نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

من المسؤول عن لغة المسرح / منير راجي


 

لقد كثر الجدال و النقاش عن المسرح و لغته و كلنا نعرف أن المسرح أحد الفنون الأدبية التمثيلية الذي يعتمد أساسا على تجسيد الأفكار و طرحها على الجمهور من خلال الخشبة في ظرف زمني محدد لا يتجاوز الساعتين...
عندما نتكلم عن المسرح فاننا نتكلم عن دوره الاعلامي قبل كل شيئ و مدى أهميته في ايصال الأفكار الى الجمهور , لهذا استلزم علينا أن نتطرق و لو بايجاز الى دور المسرح كوسيلة اعلامية قد تكون أنفع وسيلة و قد تكون عكس ذلك تماما و ذلك حسب المضامين و الأفكار السائدة فيه..
قد يعتقد البعض أن المسرح ما هو الا فترة زمنية ترفيهية نضحك فيها و نتسلى لقضاء أوقات الفراغ , و منهم من يعتقد أن المسرح ما هو الا عمل هزلي, حتى اقترنت كلمة مسرح عندنا بكلمة ضحك نتيجة الفهم الخاطئ لهذا الفن الاعلامي الهام , و ما زاد الطين بلة هو عدم الفهم الحقيقي للمسرح من طرف ممارسيه من ممثل و مخرج و كاتب...
اذا أردنا اصلاح ظاهرة اجتماعية خطيرة فلا بد أن نستعمل هذا الاصلاح في قوالب أدبية و فنية متنوعة , فالشاعر من جهته يحاول الاصلاح بطريقته الخاصة و الروائي بتصوراته للأحداث و المسرحي بحواراته و حركاته... فالمسرح وسيلة و غاية للاصلاح سواء كان اصلاحا اجتماعيا أو ثقافيا او فكريا أو سياسيا...
و انطلاقا من هذه الفكرة نستطيع أن نحدد نوعية اللغة المستعملة من طرف المسرح مع مراعاة ثقافة و مستوى السواد الأعظم من الشعب , و هنا لسنا بصدد تقييد الكاتب المسرحي في لغته المستعملة , فالكاتب لابد و أن يحاسب على لغته و من واجبه أن يبدع بالفصحى , الا أننا نطالب المخرج المسرحي أن يعرف كيف يستغل العمل المسرحي و أن يستخدم طاقاته الفنية لغرض توضيح هذا العمل و تبسيطه لغويا و فكريا حسب المستوى اللغوي و الفكري للشعب مع حفاظه التام على المضمون , لكن للأسف الشديد لازال جل مخرجينا المسرحيين لم يدركوا بعد دوزرهم المنوط بهم و يكتفون دائما قائلين بأن الكتابة المسرحية في بلادنا لا تزال ضعيفة و منعدمة ..
بصراحة هناك براعم في هذا المجال و لكن نظرا لاهمالهم من طرف المخرجين لجئوا الى عمل ابداعي آخر ..
يؤسفنا جدا أن نسمع من بعص الممثلين و المخرجين ينتقدون كتاب المسرح و يلومونهم عن اللغة المستعملة ( الفصحى ) و يبررون قولهم بأن هؤلاء المؤلفين لم يحترموا لغة الشعب .., فكيف يحق لمخرج أو ممثل أن يفرض لغة معينة على المبدع ؟..
ان الكاتب المسرحي قبل كل شيئ مطالب بأن يكتب بلغة فصيحة سليمة حتى تتعدى التراب الوطني و تعم جميع أقطار العالم العربي و بالتالي تستطيع اي دولة أو بلد عربية أن تخرج منها مسرحية على الخشبة باللغة التي تراها لائقة و مناسبة , و هكذا يصل النص المسرحي الى كافة الشعوب العربية على اختلاف لهجاتها..
فالكاتب المسرحي من وجهة نظري لا يستطيع ان يكتب بالعامية لأن أمامه أهداف عديدة يريد ايصالها الى المجتمع من بينها ترقية المستوى اللغوي للقارئ , و قد جرب العديد من كتاب المسرح الكتابة بالعامية و لكن لم يفلح و نذكر على سبيل المثال توفيق الحكيم و محمود تيمور و غيرهم ..
ان المخرج المسرحي في بلادنا لايزال نائما و همه الوحيد هو ان يبرز اسمه على الشاشة في بداية المسرحية و أحيانا يتعدى ذلك كاحتكاره للمسرحية فهو المخرج و هو الممثل و هو المؤلف ..
ترى لماذا لم يكن توفيق الحكيم ممثلا و مخرجا و نفس الشئ بالنسبة لنجيب محفوظ و احسان عبد القدوس و احلام مستغانمي و ميخائيل شولوخوف و..و ..
لماذا كل هؤلاء لم يكتبوا بالعامية رغم أننا نلاحظ أن كل رواياتهم الفصيحة تحولت الى أفلام او مسرحيات بالعامية ؟
طبعا لان المخرج قام بدوره و تفهم المهمة التي هو بصددها .., فالمسرح رسالة قبل كل شيئ , و ليس شهرة و تخزين أموال ...
ان لغة المسرح التي كثيرا ما نجد بعض مفكرينا و نقادنا بصدد طرحها و مناقشتها لا تحتاج الى كل هذا النقاش و هذا الجدال .., فاللغة مقرونة بلغة السواد الأعظم من الشعب و هذا الموضوع لا يهم الكاتب على الاطلاق و انما يهم المخرج و كاتب السيناريو او المقتبس بالدرجة الأولى , علينا أيضا أن لا نفهم المسرح كوسيلة لعلاج مرض اجتماعي أو سياسي فحسب و انما كوسيلة لرفع المستوى اللغوي للفرد و حتى المستوى الأدبي هذا الأخير الذي لم يأخذ حقه على الاطلاق في بلادنا رغم أن أدبنا العربي غني بالشعر المسرحي و بالروايات التي بامكانها ان تتحول الى مسرحيات عالمية ..
يجب أن نجعل من المسرح غذائنا الروحي و الفكري و الوجداني حتى نتمكن من رفع مستوى الذوق الفني لدى مجتمعاتنا الذي ظل طيلة فترة من الزمن ينظر الى المسرح نظرة خاطئة , و أن نسعى جاهدين الى خلق مدرسة مسرحية متطورة تحقق طموحات و آمال جيلنا , و أن نعمل أيضا على تشجيع المواهب المسرحية من مؤلفين و ممثلين و مخرجين .. و تبقى لغة المسرح فصيحة نصا و عامية عمليا ...