نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

رواية (شواطئ العشق) .. الجزء الاول/جوابلية ندير

                                               شواطئ العشق

رواية

الجزء الاول

الإهــــــــــــــداء

لك الحمد يا ذا الكرم و النعم                           تباركت عطاياك لا تعد و لا تحصى

وصلاة على خليلي نور الهدى                     و استمطار رحمة على اله و صحبه أوفر


إلى من لا يمكن للكلمات أن توفي حقها
إلى من لا يمكن للأرقام  تحصي فضائلها
إلى من أرضعتني الحب و الحنان
فتسقى زمزم من أعالي الجنان
إلى أمــــــــــــــي

إلى من أفتقدك منذ الصغر
يا من أودعتني لله و أهديك هذا العمل

إلى أبــــــــــــي
إلى القلب الطاهر و النفس البريئة
       إلى ريحانتي
 إلى أختــــــــــــي
 إلى من عمل بكد في سبيلي و علمني الكفاح
إلى  الذين مهدوا لي الطريق
إلى كل أساتذتي ، مشائخي ، أخواني
إلى أصدقائي و أحبائي
إلى كل المستضعفين في الأرض


شواطــئ العشق


الأستاذ : جوابلية ندير


  
 
  كـــــان وحيدا غربيا ، مليئا فارغا، مليئــــا بأسرار طفولتـــــــه و حب أمـــــه و أبيــــه ، منغمسا في براءة نضجــــه ، فارغــــــا من أهاو يل الدهــــر و مصـــــــــائب  الوحشــــة و الوكد ، يصحو دوما على أهاليل الصباح  و الخيرات في عشق أمه و يمسي بمســــاء حكايات  جدته، آه جدته التي ما وجد أحضانا تدفئه من قسوة الشتاء البارد إلى بنوادرها القصصية العفوية التي  لا يزال يراوده عطر عقدها و قلادتها الفضية من على سريره الأبيض، أبيض ! ؟

أي نعم كان لنسيم سرير أبيض اللون اختارته له أمه عشقا منها للسلام و الأمان فكان لذلك أثر كبير على نفسه و فكره ... كيف ؟ قالت أمه لجارتها حورية يوما لقد اشتريته أبيض ، فأنا أحب اللون الأبيض.
حوريــــة :  ومن لا يحب اللون الأبيض يا عزيزتي
الأم : أتدرين يا جارتي، اللون الأبيض و بكل بساطة يذكرني بيوم زفافي فقد إرتديت فستانا شديد البياض إلى درجة أن عروس الثلج كانت تغار مني
حوريـــــــة : عروس الثلج من تكون يا ترى! ؟
الأم: إنها ملكة الثلج التي تعيش في قمم الجبال ، يتغنى و يستمتع بها الأطفال كل عشية عبر قناة سبايستون للأفلام الكرتونية
حوريـــــــة : آه حقا يا لي غبائي حقا هي الملكة البيضاء  هـــه هــــه هــــــه .....
نسيــــــــــم :حورية، حورية إمراة لا زالت تصاميم وجهها و قسمات وجنتيها فــــــــي مخيلتي  ، إمراة سمراء البشرة، دكانة وجهها يميل إلى السمرة الرملية البرازيلية ،إذا نظرت إلى السماء اختلطت حبيباتها الزمردية بتوهجات الشمس المسائية فظننتها طفلة مسومة هندية ، لا تضاهيها حتى المسومات من الجميلات المائلات التركية ، لكنها و مع ذلك كانت لا تشبه أمي و لا ينبغي لها أن تشبهها لا لأنها أمــي، بل كون أمي من سلالة نبوية ، فهي سليلة من العترة المحمدية يمتد أصلها إلى خير البرية هل أزيد؟  لا  حتى لا يقال زاد في مدحه فانقلب على أمره و هل أنا منصف لأمي إن كنت أصفها كالبدر في الليلة الظلماء؟ بدر. بدر . بدر إيه   و ربي بيضاء بياضها ليس بالشديد الفاحش
و الذي يتلف للبهاء نظرة ، بل هو بياض العفة و الطهر و الجمال و الوقار فكلما نظر المرء إليها  انشد نظره و ذاب في حلاوة المنظور إليه فاحتبست أنفاسه حتى قال مخاطبا و مداعبا حنايا نفسه ولجه، سلام  لمن جعل البياض رمزا للمحبة و السلام و الان هل أدركتم لماذا اختارت أمي لون سريري ابيض ؟


فــــي أحضـــان أمـــي

            تعلــم نسيم و تربى منذ نعومة أظافره كيف يلازم أمه الحبيبة فهل اسمها حبيبة؟ بل اسمها أحب من الحب و أغلى من السرمد و أرفع عزا من  الوجود ، خليلة القلب و تاج اللب في حبها تيم نسيم و في أحضانها تدفى بالحنين همساتها ، لمساتها، نبضات قلبها تهب هبا في عروق صغيرها نسيم ،حصن حصين و درع قويم تهاوت أمام رباطة جأشها و قوة عزمها  حصون كسرى ، قصور بلقيس، أهرامات فرعون ،و أسوار الصين العظيم فيا ألاهي ما اسمها ؟ ما اسمها؟اسمها أميرة الزمان فلا مكان يسع عشقها و لا زمان يرسه نبلها
أميرة الزمــــــــــان : نسيم ، نسيم ، يا نسيم الحب ويا ربيع القلب، صباح الرضا و النعيم قد حان وقت الذهاب إلى المدرسة أستيقظ يا أملي.
 نسيم يغط  في النوم و يسبت سبات الكوالا في  الغابات الاستوائية في غيابات نوم و كأنه من أهل الكهف لا حركة و سكون إلا ما عانقته وسادته الايطالية أي نعم كانت له وسادة إيطالية  اشتراها له أباه يوما، و كذا ما شاء الله من خيوط أنفاسه البلورية ، التي تخطفتها شخيرات من ذلك العالم العجيب.
أميرة الزمـــــــــان : بلا ملل و لا كلل ، بابني نسيم استيقظ يا حبي ، يا أميــــــــري الصغير ، يا لها من كلمات لا تشع إلا من قلب صادق و نقي، حان وقت المدرسة و فطورك جاهز.
تحرك نسيم و بصوت خافت  ام،ام،أمـــي دعيني أنام لبرهة من الزمن ، من فضلك يا أمي
أميرة الزمــــــــان : استيقظ يا نسيم لقد أعدت  لك كعكتك المفضلة .
نسيــــــــم انتفض نفظة الحمام المبجل ، كعكتي المفضلة ، كعكتي المفضلة؟
أميرة الزمـــــــان : أي بني و بشكولاتتك المفضلة كذلك.
نسيــــــــــم : إيم أمي لا تقولي لي شكولاطة   نوتيلا الفرنسيةNUTELLA
أميرة الزمــــــــان: نعم  نعم نسيم فقد ادخرت بعض النقود لشرائها لك ،فقبلها نسيم بحرارة و اتجه على سرعة من أمره ليغسل محياه ليتوجه بعدها إلى مائدة الصباح و أي صباح ، صباح الشكولاطة و البهجة.
أميرة الزمــــــان لما قبلها نسيم قالت في قرارات نفسها الحمد لله الذي رزقني طفلا أرى فيه يومي و غدي ، فاستحقت بذلك أن تلقب بأميرة المكان و اجتاحت بإنسانيتها الزمان و المكان.
  نسيم هناك على المائدة يتناول فطوره على عجلة من أمره و كأنه أدرك زحام الحياة أو كأي صبي يملؤه النشاط و الحركة
نسيـــــــم : أمي ناوليني محفظتي من فضلك
أميرة الزمــــــــان: على رسلك يا بني فلا يزال معك فسحة من الوقت ، حبيبي سأضع لك اللمجة و لا تنسى أن تنظف أسنانك بعد الانتهاء من الفطور
أكل نسيم فطوره و غسل بالفرشاة أسنانه ثم توجه إلى الباب و محفظته على ظهره و قال لامه ، أمي أراك لاحقا ، أسعد الله نهارك
أميرة الزمــــــــان : نهارك أسعد يا حبيـــبي
نسيــــــــــم : شكرا أمي وداعا
أميرة الزمـــــــــان : على  رسلك بني ألم تنسى شيئا؟
نسيــــــــــم: آه  تفكرت أمي ،قبلتك و دعاء الصباح و الاستفتاح
أميرة الزمــــــــــان : شاطر فجميل أن تتذكر كما لا تنسى  أن  تلقي التحية  على كل من تلقاه في الطريق ، و بأحضانها التي  حوته فأشعت وجدانه نورا ليمتلأ كيانه انشراحا ، احتضنت صغيرها نسيم ليتدفق حياة و إقبالا
هكذا تعلم نسيم من أمه و على الرغم من فقر الحال و عسره كيف يكون كبيرا بغنى نفسه، في صحبة أمه فما أعظمك من أميرة أنت يا أميرة الزمان.

مدرستـــــــــــــــي

              هناك حيث يفتح أول باب من أبواب العلم و التعلم ، كانت المدرسة و لا تزال الفضاء الواسع للتربية و اقتناء العلم لمن هو في عمر نسيم و في طريق بطلنا الصغير نسيم إلى المدرسة التقى شيخا طاعنا في السن، بالي الثياب ، يرتجف من شدة البرد، حافي القدمين تظهر على وجهه علامات التعب و السفر بيده قطعة خبز شطرها مبلول، نحرت بين كفه الهش و أصابعه المخشي عليها من العوز ، تشمئز من أكله الكلاب السعرة، لكنها الحاجة إلى الأكل و صراع البقاء، متكئا على جدار المدرسة و كأنه ينتظر أحد و قد طال الانتظار، فاقترب منه نسيم حيرانا وزوى بعينه ناحيته ليمحص منظره ، فضول طفل يخاطر أحيانا و يغامر  ليكتشف العالم و الناس من حوله و في تردد منه
 صباح الخير يا عمي نهارك سعيد لكن الشيخ لم يلقي له بالا و لم يحرك ساكنا
 نسيـــم : صباح الخير يا عمي ، يوم جميل أليس كذلك ؟
الشيخ الذي أنهكته السنون و أكل الدهر منه و شرب، حرك رأسه فتحركت شفتاه لتتفتح عيناه فتنور وجهه ورد قائلا صباح الورد يا بني ، من أنت و ماذا تفعل هنا؟
 هناك من ظلمات الفقر و التشرد التي ليست بعدها ظلمات، أشرق  الشيخ بكلمات إنسانية راقية دلت على أنه يقدر الورد أو بالأحرى كان للورد له معنى عنده يوما
فرد نسيم مبتهجا : انا ابن أميرة الزمان و هذه مدرستنا
الشيـــــــخ : أميرة الزمان ، أميرة الزمان
نســـــــيم : نعم نعم هذا اسم أمي
 الشيــــخ : لم أقصد اسم أمك يا ولد بل اسم أبيك
نسيــــم : أبي ، أبي فانجلت الدنيا بما رحبت ليتفوه قائلا توفي و قالت أمي أنه هناك و أشار نسيم إلى السماء ، إنه هناك يا عمي يطير مع الملائكة
الشيـــــخ : شحب هنيهة و في قراراته نفسه"رحمه الله " ثم غير السؤال في فطنة منه و أنت ما اسمك يا بني؟
نسيــــــم : أنا النسيــــم ..........
الشيــــــخ  :كم هو جميل اسمك ، تشرفت بمعرفتك ، انا اسمي أصيل ، أصغي إلـــي يا نسيم، كلنا سنطير يوما لكن ليس كل الناس تطير مع الملائكة كأبيك ، فإن أردت أن تطير مع الملائكة فلا بد أن تكون لك جناحين كبيرين أولهما  جناح الخلق و ثانيهما فلنسميه جناح العلـــــم .
هيا بني اذهب ألم تسمع جرس المدرسة يرن فقد تتأخر و ألوم نفسي و سرعان ما تنسى أنت أن اسمي، أصيل أسرع بني.
نسيم لم يفقه شيئا إلا أنه علق في ذهنه كلمتان علم و خلق.
 وداعا عمي أصيل أراك لاحقا
دخل نسيم المدرسة و التحق بالصف و قبل أن يجلس كل التلاميذ ألقوا التحية على المعلمة ثم أنشد الجميع النشيد الوطني.
المعلمـــــــة : صباح الخير يا أطفال، جلوس
التلاميذ : صباح الخير
كان نسيم من أنجب التلاميذ و أشطرهم إطلاقا إلا أن اغتيال والده و الفراغ الأبوي الذي تركه الفراق جعله يشعر بالغربة أحيانا و أثر سلبا على نفسيته فانعكس على تكوين شخصيته السوية المليئة بالحيوية فكثيرا و طالما كبلته سلاسل العزلة و التي كانت تحط به في مطارات الوحدة و أي وحدة؟ لا يعلم عنها شيئا نسيم إلا أنها كانت تزوره تارة و تغيب عنه تارة أخرى.
و في جلسة تصارعت و تضاربت فيها الأفكار في ذهنه ، تدحرجت كلمتين كانتا مخزونتين في مخيخه البلوري الأيمن ، ككرة الثلج لتطفو و يلمع بريقهافي شكل سؤال موجه إلى معلمته دالية و هي تشرح الدرس
نسيــــــم : معلمتي ، معلمتي
المعلمــــــة دالية : ماذا تريد و بصوت صعقت له الأذان و بلغت به القلوب الحناجر ماذا يا نسيم ؟
نسيـــــــــم: عندي سؤال ؟ أريد فقط أن أعرف ماذا تعني كلمة خلق و علم حتى يصيح لي جناحين و أطير مع الملائكة
التلاميـــــــذ: هه،هه،هه إنفجروا كصمامات أمان بالضحك اللاذع وعقب احدهم
RED BULLقائلا  اشرب
يعطيك جوانيح" فعمت الفوضى وافلت الأمر من يد المعلمة دالية
في صوت أشد وقعا من شظايا اللهب الحارق و هيجان تهابه الوحوش و الكواسر، أخرج يا نسيم ، أغرب عن وجهي ، غادر القسم أنت غير متخلق
نسيــــــم: لماذا يا معلمتي؟
المعلمة داليــة : ازدادت انفعالا و احمرار و في خطفة جهنمية اقتربت منه و لطمته ،  آنذاك تلاشت من وقعها كل آمال نسيم المستقبلية؟ هيا أخرج حالا و لا ترجع إلى القسم إلا  بصحبة أمك أو أبيك.
خرج نسيم مطأطأ رأسه أسفا لا يدري لماذا تصرفت معه معلمته بقسوة على الرغم انه لم يقصد من خلال سؤاله إلا التعلم ، التعلم الذي أصبح  اليوم يكلف صاحبه الكثير فأصبح كالماسك على الجمر إذا احكم مسكه أنكوى و إذا اخلي سبيله من شعلة العلم انطفآ و انزوى.
غادر نسيم المدرسة متوجها إلى البيت ، جامعا لصواعق كلماته نادما على سوء فعلته و في طريقه هناك أين العشب الأخضر و الأقحوان و النرجس الأصفر الذي يتراقص على نغمات الهواء المنعش و كأنه رؤوس أفاعي اسياوية راقصة تتمايل ميل الأزواج العاشقة في حلة ربيعية، دغدغت قلب نسيم المنكسر البائس المسكين   و في سحر الطبيعة الجزائرية التي ذوبت صغيرنا لمح نسيم عصفورا مكسور الجناح يحاول أن يطير ليلتحق بأمه  وسربه الذي يكاد يسد الافق .
لكن العصفور لم يستطيع الطيران فظل يحاول وامه تشجعه على ذلك إلا أن القدر حال بينه و بين التحليق فاقترب منه نسيم محاولا أن يغير مجرى القدر برقته و حنانه فأخذه معه إلى البيت ليداوي جروحه و على مشارف البيت نادى نسيم أمه أميرة الزمان أمــــــي ، يا أمــــــــــي هذا أنا نسيم لقد عدت إلى البيت
أميرة الزمـــــــــان : ما بالك نسيم عدت مبكرا
نسيــــــــم : لا عليك أمي سأحكي لكي لكن انظري ماذا أحضرت انه عصفور صغير جريح
أميرة الزمــــــان : ارني ، يا للمسكين عصفور جميل لكن جرحه عميق أين وجدته يا نسيم؟
نســـــــــــيم: هناك بين الأشجار و الظلال.
أميرة الزمــــــــان : امسكه جيدا من هنا نسيم ،برفق يا بني سأحضر الدواء الضمادة و القليل من الماء  لنداويه ،فرح نسيم و قال شكرا أمي أنت رائعة.
اعتنت أميرة الزمان بالعصفور بينما احضر نسيم قطعة من الخبز الأسمر ليطعمه ، فقالت أميرة الزمان يابني عندنا تفاحة احضر نصفها سأقطعها قطع صغيرة ،فعصفورك صغير جدا لا يقوى على أكل الخبز الخشن و لما انتهت أميرة الزمان من إطعام العصفور الجريح سألت ابنها عن سبب عودته إلى البيت باكرا فأجابها نسيم و خلجات الأسف أدمت عيناه .
أميرة الزمـــــــــــــان:  لما تبكي قل ماذا حدث  يا بني ؟
نسيــــــــــم : أمي لقد طردتني المعلمة دالية اليوم من القسم و طلبت مني ألا احضر حصتها إلا بعد إحضارك أو أبي
أميرة الزمــــــــــان: لماذا ماذا صنعت يا نسيم
نســــــــــــيم : لقد سألتها ماذا تعني كلمة الخلق و العلم و ما علاقتهما بالجناحين حتى يصبح لي جناحين و أطير مع الملائكة مثل أبي.
أميرة الزمــــــــان: يصبح لك جناحين ماذا دهاك يا ولد
نسيــــــــــم: لقد التقيت شيخا هذا الصباح ، اسمه أصيل و قال لي هذا
أميرة الزمـــــــــان : و ماذا قال؟
نسيـــــــــــم: لقد قال الشيخ إذا أردت أن تطير في السماء مع الملائكة مثل أباك فعليك بالعلم و الخلق فالعلم جناح و الخلق جناح و أنا لم افهم لذلك سألت معلمتي و هي تشرح في الدرس
أميرة الزمـــــــان: آه الان فهمت يا بني ، أصغي إلي، نسيم ،إن معلمتك دالية كانت على حق لما طلبت منك الخروج و مغادرة القسم
نسيم : لكن لماذا أمي ا ! ؟
أميرة الزمـــــــــان: لأنه من آداب العلم أن لا تسأل معلمتك أثناء شرحها للدرس فكان عليك أن تنتظر حتى تنتهي من الشرح فالعلم لا بد أن يتوج بالخلق لكن لا عليك هذه المرة لا أعاقبك أتعرف لماذا ؟
نسيــــم : لماذا أمي؟
أمـــــــيرة الزمـــــان : لأنك اليوم أحضرت عصفورا جريحا إلى البيت لمساعدته و مداواته هذا هو حسن الخلق فالخلق يا بني أن تساعد الآخرين أما العلم فهو أن تدرك جزيئات الأمور
نســـــــــيم : اه أمي لم افهم جزيئات ا لأمور ؟
أميرة الزمــــــــــان : أوك بني،مثلا لما أحضرت قطعة الخبز الخشن لتطعم العصفور الصغير ماذا طلبت منك؟
نسيــــــــــــم : طلبتي أن احضر نصف تفاحة لان العصفور لا يأكل الخبز الخشن
أميرة الزمـــــــــــــان : جميل فمتى علمت هذا استطعت أن تفهم و تعلم ماذا يأكل العصفور و صرت صديقا وفيا له، أتعلم بني قد صدقك ذلك الشيخ  فقد استطاع أن يثير فيك شيئان لو أدركهما الكثيرين من أهل التربية و العلم لأصبحنا الأجمل و الأنضج ، فتاج العلم الخلق.
نسيم حبيبي لقد تحدثنا كثيرا ألا تشعر بالجوع
نسيـــــــم : نعم أمي فقد أصبحت أمعائي تصدر اصواتا
أميرة  الزمــــــــــان : هــه،هـــه إذن سنتناول الغداء ء و بعد الظهيرة اصطحبك إلى المدرسة .


مغامراتي في الثانوية

           اشتد عوده و قوي ساعده و أصبح اليوم في الثانوية، شب و تشبب بمكارم الأخلاق، لكن أين المفر من نزوات الشباب و شهواتها و حب التحرر و إثبات الذات فللشباب طاقات لا مناص من استقصائها و عدها لتحريرها في طاعة الله وهي عند البعض حرج ، كما يدخلها البعض الأخرفي دائرة الخطر و المحظور.
 في فضاءات الثانوية تعلم نسيم الموسيقى الاندلسية ، السباحة و التحق بالورشات الثقافية على رأسها المسرح أين كان يتحرر شيئا فشيئا فازدادت معارفه و ازداد انفتاحا على الطرف الأخر ، لكن اكتشاف الذات أحيانا يكلف المرء الغالي و النفيس.
كان لنسيم صديقين لؤي و فريد ، كانا قريبين اليه قرب الحبيب إلى الحبيب، فأحبهما حبا جما.
 و في يوم من الأيام الزهية ،قررت الرفقة أن يذهبوا في نزهة فاستأجروا حافلة و عزموا أن تكون الدعوة مفتوحة على مصرعيها و لكل طلبة الثانوية الذهاب إلى الغابة و الاستمتاع بأشعة الشمس و خضرة العشب و تغريد البلابل وهذا طلب للراحة النفسية أو ما يسميه النفسانيون "فسحة الذات"
لؤي : هل جلبت تذاكر الرحلة يا فريد؟
فريد: لقد أحضرتها كما أنني اتفقت مع سائق  الحافلة أن يأتي إلى الثانوية غدا صباحا على الساعة الثامنة.
 نسيم: انا لست ادري  ان كان يمكنني الذهاب معكم يا رفاق فلا بد أن استأذن أمي
لؤي و فريد: هـــــه، هــــه، هل أنت صبي ؟ الم تصبح شابا يفعا بعد ، فقد  اسود       شاربك ألا تقرر كما يقرر الرجال ! ؟
نسيم: أنا لست صبيا ،إذا كان الأمر كذلك ، فسأذهب معكم حتما ، و في خضم التحدي الكلامي بين الرفاق ،تدخلت زميلة نسيم إيناس
ايناس: نسيم لا تكترث لقولهم ، استأذن أمك فإن وافقت فأذهب فأنا كذلك آخذت رأي أمي و قد وافقت و الحمد لله
نسيم: شكرا إيناس ، اوكي ،اوكي أراكم غدا يارفاق
رجع نسيم إلى البيت و في الليل الدامس ، أين يجد السكون مستودعا و بعد صلاة العشاء  أثار نسيم إلا أن يفتح موضوع الذهاب في نزهة إلى الغابة مع زملائه و زميلاته في الثانوية مع أميرة الزمان أمه
أميرة الزمان : و لكن من هو المشرف على هذه الرحلة
نسيــــم : لؤي و فريد ، نحن الشلة
أميرة الزمــــان: أأنت مجنون؟ ليس هناك من مسؤول من الثانوية .
نسيــــــم: لا أمي و هل نحتاج إلى مسؤول كي نتفسح في الغابة لكأن السجان يلاحقنا ويحرصنا حتى في الغابات الكندية.
أميرة الزمــــان: لا و لكن الحيطة واجبة و لابد أن تشرف الإدارة على هذه الرحلة
نسيــــم: أمي أرجوك كل زملائي سيذهبون وافقي ،وافقي، وهم نسيم إلى احتضانها ليطوقها بحبال حنانه فحنت و أحنت عليه.
أميرة الزمـــان : بني حسنا ،حسنا اذهب و اعتني بنفسك ، فلو كانت الرحلة إلى شاطئ البحر لرفضت ، على الرغم من ان الشك لا يزال يراودني.
فكانت تلك أول مرة تقدم فيها أميرة الزمان تنازلا لابنها، لكن المخاوف كانت تنغصها، فقلب الأم دليلها أما بالنسبة لنسيم فالمسالة اكبر فهي تحدي و إثبات لذاته أمام زملائه و زميلاته و العمل على التحرر شيئا فشيئا.
بينما كان الشباب يتجولون في الغابة و يستمتعون بجمال المكان و المنظر اتجه نسيم رفقة زميلته إيناس إلى تلة شامخة لا ترقاها إلا  الطيور الجارحة ،أرادا و من على ظهرها رؤية الأفق سويا واكتشاف الفضاء ، فاقتربا رويدا،رويدا منها متيمان بروعة المنظر أين طلبت إيناس من نسيم مساعدتها على التسلق و الارتقاء ، فالبنات معظمهن يخفن من الأماكن المرتفعة و العالية و الحيطة واجبة لكن نسيم تردد وكأن شيئا بداخله يناديه و يجذبه إلى الوراء في تردد.
 فقال إيناس دعينا نعود أدراجنا حتى لا نضيع على الشلة ربما كان ذلك خوف أو نقص تجربة ، إلا أن إيناس كانت مصرة .
 استجاب لها نسيم و شرعا في التسلق سويا متوجهين نحو القمة و في لمحة من البصر هبت ريح عاتية ، أفقدت إيناس توازنها فألقت بها إلى الهاوية، لتركنها في زاوية  ، و في أثناء سقوطها نادت بأعلى صوتها الملائكي نسيم ساعدني،ساعدني أنا لا أريد أن أموت ، لكن نسيم لم يستطع فعل شيئا إلا النظر و الإشارة إليها ، فقد كان القدر سباقا لاختطافها ، فأخلت في الخوالي ضحية فانية ، كان سقوطها عشوائيا ، سقطت و التطم رأسها بصخرة شيطانية.
نزل نسيم من أعلى التلة متوجها نحوها إيناس،إيناس هل أنت بخير ، هل تسمعينني ، لكن من المجيب؟ و بفعل لا إرادي بدأ نسيم يصفعها عل خديها لتستفيق لكنه القدر آه من القدر ثم صاح يا إلاهي يا إلاهي ماذا أفعل؟
في الجانب الأخر من الوادي و في قلب الغابة ، كان لؤي ، فريد ، نانسي وغادا و الجميع يستمتعون بشواء اللحم و اللعب و الضحك ، بالنسبة لهم كان الربيع بأزهره فكانت لحظاتهم التحررية متجاهلين ماذا يحدث في الطرف الأخر من الغابة فيا للحياة من لعبة ، و يا لها من تناقضات ، حياة كلها سخرية فيها من مودع و قريب و مفارق لحبيب و ملاقي لبعيد فأن للرفاق أن يتذكروا نسيم و إيناس ؟
في صراع نفسي بلغ ذروته وسنامه ، دفع نسيم إلى الركض في الغابة ركض الوحوش الضارية  من كل الاتجاهات والى كل الاتجاهات لا لشيء باحثا عن النجدة و يد المساعدة ، مناديا بأعلى صوته النجدة ، النجدة ،لؤي ، فريد أين أنتما إلى أن اقترب من ضفة الوادي حيث أصبح صوته يشق الأفق و يتسلسل بين أوراق أشجار الصنوبر و الأرز وإلى أن سمع صدى صوته فريد الذي كان يغسل صحون اللحم  على ضفة الوادي ، فلمح نسيم و ناداه تعال نسيم أين كنت و أين إيناس و نسيم في لهث و لهف ، فريد نادي الرفاق أرجوك فهناك مصيبة ، مصيبة يا فريد ، لقد سقطت إيناس من أعلى التلة هناك و هي لا تجيبني ، أسرع يا فريد أسرع .
وصل الجميع إلى مسرح وقوع الحادثة أين فجعوا بوفاة إيناس التي أضحت  غريبة عن هذا العالم الرهيب فأغشي على البنات ليتأزم الوضع ،فقرر لؤي أن يخبر صاحب الحافلة الذي بدوره هاتف الإسعاف و الشرطة .
بعد ساعتين من الزمن حضر الإسعاف و رجال الشرطة للتحقيق في القضية ليستمر التحقيق إلى وقت جد متأخر من الليل .
هناك في بيت نسيم ، تلقت أميرة الزمان مكالمة هاتفية من المركز العام للشرطة ، طلبوا منها الحضور إلى المركز لأمر يخصها ، فكانت تلك أول مرة تستدعى فيها أميرة الزمان إلى مركز الشرطة
أميرة الزمان : اللهم يا رب اجعله خيرا ، استجمعت قواها و توجهت على الفور إلى مركز الشرطة ملبية هذا الاستدعاء و أي استدعاء فقد كانت المعاملة هناك جد سيئة حيث كيف الأمر على غير ما حدث و اعتبروا  نسيم و كأنه المتسبب في وفاة إيناس و حرر محضر ضده مفاده أنه إستدرج إيناس إلى التلة ليلقي بها من على فوقها.
لم تدرك أميرة الزمان ما يدور من حولها ،إلا أن وجودها جعل نسيم يشعر بنوع من الأمان ،فقد كان للحادث وقع بليغ ، تراكمت الهموم و المشاكل و صار اللجوء الى المحاكمة أمر حتميا لا مناص منه فمن فاجعة الموت إلى خطر السجن ، و مرضت أميرة الزمان ، كما انقلب نمط حياة الأسرة رأسا على عقب إلا أن العدالة أنصفت نسيم فكان حكم القاضي عادلا و حكم ببراءته من كل ما نسب إليه من تهم ،لكن و أسفاه ضيع نسيم فرصة الحصول على شهادة البكالوريا لهذا العام فكانت التكلفة  حقاغالية.