نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

الابداع والصورة المغايرة في مجموعة اصفى من البياض للشاعر عبد السادة البصري -عدي العبادي


ان رسم أي صورة ابداعية تحتاج لقدرة عالية من الاحساس والذكاء والموهبة وكل هذه الصفات لا يمكن ان تجمع بغير المبدع الذي يتفوق على الانسان العادي باحساس والتفكير والشعور وقد كان العرب في السابق يقولن ان الشعراء يخالطون بالجن ويلتقون بهم وبينهم صداقات وهذا ما يجعل الشعراء يرسمون صور إبداعية جميلة في شعرهم يعجز الناس العادين ان يقولوا مثلهم ومن هذا المعتقدات جاء مصطلح شيطان الشعر أي ان لكل شاعر له شيطان من الجن يعلمه كيف يقول الشعر ويصور أجمل ابداعته وظل ليومنا هذا سر الإبداع لايعرف عنه الكثير فكل ما نقوله عن الشاعر انه مبدع وهناك اختلاف في التجارب الشعرية من شاعر لشاعر وقدرة الإبداع والوصف  فالشاعر عبد السادة البصري في مجموعته الشعرية المعنونة اصفي من البياض خلق كم كبير من الصور الابداعية الملونة والمتغايرة و من العنوان الذي يعد مفتح العمل نجد ان البصري قد ورسم صور ابداعية جميلة فلا يوجد ما هو اصفى من البياض لكن مقدرة الشاعر على التوظيف والخيال رسم اول صوره فكان العنوان ابتكار الشعري لطيف جعل المتلقي في تساؤل حول ما يريد الشاعر وقد يكون العنوان نص مستقل في ذاته فكل شيء ممكن بمشرع قصيدة النثر الحداثوية

نحن الذين أكلت الشمس أحلامنا
وشوتنا الاقاويل على موقد الشبهات
تركنا قمصاننا للريح وارتدينا العراء
المسوخ التي ألبست أسماءنا الأسمال
لم تنل من شقاوتنا
الأضابير التي علبتنا احتملت الرفوف
فضاقت الدروب
عأتنا الأماني صفائح الوهم
فغازلت الشواطي اعيننا
وآملات السواقي بأنتظارتنا المؤجلة

مع كل هذا البوح الذي يفصح عن الشاعر ويتحدث عن ما في داخله وابتكارات جميلة كمغازلة الشمس وترك القمصان هناك جوانب جمالية لا يمكن المرور بها مرور الكرام بل يجب الوقوف عندها وتدقيق في الخطاب الشعري الموجه فالشاعر لم يفصح عن دواخله بطريقة مباشرة بل اشتغل على الترميز كي خلق علاقة مفتوحة بين النص والمتلقي وكما في المجموعة نصوص تختلف وكل نص تجربة خاصة  

حين سرق الطلقات
اخر طيف
من خيال فراشة اسبانية
ساعتها
سجلت الرصاصات
اول رقم قياسي في عالم السرعة
فتحت غرناطة قلبها
واحتضنت شاعرها
بباقة من الرصاص
البركة الحمراء
استترفت ذكرتها
يميت وجهها
شطر تاريخ حافل بالماسي

ليس هناك منتج ابداعي يمثل الكاتب او يحدد هويته الابداعية فالشاعر عبد السادة البصري بعد ان تحدث عن انفعالاته الداخلية وحزنه في حد نصوصه من مجموعته و سرعان ما ينقل لصورة مغايرة في نفس المجموعة ليتحدث عن الشاعر الاسباني الشهير لوركا وقد جسد البصري قصة مسرع لوركا بطريقة ابداعية جميلة حين وصف احتضان قرطبة مدينة الشاعر الذي اعدم بالرصاص و لولوكا قصيدة جميلة تحمل عنوان قرطبة ننتظر موتي
هناك

غلفت الأمواج الذكرى
اعتلى النورس الفنار
جددت الرمال عزفها
ابتكرنا رقصة اخرى
يمت السرطانات وجهها شطرنا
عمدتنا بالأماني
استحم الشاطئ فينا
فتتهيئا حيث النسيم

صورة ابداعية مغايرة يرسمها الشاعر في مجموعته فهو يتحدث عن لحظة جمالي بعيد عن حزنه الذي وصفه وبعيد عن ما جرها للشاعر لوركا وهذا التنوع والتحولات تدل على مقدرة الشاعر في الإبحار والإمساك بالفكرة والاشتغال على اكثر من صورة بل ان كثير من المقاطع في النص تصلح ان تكون نص منفرد بعزفه وكما هو معروف ان قصيدة النثر الحديثة منفتحة على نفسها وقد اعطت الحرية الكاملة للشاعر بالتنقل وادخل أي شيء فلا قيود ونحن نعيش مرحلة ما بعد الحداثة التي جعلت الخطاب الادبي مفتوح وقد استطاع الشاعر ان يضع صور شعرية جمالية وفلسفية وربما كان ارسطو محق حين اعتبر الشعراء حكماء وهناك في مصنفتنا العربية كثير من الشعر يطلق عليه شعر الحكمة وكثير من العلوم وصلتنا شعر على اعتبار سهولة الحفظ    

المراكب خيالاته دوما
ذالك الوقت
عند حافة السفح
متأملا الوادي
لعينيه بريق
ولا ذنيه صدى
على اصابعه ترقص العصافير
وقلبه يفيض حنينا ومودة
ودموعه انهمار
ذاك هو انا
الباحث عن مكان

يغير سير الشاعر في هذا النص الذي جعل مقدمته وصف لشخص انتها المطاف ليقول انه هو والمتكلم عن نفسه ان هذه التركيبة الرائعة تثبت قوة الذات الشاعرة ومدى مخيلة البصري في تركيب الصور الابداعية والتنوع وقد كان هناك براعة في السر الشعري مع لون من الحزن والمهم ان مجموعة اصفى من البياض حسمت كعمل ابداعي مطروح في الساحة ومنجز محسبوب على تاريخ الشاعر عبد السادة البصري