نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

كريم وصفي يكفكف دموع الراحلين (قصة من ادب الحرب) / حمزة الجناحي


 

لم اكن املك ما يكفي من الدمع لأذرفه عند ذالك المذبح المدمى بنزيف الراحلين ..ولم تكن اللوحة القادمة لفنان قرر رسمها قاتمة بلون السخام تحط عند اقدام مبنى استباح احدهم كرامته الطاغية على همهمات المارة .. وقفت عند ذالك المكان وأنا اتذكر صديق لي كان هنا قبل يوم يبيع اقراط ومناديل ملونة لأطفال الحي لم اجد الا بعض الاسماء معلقة في لافتة سوداء كتب عليها اسماء الشهداء وتحاول ان تغادر تلك الخرقة التي كانت تشبه المكان .. منعت المآقي من بعث دموعها الى ارض المكان وانا اغادر سمعت احدهم يدندن بصوت حزين يلوح بيديه وهو يحمل آلة الجلو بيد وبيد اخرى يحمل صفيحة فارغة لأحدهم كانت مقعدا تريح ساقيه من الوقوف .. جلس الرجل على تلك الصفيحة بعد أن استاذن صاحبها بائع الاقراط والمناديل ان يجلس عليها مقابل ان يعزف له لحنا يجعله يرسل جزءا من حلمه ليرفرف فوق رؤوس الحاضرين عله يرى وجوه كانت تريد ان تبتاع منه اقراط لطفلة بكت قبل الانفجار بلحظات ,,هز رأسه ذالك الشبح القادم بآلته وبدأ يرسل دندنات وأصوات وهو يتبعها ببصره تصنع من الذكريات اجنحة ويهتز الرأس بقوة وبقوة ويرتفع الصوت اعلى ثم اعلى وتلتم الطيور كل الطيور ترقص رقصة الوداع .. كلما تنتهي من رقصة وتهم بالذهاب يبعث لها كريم لحنا أخر فتعيد تجمعها وترقص ثانية وراس العازف يغادر كتفيه ويرتفع راقصا مع الراقصين ,,عيون مغمضة تنث بماء من الورد على الحاضرين ولحن بعيد يابى الا ان يكمل مشواره بعد ان سمع صوت الآلة المبحوح ليخترق المكان .. موطني ..موطني  الجلال والجمال  والسناء والبهاء في رباك  هل اراك ..هل اراك  اشرئبت الاعناق وهي تبحث عن راس العازف المرتجف ليعود الى كفيه وهو يوجه الجوقة المجتمعة لتعزف .. موطني ..موطني  نهض العازف تاركا آلته متكأة على صفيحة الجلوس وراسه الطائر يسير خلف قدميه يحاول اللحاق بكتفيه ,لم يلتفت كريم الى الخلف ولم يوجه الجوقة بيديه التي تعودت ان تعمل على تسيير المجموعة لتعزف لحنا يسمى لحن الحياة .. اكتفى كريم وصفي بما قدمه وهيأ نفسه ليذهب الى مكان أخر لم يعلن عنه بعد لكنه متأكد ان مكان أخر ينتظر وارواح ترفرف في ذالك المكان لم يخلع ملابس العزف وابقى جسده متأهبا للحن جديد في مكان جديد .. لم يخدعه الانتظار حتى سمع صوت هائل يمزق الحنين ويقتل بائعا أخر هذه المرة كان البائع يبحث عن السلام ويحاول ان يرسم مشروعا للسلام على ارض السلام .. سمع وصفي ان في الكرادة انفجار وفيها غدر القاتل بعمار الشابندر هرول نحو ذالك الموت ,,حث قدميه بتسارع الخطى لكن المكان يبتعد والناس تعود الى دجلة ترسم عند خضر الياس لون المساء .. وصل كريم وجد آلته قد وصلت قبله بساعتين وبدأت تعزف لحن الرحيل وارواح الموتى لم تغادر اللحظة ولم تتوقف عن العزف ليمر جثمان عمار الشابندر من امام تلك الآلة التي قررت عدم التوقف حتى يرحل الموت من بلد الموت . جلس كريم وصفي هذه المرة لكن بكامل جسده وآلته الحزينة وهو يطالع الوجوه القادمة من اعماق الرحيل ينتظر منها ان تسمح له بالعزف على صوت الريح وهمهمة عصافير تلك الشجرة التي مات نصف جذعها وأزدحم سكانها على نصف الجذع الاخر تترقب كريم وصفي يعزف لها لتنام وتنسى بعض ممن كان بالامس يزاحمها بالالحان والمكان ليحل صباح وقد نام شهريار على اخر قصة من قصص شهرزاد الحزينة .