العثمانيون.. من البداوة إلى الحضارة - محظوظ داود سلمان
أما الانكشاريون فهم الحرس الملكي او السلطاني وهم جنود جدد وعبيد انقطعت صلاتهم بالماضي او بأسرهم وكانوا ينتقون من المناطق المسيحية و قد اطلق مؤرخ فرنسي على هذه المسألة مايسميه: (جزية اللحم الانساني وهي حكم المنتصر على المهزوم) وللمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي رأي فريد في طبيعة الدولة العثمانية فهو يرى ان سبب قوتها كونها دولة قبلية قادتها القبائل البدوية النازحة من مناطق الاستبس مثل المغول وحاولت تطبيق حياتها البدائية على البيئة الجديدة ولهذه القبائل البدوية نظام دقيق وقيادة فريدة في التحرك من مكان لآخر وهذه الحياة لها ثلاثة عناصر: الراعي والماشية وكلب الماشية الذي يحرسها فهناك السلطان وهو الراعي والشعوب وهم الماشية وحارسها الجيش الانكشاري ولذلك نجحت الدولة العثمانية في بناء نظامها ويرى ان كل نظام تكمن بذرة هدمه وفنائه في داخل جسده، اذ ان النظام البدائي الذي طبقه العثمانيون لا يلائم الحياة الجديدة المستقرة واعتبارهم شعوب هذه المناطق قطيعاً من الاغنام وهذا ما أدى الى سقوط الدولة العثمانية . وكانت الخلافة الاسلامية قد انتقلت الى آل عثمان بعد ان تنازل عنها الخليفة العباسي المتوكل على الله في القاهرة وان السلطان سليم اخذ في القاهرة شعائر الخلافة وهي بردة النبي (ص) وشعرات من لحيته وسيف عمر حسب رأي بعض المؤرخين ويظهر ان الدولة العثمانية استكملت عناصر قوتها حتى تدخل في مرحلة السقوط والتدهور ولعل الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي قد كتب لنا في شعرية واضحة ورسم صورة لآل السلطنة والنظام السياسي العثماني في بلاغة معبرة وهي قصيدة آل السلطنة يقول فيها: ان أعدادهم بالمئات ذكوراً واناثا لهم قصور عالية وعبيد وإماء وليس لهم عمل فاعل سوى كونهم عالة على الرعية هم يأكلون اللباب ويأكل الاخرون نخالتهم ، وفي الحرب نخرج مقاتلين دفاعاً عنهم وهم في حياتهم ضغثا على أبالة وهذا لا يجوز في مذهب الاشتراكية على حد تعبير الرصافي ومن منظور ديني يعتبر كفراً . فالرصافي يعبر في وقت مبكر عن وعي حاد وإحساس طبقي بهذا الصراع مع السلاطين.