نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

النظرية المسرحية الإسلامية عند عماد الدين خليل- د.جميل حمداوي


  الملخـــص: ظهرت في عالمنا العربي والإسلامي مع سنوات الثمانين من القرن العشرين مجموعة من النظريات المسرحية الداعية إلى مسرح إسلامي بديل  مع كل من: عماد الدين خليل، ونجيب الكيلاني، وحكمت صالح، ومحمد عزيزة، وعمر محمد الطالب، وجميل حمداوي...

والهدف من هذا المسرح هو تحرير الإنسان المسلم من العبثية والفوضى والعصيان والحيرة والعزلة، وتطهيره ذهنيا ووجدانيا وأخلاقيا وحضاريا. ومن ثم، يعترف الباحث العراقي عماد الدين خليل بأن المسرح قبل كل شيء هو فن جميل مركب وشامل وأب الفنون، يمكن الاستعانة به للتعبير عن مشاكلنا وقضايانا الذاتية والموضوعية والحضارية، ويمكن أن يتحول إلى أداة للتهذيب أو التعليم أو التوجيه أو الإرشاد من جهة، أو يصبح أداة للاحتجاج والإدانة وتغيير الواقع من جهة أخرى.

هذا، ويرى عماد الدين خليل أنه من الممكن الاستفادة من الأشكال والتيارات والمدارس المسرحية العالمية. بيد أن المضامين لابد أن تصاغ وفق الرؤية الإسلامية، بعيدا عن الإيديولوجيات المادية وفلسفات الشك والإلحاد والعبث والفوضى والانعزالية. ولابد للفنان المسلم أن يختار مضامين هادفة وبناءة في إطار الالتزام الإسلامي، فيصيغها في أشكال فنية وقوالب جمالية عالمية، مع الاستفادة من الآليات السينوغرافية والإمكانيات المادية والآلية التي تستعمل في جميع مسارح العالم قاطبة.

وعليه، لا يمكن الحديث - فعلا - عن مسرح إسلامي حقيقي إلا إذا كان مسرحا أصيلا نابعا
من التربة العربية وعقيدة الإنسان المسلم، إنبنية وإن مضمونا وإن رؤية.

الكلمات المفاتيح:

المسرح الغربي- المسرح الإسلامي- النظرية المسرحية- الركح- الاحتفالية- العلبة الإيطالية- التأصيل المسرحي- الفضاء المفتوح- الفوضى في المسرح-  السينوغرافيا- الكوريغرافيا...

توطئـــــة:

هل يمكن القول مع مجموعة من الدارسين بأن المسرح عالمي ليس له من شكل إلا ما تعارف عليه الإنسان منذ نشأة ذلك الفن في التربة اليونانية، فاتخذ العلبة الإيطالية فضاء له لتقديم فرجات مسرحية متنوعة تعبر عن الإنسان في صراعه مع القدر أو في صراعه مع أخيه الإنسان أو في صراعه مع نفسه. والآتي، أن المسرح لا علاقة له بالدين أو الوطن أو الهوية المحلية، بل هو نتاج إنساني وإبداع عالمي يمكن فهم لغته مهما تنوعت واختلفت، مادام المسرح فنا جميلا يتوسل بالحركة والصوت والموسيقى والجسد (الكوريغرافيا).

بيد أن هناك من يرى بأن المسرح فن له خصوصياته، خاصة إذا اعتمدنا المضمون معيارا للتمييز والتصنيف والتقويم، فثمة فرق شاسع بين المسرح الإسلامي والمسرح الغربي، فالمسرح الغربي ينطلق من رؤية تراجيدية وثنية قائمة على صراع الإنسان مع القدر، أو صراع الإنسان مع أخيه في إطار الصراع الجدلي الماركسي ، أو يعكس صراع الإنسان مع ذاته ضمن فلسفات العبث والمجون والإلحاد والشك والفوضى والعزلة والعصيان والتمرد. في حين، يتميز المسرح الإسلامي برؤية ربانية قائمة على توحيد الله جل شأنه، ونصرة الحق، وإبطال الباطل،  ونشدان العدالة،  وتحقيق المساواة ، وخدمة الإنسانية قاطبة. ومن ثم، فالمسرح الإسلامي يتعارض دلالة ورؤية، بل حتى في بعض المقومات الفنية والجمالية، مع المسرح الغربي المرتبط بالفوضى والبؤس والشقاء وإفلاس منظومة القيم.  

وعليه، فقد بادر بعض المثقفين العرب منذ سنوات الثمانين من القرن الماضي إلى بلورة نظرية حول المسرح الإسلامي، منهم: عماد الدين خليل، ونجيب الكيلاني، وحكمت صالح، ومحمد عزيزة، وعمر محمد الطالب، وجميل حمداوي...

هذا، ويعد المفكر العراقي عماد الدين خليل من المنظرين الرواد الذين قدموا تصورا متكاملا حول المسرح الإسلامي مقارنة بالمسرح الغربي.إذاً، ماهي مقومات المسرح الإسلامي - حسب عماد الدين خليل-  من حيث الموضوع والشكل والرؤية؟ هذا ما سوف نرصده في موضوعنا هذا.


بدايات التنظير للمسرح الإسلامي:

ثمة مجموعة من التصورات النظرية الإسلامية في مجال  المسرح والدراما، وهي متنوعة في الطرح والتصور والمنطلق والمرجعية. ومن ثم، فلابد من استحضار الدكتور عماد الدين خليل صاحب كتابي: (في النقد الإسلامي المعاصر)[1] و(فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر)[2]، ونجيب الكيلاني في كتابيه (مدخل إلى الأدب الإسلامي) [3] و(المسرح الإسلامي)[4]، و الباحث العراقي حكمت صالح في دراساته العديدة حول المسرح الإسلامي المعاصر[5]، ومحمد عزيزة في كتابه القيم(الإسلام والمسرح) [6]، وعمر محمد الطالب في كتابه(ملامح المسرحية العربية الإسلامية)[7]، وجميل حمداوي في دراسته المسماة (النظرية المسرحية الإسلامية)[8]،...

هذا، وقد ظهرت مجموعة من المسرحيات الإسلامية المعاصرة في الحقل الثقافي العربي، كمسرحيات علي أحمد باكثير(السلسلة والغفران، ومسرح السياسة، وليلة النهر، والتوراة الضائعة، وعودة الفردوس، ومأساة زينب، وسر الحاكم بأمر الله، وهكذا لقى الله عمر، ومن فوق سبع سماوات، وإله إسرائيل، وهاروت وماروت، وسر شهرزاد، وقطط وفيران، والدنيا فوضى، ومسمار جحا، وأبو دلامة، وقصر الهودج، ومأساة أوديب، وحبل الغسيل، وشيلوك الجديد، وحازم، وأوزيريس، والفلاح الفصيح، وعاشق من حضرموت، والفرعون الموعود، والدودة والثعبان، وروميو وجولييت...)، ومسرحيات عماد الدين خليل(المأسورون، ومعجزة في الضفة الغربية، وخمس مسرحيات إسلامية، والمغول، والعبور، والشمس والدنس،والتحقيق والهم الكبير)، ومسرحيات علي الصقلي (أبطال الحجارة، والمعركة الكبرى، والفتح الأكبر)، ومسرحية محمد الحلوي (أنوال)، ومسرحية محمد المنتصر الريسوني (أعراس الشهادة في موسم الشنق)، ومسرحية غازي مختار طليمات (محكمة الأبرياء)...إلخ

كما تضمنت مجلة (الأدب الإسلامي) منذ عددها الأول إلى يومنا هذا العديد من المسرحيات الإسلامية النثرية والشعرية المتنوعة من حيث الأشكال الفنية والجمالية،  والمختلفة من حيث التيمات والموضوعات. ومن بين المسرحيات التي نشرت في مجلة الأدب الإسلامي، نذكر: مسرحية (مدينة الزيتون) لعزة منير[9]، ومسرحية (الهيمان) [10]، ومسرحية (حديث اللحظات الأخيرة)[11] لوليد قصاب، ومسرحية (فسطاط سبيطلة)[12]، و مسرحية(أبو حنيفة النعمان والكيال) [13]لأحمد أبو شاور، ومسرحية (كونوا أمامي هذه المرة) [14]لنزار سالم باحميد، ومسرحية(أفضل العمل)[15] ،  ومسرحية (الدعوة المستجابة) [16]، ومسرحية(المشرك الأول)[17]، ومسرحية (لبيك اللهم لبيك) [18]، ومسرحية (كسوة العيد)[19] ، ومسرحية (إمام عظيم)[20] ، ومسرحية (من قدر الله...إلى قدر الله) [21]، ومسرحية(الشاعر والربيع)[22] ، ومسرحية (وادي السباع)[23]، ومسرحية(قصر في الجنة) [24]لأحمد علي باكثير، ومسرحية(مصعب بن عمير) [25]لإبراهيم حمادة، ومسرحية (عبد الله بن حذافة السهمي) [26]، ومسرحية (عرس فلسطيني) [27]لمحمد رفعت زنجير، ومسرحية (العبور) [28]لعماد الدين خليل، ومسرحية(ذرية بعضها من بعض: ولادة أحمد بن حنبل) [29]لعلي شلق، ومسرحية(مركبة التقوى)(مسرحية شعرية) [30] لمحمد عادل سليمان، ومسرحية: (الابن) لخيري السيد إبراهيم[31]، ومسرحية(الأسير) ليوسف عبد التواب[32]، ومسرحية(ألا من يشتري سهرا بنوم) [33]، ومسرحية(ضجة في مدينة الرقة)[34]،  ومسرحية(الحنيفية والوفاء) [35]لمحمد الحسناوي، ومسرحية (الشاعر والسوقة) لنوال مهنى[36]، ومسرحية (القصاص) للكاتب التركي نيازى برنجي  وترجمة تسنيم محمد حرب[37]، ومسرحية (أضاعوني) [38]، ومسرحية(ليلة دمشق) [39]لصالح محمد المطيري، ومسرحية(لن تقوم حرب البسوس) لجميل حمداوي[40]، ومسرحية (ذو الوشاح الأسود) لنجيب فاضل، وترجمة  ماجدة مخلوف[41]، ومسرحية (الفارس اللاحق)[42] لمحمد مراح، ومسرحية(وصية أبي أيوب الأنصاري)[43] ، ومسرحية (عودة الخنساء) [44]، ومسرحية (الشهادة)[45]، ومسرحية (مالي ...وسعيد بن جبير)[46]  لغازي طليمات، ومسرحية (بائع الحكمة) لمحمود محمد كحيلة[47]، ومسرحية (مماليك للبيع) لإبراهيم عبد الحميد[48]، ومسرحية (الرضا) لفيصل يوسف غمري[49]، ومسرحية (المكافأة)[50] ، ومسرحية (الرؤيا الصادقة)[51] ،ومسرحية(السعادة...وبائع الوهم)[52] لعلي محمد الغريب، ومسرحية(الغلام الصدوق) لمصطفى حيدر[53]، ومسرحية (أيام يضيئها الإسلام) لسميح سرحان[54]، ومسرحية (تغريبة جعفر الطيار) ليوسف وغليسي[55]، ومسرحية (حتى لا تخسر يا أبي) لعبد الفتاح سمك[56]، ومسرحية (على أسوار القسطنطينية) لعادل باناعمة[57] ، ومسرحية(الفوز العظيم) لعلاء حسني المزين[58]، ومسرحية (الحضارة السوداء) لمحمد علي بدوي[59]، ومسرحية(نور الإيمان) لمحمود محمد كلزي[60]، ومسرحية(مالم يكتبه الجاحظ) لسمير عطية[61]، وغيرها من المسرحيات الأخرى المنشورة في هذه المجلة في الأعداد الأخيرة...

مقومات النظرية المسرحية عند عماد الدين خليل:

تنبني النظرية المسرحية الإسلامية عند عماد الدين خليل على مجموعة من المقومات الدلالية
والمرتكزات الفنية والجمالية والرؤى الهادفة على النحو التالي:

يرى عماد الدين خليل بأن المسرح بكل آلياته وتقنياته الدلالية والفنية والجمالية هو فن مركب وشامل يعبر عن أزمة الإنسان في مختلف جوانبها الذاتية والموضوعية،  ويرصد مأساة العصر في شتى تجلياتها المتنوعة. وفي هذا الصدد، يقول عماد الدين خليل:" إذا كانت سائر الفنون تنبثق عن تجربة إنسان واحد إزاء عصره، فإن العمل المسرحي يتجاوز هذه التجربة الأساسية الواحدة إلى تجارب أخرى تسهم في تقديمها شتى الإمكانات والطاقات التي لا يتم العمل المسرحي إلا بها، كالممثل والمخرج والوسائل المادية والجماهير...ثم إن أي فن من الفنون المعاصرة لن يتأتى له أن يبلغ ما بلغه المسرح من روعة وعمق في تصوير أزمة العصر الراهن بكل أبعادها الفردية والجماعية، باعتباره جماع الفنون كلها: الكلمة والحركة والموسيقى والصورة والتعبير والأضواء والظلال، وخاصة بعدما هيأت له التكنولوجيا الحديثة من وسائل آلية مكنته من أداء مهمته أروع أداء. هذا إلى أن الكاتب المسرحي نفسه لا يمارس إنتاجه إلا وهو يتخيل شخوصه وأحداثه تتحرك على خشبة المسرح، وتعكس بوضوح ما يريد أن يقوله. وهذه الشروط التي تلزم العمل المسرحي تجعله أكثر طواعية للتعبير عن أزمة العصر وتصوير معالمه الكبرى."[62]

ومن ثم، يعد المسرح أيضا مرآة لنقل تجارب الذات وتناقضات الواقع الموضوعي، والتقاط تفاصيل المجتمع في صراعه الجدلي، وتصوير معاناة الحياة الإنسانية وفوضى العالم والكون والإنسان في عالم معاصر فقد إنسانيته وأصالته وقيمه الحقيقية[63]. ومن هنا، فإن " المسرح المعاصر، على اختلاف اتجاهاته، ما هو إلا تجسيد حي للقيم والمؤثرات التي تعمل عملها في حضارة هذا القرن، وفي تجاربه الإنسانية في شتى أبعادها.[64]"

وأكثر من هذا، أصبح المسرح المعاصر مسرح قلق وفوضى واغتراب واحتجاج ضد القيم المادية الكمية. بمعنى أن المسرح المعاصر تعبير صادق وأمين عن مجتمع فقد قيمه وأصالته ونضارته وسعادته، وغدا يغرق في الفوضى والشقاء والنكد والخطيئة. وفي هذا الإطار، يقول عماد الدين خليل:" إن تزايد النتاج المسرحي في العقود الأخيرة من هذا القرن، وظهور اتجاهات مسرحية جديدة بين فترة وأخرى، ومحاولة عدد كبير من الكتاب جعل المسرح منصة احتجاج ضد قلق القرن العشرين وفوضاه وعذابه... ما هي إلا شواهد على أن هذا اللون من الفنون يشد الآن أنظار قادة الفكر والفن ليعبروا من خلاله عما يعانونه في خضم حضارة لا تعرف الإنسان. وليس أروع من أن تتحول الأفكار إلى حركة، والكلمات إلى صراخ..إن قرننا العشرين يحاول أن يسد ويغمض عينيه، وينطلق بالبشرية المنكودة إلى مصيرها المفجع..وإن الشعر والهمس والسرد الصامت المحصور بين دفتي كتاب، لن يجدي إزاء هذا العمى وهذا الصمم.فلا أقل من أن يكون المسرح ملجأ يأوي إليه كل أولئك الذين يريدون أن يرفعوا صوتهم إلى أعلى طبقة، علهم يستطيعون أن يسمعوا قرنهم المنكود ما يجول  في خواطرهم من أمل في الخلاص...أو يفتحوا عينيه كي يتجاوز الهاوية التي تنظره في نهاية الطريق."[65]

وهكذا، يعد المسرح فنا شاملا مركبا يستخدم أداة للتعبير عن التجارب الذاتية والموضوعية، ويعتبر أيضا وسيلة جمالية لنقل الواقع المدرك مع تفسيره وتغييره.

مفهوم المسرح الإسلامي:

يدعو عماد الدين خليل إلى مسرح إسلامي يقوم على التمثيل والتشخيص والإخراج بغية التعبير عن هموم الإنسان الذاتية، وتصوير مشاكل الحياة الفردية والجماعية، ورصد مختلف الأزمات التي يعانيها الإنسان المسلم في عصره هذا، وتجسيدها فنيا وجماليا من خلال الاقتراب من الجماهير. يقول عماد الدين خليل:" أفليس من حق الفنان المسلم أن يدلي بدلوه في هذا الميدان المؤثر الخطير؟ أليس من حقه أن يرتاد الآفاق الجديدة الرحبة التي يطرحها هذا الفن، ويعرض على قومه وأمته صورا تعتمد الحركة والإيماءة، يقتطعها من واقعها المرير.. صورا تحيل الهمسة إلى صرخة، والكلمة إلى انطلاقة، والسكون إلى مزيج من التشابك الدائم بين الأضواء والظلال؟؟ أليس من حق الفنان المسلم أن يعتمد كل ما يقدمه له هذا الفن من إمكانات، كي يجسد أمام الناس الأفكار التي تدور في خاطره، والعواطف التي تعتمل في فؤاده، والمشاعر التي تجيش في نفسه ووجدانه، والرؤى التي تناغيه من بعيد.. يجسدها على الخشبة، وجها لوجه أمام الحشود التي تهزها الحركة والإيماءة والتعبير والصرخة، وتستثيرها بعمق إيقاعات الضوء والظلال، والظهور والغياب؟! بل أليس من واجب الفنان المسلم هذا، أن يسهم في أي ميدان من ميادين الفن الفسيحة، مادام يرى فيها فاعلية معطاء يمكن أن تقربه من هدفه أو تقرب الجماهير منه؟!"[66]

وهكذا، نرى أن عماد الدين خليل يقف موقفا إيجابيا من المسرح، ويدافع عنه كثيرا ، ولا يحرمه كما يفعل الآخرون الذين يقفون منه موقفا سلبيا قوامه التحريم، مستدلين في ذلك بموقف الإسلام من الصورة بصفة عامة. ومن ثم، يدعو عماد الدين خليل إلى الانفتاح على مستجدات الحضارة الغربية بصفة خاصة، والحضارة الإنسانية بصفة عامة، بشرط التشبث بالإسلام، والتمسك بالاختيار الحضاري الإسلامي. وفي هذا السياق، يقول عماد الدين خليل:" هذا الدرس العظيم، أو ما يمكن تسميته (الاختيار الحضاري الإسلامي) ، هو الذي هيأ لهم [للمسلمين]أن يتسلموا زمام المبادرة، وأن يتولوا قيادة التراث البشري بنجاح منقطع النظير وسط عواصف الجاهلية وأنوائها التي أحاطت بهم من كل مكان..وهو ...هو الذي يتيح  لكل إنسان مسلم، في كل آونة وفي أي مكان ، فرصة الاختيار إزاء ما يحيط به من حضارات. وهل أجدر من الفنان المسلم، ذلك الذي يحترق وجدانه بالحب والشوق، ويتحرق لكل ما من شأنه أن يتيح له فرصة التعبير عما يعتمل في نفسه إزاء عصر التمرد والقلق والانعزال؟! هل أجدر منه بهذا الاختيار، وكسب هذه الفرصة التعبيرية الرائعة التي أتاحها له الدين العظيم الذي علمه إياه الإسلام؟![67]"

وعلاوة على ذلك، يعترف عماد الدين خليل بالنشأة الغربية أو اليونانية للمسرح مضمونا وشكلا حينما قال: " والمسرح شكل ومضمون... وما أظن أحدا يماري في أن الشكل المسرحي نبتة تفتحت في الغرب، ثم أينعت وأتت أكلها هناك، وإن هذا الشكل الذي بدأ بالتراجيديات اليونانية في المعابد والعراء المكشوف، ظل يتطور – عبر العصور- حتى بلغ قمة تعقيده وروعته في العصر الحديث بما أتاحته له التكنولوجيا المعاصرة من إمكانيات، وبما تهيأ له من متخصصين على درجة كبيرة من التمكن في شتى حقول العمل المسرحي.[68]"

بيد أن عماد الدين خليل يجيز للمبدع المسرحي المسلم أن ينفتح على الأشكال والاتجاهات ومدارس الإخراج والتشخيص، لكنه لابد أن يختار المضمون الذي يتناسب مع بيئة الإسلام وشروطها وظروفها ومقاييسها.

بمعنى أن الأشكال الفنية والجمالية والتجارب الإخراجية (الميزانسينية) يمكن الاستفادة منها قدر الإمكان ، مادامت تجارب عالمية وإنسانية  لا تتعارض مفاهيمها النظرية والتطبيقية مع القيم الإسلامية. وفي هذا الاتجاه، يقول الدكتور عماد الدين خليل:" وفرصة الاختيار المطروحة أمام الفنان المسلم، إذاً، هي أن يقبل المسرح كشكل فني وأن يرفض المضمون... والإسلام لم يقف يوما إزاء الأشكال، لا في ميدان الحكم والإدارة ، ولا في ميدان الاقتصاد والاجتماع، ولا في ميدان الآداب والفنون، على العكس- هو علمنا- أن الأشكال قضية ديناميكية لا يقر لها قرار، وتكنيك متحرك لا يقف عند حد، إلا لتجاوزه إلى حدود أخرى... ومن ثم، فإن التشبث بالشكل الواحد عبر العصور هو مناقض لطبيعة الأشياء. والإسلام يرفض من الأشكال فقط تلك التي ترتبط عضويا بمضامينها، وأصبح من الصعب فصل إحداها عن الأخرى، وإلا تعرضتا للقتل، أو أخرجتا المتشبثين بهما عن قواعدهم العقائدية الأصيلة.

أشكال فكرية أو عقائدية من هذا النوع، دعا الإسلام إلى رفضها، والاستعلاء عليها، وعلى ما تبشر به من مضامين، صوب أشكال ابتكرها الإسلام نفسه، وربطها ربطا حيويا بقيمه وأهدافه."[69]

وتأسيسا على ما سبق، يرفض المسرح الإسلامي المضامين العبثية والفوضوية واللامعقولة، ويدعو إلى بناء الإنسان بناء إسلاميا صحيحا،  مع السمو به حضاريا وأخلاقيا ودينيا، بله عن الاستفادة من الأشكال والإمكانيات السينوغرافية العالمية، وتمثل تجارب الاتجاهات الإخراجية المعروفة في الساحة الفنية العالمية. " وإذا كان الفنان المسلم يشعر باستعلائه إزاء ما يطرحه الفن المسرحي من مضامين عبثية خاوية، أو مادية مغرقة، أو خيالية مريضة، أو واقعية هابطة، أو طبيعية مسرفة، أو رمزية وثنية، فإنه – من جهة أخرى- يفتح صدره للأشكال المسرحية الدينامية التي بدأت في العراء المكشوف، وظلت تتطور حتى  بلغت – في العصر الحاضر- المسرح الآلي الدوار الذي يتيح عرض أشد المسرحيات تدللا وتمنعا على رجال الديكور ومهندسي الإنارة ، وجدران المسرح الثلاث[70]."

إذا كان عماد الدين خليل يفصل بين الشكل والمضمون، ويرى أنه من الأفضل الاستفادة من الأشكال؛ لأن المضمون يمكن التحكم فيه وإخضاعه لمشرط الإسلام، فإن لي موقفا معاكسا، فليس هناك مضمون وشكل، بل هناك شكل يدل. بمعنى أن الشكل يحمل في طياته دلالات ومضامين تعبيرية. ومن ثم، فالأشكال المسرحية هي في الحقيقة مضامين وأطروحات فكرية وتصورات فلسفية، لا يمكن الاعتماد عليها، فإذا أخذنا القالب العبثي أو مسرح اللامعقول أو المسرح الطبيعي، فإن هذه الأشكال المسرحية تحمل في طياتها دلالاتها الخاصة من عبثية وفوضوية وكشف وعراء. ومن ثم، علينا أن نحتاط في اختيار المضامين والأشكال معا.

أهداف المسرح الإسلامي:

يهدف المسرح الإسلامي – حسب عماد الدين خليل- إلى تغيير الواقع اللاإسلامي بالثورة عليه، وتصحيح قيمه إن كانت مادية أو عبثية أو وجودية. بمعنى أن عماد الدين خليل يرفض الالتزامين: الماركسي والوجودي، ويدعو إلى الالتزام الإسلامي القائم على الحق والربانية والعدالة والحنفية الفضلى. ومن ثم، فالهدف من الفن الإسلامي بصفة عامة هو تطهير الأمة من أدوائها وأوبئتها المادية والمعنوية، بخلق أجواء الصفاء والمحبة والانسجام وحب العمل، وغرس التفاؤل في نفوس المسلمين. وفي هذا، يقول عماد الدين خليل:" من أجل هذا كان على الفنان المسلم أن يثور على الواقع اللاإسلامي لكي يحقق الجدوى والأمل والصفاء والانسجام، تلك التي لا يمكن أن يحصل عليها أبدا في واقع كهذا..إن الذي يعيش في بيئة يجتاجها الوباء لا يمكن أن ينجو منه حتى ولو طعم واتخذ كل الاحتياطات الذاتية والوقائية..إن الوباء ستصيبه لعنته بأي شكل من الأشكال، على الأقل في أنه سيمنعه من حرية الحركة ويحجر عليه في مدينة واحدة وأرض صغيرة...على الأقل في سحقه لوجدانه بالكآبة ومناظر الاحتقار التي تخيم على المكان...على الأقل في تحطيمه كل فرحة أو أمل من حياته، لأنه يرى أهله وإخوته يموتون أمام عينيه دون أن يستطيع أن يعمل شيئا..

وهكذا، فإن الفنان المسلم الذي يحيا واقعا لا إسلاميا يمكن أن يتعرض في أية لحظة  للخروج من الطريق القويم، وهذا الخروج يتخذ أشكالا شتى تبدأ بارتكاب أخطاء خارجية بسيطة، وتنتهي بتمزق نفسي مؤلم وتحطم أخلاقي كامل...ولن يكون الضمان.. الضمان الوحيد إلا في أن يثور الفنان من أجل إعداد الأرضية التي تمكنه وإخوانه أن يعيشوا بسلام وجدوى وتقدم، وتمنحهم الحرية الكاملة في الحركة وتحقيق مشيئة الله في الأرض.. وصدق رسول الله وهو ينادي أتباعه (جاهدوا في سبيل الله القريب والبعيد، في الحضر والسفر، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، وإنه ينجي صاحبه من الهم والغم)!!"[71]

وفي هذا السياق أيضا، يقول الأستاذ  شوقي خميس:" ... نطلب من المسرح دائما شيئا أعمق من مجرد الترفيه، نطلب منه ذلك الوعي الذي يضاعف الحياة داخلنا، ويزيدها عمقا واتساعا وتحررا وإمتاعا، لقد تحول المسرح في عصور الانحطاط إلى مجرد أداة للترفيه عن البشر المتعبين والضائعين، ولكن ذلك التحول كان الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، وهي أن المسرح لا يجب أن يكون مجرد أداة ترفيه فحسب. ثم حدثت النقلة المعاصرة، ولم يعد هناك استثناء ولا قاعدة، وصار للترفيه فلسفته كاحتياج إنساني، يؤكد حرية الإنسان، ورفضه، يكون مجرد آلية تؤدي دورها المرسوم داخل أنظمة اجتماعية شديدة التعقيد، تستلبه من ذاته، وتقهره بضغوط لا قبل له بها، وهذا بالطبع لا يتناقض مع الدور الجاد للمسرح الذي تضاعفت مسؤوليته ودوره، في استعادة الإنسان المغترب عن عالمه المتمثل في أخوته ومجتمعه وعصره..."[72]

ومن جهة أخرى، يرى نعمان عاشور بأن المسرح لابد أن يحمل في طياته رسالة تغيير وبناء وتطهير أخلاقي وحضاري ، مبني على الالتزام الرباني . وفي هذا الصدد، يقول هذا الباحث بأن المسرح :" أصلا يقوم  لا على التسليم بما هو قائم وموجود، وإنما بالدعوة إلى ما هو أفضل وأرقى منه، والمسرح أساسا فن رفض الواقع، لأنه يقوم على رؤية جديدة لواقع جديد ، ونظرة مغايرة للواقع القائم، ومن هنا فالأصل أن تتبلور الجهود حول تعديل مسار المسرح، لكي يكون أقرب إلى الالتزام والجدية في عرض ومعالجة مشاكل الحياة، لا إلهاء الناس عنها بالضحك الأجوف ، والتسلية الفارغة..." [73]؛

وعليه، يهدف المسرح الإسلامي إلى تحرير الإنسان من شوائب المادة وأدران الجسد، وتخليصه من عالم الفتنة والغواية والرذيلة عن طريق تطهيره أخلاقيا ودينيا وروحيا، مع الرفع من مكانته الإنسانية والحضارية، ليصير كائنا بشريا مبدعا وصالحا لوطنه وأمته وعقيدته، له رسالة سامية في الأرض التي تتمثل في البناء الهادف والاستخلاف الجاد. والآتي، أن الإنسان في هذا الكون ليس ذاتا ضائعة عابثة ويائسة، أو ذاتا سيزيفية مقذوفة بها من أجل أن تعذب أو تحاسب جورا وظلما، بل خلق الإنسان ليعبد الله عبادة خالصة لذاته، ويسعى جادا من أجل بناء  الحضارة الإنسانية، وتعمير الكون من أجل الصالح العام، وخدمة الدنيا والآخرة، والعمل من أجل العاجلة والآجلة مصداقا لقوله تعالى تعالى:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"[74]

لذا، لابد أن يكون للمسرح الإسلامي رسالة هادفة وبانية تخدم الإنسان أينما حل وارتحل، وتسمو بعقله ووجدانه وجسده إنسانيا وأخلاقيا ومصيريا، فيتخذ الوسطية مذهبا له في هذه الحياة الطافحة بالتناقضات والمشاكل والصراعات النفسية والاجتماعية والواقعية؛ بسبب طغيان الرذيلة، وتفسخ الأخلاق، وانحطاط الإنسان، وتراجع القيم الأصيلة التي تم استبدالها بالقيم الكمية الاستعمالية في عالمنا المحنط بالماديات والمعايير الزائفة.

وعليه، يدعو عماد الدين خليل إلى مسرح إسلامي يتناغم فيه الكل في إطار  الوحدة الربانية، والابتعاد عن العقوق والعصيان والعبثية " إن تصور الإنسان المسلم للفن وموقفه من الطبيعة ينبثق- أولا وأخيرا- عن هذه القاعدة الكبرى التي أتيح للإنسان والطبيعة أن يتحركا على مسرحها ذي الأبعاد اللامرئية...الوحدة التي تضم كل الجزئيات والتناقضات الظاهرية والقيم المتعارضة، في كيان واحد متماسك، أو عالم متناغم جميل، أو لحن يطرب الأسماع ويهز القلوب ويعمق مجالي الفكر والإدراك. إن الأديان جميعا جاءت لكي تشير إلى أن الإنسان، عالما كان أم فنانا، وجب أن يسعى من أجل هذا المصير العظيم: الوحدة والتوافق بين الإنسان والعالم والطبيعة والكون... الوحدة التي ترفض الذوبان السالب والفناء... كما ترفض- في الوقت نفسه- التمزق والتبعثر والازدواج والعصيان."[75]

وعليه، فالهدف من المسرح الإسلامي هو تخليق المجتمع البشري في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، وتطهير الإنسان نفسيا واجتماعيا وأخلاقيا وحضاريا.
مضامين المسرح الإسلامي:

يحق للمسرح الإسلامي أن يعبر عن جميع المضامين التي تؤرق الإنسان والمجتمع معا في عصرنا هذا، بشرط أن يكون ذلك المحتوى صادرا عن رؤية إسلامية وإنسانية ملتزمة، أو معبرا عن رؤية حضارية ربانية منفتحة. بمعنى أن يبتعد الفنان المسلم عن المضامين العبثية والفوضوية والإباحية، وينأى عن كل ما يدعو إلى الانعزال والاغتراب والتطرف والعداء والكراهية والمجون والإلحاد والتشكيك. وفي هذا الصدد، يقول عماد الدين خليل:" من هذا الاختيار المساير لمنطق الإسلام، والمنبثق عن تكوينه الحضاري، يجد الفنان المسلم نفسه وقد أتيحت له فرصة جديدة للتعبير...لأن يقول ما يشاء بشكل أكثر تأثيرا وتحريكا...لأن يطرح مضامينه الكبرى ابتداء من موقف الإنسان في الكون، وقضية وجوده ومصيره، وحريته وقدره، ومحياه ومحياه ومماته،  وحتى أعمق أعاميقه الباطنية، وأشد تيارات وجدانه خفاء وتعقيدا، ...يطرح مضامينه وهو حر طليق من قيود المدارس المسرحية التي فرضت نفسها على العصور: كلاسيكية وكلاسيكية جديدة، ورومانسية وواقعية، وطبيعية ورمزية، وتعبيرية ووجودية، ملحمية وعبثية. فكل اتجاه من هذه الاتجاهات كان ينبثق من تصور يأباه الإسلام ويرفضه أشد الرفض، لأنه لا ينسجم أساسا ونظرته إلى الكون والحياة والأشياء، أو لأنه انعكاس- بدرجة أو أخرى- لعصور  سادها تطرف ما، في جانب من جوانب الحياة والفكر، بينما انكمشت الجوانب الأخرى وأصاب الضمور...أو لأن هذا التصور ليس سوى إفرازات مرضية، يطرح غثاءها فرد أو جماعة أو حضارة  يحاصرها الوباء، وينخر في بنيانها السوس، وينتظرها التدهور والسقوط في نهاية الطريق."[76]

ومن، ثم يدعو عماد الدين خليل الفنان المسرحي المسلم إلى تقديم مضامينه بكل جرأة وفي شتى المضامين التي لا تتنافى مع الإسلام، بل يحول مضامينه المسرحية إلى رسائل إنسانية ربانية وأخلاقية تدعو إلى المحبة والسلام والتعاون والتعايش والأخوة. وفي الوقت نفسه، يجعل منها رسائل ثورة واحتجاج ضد القمع والتطرف والكراهية. ويعني هذا كله أن ينطلق في مضامينه ومحتوياته من رؤية إسلامية متزنة ومعتدلة. لذا، يقول عماد الدين خليل " أفليس من حق الفنان المسلم، لا أن يستعلي فحسب على مضامين تنبثق عن تصورات خاطئة منحرفة كهذه، بل- وهذا هو المهم- أن يتقدم خطوات أخرى إلى الأمام، وأن يستخدم هذه الأداة الفنية الرائعة لطرح مضامينه هو، المضامين التي يستمدها من تصوره الكلي الشامل، المتكامل، الصحيح، للكون والعالم ولموقع الإنسان والأشياء فيهما، ولطبيعة العلاقات التي تسود الموجودات، وكنه ارتباطها بالله خالق الكون والعالم والإنسان والأشياء...والموجودات...؟؟

أما آن للفنان المسلم أن يعوض ما فات أجداده من نقص في مجال التغطية التعبيرية للتصور الإسلامي الواسع، وأن ينطلق من هذا التصور نفسه، وبصيغ تعبيرية أكثر جدة وحيوية وطرافة، صوب الآفاق التي تدعوه أن يحث الخطى إليها، لكي يكتسح في طريقه فنون المرض والغثيان والدوار، ويطلع على العالم بفنه الإنساني الأصيل الذي يحتضن في اللحظة المشحونة الواحدة كل ما يضمه الكون من شحنات الحس والوجدان..ويجتاز برؤياه أمداء الزمان والمكان محطما جدران المرئيات القريبة، ساعيا أبدا صوب اكتناه السر العظيم والناموس الأبدي الذي يسير به الله من عليائه قوى السماوات والأرض والحياة والأشياء..طارحا عليهم- هذا الفنان- نداء الحب والحنان حينا، والثورة والتمرد حينا آخر، متقدما بهم- في فنونه- صوب ساحات الروح والإشراق حينا، داخلا بهم منعطفات سعيهم اليومي وكدحهم المشترك حينا آخر، مصورا لهم تفاصيل حاضرهم الراهن وملامحه الدائمة، متخطيا حدود الزمان: تارة إلى الماضي حيث الخيال الفني الممتزج بوقائع التاريخ الكبرى ، ومنعطفاته الفاصلة، ومواقفه المشهورة، وتارة أخرى إلى المستقبل حيث الرؤى والأحلام..؟؟

ليس ثمة ما يحد الفنان المسلم أو يوقفه عن الحركة حيثما شاء وفي أي وقت شاء...ليس ثمة ما يقف في طريقه صوب التعبير عن أكبر القضايا وأصغرها...عن أشدها قسوة وصلابة، وأكثرها لينا ونداوة..."[77]

وعليه، لابد أن ينبني المسرح الإسلامي في مضامينه وأشكاله الفنية والجمالية والدلالية على الرؤية الإسلامية الصحيحة، ويقوم على التصور الحضاري العقدي البناء، والانطلاق من الالتزام الإسلامي نظرية وممارسة ووظيفة. فهذا" هو مفهوم الإسلام للالتزام الفني، أن يمتلك الفنان- أولا- تصورا شاملا متكاملا صحيحا للكون والحياة والإنسان، يوازيه انفتاح وجداني دائم، وتوتر نفسي لا ينضب له معين إزاء الكون والحياة والإنسان.. ومن بعد هذا يجيء الالتزام ..عفويا.. متساوقا.. منسابا..علاقته بالعطاء الفني لا تقوم مطلقا على القسر والتكلف والإكراه.. ولا تعترف أبدا بالمدرسية أو الوعظية أو المباشرة..."[78]

وهكذا، فالمسرح الإسلامي قابل لأن يستوعب جميع المضامين والمحتويات المتنوعة والمختلفة بشرط ألا تتنافى مع الشريعة الربانية والفطرة الإسلامية النقية التي لاتشوبها شائبة.

التأليـــف المسرحـــي:

تستلزم الكتابة المسرحية من المؤلف الدرامي أن يركز ريشته الفنية على المعنى قبل الشكل؛ لأن المعنى هو الأهم في المسرح الإسلامي، خاصة إذا ارتبط بالحق والوحي والعقيدة الربانية، وكان ينطلق من رؤية إنسانية واضحة تجاه الإنسان والكون والعالم، بعيدا عن فلسفات الشك والعبث والإلحاد والتضليل. وفي هذا، يقول عماد الدين خليل:"هناك- بصورة عامة- نوعان من الأساليب الفنية في العالم، أحدهما يؤكد على الأسلوب، التكوين، التناسق، الشكل، التناسب الهندسي، توزيع الألوان والمساحات. وثانيهما يؤكد على المعنى، على ما يستثيره العمل الفني في وجدان الإنسان وفكره من معان وتفاسير للقضايا التي تجابه الإنسان إزاء الكون والعالم. والفنان المسلم عليه أن يختار المرحلة الأولى على الثانية، على المعنى، إلى استثارة الفكر والوجدان، إلى تقديم التفاسير الشاملة لما يحيط بالإنسان. وهذه المرحلة تعني أن الفنان المسلم قد تجاوز المرحلة الجمالية الشكلية إلى مرحلة البحث عن الحق..والقرآن الكريم لايؤكد على الجمال بقدر ما يؤكد على الحق، رغم ما ينطوي الحق عليه أحيانا من صور لا يستجملها الإنسان للوهلة الأولى."[79]

وينبغي على المؤلف المسرحي الإسلامي أيضا ألا يقتصر عمله على المسرحيات التاريخية فقط، بل ينبغي أن يكتب في كل المواضيع التي تؤرق الإنسان ضمن رؤية ربانية حقة. فالمسرح الإسلامي يمكن أن يتناول كل التيمات والمواضيع والقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية والفلسفية والإنسانية، بشرط ألا تتناقض الحمولات المسرحية ومقاصدها القريبة والبعيدة، المباشرة وغير المباشرة، مع تعاليم الإسلام ، وتتعارض مع مبادئ العقيدة الربانية الصحيحة والمثلى . لأن الإسلام يحمل في طياته رؤية إنسانية و نظرة عقدية متكاملة وثابتة ومتوازنة أكثر واقعية وعدالة من المذاهب المسرحية والفلسفية والنظريات البشرية التي تخضع للتغيير والدحض والتكذيب.

هذا، و يستوعب المسرح الإسلامي- حسب نجيب الكيلاني- " الحياة بكل ما فيها ، ويتناول شتى قضاياها ومظاهرها ومشاكلها، وفق التصور الإسلامي الصحيح لهذه الحياة، ولا يزيف حقيقة، أو يخلق وهما فاسدا، أو يحابي ضلالا، أو يزين نفاقا، ويطلق نيرانه على شياطين الانحراف والقهر والظلم، ومن ثم ينهض بعزائم المستضعفين، وينصر قضايا المظلومين، ويخفف من بلايا وأحزان المعذبين، ويبشر بالخير والحب والحق والجمال."[80]

ومن هنا، فالمسرح الإسلامي مسرح شامل صياغة ودلالة ووظيفة، يمكن أن يتناول جميع القضايا والمشاكل التي تؤرق الإنسان في حياته اليومية، مهما كانت طبيعة هذه المشاكل والهموم والأحزان، ولكن من منظور أخلاقي إسلامي متكامل في مبادئه ، يبتغي خدمة الإنسان عقلا وروحا أو جسدا ونفسا.

الإخــــراج المســـرحي:

يستوجب الإخراج المسرحي في التصور الإسلامي أن يحدث المخرج تعديلات فنية وجمالية وركحية مختلفة على الأشكال المسرحية المستوردة لكي تستجيب لمقاييس العرض المسرحي الإسلامي ، سواء أكان ذلك على مستوى اختيار المضمون أم على مستوى تأثيث الخشبة سينوغرافيا أم على مستوى التشخيص، أم على مستوى التقنيات الصوتية والبصرية. علاوة على هذا، يكيف المخرج الإسلامي التيارات والاتجاهات المسرحية العالمية بمختلف مدارسها وتوجهاتها النظرية والتطبيقية مع التصور الإسلامي شكلا ومضمونا ورؤية. وفي هذا يقول عماد الدين خليل:" يفرض الإسلام على الإخراج المسرحي تعديلات ذات أهمية بالغة يجب مراعاتها، إذا ما أريد للمسرحية أن تحافظ على طابعها، وتحفظات في انتقاء عناصر التمثيل، وأزيائهم، وفي حجب بعض الشخصيات ذات المكانة الدينية الخاصة عن الأنظار والاكتفاء بنقل أصواتهم، أو اعتماد عناصر تمثيلية أخرى (كالمنادين، الكورس، تكنيك المسرح داخل المسرح) لتنقل إلى المشاهدين ما يدور خلف المشاهد من أحداث، وفي تصميم الديكور وتحديد طابعه العام، وفي تنظيم مجالات جديدة، وآفاقا واسعة أمام المخرج، ويدخل على الخشبة شخوصا وأدوارا لم تألفها المذاهب الأخرى، ويحتم عليه استخدام مزيد من الإمكانات والمؤثرات والوسائل المسرحية، وأن يجري تغييرات أساسية في التكنيك لكي يستطيع الاستجابة لهذه المطالب من جهة، ولكي يغطي على التحفظات من جهة أخرى."[81]

وأكثر من هذا ، يمكن للمسرح الإسلامي أن يحتفظ ببعض الثوابت المشتركة التي يتفق فيها المسرح العالمي بصفة عامة، مثل: الخشبة، والحركة، والممثل، وتقنيات الصوت والإضاءة. لكن يمكن للمخرج أن يتصرف في المضامين والأشكال المسرحية والإخراجية الأخرى حتى تنسجم مع الرؤية الإسلامية. وفي هذا الجانب، يقول عماد الدين خليل:" ليس من الضروري إعادة صياغة الشكل المسرحي بما يتفق والمضامين الإسلامية، فيقوم على أن الشكل المسرحي- في أساسه- ظل محتفظا بعناصره الرئيسية، رغم المذاهب والاتجاهات التي توزعته ابتداء من عصوره الأولى وحتى السنين الأخيرة..ولقد ظلت هذه العناصر الرئيسية تمثل قاسما مشتركا أعظم، ليس بمستطاع أي مذهب مسرحي الاستغناء عنها، مهما بلغ من التطرف في تحطيم القواعد التقليدية والإغراب..هل لمذهب مسرحي أن يستغني عن الممثل بشكل دائم؟ هل بإمكانه تجميد الحركة أو التعبير؟ وهل بإمكانه تجريد العمل المسرحي من الأضواء والظلال والمؤثرات الصوتية؟ ثم- وهذا هو المهم- هل بإمكانه إزالة الحواجز الثلاثة المحيطة بالمساحة المحدودة المسماة (خشبة المسرح)؟!

هذه الوسائل، وغيرها، ظلت باقية على مر الزمن، رغم التقلبات التي شهدتها الحركة المسرحية منذ عصر التراجيديا اليونانية وحتى المسرح التسجيلي ومسارح الغضب واللامعقول.. ومن ثم فإن على المسرح الإسلامي أن يلتزم هو الآخر هذا القاسم المشترك للشكل المسرحي، ومن خلاله يمكن للمخرج أن يعيد صياغة العوامل المسرحية: من طريقة إخراج وتمثيل، وتصميم للديكور، واختيار للمؤثرات الصوتية، وتوزيع للأضواء والظلال، بما ينسجم والمضامين الجديدة التي يطرحها المسرح الإسلامي."[82]

بيد أنه يمكن للمخرج المسرحي الملتزم أن يتحرر من العلبة الإيطالية التي تحيل على الثقافة الغربية، فيستبدلها بفضاء دائري أقرب إلى تراثنا العريق وبيئتنا العربية الأصيلة كما تذهب إلى ذلك الاحتفالية. فعبد الكريم برشيد يرى في كتابه(حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي) أن المسرح العربي ينبغي أن يكون بعيدا كل البعد عن الأبنية الغربية التي تحاول أن تسيج الفرجة الركحية بين الجدران والكواليس والستارات والأعمدة. وفي هذا الصدد، يستدعي عبد الكريم برشيد قولة أوجينيو باربا التي يقول فيها:" إن المسرح كتلة من أشخاص، إنه ليس مجرد مكان، فالأبنية لامكان لها، وحيثما كان هناك ممثلون ومؤلفون وفي أي مكان، فإن هناك مسرحا"، والمسرح في أي مكان، هو شعار المسرحيين المعاصرين. فلم تعد البناية شرطا لازما لتقديم الحفل المسرحي. هذه الحقيقة غابت عنا زمنا طويلا، فربطنا المسرح بالمسرح، والفن بالبناية والإبداع بالمكان...

في مبدإ الأمر، لم تكن لدينا مسارح، ولكننا أوجدناها... وكان ذلك على الطريقة الإيطالية... وكان شيئا طبيعيا أن تكون تلك البناية غريبة عنا، لأنها وضعت وفق هندسة خاصة، ففي البناء روعيت الأذن الأوربية والعين الأوربية والروح الأوربية والفكر الأوربي، وبذلك ظل المسرح/ الفن غريبا في المسرح البناية، بعيدا عن حقيقته وهويته.

المسرح ولد في العراء بين الناس. نشأ حرا طليقا كالريح، ولكنه بعد ذلك أصبح خلف الجدران، سجين الجدار الأول والثاني والثالث والرابع... أصبح فعله سحريا يعتمد على لعبة الخفاء والتجلي، وبهذا فقد دوره وفقد حقيقته...

المسرح في أوروبا مؤسسة، ولأن رأس المال يمتلك هناك كل المؤسسات فقد أصبح المسرح أيضا بيد البورجوازية...إنه قناة إعلامية- مثل كل القنوات الأخرى- وعليه فقد وجب أن يظل في حوزة المال وأرباب المال، أي أن يبقى مصنعا لعينة خاصة من الفكر والفن والاعتقاد الإيديولوجي."[83]

ومن هنا، يدعو عبد الكريم برشيد إلى فضاءات شعبية مفتوحة، كالمداشر، والأسواق الثقافية، والمواسم، والأعياد، والمهرجانات السنوية. وفي هذا الصدد، يقول برشيد:" نسعى إلى تحويل المسرح من دكان ثابت وقار لبيع الإبداع الفني والفكري إلى أسواق ومواسم ومهرجانات سنوية، أسواق تكون قريبة الشبه بسوق عكاظ وسوق المربد حيث تصبح الثقافة شيئا داخلا في نسيج الحياة اليومية، وليست شيئا طارئا وغريبا كما هو الشأن الآن.[84]"

ومن جهة أخرى، يرى عبد الكريم برشيد بأن المسرح العربي ظل لمدة طويلة، وما يزال، أسير الخشبة الإيطالية والجدران الأربعة التي خنقت الفرجة الدرامية، فحصرتها في إطار ضيق، وحيز محدود، لايسمحان بالحركة والتشخيص وحيوية اللقاء والاحتفال:" وإذا ما ألقينا نظرة على المسارح العربية، فإننا نجدها كلها قد بنيت وفق الأسلوب الإيطالي، أي إنها قائمة على أساس الفصل بين شرطي الإبداع الفني: المبدع والجمهور. كما أن الخشبة - وهي فضاء الإبداع- ليست مفتوحة إلا من جهة واحدة فقط. فالجدار الوهمي والستارات المختلفة وحفرة الجوقة والكواليس قد اجتمعت كلها من أجل تأكيد القطيعة وتعميقها."[85]

ومن هنا، يدعو عبد الكريم برشيد إلى استبدال المسرح الغربي بالمسرح العربي الأصيل، بفضاءاته الاحتفالية الدائرية التي تتمثل على سبيل الخصوص في الحلقة، والأسواق، والفضاءات العامة، وذلك كله من أجل خلق علاقة احتفالية حميمية بين الممثل والمتفرج ، بدلا من خلق انفصال بين الخشبة والراصد:" وباختفاء التمييز بين المتفرج وصندوق التفرج وبين المشاهد(بالكسر) والمشاهد، بين الواقعي والوهمي، فقد كان لابد أن نراجع كل البناء المسرحي التقليدي وأن نفكر بالتالي في تأسيس فضاء جديد يمكن أن يستوعب الاحتفال المسرحي ، ويبعده عن أن يكون طقوسا في كنيسة أو فرجة أمام صندوق سحري، أو تجمعا رسميا في بناية رسمية."[86]

وعلى الرغم من هذه الدعوة النظرية المثالية المتمثلة في تقديم الفرجة المسرحية الاحتفالية في الساحات العمومية، فإنه على مستوى التطبيق العملي، لم تفلح الاحتفالية في تقديم عروضها خارج العلبة الإيطالية، وذلك لأسباب أمنية. وفي هذا المنحى، يقول عبد الكريم برشيد :" أي مسرح هو ذاك الذي يمكن تقديمه في الشارع؟ إن المجتمع العربي ليس هو المجتمع الغربي، هذه حقيقة لا تقبل الجدل. وما يصلح هناك، لايمكن أن يصلح هنا... نعرف أن المسرح بالأساس تظاهرة، إنه احتشاد جماهيري.هذا الفعل خطير بلاشك، خصوصا عندما يصبح في الشارع. فهل يمكن تصور مثل هذه التظاهرات الجماهيرية في الشارع العربي؟ ويبقى أن نشير بعد هذا، إلى أن المسرح موقف فكري، وكل موقف سياسة. فهل نتصور الموقف المضاد على قارعة الطريق؟ أما المسرحيات التي قدمها الصديقي – خارج المسرح- فهي لاتعدو أن تكون مجرد استعراضات محايدة وبريئة للتاريخ، وهي بذلك لاتمثل الخطورة إلا من جانب واحد، أي جانب التجمهر، أما الموقف فهو مهرب."[87]

ومن هنا، فمشكلة تشغيل الفضاء ستبقى دائما تؤرق المسرح الاحتفالي، مادام هناك تناقض فادح بين النظرية والممارسة. وفي هذا السياق، يقول أستاذي مصطفى رمضاني:" إن الدعوة إلى تأصيل الخشبة المسرحية تبقى مشروعا نظريا بالرغم من أن فنانا تشكيليا[88] قد حاول أن يحل هذه المشكلة بتقديمه مشروع خشبة دائرية، لأنه رأى أن القاعة الدائرية تسمح بالتواصل الحي ولا تقيم حواجز طبقية بين المتفرجين. كما حاول أن يجعل من هذه الخشبة فضاء طبيعيا لايحتاج إلى تقنيات اصطناعية من إنارة وكواليس وستارة وما إلى ذلك. وبالطبع، فإن هذا المشروع يبقى حلما جميلا بالنسبة للاحتفاليين لن يتحقق إلا بتضافر الجهود وبتوفير الشروط الموضوعية. "[89]

وهكذا، يتضح لنا - في الأخير-  بأن عبد الكريم برشيد قد ثار في نظريته الاحتفالية على المسارح الكلاسيكية القائمة على العلبة الإيطالية التي كانت تخنق الجماهير طبقيا، فتحرم اللقاء التواصلي الحميمي بين الفنانين والجمهور لخلق فرجة احتفالية جماعية:" إن التحول الذي عرفه المسرح- من فضاء مفتوح إلى فضاء مغلق- لم يكن أبدا فعلا بريئا؛ ذلك لأنه كلما ضاق الحيز المكاني إلا وكان لذلك معنى. ومعناه هنا استبعاد الآخر وتغييبه ونفيه.إنها العودة من جديد إلى مسرح الأسرار، حيث يتحول الفعل المسرحي إلى طقوس خاصة..."[90]

ومن منطلق آخر، يرى عماد الدين خليل بأن المسرح الإسلامي لا يعنى فقط بالمضامين و الأشكال الفنية والجمالية والدرامية فحسب، بل يهتم أيضا بمساءلة السينوغرافيا أو تأثيث الخشبة الركحية. ويعنى هذا أن المسرح الإسلامي يعطي أهمية كبرى للمؤثرات الصوتية والتعبيرية والبصرية التي تخدم السينوغرافيا . ومن ثم، فالمسرح الإسلامي لايتناقض مع هذه الإمكانيات المادية إذا وظفت توظيفا إيجابيا لايتناقض مع الرؤية الإسلامية الصحيحة. وفي هذا الإطار، يقول عماد الدين خليل:" وخلاصة القول إن إطار الفن الإسلامي إطار كوني، ملتزم، وإنساني إيماني، وثوري توحيدي، وأخلاقي إيجابي. وكما يعبر الإسلام عن مرونته الفنية في قضية المحتوى الفني،فإنه يمتلك ذات المرونة في مسألة الشكل، فهو مفتوح للتعبير عن التجربة الفنية بأية وسيلة كانت: الكلمة، الصوت، الحركة، التشكيل...ضمن الإطار الذي يرتضيه...ذلك أن إحدى معجزات القرآن الكريم نفسه تقديمه أمثلة عليا للأداء الفني الذي يعتمد الكلمة والموسيقى والصورة الفنية، في وحدة منسجمة رائعة تعبر عن مثل إلهي أعلى للعطاء الفني!!"[91]

وأخيرا، لا يمكن الحديث عن مسرح إسلامي فنيا وجماليا ودراميا إلا بتأصيل المسرح العربي مضمونا وشكلا وبناية ورؤية ولغة وحوارا، مع الانفتاح على كل التجارب المسرحية العالمية الأخرى استفادة وامتصاصا وتفاعلا وحوارا.

خاتمـــــة:

نستنتج- مما سبق ذكره- بأن التنظير للمسرح الإسلامي- كما عند عماد الدين خليل- لم يبن على الفراغ المجاني والتجريد الخيالي والافتراضي، بل قام على مجموعة من المرجعيات النصية والفنية والإبداعية، تتمثل في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والإبداعات المسرحية الإسلامية نصوصا وعروضا.

وعليه، فإن أهم ما يمكن الحديث عنه في المسرح الإسلامي هو المضمون الذي يتميز بالخصوصية والفرادة والتميز؛ لأنه مضمون نابع من الشريعة الربانية والهدي النبوي الشريف. ومن ثم، يتناقض هذا المضمون – فعلا- مع كل الفلسفات الفنية الغربية الموغلة في التجريد والترميز والإباحية والعبثية والتيه والضلال، تلك الفلسفات التائهة التي تعبر عن ذلك الإنسان الغربي الباحث بجدية وهوس شديدين عن ماديات الدنيا الفانية ومتع الجنس الزائلة.  أما الأشكال الفنية والجمالية والتجارب الإخراجية، فيمكن الاستفادة منها قدر الإمكان، مادامت تجارب عالمية وإنسانية لا تتعارض مفاهيمها النظرية والتطبيقية مع القيم الإسلامية.

وهكذا، نصل إلى أن المسرح الإسلامي – حسب تصورات عماد الدين خليل- سيكون هو المسرح الحقيقي للإنسان في حاضره ومستقبله، مادام يرتكز على تنوير الإنسان تنويرا عقديا، وتوعيته أخلاقيا، وبنائه حضاريا في ضوء الشريعة الإسلامية الربانية والعقيدة النيرة السليمة والصحيحة. ومن ثم، يتعارض هذا المسرح البديل مع كل مسرح يقوم على نشر العبث واللاجدوى، ويسعى إلى التجريد المجاني و استثارة الغواية الشبقية، وتشجيع الرذيلة ، وإباحة الفساد، والاستهتار بالقيم  الأخلاقية والدينية ، فإن هذا المسرح - بلا ريب - مسرح زائل بلا محالة، سيؤول  يوما إلى الفشل الذريع ، والفناء الطبيعي ، والانقراض الحتمي.

...........................

الهوامـــش:

[1]- عماد الدين خليل:في النقد الإسلامي المعاصر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، بدون تحديد لتاريخ الطبعة.

2- عماد الدين خليل: فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، بدون تحديد لتاريخ الطبعة.

3- نجيب الكيلاني: مدخل إلى الأدب الإسلامي، كتاب الأمة، قطر، العدد:14، سنة 1987م.

4- نجيب الكيلاني: حول المسرح الإسلامي،مؤسسة الرسالة،بيروت، لبنان، الطبعة الثانية سنة 1987م.

5- حكمت صالح: (نحو مسرح إسلامي معاصر)، الجزء الأول، مجلة المشكاة، المغرب، السنة الأولى، العدد:4، مارس 1985م، ص:99؛ والجزء الثاني، المشكاة، العدد الخامس والسادس، السنة الثانية، يونيو1986م، ص:80.

6- محمد عزيزة: الإسلام والمسرح، ترجمة: رفيق الصبان، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1988م.

7- عمر محمد الطالب: ملامح المسرحية العربية الإسلامية، منشورات دار الآفاق الجديدة بالدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة1987م.

8- جميل حمداوي: (من أجل نظرية إسلامية جديدة)، مجلة الفرقان، المغرب، العدد:64، 2010م، صص:53-65.

9- عزة منير:(مدينة الزيتون)، مجلة الأدب الإسلامي، السعودية، العدد:55، 1428هـ، ص:80-83.

10- وليد قصاب:(الهيمان)، المرجع المذكور سابقا، العدد:18، ، ص: 45-47.

11- وليد قصاب:(حديث اللحظات الأخيرة)، المرجع المذكور سابقا، العدد:66، 1431هـ، المواقف لسنة 2010م، ص: 78-80.

12- أحمد أبو شاور:(فسطاط سبيطلة)، مسرحية شعرية،  المرجع المذكور سابقا، العدد :42، ص: 84-89.

13- أحمد أبو شاور:(أبو حنيفة النعمان والكيال)، المرجع المذكور سابقا، ،   العدد:58، 1429هـ، المواقف لسنة 2008م، ص: 76-79.

14- نزار سالم باحميد:(كونوا أمامي هذه المرة)، المرجع المذكور سابقا، العدد:64، 1430هـ، المواقف لسنة 2009م، ص: 94-95.

15- أحمد علي باكثير:(أفضل العمل)، المرجع المذكور سابقا، العدد:63، ص:84.

16-  أحمد علي باكثير:(الدعوة المستجابة)، المرجع المذكور سابقا، العدد:1، ص:65-70.

17- أحمد علي باكثير:(المشرك الأول)، المرجع المذكور سابقا، العدد:21، ص:74-78 .

18- أحمد علي باكثير:(لبيك اللهم لبيك)، المرجع المذكور سابقا، العدد:2، ص:70-75.

19- أحمد علي باكثير:(كسوة العيد)، المرجع المذكور سابقا، العدد:24، ص:56-58.

20- أحمد علي باكثير:(إمام عظيم)، المرجع المذكور سابقا، 1417هـ،1996م ، العدد:63، ص:68-71.

21- أحمد علي باكثير:(من قدر الله... من قدر الله)، المرجع المذكور سابقا، العدد:04، ص:65-67.

22- أحمد علي باكثير:(الشاعر والربيع)،مسرحية شعرية،  المرجع المذكور سابقا، العدد:05، ص:88-92.

23- أحمد علي باكثير:(وادي السباع)، المرجع المذكور سابقا، العدد:13، ص:50-53.

24- أحمد علي باكثير:(قصر في الجنة)، المرجع المذكور سابقا، 1430هـ، 2009م، العدد:61، ص:86-91.

25 - إبراهيم حمادة:(مصعب بن عمير)، المرجع المذكور سابقا، العدد:62، ص:88.

26- محمد رفعت زنجير:(عبد الله بن حذافة السهمي)، المرجع المذكور سابقا، 1431هـ، 210م، العدد:32، ص:84-88.

27-  محمد رفعت زنجير:(عرس فلسطيني)، المرجع المذكور سابقا، 1431هـ، 210م، العدد:65، ص:90-93.

28- عماد الدين خليل:(العبور)، المرجع المذكور سابقا، العدد:03، 1415هـ/1994م، ص:65-71.

29- علي شلق:(ذرية بعضها من بعض: ولادة أحمد بن حنبل)، المرجع المذكور سابقا،،1416/ 1995م،  العدد:61، ص:24-27.

30- محمد عادل سليمان:(مركبة التقوى)، المرجع المذكور سابقا، 1416/ 1995م،  العدد:61، ص:66-67.

31- خيري السيد إبراهيم:(الابن)، المرجع المذكور سابقا، 1416/ 1995م،  العدد:61، ص: 84-85.

32- يوسف عبد التواب: (الأسير)، المرجع المذكور سابقا، 1417/ 1996م،  العدد:61، ص: 58-71.

33-  محمد الحسناوي: (ألا من يشتري سهرا بنوم)، المرجع المذكور سابقا، العدد:47، 1426هـ،2005م، ص: 90-93 .

34- محمد الحسناوي: (ضجة في مدينة الرقة)، المرجع المذكور سابقا، العدد:07، ص: 58-61 .

35- محمد الحسناوي: (الحنيفية والوفاء)، المرجع المذكور سابقا، العدد:50، ص: 68.

36-  نوال مهنى :(الشاعر والسوقة)، المرجع المذكور سابقا،   العدد:52، ص: 76.

37-  نيازى برنجي :(القصاص)، المرجع المذكور سابقا،  العدد:49، ص: 84.

38- صالح محمد المطيري:(أضاعوني)، المرجع المذكور سابقا، العدد:17، 1426هـ، 2005م، ص:44-54.

39- صالح محمد المطيري:(ليلة دمشق)، المرجع المذكور سابقا، العدد:45، 1426هـ، 2005م، ص:78-87.

40- جميل حمداوي:(لن تقوم حرب البسوس)، المرجع المذكور سابقا، العدد:59، 1429هـ،2008م، ص:62-64.

41- نجيب فاضل: (ذو الوشاح الأسود)، ترجمة:الدكتورة ماجدة مخلوف، المرجع المذكور سابقا، العدد:14، 1417هـ، ص:28-35.

42- محمد مراح: (الفارس اللاحق)، المرجع المذكور سابقا، العدد:29، 1422هـ، 2008م، ص:74-76.

43- غازي مختار طليمات: (وصية أبي أيوب الأنصاري)، المرجع المذكور سابقا،  العدد:15، 1428هـ،2007م، ص: 92-95.

44-  غازي مختار طليمات: (عودة الخنساء)، المرجع المذكور سابقا، العدد:56، 1428هـ،2007م، ص: 76-81.

45- غازي مختار طليمات: (الشهادة)، مسرحية شعرية،  المرجع المذكور سابقا، العدد:33،، ص: 76-79.

46- غازي مختار طليمات: (مالي... وسعيد بن جبير)، مسرحية شعرية ، المرجع المذكور سابقا، العدد:46،، ص: 84-87.

47- محمود محمد كحيلة:(بائع الحكمة)، المرجع المذكور سابقا، العدد:53، 1427هـ،2007م، ص: 84-89.

48- إبراهيم عبد الحميد:(مماليك للبيع)، المرجع المذكور سابقا، العدد:05، ص:70-72.

49- فيصل يوسف غمري:(الرضا)، المرجع المذكور سابقا، العدد:20، ص:46-49.

50- علي محمد الغريب:(المكافأة)، المرجع المذكور سابقا، العدد:25، ص:72-74.

51- علي محمد الغريب:(الرؤيا الصادقة)، المرجع المذكور سابقا، العدد:36، ص:60-62.

52- علي محمد الغريب:(الرضا)، المرجع المذكور سابقا، العدد:23، ص:24-26.

53- مصطفى حيدر:(الغلام الصدوق)، مسرحية شعرية ،  المرجع المذكور سابقا، العدد:23، ص:48-50.

54- سميح سرحان:(أيام يضيئها الإسلام)، المرجع المذكور سابقا، العدد:31، ص:86-916.

55- يوسف وغليسي:(تغريبة جعفر الطيار)، مسرحية شعرية ، المرجع المذكور سابقا، العدد:37، ص:86-88 .

56- عبد الفتاح سمك:(حتى لا تخسر يا أبي)، المرجع المذكور سابقا، العدد:38، ص:82-87.

57- عادل باناعمة: (على أسوار القسطنطينية)، مسرحية شعرية،  المرجع المذكور سابقا، العدد:39، ص:90-91 .

58- علاء حسني المزين: (الفوز العظيم)، المرجع المذكور سابقا، العدد:40، ص:90-95.

59- محمد علي بدوي : (الحضارة السوداء)، المرجع المذكور سابقا، العدد:41، ص:90-92.

60- محمود محمد كلزي: (نور الإيمان)، مسرحية شعرية ، المرجع المذكور سابقا، العدد:48،، ص: 82-83.

61- سمير عطية: (مالم يكتبه الجاحظ)، المرجع المذكور سابقا، العدد:57،1429هــ،2008م، ص: 108-110.

62- عماد الدين خليل:في النقد الإسلامي المعاصر، المرجع المذكور سابقا، ص:177.

63- انظر: عماد الدين خليل: فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، سوريان لبنان، الطبعة الأولى سنة 2007م.

64- عماد الدين خليل:في النقد الإسلامي المعاصر، ص:177.

65- عماد الدين خليل: نفسه،  ص:179.

66- عماد الدين خليل: نفسه،  ص:179-180.

67- عماد الدين خليل: نفسه،  ص:181.

68- عماد الدين خليل: نفسه،  ص:181.

69- عماد الدين خليل: نفسه، ص:184.

70- عماد الدين خليل: نفسه، ص:184.

71- عماد الدين خليل: نفسه، ص:184.

72-  نقلا عن نجيب الكيلاني: حول المسرح الإسلامي، ص:50-51.

73- نقلا عن نجيب الكيلاني: نفسه، ص: 51.

74- القرآن الكريم،  سورة الذاريات، الآيات:56-57-58.

75- عماد الدين خليل: في الفن التشكيلي والمعماري، دار ابن كثير، دمشق- بيروت، سوريا ولبنان، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:11.

76- عماد الدين خليل: النقد الإسلامي المعاصر، ص:185.

77- عماد الدين خليل: نفسه، ص:186-187.

78-. عماد الدين خليل: نفسه، ص:189.

79- عماد الدين خليل: نفسه، ص:200.

80- نجيب الكيلاني:  مدخل إلى الأدب الإسلامي، ص:34.

81- عماد الدين خليل: نفسه، ص:192.

82- عماد الدين خليل: نفسه، ص:194.

83- عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي لعبد الكريم برشيد، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة 1985م، ص:95.

84- بحث مطبوع على الستانسيل قدمه الكاتب أثناء اللقاء الثاني للجنة الدائمة المسرح العربي بسوريا، دمشق، في 05/12/1979م، تحت عنوان: (التصور المستقبلي لتعريب المسرح العربي)، ص:31.

85- عبد الكريم برشيد: (في التصور المستقبلي لتعريب المسرح العربي)، مجلة الأقلام، العراق، ص:14.

85-  انظر: البيان الثالث لجماعة المسرح الاحتفالي، ص:11.

86- سعدي يونس: (من تجربتي المسرحية:الشكل والمضمون في مسرح الشارع)، مجلة أقلام، العراق، عدد المسرح العربي، ص:197.

87- عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، ص:99.

88-  يقصد  مكي مورسيا ، وهو فنان من مدينة تطوان المغربية.

89- مصطفى رمضاني: المسرح الاحتفالي، مطبعة اتحاد كتاب العرب، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 1993م، ص:139-140.

90- عبد الكريم برشيد: (بيان المسرح الاحتفالي: كتابة جديدة)، ص:18.

91- عبد الكريم برشيد: (بيان المسرح الاحتفالي- كتابة جديدة-)، مجلة التأسيس، المغرب، العدد الأول، سنة 1987م، ص:14.

92- عبد الكريم برشيد: (بيان المسرح الاحتفالي- كتابة جديدة-)، ص:19.

93- عماد الدين خليل: نفسه، ص:42.

  
المصادر والمراجع:

1- القرآن الكريم برواية ورش لقراءة نافع من طريق أبي يعقوب الأزرق.

2- جميل حمداوي: (من أجل نظرية إسلامية جديدة)، مجلة الفرقان، المغرب، العدد:64، 2010م.

3- حكمت صالح: (نحو مسرح إسلامي معاصر)، الجزء الأول، مجلة المشكاة، المغرب، السنة الأولى، العدد:4، مارس 1985م.

4- حكمت صالح: (نحو مسرح إسلامي معاصر)، الجزء الثاني، المشكاة، العدد الخامس والسادس، السنة الثانية، يونيو1986م.

5- سعدي يونس: (من تجربتي المسرحية:الشكل والمضمون في مسرح الشارع)، مجلة أقلام، العراق، عدد المسرح العربي.

6- عبد الكريم برشيد: (في التصور المستقبلي لتعريب المسرح العربي)، مجلة الأقلام، العراق.

7- عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي لعبد الكريم برشيد، دار الثقافة، الدار البيضاء، الطبعة 1985م.

8- عبد الكريم برشيد: (بيان المسرح الاحتفالي- كتابة جديدة-)، مجلة التأسيس، المغرب، العدد الأول، سنة 1987م.

9- عماد الدين خليل:في النقد الإسلامي المعاصر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، بدون تحديد لتاريخ الطبعة.

10- عماد الدين خليل: فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، بدون تحديد لتاريخ الطبعة.

11- عماد الدين خليل: في الفن التشكيلي والمعماري، دار ابن كثير، دمشق- بيروت، سوريا ولبنان، الطبعة الأولى سنة 2007م.

12- عمر محمد الطالب: ملامح المسرحية العربية الإسلامية، منشورات دار الآفاق الجديدة بالدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة1987م.

13- محمد عزيزة: الإسلام والمسرح، ترجمة: رفيق الصبان، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1988م.

14- مصطفى رمضاني: المسرح الاحتفالي، مطبعة اتحاد كتاب العرب، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 1993م.

15- نجيب الكيلاني: مدخل إلى الأدب الإسلامي، كتاب الأمة، قطر، العدد:14، سنة 1987م.

16- نجيب الكيلاني: حول المسرح الإسلامي،مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية سنة 1987م.