نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

سَأخبئُ وجهي حتى يَمر مَوكبكِ، فأنتِ لامعة في منتصفِ الطريقِ، وأنا حجر بقلم: ميثم : العتابي

 
سَأُلوحُ مِنْ بَعيدٍ، مِنْ وَسطِ الحُشودِ، فأَنتِ، يُوسُفي الصَغِيرُ، هَيتَ لَكِ الشِعرُ قُلتُ، وَما أَصغَيتِ، لكني مازلتُ ألوحُ، أَمسحُ بالدمعِ قَصاصات أَمسكِ الرطب  في فَمِي.. أُعلقُ على حِيطانِ الليلِ صُورَة لكِ، وأنتِ تَرقُصِينَ في إحتِفالٍ مَهِيبٍ، تَنثرينَ شَعْركِ على الحضورِ، وتَغمِزينَ لي. أركضُ في أزقةٍ مأهولةٍ بعَويلِ  الليلِ، أَبكِي.. وبِحَفنةٍ مِنَ الدَّمعِ أَلصِق الصّور.
أَجيئُكِ،  حامِلاً سَريرَ رَغبَتِي فَوُقَ سنبلةٍ، يَدنوُ طَلعُ النَخلِ مني، أَدلُفُ حاناتِ يَدَيّكِ، أَسْكبُ فيكِ رغوةً من الغِناءِ العَمِيقِ، أَستَعيضُ بِوَردةٍ تَعَلقتْ على هَدبكِ، صاعداً مِثلَ نِسرٍ إلى شُرفةِ فَمكِ العاري، أُعاقِرُ سُكري حَدَّ التُخمة فيكِ... لأنمو.
هناكَ فِي مَقهى للِعابِرينَ القُدامى، حَيِثُ يَلتَقِي المارةُ الغُرَباءُ، تَحتَ صِفصافةٍ مَأهُولةٍ بِالتارِيخِ البَشرِي، كانَ الهَامِشُ يَحتَفِلُ راقِصِاً، وَأَنتِ تَنفَخِينَ النّايَ فِي الأجسادِ المُتعَبَةِ، أَرقَبُ صَمتَ القُلوبِ المُتَهَيئةِ لِلإنقِضاضِ عَلَيكِ لَحظَةَ يَعتَقُكِ النّايَ.. أَبتَسِمُ لِفِنجانِ القَهوةِ، أَركبُ الطَرِيِقَ، مُهتَدِياً بِصَوتِكِ، مُغمِضَاً عَلَى وَجهكِ فِي داخِلِي، لمْ يَعرِفْ أَياً مِنَ المُحلقِينَ حَولَ مائِدةِ الخَلاصِ، أَنَكِ تُصغِيِنَ ليَّ قَبلَ بَدءِ الخَلِيِقَةِ، أَنفَخُ فِيِكِ مِن رُوحِ الشِعرِ، فَتَنبُتَ بَيِنَ وَجهَيِنا أَزاهِيِرَ مِن كَلِماتٍ.
بِيّ دَهشَةُ الأطفال للِتَنقيِبِ وَالبَحثِ.. كان يُمكن أَن أَعثُرَ عَلى قِطَعٍ مَأهُولةٍ بِالذِكرى، لكِنَنِي صادَفتُ فِي طَرِيقِ العَودَةِ، غابَة شَعركِ، فَعَثَرتُ عَلى مَخبَأ حُبكِ.. كانَ يُمكن ليِّ أَن لا أُحبكِ، وَأَن أَرقُصَ مَبهُورَاً حَولَ نارِ الإِكتِشاف، وَلكِنَنِي، وبِبَساطةٍ جِداً، وَقَفتُ مَليِاً، وَأَحبَبتُكِ قَبلَ أَن تُفَكِرَ الأَشياء بِالنِشوءِ بَيِنَ يَدَيِكِ. وَقَبلَ أَن تُمطِرَ عَيِناكِ بَسمَتها الأولى إليّ. فهل رأيتِ عصفورةَ الحديثِ وهي تحلق مسحورة.. أم هل سمعتِ بإسطوانة صدري تدور، وتعبث بالأغاني.
في مكانٍ ما.. أذكرهُ جيداً، كنتُ أَشربُ من عينيكِ ماءَ الحديثِ، وأنتِ تُطعمينَ ريشيِ نكهةَ التحليقِ، تَسرينَ الريح أن تَحملني بعيداً عَنكِ، فأعودَ مثل كلَّ مرةٍ أختبئ في كنزتكِ السرية، أظفر مِن شَعرِكِ قصائد للبهجةِ، فتستشري في مدينتي البائسة عدوى إبتسامتكِ، يَضحكُ الحاكمُ بمرارةٍ، أنفجرَ في محاولةٍ لتقليدكِ، غير أن الفقراءَ ناموا في تِلكَ الليلةِ، وقد شبعوا إبتساماتٍ مليئةً بالزيتِ والدقيقِ.
صباحاً كانتِ الامطارُ توزِع على البيوتِ النائمةِ لوّنَ إبتسامتكِ الأبدية. فيما أنتِ تنسجينَ من تسبيحِ الأشجارِ ثوب زفافكِ، وعصافير نومكِ مشغولة بتزيين أسرةِ الضوء، جئتكِ ألقي بعصا الشعر، داعبتي شفتيّ بريقكِ، فهبطَ ملاك يمسحُ عن جبيني التعب.
ليس غريباً أبداً أن أحبكِ بهذا الشكل، ولكن سيبدو غريباً جداً، أن لا أحبكِ، وأن لا أقوى على حبكِ، فيما أنتِ غافية في نهرِ اللغةِ، تمشطين ضفيرة الجدول وتبتسمين لإنحدار النهار.
 ميثم العتابي