نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

فن الخط العربي


لا يعتبر الخط العربي من أجمل خطوط العالم فحسب وإنما هو الأجمل دون منازع , فهذا الخط البديع باختلاف أنواعه وأشكاله قد بهر كل من شاهده حتى وإن لم يكن هذا المشاهد يعرف كلمة عربية واحدة , لذا فلا غرابة أن يصبح الخط العربي من الفنون الإنسانية الراقية التي يهتم بها ويحافظ عليها أي شخص متذوق للفن على امتداد الكرة الأرضية , وليس من الغرابة كذلك – أن تجد شخصا في أي صقع من العالم ومن أي ديانة يعلق في ساحة بيته أو مكتبه لوحة خطية مزخرفة باللغة العربية , فقد تحول هذا الخط من وسيلة للتدوين والتواصل بين البشر, إلى فن لا يحده اقليم أو يخضع لمفاهيم الانتماءات العرقية والشعوبية والدينية .

وبالطبع فما نشاهده الآن من خطوط مختلفة وتراكيب متنوعة للخط العربي لم يأت إلا بعد تطور مضطرد لهذا النوع من الفنون , ونمى وصقل على أيدي الكثير من الخطاطين العرب والمسلمين البارعين فيه وعبر عصور مختلفة , فأصبح في نهاية المطاف بهذا الشكل الأخاذ , والغاية في الإبداع والإتقان والقواعد المحكمة .

فقد عرف الخط العربي الكثير ممن نبغوا في كتابته , ولم يكن العرب وحدهم من كان لهم الفضل في وصول الخط العربي إلى هذه القمة من الإبداع والسمو , وإنما الفضل يعود لهم ولغيرهم من الأعراق الأخرى الذين ساهموا بقوة في إيصاله لهذه الدرجة من الإتقان والبراعة , ولذا فلا ينبغي أن نقول عنه فنا عربيا , وإنما هو فن إسلامي ارتبط بالزخرفة الإسلامية ارتباطا وثيقا و وساهم في الإبداع فيهما الكثير من المسلمين من مختلف الشعوب والأعراق , يدفعهم لذلك العاطفة الدينية الإسلامية وحب الانتماء لهذا الدين العظيم الذي لم يفرق بين عربي وأعجمي , و كذا الرعاية القصوى لكتاب الله الذي نزل وسطر بالغة العربية الخالدة.

فجعلوا من تلك الآيات القرآنية المحكمة تحف فنية مخطوطة , غاية في الجمال والزخرفة والدقة . كان لبعضها الفضل في دخول أمم إلى هذا الدين منجذبين له من هذا الباب الذي يلامس المشاعر الإنسانية والذوق الرفيع حتى وإن لم يعرفوا ما تحوي تلك الكتابات الصامتة , فكل نفس سوية دائما ما تميل لكل شيء جميل .

وبما ان الناس يختلفون في ميولهم ويتباينون في أذواقهم , فإنك لترى كل ناحية من العالم الإسلامي الشاسع قد مال أهلها إلى خط ما من الخطوط العربية , فأهل فارس والعراق تراهم أكثر ميلا إلى الخط الكوفي وخط الثلث , بينما أهل المغرب العربي يميلون إلى الخط الأندلسي ويرافقه الخط الكوفي , وفي باكستان والهند وما جاورها من بلاد الإسلام فالخط الفارسي هو السائد عندهم , وفي مصر نرى خطي النسخ والرقعة يكتسح كل الخطوط , ودول الخليج العربي تجدهم أكثر عشقا للخط الديواني من أي خط آخر .

وهذا التنوع في الأذواق والميول قد أثرى الخط العربي وساهم كثيرا في تطوره , حيث اشتقت خطوط متنوعة من كل خط , فالثلث ما هو إلا صورة متطورة من خط النسخ , والخط الديواني والرقعة توأمان ليس بينهما إلا اختلاف بسيط في الأساسيات , والخط الأندلسي مشتق من الخط الكوفي .

كما أن هذا الاختلاف بين جهة وأخرى من أصقاع العالم الإسلامي في استخدام الخطوط – قد جعل كل ناحية تبرع أكثر من غيرها في خط من الخطوط , وتتولى مهمة تطويره  والإبداع فيه , لذا فأنت لا تستطيع أن تجاري باكساني في الخط الفارسي , كما لا تستطيع أن تقول أنك ابرع من خطاط تركي في الخط الديواني , ولا ايراني في خط الثلث .

وكما أسلفت فلم يعد الخط العربي مجرد خط كأي خط في العالم , فقد أضحى ضرب من الفنون التشكيلية , ودخل بقوة في هذا المذمار . ولعل القرن الماضي هو العصر الذهبي للخط العربي حيث بلغ القمة في الاعتناء والتنافس بين نخبة من أكثر الخطاطين براعة واتقانا وموهبة , جمعوا بين براعة الكتابة والحس الفني التشكيلي , فكأنهم يكتبون بريشة رسم , ويرسمون بقلم خط , فخرجت مئات المخطوطات التشكيلية التي روض فيها الحرف العربي ببراعة ليشكل جمل وعبارات ذات أشكال فريدة ومتميزة , فلم تعد القوالب الهندسية والاعتيادية من دوائر , ومربعات , ومثلثات – تكفي لكبح جماح فرسان الخط العربي وإنما تجاوزا ذلك ليرسموا لنا من خلال الحرف العربي أشكال أخرى حرة ستبقى مدى الدهر تحف فنية تحكي ما بلغوه من عبقرية وبراعة , ومدى النجاح الذي حققوه بدمج الحرف واللون والريشة والقلم .