نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

نساء من الجنوب .. يمرحن بحدقات امرأة جنوبية:بقلم: سدية السماوي


 سعدية السماوي

نساء من الجنوب ) موروث الانكسار من العصور الحجرية  ، تركت استحالتها طابع البؤس والحزن والهشيم بملامح نساء جنوبيات تركن مصبغة العتمة في أجنتهن حتى صار الهشيم جينات  كروموسومية تحملها المرأة الجنوبية إلى العصور الآتية ..

لم يكن عباس ليمازح الأمكنة بل هو يكتب تاريخ الناحية الجنوبية من قلب العراق النابض ، وإذ تحدث عن النساء فهو يتحدث عن عمق وأصالة حضارات ، فلا حضارات من دون النساء ولا عمالقة من دون أمهات .. 
لوحات الفنان عباس حويجي ( نساء من الجنوب ) مدونة تاريخ معاصر إلى صور وذكريات في صفحات مؤرخة تحتضن حدقات البايلوجيين وتفسيرات النقاد والشعراء وعلماء اللاهوت الذين تتبعوا مسيرة حقبة ( كانت ) لشطر من البشر نساء في أقصى ووسط الجنوب العراقي المترف بالنواميس القاسية التي تفرض على ناعم الجنس البشري الحصة الكبرى منها ..
مدونة ونسوة  وحكاية .. مجموعة لوحات أطرت باللونين الأبيض والأسود تلك الألوان التي لا تقبل الحياد إلا انه جعلهما ( متراس ) لباب أراده أن يفتح حتى وان اضطره إلى كسره .. ثم تحولت إلى لوحات ملونة وكأنها أرادت أن تخفف الوطء عنا ، رغم قسوة التصوير التشكيلي للوحات المعروضة ..
عكف الفنان عباس حويجي على تدوين أفكاره وتصوراته على آلته الالكترونية الحاسبة وقد أعدها فرشاة جديدة أرادها أن تواكب عصر العولمة والتجديد الذي طمح له المثقف العراقي ، أطاعته  كفه المنحنية على ( ماوس ) الحاسبة في عزمه على ترويض نمر الآلة ، كي يستعرض بها ملامح مشرئبة بالحزن والفرح والعادات والتقاليد التي ارتضتها المرأة الجنوبية على مضض حتى أصبحت جزء من كينونتها وشخصيتها وإقليمها المستدل عليها ..
رغم تشابه ملامح النساء في لوحات عباس حويجي والذي يرمي هذا التشابه إلى وحدة الحزن والألم الجنوبي  إلا إن هناك تباين مستترا في نسبة خطوط  الملامح المعبرة عن هذا المغزى الذي تحول في لوحاته إلى قضية أبعادها المرأة ( ببيرغها ) وطيرها وبئرها وهواجسها المشتركة مع النساء الأخريات ..
تفرض نساء عباس نظرتها للواقع المر المزري الذي تعيشه المرأة في العراق منذ فجر سمي بالتاريخ إلى مساء سمي بالثورة ، وثورة نساءه باضطرابها وخنوعها وكوابيس العصور الجاثمة على صدرها إلا أنها تعلن عن وجود وتصوير حقيقي لعباءة سوداء وحياة  قاتمة .. بالرغم من تباين الحدقات الملتحفة باللوحة إلا إن لوحاته تسرج نفسه إلى وجدان الناظر الذي سيزفر زفرة انطباعات قد لا تجد إلا الكينونة مأوى ..
تجمع لوحاته على الحزن المشترك بين النسوة رغم ان هذه صفة عامة عرف فيها الرجل العراقي الا انك ومن خلال تتبع ملامح نساء عباس ، سترى كم كان الموروث عظيما وكأن النساء أرضعت هولاء الأبناء من الرجال حزنا وشجونا بديل عن اللبن ..
( الجرار محطمة والكوز ، الطير ، الوليد ، العباءة السوداء ، والخمار الأبيض ، آنية الورد ، والنبتة الذابلة ، ومصباح النور والنار )
مجموعة مواد ترافقها دموع وأشجان مكبوتة تحدثك بصمت الخائف وجبن الشجاع المنكس في معارك عدة ينظرها الآخرون على إنها  معركة واحدة ، فهي لا تملك موقفا سوى الخضوع إلى ماآل إليه الأمر ..
حمامة مخبئة تحت جلباب الخوف والخجل وأخرى تنظر وتنتظر موقفا ما .. هي تعلم انه لن يأتي بالجديد لذا فقد أطالت النظر إلى البعيد ..
بما إن الطائر في موروث الفن الشعبي يعني دائما الحرية والأمل البعيد المرغوب اصطياده من قبل البشر في طبيعة أمره إلا انه في لوحات عباس كان يهادن عصره بل هو أشبه برسول يحدث النسوة عن فجر سيبزغ من جديد ذات يوم .. وهي ترتضي رغم إن محدثها يعتلي ربوة تاركها تحدث نفسها بصوت نكاد نسمعه وهو يحدثنا عن حكاية ..
تشابك الكفين حول السيقان ، جلسة لا مراة جنوبية امتازت بها نسائنا الجنوبيات اللواتي لا يملكن إلا الحلم والإصغاء لصوت الذات المقهورة المتمسكة بالأمل ..
الحديث عن معتقدات وإيمانيات لنساء وجدت ( بمرشة ماء الورد ) والمبخرة حقبة تحدت أزمنة وعصور وانتهت بشعائر مقدسة حملت المرأة الجنوبية معظم أوزارها في المتنفس للانطلاق المشروع نحو مبدأ ارتضته لنفسها فنمطت نظرها لتكون إحدى رموزه بعد أن صار مطمحها الأخير نحو الإيمان  ...
عزاؤها بمن فدى وإتباعها لمبادئ من فدى هو ما وجدته متنفس لآلامها التي لا يفوقها الم إلا ماسات واقعة ألطف .. فكانت هي من بعض شعائر عاشوراء ..