نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

حوار مع ألفنان التشكيلي ستار كاووش: حاوره عماد نافع

في لوحاتي شيئا من الواقعية السحرية
•· لوحاتي صندوق الدنيا الذي أخبيء فيه طفولتي وفرحي
الرسم أفتح نافذة تطل على نساء بقلائد ملونة وغيوم زرقاء
حاوره - عماد نافع
منذ انطلاقته ألاولى مطلع ألتسعينات أوقفتنا خطوطه ألمتمردة على تقليديتها في رسم الاشياء وألاجساد ألبشرية , لاسيما في عرض ألاكتاف قياسا الى ألرأس لدى شخوصه ألملتصقة أبدا مع بعضها في حميمية لافتة , ألوانه تدهشنا بلغة ألاشياء وألرموز ذات ألاشارات ألصوفية ألتي تكون خارج ألقاموس ألمعتاد ,لأنها تمنح ألجسد ولادتها ألاولى عندما يمنحها ذاكرة بصرية , انه ألفنان ألتشكيلي ألعراقي ألمغترب " ستار كاووش " ألذي غادر ألبلد منذ مايقارب ال " 15" سنة تقريبا وحط في هولندا عاصمة ألفن ألتشكيلي ..ولكن قسوة ألشوق وألحنين ألى ألوطن وألى حنان ألام وألاحبة .. جعلت من عواطفه تحلق بعيدا عبر أجنحة ملائكية رسمتها ريشته ألساحرة على أكتاف شخوصه ألحالمة...وللأقتراب أكثر من محطاته ألساخنة ألتقيناه عبر"النت " وكان لنا هذا ألحوار معه : 

** اللوحة مركب مجنون ، ليس له مرفأ معلوم ولا موعد ولا إتجاه محدد ... ترى هل تثير شهيتك المرافيء المعلومة ؟
- تبقى كل لوحة تحمل مغامرتها معها ، وأنت حيث تشرع في الرسم لا تعرف الى أين يقودك هذا المركب ومتى يتوقف .. في أية مياه وقرب أية جزيرة !! أنا عادة ما أبدأ بمجموعة تخطيطات بالأحبار على الورق ثم أختارواحداً من هذه التخطيطات لأنفذه على القماشة ، بعدها تحدث تغييرات عليه أثناء عملية الرسم وتكون النتيجة في النهاية مختلفة تماما عن التخطيط الأول . عند الرسم أفتح نافذة تطل على نساء بقلائد ملونة وغيوم زرقاء مضيئة ، حدائق وبحيرات ملونة  .. وأشياء عديدة أخرى ، أختار منها ما يناسب حالتي في تلك اللحظة وأحركه برفق وهدوء على سطح اللوحة البيضاء وأنا لا أعرف متى تنتهي اللوحة لأتوقف عن الرسم وتواصل هذه المرأة النائمة في الداخل إغفائتها بهدوء وسكينة .

** اللوحة المتميزة كالمرأة الذكية .. هي التي تخبيء في عينيها ملايين الأسئلة وتترك للمتلقي حرية البحث عن الأجوبة . كيف تقرأ هذه العبارة ؟
- لا أعرف إذا كانت لوحاتي تعطي أجوبة ا لكني أعتقد بأن اللوحة لا تعطي أجوبة على أسئلة منطقية أو واقعية ، إنها تجيب على أسئلة إفتراضية معلقة خارج الزمان والمكان . اللوحة تشير الى أشياء ذات دلالات جمالية ، وتفسير المتلقين يختلف في أغلب الأحيان عن تفسير الرسام نفسه !! وهناك تباين كبير أيضا بين متلقي وآخر وهذه عملية طبيعية في الفن ، مثلما علقت إحدى الزائرات وهي تشاهد معرضي القديم ( سيقان وأرصفة ) وهي تحث صديقتها للخروج من المعرض بقولها ( أعتقد بأن الرسام يعمل في مصنع للأحذية ) . في النهاية تبقى للمتلقي الحرية كاملة ومفتوحة على كل الإحتمالات للنظر الى اللوحة وتفسيرها .

** كيف يعاني ستار كاووش من تطور اللوحة عنده ؟ أقصد كيف يتحقق الإنقلاب الشكلي والمضموني لديك ؟
- عادة ما أستفيد من كل الأشياء التي تصادفني وأنا أركل أحجار الطريق . فمشهد إمرأة وحيدة تجلس على مقعد خشبي في الحديقة المجاورة لبيتي وهي تتأمل الزهور وألوان الطبيعة يعتبر مثاليا للرسم بالنسبة لي  أو حتى العشاق في المقاهي المزدحمة ، مقطع ما من قصيدة أو مشهد قصير من فيلم ، والسؤال هنا هو كيف لي أن أعيد ترتيب هذه الأشياء مع بعضها ، أعيد صياغتها لتنسجم مع طريقة تفكيري ورؤيتي في الرسم . لكن يبقى الشق الثاني من الموضوع وهي الزاوية التي أطل من خلالها على المشهد وكيف أتوصل الى تكوين متفرد ، أي أن إخراج اللوحة يعتبر جزء مهم وأساسي بالنسبة لي في العملية الفنية .

** في الداخل إبتعدت ( قليلا أو كثيرا ) عن المحلية بحثا عن العالمية ، وفي الخارج إلتصقت بالمحلية فحققت العالمية .... هل تعتقد بأ هذه المعادلة موزونة
- أعتقد بأن هذه المعادلة حقيقية ومتوقعة في عالم الفن ، ففي السابق حيث كنت في بغداد كنت مشغولا برسم الشوارع والأرصفة والمدينة التي أحببتها بعمق دائما ، كنت أملأ قماشات الرسم بالسيارات وواجهات المحال واليافطات والبنايات الحديثة ، كانت علاقتي بالموروث الشعبي تكاد تكون منعدمة . وبعد سفري وإستقراري في أوروبا بدأت هناك ملامح العودة الى أشياء عراقية أو شرقية تظهر في لوحاتي. ففي بلد مثل هولندا عليك أن تبحث عن الهوية التي تمثلك ، تفتح حقائبك القديمة للبحث عن مفرداتك الحقيقية لتعرضها في مكانك الجديد ، لكن عليك بالتأكيد أن تطرح كل هذا بطريقة فنية مؤثرة ، عليك أن تسحب المشاهد الأوروبي من ياقته لتدخله الى عالمك الساحر والملون . لكن المهم هو أن تقدم كل هذا برؤية فنية فيها تفرد وبتقنية عالية وإستخدام طرق مختلفة للوصول الى نتائج جديدة ومبتكرة .

** ما يدور في المشهد الحياتي والمرئي ... هل يشكل لديك ثيمة خاصة ، بقدر ما يشكل هاجسك من صور لمبنى تعتمده فيما بعد إنشاء لعمل جديد ؟
- أغلب لوحاتي مأخوذة من تفاصيل الحياة اليومية تقريبا ، فمن حيث الموضوعة والإلتقاطة يمثل المشهد الحياتي نقطة الجذب الأولى لكني لا أحاكي الواقع أو أنقله بأمانة على القماشة ، أحاول دائما أن يكون في لوحاتي شيئا من أحلامي أو بعض الغموض ، تراني دائما منسحبا للأجواء السحرية والبعيدة ، فذات مرة حلمت بأن لي جناحين وأطير الى بغداد لرؤية أمي هناك ، أمي التي لم أرها حينها لمدة 17 سنة. عندها فكرت أن أرسم هذه الفكرة ، فرسمت سلسلة كبيرة من اللوحات تمثل عشاقاً أو أشخاصاً مجنحين . ولهذا حين يسألني البعض أحيانا عن إسم الطريقة التي أرسم بها أقول دائما بأن في لوحاتي شيئا من الواقعية السحرية . العملية بالنسبة لي في أحيان كثيرة تشبه ما يحدث في الشعر ، فأنت تحول اليومي والحياتي الى سحري وغامض ومضيء . نعم أنا رسام تشخيصي هذا صحيح ، لكني لا أحاكي الواقع ولا أنقل ما هو موجود أمامي بطريقة حرفية أو فوتوغرافية . أحاول دائما أن أصنع عالمي الخاص بي ، أن أفتح نافذتي بشكل صحيح ومناسب لأطل على المشهد الذي أرسمه .

 من يلوذ بمن ؟ اللوحة برسامها أم الرسام بلوحته ؟ ومن ينقذ الآخر أسرع ؟
-      اللوحة بالنسبة لي مثل المرأة ، فمجرد إعجابك بإمرأة جميلة لا يصنع منك عاشقا ، بل عليك أن تعرف كيفية الدخول الى قلبها أولا ، تستخدم كل حيلك الجميلة كي تجعلها تحبك، كذلك اللوحة الجميلة تستخدم كل حيلها كي تكون بعيدة عن الرسام العابر وغير الحقيقي . ولوحاتي هي التي تنقذني دائما ، فكل المشاكل واللحظات المؤلمة التي يمكن  تمر بي أنساها تماما وأنا أهم بالدخول الى المرسم ، أخلعها مثل رداء قديم وأنا أبدأ برسم لوحة جديدة . لوحاتي هي ملاذي ، هي صندوق الدنيا الذي أخبيء فيه طفولتي وفرحي وألعابي القديمة .