنفع ، فكسب بالحمق والمجون أضعاف ما كسبه كل شاعر كان في أيامه بالجد ، وقد كان يقوم بحركات تمثيلية فقد كان المتوكل يرميه بالمنجنيق إلى الماء ، وعليه قميص من حرير فإذا على في الهواء صاح الطريق .... الطريق ثم يقع في الماء فيخرجه السباحون ، وقد يجلس على زلاجة فينحدر فيها حتى يقع في البركة ثم تطرح عليه شبكة صيد فيخرج كما يخرج السمك وفي ذلك يقول :

ويأمر بي الملك فيطرحني في البرك

ويصطادني بالشبك كأني من السمك



ـــــــــــــــــــــ

1ـ مجلة كلية الآداب جامعة بغداد العدد 15 / 1972م مقدمة في دراسة المسرح العربي الدكتور جميل نصيف ص157

2ـ رأي زكي طليمات وهذا السبب لا يصمد أمام الحقيقة وهي أن العرب استقروا في عصورهم الزاهرة العصر الأموي والعصر العباسي

3ـ الحروب والغزوات سبب من أسباب نشاط المسرح

4ـ مجلة كلية الآداب العدد 15 / ص 157

5ـ مجلة آفاق عربية العدد / 8 سنة 1977 صور من التمثيل في الحضارة العربية من الكرج حتى المقامات الدكتور يوسف محمد نجم ص 59

6ـ الأصول الدرامية في الشعر العربي الدكتور جلال الخياط / بغداد 1982م ص42 وينظر البيان والتبيين للجاحظ تحقيق عبد السلام هارون القهرة 1960م ص69

7ـ فن التمثيل عند العرب الدكتور محمد حسين الأعرجي / الموسوعة الصغيرة 1978 بغداد ص 32

8ـ تاريخ الرسل والملوك الطبري 310هـ ج10 دار المعارف مصر ص 1318



9ـ سامراء عاصمة الدولة العباسية أحمد عبد الباقي ج2 ص 309

10ـ الديارات للشابشتي 338 هـ تحقيق كوركيس عواد بغداد 1966م ص 39 ـ 40 الهامش بقلم المحقق

11ـ ينظر فن التمثيل عند العرب ص62

12ـ ينظر المرجع نفسه ص 65

محفوظ فرج