نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

    محمد المشايخ ناقدًا ومؤرخًا / د. محمد السماعنة

    لا يهدأ واسطة عقد الكتاب والأدباء والمثقفين الأردنيين وذاكرتهم الحية
    محمد حسن حسين المشايخ ولا يتوقف عن التواصل مع الأدباء الأردنيين جميعهم،
    ولا يكل من تتبع أخبارهم الثقافية والأدبية بل والمعيشية، فهو شخصية ثقافية لها
    حضورها الدائم الفاعل في الساحة الأدبية المحلية والعربية، ويحظى باحترام الأدباء
    والنقاد الأردنيين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية، حتى لقب بشيخ أدباء مدينة
    الزرقاء، وعمودها الثقافي، وسادن رابطة الكتاب.
    ولمحمد المشايخ بصمته الواضحة في التأريخ للأدب الأردني شعره ونثره،
    فهو علم من أعلام الأدب الأردني الفاعلين المؤثرين في الساحة الأدبية الأردنية،
    وهو أديب ناقد كاتب مؤرخ تشهد له أقلام الأردنيين بالجمال والإنصاف والدقة،
    وهو عضو رابطة الكتّاب الأردنيين، وعضو نادي أسرة القلم الثقافي في الزرقاء
    يحمل درجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأردنية، وتولى
    أكثر من وظيفة ومهمة وعمل؛ فقد كان مديرًا إداريًا لرابطة الكتّاب الأردنيين
    (1978-2007)، وسكرتيرًا تنفيذيًا للأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب
    العرب، ومقررًا للجنة الإصدارات والمسابقات لاحتفالية «الزرقاء مدينة الثقافة
    الأردنيّة» سنة 2010، ومديرًا لتحرير مجلة «الزرقاء الثقافية.
    وكتب محمد المشايخ في مسيرته الأدبية الطويلة، التي ما زالت تعطي
    وتنتج، مجموعة من الكتب النقدية والتأريخية، لعل من أبرزها:
    "أضواء على الأدب والفن في الأرض المحتلة"، و"قراءة في أدب الأرض المحتلة،
    والأدب والأدباء والكتاب المعاصرون في الأردن"، و"المبدعون الأردنيون
    والفلسطينيون المكرمون بمنحهم وسام القدس للثقافة والآداب 1991"، و"دليل
    الكاتب الأردني"، و"كتاب الأردن"، و"شعراء معاصرون، يوسف عز الدين
    صلاح"، و"أمينة العدوان، دراسة في أعمالها الشعرية"، و"أدباء الرصيفة وكتابها"،
    و"معجم الروائيين والقاصين الأردنيين"، و"معجم أديبات الأردن وكاتباته"،
    و"الأدب والأدباء والكتاب المعاصرون في الأردن"، و" أنطولوجيا عمان الأدبية"،
    و" أنطولوجيا الزرقاء الإبداعية"، و" من أدباء مادبا وكتابها "، بالإضافة إلى
    مجموعة من الكتب المشتركة.
    ولمحمد المشايخ أيضا مقالات أدبية ونقدية وتأريخية كثيرة توزعت على
    المجلات العربية: الأقلام، وأفكار، والجسرة الثقافية، والكاتب العربي، والبيان
    الكويتية، وعالم الكتب، وآفاق الثقافة والتراث، والموقف الأدبي، وأقلام جديدة،
    والمنتدى، وقد تنوعت موضوعاته في هذه المقالات وتعددت لأن ثقافته الموسوعية
    هي التي أنشأتها، ولأنها نتاج نظرته الواسعة للحياة الأدبية ومتابعته الدقيقة الدائمة
    لما فيها من حراك أدبي؛ فهو كتب عن المسرح، وعن القصة القصيرة في الأردن

    وفي فلسطين، وعن أدب المرأة، وعن الحراك الثقافي في الأردن، وأجرى حوارات
    تذكر مع فدوى طوقان، ومع الفنان التشكيلي سليمان منصور، وأذكر من هذه
    المقالات: قراءة في رواية خطوط التماس لغصون رحال، ومقالته النقدية عن
    مجموعة شغب للشاعر موسى حوامدة. وقراءته لكتاب زياد الجيوسي أحلام فوق
    الغيم، ومقالته المشهورة في صحيفة الرأي" من يوميات سكرتير رابطة الكتاب"
    التي هي كما أرى البداية لمشروعه الماتع "ذكريات داعبت فكري وظني" الذي بدأه
    على صفحته في الفيسبوك، وهو سلسلة ذكريات بانورامية في مئة حلقة عن الكتاب
    والأدباء والمثقفين الأردنيين أثبت فيه للكتاب بأنه ليس عزرائيل في الأرض كما
    اتهموه بعدما رأوه قد شغل كثيرًا بالتهنئات والتعزيات. وهي سلسة كتبها مما تخزن
    في ذاكرته من أحداث ومشاهد ومواقف طريفة تصل حد الغرائبية والعجائبية أحيانًا
    لأكثر من أربعة آلاف من الكتاب الأردنيين والعرب في مجالسهم الرسمية
    والخاصة، وذكر فيها أدباء لم يذكرهم أحد قبله، وابتعد فيها عن الجغرافيا والمعتقد
    والتوجه الفكري، وهي سلسلة تحمل علامات جنس أدبي جديد يذكرنا بما فعله
    الأصفهاني في كتاب الأغاني.
    وحفلت هذه الذكريات بالعديد من الحكايات والحوادث الطريفة، استخلصها
    من تاريخ الكتّاب، أو مما سمعه منهم ومن أترابهم، أو مما نشره هؤلاء في فضاء
    الفيسبوك.
    ويختم محمد المشايخ كل حلقة بنص لأحد الكتاب ويتبعه بسيرة ذاتية. وفي
    كل حلقة يدرج صورة مركبة تحتوي جميع من ذكرهم في النص. وقد استقطبت هذه
    السلسة متابعة واسعة من الكتاب والمثقفين والمهتمين، فأثرت الفيسبوك والمجالس
    بالمحاورات والذكريات.
    وأعد محمد المشايخ معتمدًا على ذاكرته ومما توافر لديه من تأريخ أردني
    أدبي المادة الإذاعية لبرنامج راحلون الذي يوثق مسيرة من توفي من أعضاء
    الرابطة في برنامج يصل إلى حوالي ثلاثمائة حلقة. ولا ننسى دوره في معجم
    البابطين المشهور المعروف وأعمال أخرى كثيرة.
    ومن أعمال محمد المشايخ التي ظهر فيها أسلوبه المريح للقارئ، ولغته
    الفصيحة القريبة من لغة الناس اليومية، وجهده التوثيقي الدقيق، ومتابعته الحثيثة
    للمشهد الثقافي الأردني:
    "معجم شعراء الأردن" الذي قدم فيه سيرة موجزة لحوالي 750 شاعرًا أردنيًا،
    وحوالي400 شاعر أصدروا دواوين، وحوالي ألف شاعر ممن ترددت أسماؤهم
    على الفيسبوك وفي الصحافة والهيئات الثقافية. ولم يكتفِ محمد المشايخ بجمع
    المعلومات عن هؤلاء الشعراء، وإنما قام بتحليل ما توافر بين يديه عنهم ليصف لنا
    جزءا من المشهد الشعري في الأردن، كمستوى الشعراء الثقافي، وأثر الغربة في

    النشاط الشعري للشعراء المغتربين، ووصف دورهم في هذا النشاط وطنيا وقوميا
    وعالميا، كما تتبع فيه العديد من الشعراء العرب الذين أقاموا في المملكة لظروف
    مختلفة وأثروا المكتبة الأردنية بإبداعهم الشعري. وأبرز محمد المشايخ في هذا
    المعجم أهمية الشعر الأردني فأشار فيه الى دواوين وقصائد كثيرة أبدعها شعراء
    الأردن تـُرجمت إلى عدد من اللغات العالمية، كما عدّد الجوائز الوطنية والعربية
    والعالمية التي فاز بها الشعراء الأردنيون، وأشار إلى ما اعتمدته الجامعات المحلية
    والعربية في مناهجها من قصائد لشعراء أردنيين، وقادته السير الكثيرة التي تجمعت
    لديه إلى كشف المشهد الثقافي في الأردن كاملا، فقد تبين له أن الهيئات الثقافية
    الفاعلة في المحافظات هي السبب في ظهور المواهب الشعرية وتطورها
    وتطويرها؛ فهو وجد أن أكثر الشعراء الأردنيين هم أعضاء فاعلون في نشاطات
    النوادي والهيئات الثقافية، ولديهم مشاركات في الأمسيات وفي كثير من المهرجانات
    الشعرية والثقافية والفنية.
    وكتاب "أدباء الرصيفة وكتابها" وهو لا يقل أهميًة عن "معجم شعراء الأردن"
    لاحتوائه على سير وتراجم لـ مئة وثمانين أديباً وكاتباً وناشطاً ثقافياً من لواء
    الرصيفة، ولاحتوائه على مقدمة لها أهمية عظيمة في تأريخ الأدب الأردني، لأن
    فيها استعراض للحياة الثقافية في الرصيفة منذ زيارات الأمير عبد الله لمنتزهاتها
    في النصف الأول من القرن المنصرم بصحبة الشاعر عرار وغيره من المبدعين
    والرسميين، حتى صدور الكتاب، فقد تتبع تأريخ الحياة الثقافية وتطورها في لواء
    الرّصيفة عبر حقبة زمنية تبدأ من أربعينيات القرن الماضي حتى وقت صدور
    الكتاب، ثم تحدث عن دور سكّان مدينة الرّصيفة في تأسيس رابطة الكتّاب الأردنيين
    في عمان، ونادي أسرة القلم الثقافي في الزرقاء.
    ونبه محمد المشايخ على النشاط الثقافي الفاعل المثري في مدينة الرصيفة،
    حيث تعمل اثنتان وثلاثين هيئة ثقافية ومئات المؤسسات التربوية والأكاديمية ومئات
    المبدعين على النهوض بالحراك الثقافي في اللواء، فأرخ للحركة الثقافية في هذه
    المدينة في ثلاثمئة صفحة من القطع المتوسط، ورصد الكثير من أسماء الأدباء الذين
    شاركوا في النهضة الثقافية لهذه المدينة الأحياء منهم والأموات مع ذكر نماذج من
    إنتاجهم الأدبي، فتناول في فصل الأدباء والكتّاب المقيمين في اللواء حسب الترتيب
    الهجائي، وتحدث عن السيرة الذاتية لكل كاتب، ثم ذكر نموذجاً من كتاباته سواء
    أكان قصة، أم شعرًا، أم نثراً، وقد بلغ عدد الكتّاب والأدباء في هذا الفصل واحدا
    وأربعين كاتباً وكاتبة. وبين بإيجاز غير مخل الدور الذي قامت به المؤسسات
    الثقافية المختلفة في اللواء، مثل منتدى الرصيفة للثقافة والفنون، وجمعية أبناء
    الرّصيفة الثقافية (صالون الرّصيفة الثقافي)، وجمعية صالون الرصيفة الأدبي، ولم
    يترك شاردة أو واردة لها دور في الحياة الثقافية في اللواء إلا وذكرها وتوقف
    عندها موضحاً أهميتها في المجال الاجتماعي والثقافي للواء.

    ويظهر جليًا في "معجم القاصين والروائيين الأردنيين" جهد الناقد وذكاؤه
    ورؤيته، واجتهاد المؤرخ وتعبه، وجمال أسلوب الكاتب وسهولة إيصاله للمعلومة
    للقارئ، ويظهر جلد الباحث المؤرخ، ففيه توثيق لأسماء من ساهموا في إنتاج
    الرواية والقصة القصيرة الأردنية في مئة عام أو يزيد وذلك منذ تأسيس الإمارة عام
    1921 والى سنة 2019، وجاء الكتاب في 254 صفحة من القطع المتوسط،
    ترجم فيه محمد المشايخ لـ 514 قاصاً وروائياً منهم 381 قاصا وروائيا من الذكور
    ، 133 قاصة وروائية من الإناث، رتبهم حسب الأحرف الهجائية، وذكر لكل قاصٍ
    أو روائي مجموعة من المعلومات التي قد تُفيد الباحثين، وتمهد لهم طريق البحث
    والتقصّي كتاريخ ولادة كل منهم، ومؤهله العلمي الأعلى ومصدره وسنة الحصول
    عليه، وعمله الحالي ووظائفه السابقة، وعناوين الروايات، والمجموعات القصصية
    التي أصدرها مع ذكر اسم دار النشر ومكانها والسنة، وعناوين بعض المخطوطات
    لمن لم يصدروا كتبا، بالإضافة إلى الإشارة لعناوين المؤلفات التي أصدرها كل
    منهم في غير حقل القصة والرواية، وأسماء الهيئات التي ينتسب لها، وبين محمد
    المشايخ في هذا الكتاب مدى اهتمام المرأة الأردنية في كتابة القصة والرواية حتى
    إنه برز من هذه الأسماء الأنثوية من ذاع واشتهر على محليا وعربيًا. ومن أقدم
    الأسماء التي ذكرها محمد المشايخ في هذا الكتاب أديب عباسي، الذي ترك وراءه
    أكثر من مئة مخطوطة، بين قصة ورواية وشعر، كتبت باللغة العربية واللغة
    الإنجليزية، منها: عودة لقمان، أشواق قيثار.
    ومن كتب محمد المشايخ التي لها وقع في الساحة الثقافية الأردنية "كشف
    الحجاب في خفايا رابطة الكتاب"، الذي جاء في مئة وتسعين صفحة من القطع
    المتوسط، تحدث فيها محمد المشايخ عن الرابطة وأهدافها، وتاريخها. واستعرض ما
    شهده من أحداث غريبة طريفة حدثت في الرابطة أو مع عضو من أعضائها
    بأسلوب شائق، وبلغة رشيقة سهلة مليئة بالمتعة، وبجمل التي لا تعقيد فيها ولا
    تقعر.
    وما زال محمد المشايخ الأديب الناقد المؤرخ بالعزم نفسه والعزيمة نفسها
    التي بدأ بها نشاطه الثقافي في الساحة الأردنية منذ أكثر من أربعين عامًا، حريصًا
    على متابعة المشهد الثقافي عن قرب، والمشاركة فيه بفاعلية وجمال وإبداع إداريًا
    وناقدًا ومؤرخًا وأديبًا.

    د. محمد السماعنة. الأردن

    مسرح الشارع ظاهرة ثقافية / محمد صخي العتابي

    ويمكن لمسرح الشارع أن يكون مكانًا للتعبير عن الهوية الثقافية والتنوع، وهذا يعد أمرًا مهمًا في المجتمعات المتعددة الثقافات. فعندما يقوم الفنانون بتقديم عروض مسرح الشارع التي تعبر عن ثقافات مختلفة، فإنه يمكن للجمهور التعرف على هذه الثقافات وفهمها بشكل أفضل، مما يساهم في تعزيز التعايش السلمي والتفاهم بين المجتمعات المختلفة
    يعتبر مسرح الشارع ظاهرة ثقافية حيث يمثل جزءًا مهمًا من التعبير الفني والإبداع الثقافي في المجتمعات المختلفة وهذا النوع من المسرح الفن المفتوح للجمهور، حيث يتم عرض العروض والأداء الفني في الشوارع والأماكن العامة بدلاً من القاعات والمسارح التقليدية.
    ويعتبر مسرح الشارع ظاهرة ثقافية لأنه يعبر عن قيم وتقاليد وأفكار المجتمعات المختلفة، وينقل هذا الفن البسيط والمبتكر رسالة معينة للجمهور، ويحمل في طياته العديد من المعاني الثقافية والاجتماعية والسياسية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مسرح الشارع يشجع على التفاعل المباشر مع الجمهور، وهذا يؤدي إلى إثراء الحوار الثقافي والاجتماعي بين الفنانين والجمهور، وتعزيز التواصل والتفاعل بين المجتمعات المختلفة.
    ومن خلال مسرح الشارع، يتم توطيد العلاقات الاجتماعية بين الفنانين والجمهور، وتعزيز الوعي الثقافي والتربوي بين المجتمعات المختلفة، كما يتم إعطاء الفرصة للفنانين المبتدئين والمواهب الشابة لعرض أعمالهم والاندماج في المجتمع الفني والثقافي.
    لذلك، يعد مسرح الشارع ظاهرة ثقافية مهمة ويجب دعمها وتشجيعها، حيث يمثل جزءًا مهمًا من التعبير الفني والإبداع الثقافي في المجتمعات المختلفة.
    ويمكن القول أن مسرح الشارع يعد أحد أشكال الفن الشعبي الذي ينتشر في العديد من البلدان حول العالم، ويعكس ثقافة الشعوب وتاريخها وتقاليدها. ويمكن أن يشمل مسرح الشارع العروض الموسيقية والرقص والأداء الشعري وغيرها من الأشكال الفنية.
    كما أن مسرح الشارع يشجع على التعبير الحر والمبتكر، ويسمح للفنانين بالعرض على جمهور واسع، حيث يكون الأداء في الشوارع والأماكن العامة التي يمكن للجميع الوصول إليها. ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن مسرح الشارع يعد أيضًا وسيلة للتغيير الاجتماعي، حيث يمكن للفنانين التعبير عن رؤيتهم وتعزيز الوعي الاجتماعي والتربوي.
    ويمكن أن يكون مسرح الشارع أيضًا وسيلة للترفيه والتسلية، ويستخدم في الأحداث الاحتفالية والمهرجانات الثقافية. وقد يساهم مسرح الشارع في زيادة الحركة السياحية في بعض المناطق، حيث يتم عرض العروض الفنية الشعبية للزوار والسكان المحليين على حد سواء.
    وبما أن مسرح الشارع يشكل جزءًا من التعبير الفني والإبداع الثقافي في المجتمعات المختلفة، فإنه يحتاج إلى الدعم والتشجيع من قبل الحكومات والمؤسسات الثقافية والفنية. ويجب دعم الفنانين المبتدئين والشباب وتوفير المساحات المناسبة لعرض العروض الفنية الشعبية في الشوارع والأماكن العامة.
    ويمكن أن يساهم دعم مسرح الشارع في تعزيز الحوار الثقافي بين الثقافات المختلفة، حيث يتمكن الفنانون المشاركون من التعريف بثقافاتهم وتقاليدهم للجمهور الذي يحضر العروض. وبالتالي يتم تعزيز الفهم المتبادل والتعاون الثقافي بين الثقافات المختلفة.
    ويساعد مسرح الشارع في تحسين الحياة الاجتماعية في المجتمعات، حيث يمكن للفنانين أن يشاركوا رؤيتهم وآرائهم حول القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي يواجهها المجتمع، والتحديات التي يواجهها الفرد والمجتمع بشكل عام.
    وفي النهاية، يمكن القول أن مسرح الشارع يعد ظاهرة ثقافية مهمة وملهمة، ويمكن لهذا الفن أن يعزز التعبير الحر والتفاعل الثقافي والاجتماعي .

     

    البناء الاجتماعي والعقل الجمعي وتحرير الإنسان إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

      الأنساقُ الفلسفية في البناء الاجتماعي نابعةٌ مِن الهُوِيَّة الوُجودية للفرد في رحلة بَحْثِه عن ذاته وحياته . ورحلةُ البحثِ لَيْسَتْ انتقالًا ميكانيكيًّا في الزمان والمكان ، بَلْ هي انتقالٌ ديناميكي في تأثيرات سُلطة العقل الجَمْعي في مَصادرِ التاريخ وقَواعدِ المعرفة . وهذه التأثيراتُ مُرتبطة بجذور المشروع الحضاري للمُجتمع ، وقُدرته على تَوحيد الذاتِ والمَوضوعِ في مَنطِق اللغة الرمزي الذي يتحكَّم بالعلاقاتِ الاجتماعية ، وانعكاساتِها على الأحداثِ اليومية والوقائعِ التاريخية . وسُلطةُ المُجتمعِ المَعرفيةُ لا تتجذَّر في الإدراكِ الحِسِّي والوَعْيِ الفَعَّال ، إلا باعتمادِ التفكير النَّقْدِي في الواقع المُعَاش ، وتحريرِ الظواهر الثقافية مِن قُيود الأحكامِ المُسْبَقَة والقوالبِ الجاهزة . وإذا كانت المعرفةُ تَكتسِب شرعيتها مِن صَيرورةِ التاريخ ومَركزيةِ الوُجود، فإنَّ الهُوِيَّة تَستمد سُلطتها مِن الترابط المصيري بين مَنطِقِ اللغة الرمزي وأشكالِ الحياة اليومية . ولا يُمكِن أن تتحوَّل صَيرورةُ التاريخ إلى حالةِ خَلاصٍ مُستمرة في المُجتمع إلا بِصَهْرِ المعرفة في الهُوِيَّة ، وتَذويبِ التجارب الشخصية في الأفكار الإبداعية الجَمَاعية . وهذا مِن شَأنه تَطهيرُ البناءِ الاجتماعي مِن الوَعْي الزائف ، وتحقيقُ التجانسِ بين المضمونِ العميق لشخصية الفرد الإنسانية ، والبُنيةِ الجَذرية لعملية صِناعة الثقافة .

    2

         العقلُ الجَمْعي لا يَقْدِر على تَحويل مَنطِق اللغة الرمزي إلى هُوِيَّة مَعرفية للمُجتمعِ والتاريخِ ، إلا بتوظيف الوَعْي الواقعي في بُنية الفِعْل الاجتماعي، لأنَّ الوَعْي هو القُوَّة الدافعة للفِعْل. والوَعْيُ والفِعْلُ مُرتبطان بالتَّغَيُّرات النَّفْسِيَّة التي تَطْرَأ على حياة الفرد الداخلية والخارجية . وجميعُ هذه العناصر مُجتمعةً تُشَكِّل النسيجَ المعرفي، والتكوينَ الشُّعوري ، والتطبيقَ العملي . وبالتالي ، يُصبح المُجتمعُ شَبَكَةً مِن زوايا الرؤية المُتَنَوِّعَة والمُتكامِلة ، وحاضنةً للظواهر الثقافية ، والآلِيَّاتِ اللغوية القادرة على تفسيرها وتَوظيفها . وإذا صَارَ الواقعُ المُعَاش أداةً فِكرية للنهضة والإبداع ، فإنَّ التاريخ سَيُصبح رافعةً للوَعْي بِكُلِّ أشكاله وانعكاساته ، وهذا يُسَاهِم في السَّيطرة على المَعْنَى الوُجودي المُتَشَظِّي في العلاقاتِ الاجتماعية ، والمعاييرِ الأخلاقية ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى تحرير الإنسان مِن ضَغطِ الاغترابِ الذاتي ، ومَأزِقِ الخَلاص الفَرْدي ، وقُيودِ الاستهلاكية المادية، وهَيمنةِ الآلَة على الطبيعة .

    3

         تحريرُ الإنسانِ تَجسيدٌ للهُوِيَّة الوجودية في السُّلطة المعرفية ، التي تُمثِّل مَنظومةً مِن الشُّروط الضرورية لإعادة إنتاج الإنساق الفلسفية في البناءِ الاجتماعي والبُنيةِ الثقافية ، مِن أجل بناء ماهيَّة الإنسانية على السِّيَاقات التاريخية القائمة على النَّقْد البَنَّاء ، ولَيس التقديس المَصْلَحي . والتاريخُ الحقيقي هو الكِيَان الواقعي الذي يَستطيع الصُّمُودَ في رُوحِ الزمانِ وجَسَدِ المكانِ اعتمادًا على قُوَّته الذاتية بلا إسناد خارجي ومصالح مُغْرِضَة . وكُلُّ تاريخٍ يَستمد وُجوده مِن عوامل خارجية دخيلة ، وأنماط تفكير استبدادية ، سَوْفَ يَتفكَّك ويَنهار بسبب التناقضِ بين الإدراك الحِسِّي والوَعْي الفَعَّال ، والتعارضِ بين الواقع المادي والتأويل اللغوي . ويجب أن يَكُون التاريخُ تَطَهُّرًا دائمًا مِن الأحلامِ المَكبوتة والأفكارِ المَقموعة ، وتَطهيرًا مُستمرًّا للعلاقات الاجتماعية مِن الوَعْيِ الزائف والوَهْمِ النَّفْعِي المَصْلَحي الذي يُكَرِّر ذَاتَه ، ويُعيد نَفْسَه وَفْق أشكال استهلاكية مادية تَضغط على ذاكرة الفرد ، وتُضعِف شخصيته ، وتَسْلُب حُرِّيته وإنسانيته ، وتُحَطِّم مَركزيته في الطبيعة والوُجود .

    4

         البناءُ الاجتماعي لَيس كُتلةً أسمنتية جامدة ، وإنَّما هو كَينونةٌ مُتماهية معَ مَنطِق اللغة الرمزي ، ومنظومةٌ مُتفاعلة معَ السِّيَاق التاريخي للفرد والمُجتمع ، ومنهجيةٌ مُندمِجة معَ عملية صناعة الوَعْي الفَعَّال . والبناءُ الاجتماعي يَمْزُج التجاربَ الشخصية بمصادر المعرفة،ويُحَوِّل العواملَ النَّفْسِيَّة إلى معايير أخلاقية قابلة للتطبيق على أرض الواقع ، مِمَّا يُنتج بيئةً خِصْبَةً مُلائمة للأفكار الإبداعية ، ويَدفَع باتِّجاه توليد ظواهر ثقافية مُلتصقة بتفاصيل الحياة ، وغَير مُنفصلة عنها ، ولا مُتعالية عليها ، فَتَصِير الثقافةُ _ الشَّعْبِيَّة والنُّخْبَوِيَّة _ حَلًّا عمليًّا للواقع الإنساني المأزوم ، ولَيْسَتْ جُزْءًا مِنه . وهذا يَستلزم أن يَكُون البناءُ الاجتماعي قادرًا على تجاوُز ذاته ، وتَجَاوُز عناصر البيئة المُحيطة به . وهذا التَّجَاوُزُ الدائم للذاتِ والمُحِيطِ يُؤَدِّي إلى تَوليد الأفكار الإبداعية بشكل مُستمر ، وكُلَّمَا تَوَلَّدَتْ أفكارٌ إبداعية ، انبثقتْ تأويلاتٌ جديدة للتاريخ ، مُستقلة بذاتها ، وغَير خَاضعة للأدلجة السِّيَاسية . وهذه التأويلاتُ لا تَخترع تاريخيًّا ذهنيًّا بعيدًا عن الواقع ، وإنَّما تَقُوم بدمج الهوامش معَ المركز، لِتَكوين صُورة شاملة بكل الزوايا والأبعاد ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى تحليل دور الفرد في التاريخ باعتباره إنسانًا فاعلًا في الزمان والمكان ، وصانعًا للحَدَثِ ، ومُكْتَشِفًا للحُلْم ، ولَيْسَ شخصًا مَجهولًا بلا هُوِيَّة، وَمُسْتَلَبًا بلا شرعية ، ومنسيًّا بلا ذاكرة . إنَّ الفردَ مِثْلُ التاريخ ، كِلاهما يُجسِّد فلسفةَ الوجود في رحلة البح
    ث عن المَعْنَى .


    من وحي ١٥ شعبان الأغر / رعد الدخيلي

    عندما نتحدث عن عصر الظهور ؛ إنّما نتحدث عن وعد إلهي قطعه ﷲ سبحانه و تعالى.. بأن يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما وجورا..

    وهذا الوعد الإلهي لا يكون حتى تعجز البشرية عن التخلص من الظلم و الجور فتلتمس المنقذ المخلّص أن ينقذها من ضائقتها الحضارية الخانقة.. فيأتي الفرج ، و تزدهر الدنيا بنور الظهور المنتظر بإذن الله.

    أما ما نحن نقوله من كلام .. بأن الإمام المهدي(ع) لن يظهر حتى نمهِّد له نحن قاعدة جماهيرية أو دولة ينطلق منها لكي يحكم العالم .. فهذا إعتقاد خاطئ و مجترح للغيب ، إذ ما جدوى ظهور الإمام(ع) في أمّة صالحة يصلحها.. هو يظهر في دنيا فاسدة طالحة لكي يصلحها.. تماماً مثلما ظهر الأنبياء و

    الرسل(ع) !..

    علينا أن ننتظر الفرج ؛ عندما نحاول فلا نستطيع أن نقيم دولة إسلامية نسعد فيها  بالعدل.. لنا نحن ، لا أن نبقى نرزح تحت نير الظلم و الجور والعبودية و الرق و الإستعمار و المذلة منتظرين نبيّاً أو إماماً يخلّصنا 

    آفاق فراتية في عددها الرابع / جواد عبد الكاظم محسن

    صدر حديثاً في مدينة المسيَّب العدد الرابع من مجلة (آفاق فراتية) لسنة 2023م، وهي مجلة دورية تعنى بالتراث والثقافة المعاصرة، وقد حفلت صفحاتها كالعادة بمجموعة من الموضوعات القيمة، ففي باب البحوث والدراسات نشرت: (اقتصاديات الكلام) للمفكر الدكتور عبد الجبار الرفاعي، و(السلخ والغصب والسرقة) للأستاذة الدكتور ابتسام الصفار، و(تحقيق نصوص التراث) للأستاذ الدكتور هادي حسن حمودي، و(منهجية المؤرخ عبد الرزاق الحسني) للدكتور نجاح كبة، و(بيانو بغداد) للكاتب علي عبد الأمير عجام.

    وفي باب أعلام وسير نشرت: (عبد الحميد الراضي) للأستاذ الدكتور سعيد عدنان، و(عدنان آل طعمة) للأستاذ الدكتور محسن القزويني، و(عبد الكريم راضي جعفر) للدكتور مصطفى لطيف عارف.

    وفي باب ذكريات نشرت: (يومي الأول في الصحافة) للصحفي الرائد محسن حسين جواد، وجاء في باب قراءات نشرت عرضاً لكتاب (العليون من الشعراء) للشيخ عبد الأمير النجار، وفي باب مكتبات نشرت ما كتبه الأستاذ ظاهر المحسن عن (المكتبة المركزية في جامعة الكوفة)، وفي باب الشعر قصيدة (عروس الفرات) للشاعر توفيق حنون، وفي باب القصة (زيارة غامضة) للقاصة سنية عبد عون رشو، وحفلت أبوابها الثابتة، وهي (نصوص أدبية، كتب، ومسيبيات، وأعلام معاصرون، وفنون، ومحطات ثقافية، وإصدارات حديثة، وغيرها) بموادها العديدة المتنوعة.

        ومن الجدير بالذكر أن هذه المجلة لا تعرض للبيع في المكتبات التجارية، وإنما توزع جميع نسخها المطبوعة - على سبيل الإهداء - إلى الجهات العلمية القريبة مكانياً مثل المكتبات العامة والجامعية والمراكز الثقافية والتراثية وما شابه ذلك، وإلى الأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي، وهو ما يحقق أهدافها في خدمة الثقافة ، ويطابق شعارها (سفيرة المسيَّب الثقافية).

        ويمكن الحصول على نسختها الرقمية والاستمتاع بقراءتها والاستفادة منها.

    اللغة والعقل الجمعي في فلسفة حركة التاريخ إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

    الرَّمزيةُ اللغوية في العلاقاتِ الاجتماعية تُمثِّل شبكةً مِن الأفكارِ الإبداعية والتجاربِ
    الوجودية والظواهرِ الثقافية،وهذه الشبكةُ تُسَاهِم في إعادةِ تعريف مصادر الوَعْي في حقول
    المعرفة، ونقلِ شخصية الفرد مِن البَرَاءة إلى الخِبرة،وتحويلِ التفاعل الاجتماعي مِن تراكيب
    الفِطْرَة الإنسانية إلى عناصرِ المَنهج العِلْمِي والعَمَلِي، الذي يقوم على تحليل دَور المُجتمع في
    فلسفةِ حركة التاريخ ومَنطقِ العقل الجَمْعي . وكُلُّ مَنهجٍ فَعَّال هو بالضَّرورة ثَورةٌ لُغوية تُغيِّر
    طريقةَ تفكير الفرد،بِحَيث يَندمج الوَعْي معَ الأحداث اليومية، ولا يَتَعالى عليها،ولا يَنفصل عن
    السِّيَاقات الحضارية الموجودة في البناءِ الاجتماعي والبُنيةِ الوظيفية للواقع المُعَاش. والثَّورةُ
    اللغويةُ غَير مَحصورة في نِطَاقِ طبيعةِ الألفاظ ومركزيةِ المَعَاني، وغَير مَحدودة في إطارِ
    إشاراتِ التفاهم وَدَلالاتِ التواصل . إنَّ الثَّورةَ اللغوية حياةٌ قائمة بذاتها ، ومُكتملة بِنَفْسِها،
    وهي هَيكلٌ مَعرفي عابر للحواجز الزمنية ، ونظامٌ اجتماعي مُتجاوز للحُدود المَكَانية.
    والمُجتمعُ القائمُ على ثنائية ( الرَّمزية اللغوية / الثَّورة اللغوية ) لا يُولَد في الفَرَاغ ، ولا
    يُؤَسِّس للعَدَم، لأنَّ اللغةَ هي القُوَّةُ الدافعة للعلاقات الاجتماعية، والمُحَرِّكُ الأساسي للفِكْرِ
    والإبداعِ ، والرافعةُ الحقيقية للمعايير الأخلاقية.وهذه الحركةُ الدَّؤُوبةُ_اجتماعيًّا وفِكريًّا
    وأخلاقيًّا_ تَجعل هُوِيَّةَ المُجتمعِ مُتماسكةً ، ولا تُحِيل إلى غائب ، وإنَّما تستعيد التجاربَ
    الحياتية مِن الغِيَاب ، وتسترجع أحلامَ الفردِ مِن الاستلاب .
    2

    تاريخُ العلاقاتِ الاجتماعية لَيس رُجُوعًا إلى الزمن الماضي أوْ هُروبًا مِن المكان الحاضر
    ، وإنَّما هو خِطَابٌ وُجودي يُعاد تشكيلُه باستمرار كواقع مَحسوس يُنقِّب عن سُلطة المُجتمع
    في ماهيَّةِ الفرد، ويَكشِف حقيقةَ اللغة في عملية إعادة إنتاج المعرفة، باعتبارها تأسيسًا
    للمَعنى الإنساني في مُوَاجَهَة قَسوةِ الأحداث اليومية ، وخُشونةِ الوقائع التاريخية . وهذا
    التأسيسُ يُؤَدِّي إلى تحويل مصادر الوَعْي إلى منظومة مِن الأسئلة المصيرية ، مِن أجل اختبارِ
    الماضي لا تَقْدِيسِه ، وتفسيرِ الحاضرِ لا تَحنيطِه . وبالتالي ، تنتقل العلاقاتُ الاجتماعية مِن
    حالة الأُسطورة إلى بُنية المُسَاءَلَة ، وتنتقل الظواهرُ الثقافية مِن وَضْعِيَّة الأيقونة إلى
    مشروعية التأويل ، مِمَّا يَكسِر وِصَايةَ الماديَّة الاستهلاكية على اللغةِ والمُجتمعِ ، ويَصنع
    هُوِيَّةً مَعرفية خالية مِن التناقض ، وذات طبيعة إنسانية بعيدة عن المصالحِ الشخصية الضَّيقة
    ، والتفسيرِ المُغْرِض لمسارات التاريخ في العقل الجَمْعي والتجارب الوجودية والتفكير
    الأخلاقي . وإذا كانَ الكِيَانُ الإنساني هو النظامَ الجامع لِبُنيةِ الفِعْل الاجتماعي ومَضمونِها
    وتأويلِها ، فإنَّ الكَينونةَ المُجتمعية هي المَنظومةُ الجامعة للظروفِ المادية زمنيًّا ومكانيًّا ،
    والرُّؤيةِ الفلسفية لهذه الظروف ضِمن شُروطِ بناء التاريخ في الحضارة، وعواملِ قِيَام
    الحضارة في فلسفة حركة التاريخ . وهذا التداخلُ مِن شأنه إعادة تَفسير مُحاولات سَيطرةِ
    الفرد على ذاته ومُحيطه ، وهَيمنةِ المُجتمع على مساره ومصيره . والتَّحَدِّي الأبرزُ في هذا
    السِّيَاق يتجلَّى في كيفيةِ مَنعِ الآلة مِن السَّيطرة على الفرد ( حماية الشُّعور الإنساني مِن
    التَّحَوُّل إلى نظام ميكانيكي ) ، ومَنْعِ المُجتمع مِن استنزاف موارد الطبيعة لتحقيق رفاهيته ،
    وتكريسِ سُلطته ، وتعزيزِ سَطْوته .

    3

    اللغةُ تَمْنَع العَقْلَ الجَمْعي مِن التَّحَوُّل إلى أداةٍ لقمع أحلام الفرد ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى صناعة
    نظام اجتماعي قائم على القِيَم العقلانية والوَعْي النَّقْدِي . واللغةُ تُحَافِظ على التوازن بين
    المُجتمع والطبيعة ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى تكوين بيئة إبداعية قائمة على المعايير الأخلاقية والتعابير
    الجَمَالية . وإذا كانَ الهدفُ مِن النظام الاجتماعي هو دَمْجَ هُوِيَّةِ الفرد معَ سُلطة اللغة ، فإنَّ

    الهدفَ مِن الوَعْي النَّقْدِي هو تحريرُ إنسانيةِ الفَرْد مِن الخَوْفِ ، وإعادةُ تشكيل ملامح
    شخصيته الوجودية بحيث تُصبح آلِيَّةً مَعرفية للانعتاقِ مِن تَسليع الكِيَان الإنساني ( تَحَوُّله إلى
    سِلعة ضِمن ثنائية العَرْض والطَّلَب ) ، والتَّحَرُّرِ من الرابطة النَّفْعِيَّة المادية التي تَجعل البناءَ
    الاجتماعي شيئًا قابلًا للبيع والشراء . ولا يُمكن للمُجتمع أن يَترك بصمةً مُؤثِّرة في فلسفة
    حركة التاريخ إلا إذا تَمَّ بناءُ العلاقات الاجتماعية وَفْق مَنطِق اللغة،ولَيس مَنطِق السُّوق، وهذا
    يَتَطَلَّب حمايةَ شخصية الفرد الإنسانية مِن أثرِ الاغتراب وتأثيرِ الاستلاب ، وتحليلَ البُنية
    الوظيفية الجوهرية في الأنساقِ اللغوية والسِّيَاقاتِ الواقعية ، مِمَّا يَمنح الفردَ القُدرةَ على
    تجاوز الواقع ، مِن أجل صِناعة واقع جديد قائم على الوَعْي الحقيقي لا الزائف . والوَعْيُ
    الحقيقي لا يتكرَّس كَهُوِيَّةٍ وسُلطةٍ وشرعيةٍ ، إلا إذا نَجَحَ في انتشال الأفكارِ الإبداعية
    المقموعة في أعماق الذاكرة الوجودية للفرد والمُجتمع . وهذا يُحقِّق التجانسَ في الحراكِ
    المُجتمعي وحركةِ التاريخ معًا ، وَيَحْمِي المَعنى مِن الغِيَاب ، ويَحْرُس العقلَ الجَمْعِي مِن
    الغَيبوبة .

    الملحمية وتداعياتها في المسرح البرشتي/ مجيد عبد الواحد النجار

    مفهوم المسرح الملحمي الذي صاغة برشت، استند على العناصر التي استفاد منها من المسرح الشرقي التقليدي القديم، فهو يريد منه ان يجعل المتفرج راصدا متعقبا ومتسائلا للأحداث، لا متفرجا مندمجا بالأحداث التي تقع امامه على خشبة المسرح، من اجل ان يوقظ فيه الحيوية والفعالية(1).

    في البدء يجب ان نثبت بان المسرح الملحمي هو من صناعة وتنظير صاحب الريادة اروين بسكاتور الذي تعلم من استاذه راينهارد في وضع الأسس الكاملة لهذا النوع من المسرح والذي أراد من خلاله ان يجعل (المسرح برلماناً والجمهور هيئةً تشريعية)، كما استخدم فيه التقنيات من اجل تعديل وظيفة المسرح وتأثيره على المتفرج، والتي ادخلها فيما بعد على مسرحه السياسي، دون التقليل من قيمة المسرح الاغريقي او (المسرح الارسطي)،او التناقض معه، لأنه يعتقد بل يؤمن بان رسالة المسرح هي تغيير وتطوير ذهنية المتفرج وتحويلها الى ذهنية إيجابية عاملة في المجتمع(2)، هذا من باب الانصاف والاحقية في صياغة المسرح الملحمي، ولا ننسى ان برشت اشتغل مع بسكاتور ولفترة طويلة ويعتبره استاذه في المسرح، لكنه – برشت – اجتهد بان يدخل المسرح الملحمي في (الادب) لذلك كتب نصوصه المسرحية جميعها عن طريق النظرية الملحمية، فبالعودة الى مشهد الشارع الذي يتحدث عنه برشت عن التغريب والذي هو المثال الامثل والمتداول لتجربة المسرح الملحمي، وندقق كل التفاصيل التي تحدث بها، فيما يخص المشخص/ الممثل وما يخص المشاهد، كل هذا يدخل في صلب الادب وليس المسرح، وبالعودة أيضا الى الإشارة (للتغريب) واهميته في المسرح الملحمي والذي يشكل الجزء الأكبر والذي يتناول الاحداث الاجتماعية والإنسانية المطلوب تصويرها وتسميتها على اعتبارها شيئا يدعو للتفسير والايضاح لا مجرد امر طبيعي مألوف من اجل السماح للمتفرج بالذهاب الى النقد بشكل بناء من وجهة نظر اجتماعية (3)، اليس هذا كله موجود في النص!، ولو لم يكن موجودا ماذا على المخرج ان يفعل؟ وماذا على الممثل ان يجسد؟، هل يخلق المواقف والاحداث لوحده؟ وهل بإمكان المخرج ان يقدم مسرحية (البخيل) لمولير مثلا، بنظرية المسرح الملحمي كما كُتبت؟ دون تعديل، وعلينا ان لا ننسى ان هذا المصطلح يعود أصلا الى ارسطو .

    واذا ما ناقشنا (الملحمية) وفسرناها بأبسط تفسيراتها وجدنا بانها (تقسيم المشاهد واستقلاليتها)، وبرشت طبعا يقترب كثيرا من مفهوم (دبلن) في تعريفه للملحمية، والتي يعدها قادرة على تقطيع الدراما الى اجزاء، فماذا نقول عن السينما – الذي اشتغل برشت بها-، اليس تقنية استقلالية المشاهد موجودة في السينما اصلا؟ الم تكن تقنية تقطيع المشاهد موجودة في السينما؟، لماذا لا يكون برشت تأثر بها مثل ما تأثر بالمسرح الشرقي ونقل هذه التقنية التي هي ليس (غريبة) عن الجمهور، فالجمهور كان يتابع العروض السينمائية وهو يعرف ان الاحداث غير متسلسله، وهو متعود ان يجمع هذه الاحداث في النهاية لكي يخرج بقصة مشوقة ومتسلسلة، وتعود في السينما ان يشاهد خطوط فرعية للقصة، وبعضها هامشية، لكنه يتمكن من متابعة القصة الاصلية دون تأثيرات الخطوط الجانبية عليه، كما ان الجمهور كان يشاهد افلام (شالي شابلن) دون حوار،- يذكر (ان (شابلن) استخدم العنصر الملحمي دون ان يكون اشتراكيا او ماديا)(4)– فقط هناك اشارات ورسائل، تكتب على الشاشة، لكنه يتفاعل معها لأنه يفهمها، كما ان برشت كانت له تجارب في السينما مع المخرج العالمي (بايست) في (اوبى القروش الثلاث)، كما عمل مع زميله (فريتز لانج) في لوس انجلس على انجاز (الجلادون يموتون كذلك)، وهو يشير الى أنه تأثر بالسينما الروسية، وسينما ايزنشتاين عندما زار برلين عام 1929.

    هل هذا يقودنا للقول بان نظرية برشت المتعلقة بالمسرح الملحمي، هي ليست ابداعا خالصا حققته عبقريته المسرحية، انما هي عبارة عن تنظيم واعادة انتاج من التجديدات والتجارب التي حدثت في عالم المسرح والدراما (5) ومع هذا  فقد عُدت نظرية برشت متكاملة من جميع النواحي لأنها عالجت العمل المسرحي بأكمله.

    اذا كانت هذه النظرية متكاملة وتم عرض جميع اعماله على هذا الأساس لماذا غير بعد ذلك التسمية الى (المسرح الجدلي)، هل هناك علاقة بين هذا التغير وشخصية برشت الجدلية المزدوجة؟… وهو الذي لم يصبح ثوريا اجتماعيا الابعد ان سلك السبل في عدميته الأولى (6)، هل يمكن ان يكون لهذا الاضطراب النفسي والجسدي الذي عاش فيه برشت اثر على ما قدم من نصوص مسرحية؟ وما نظرته للمسرح وهو المعروف عنه ان جميع اعماله مقتبسة من اعمال أخرى، وبالتالي فهو مقتبس كل ما يتعلق بنظريته من المسرح الشرقي وتحديدا مسرح (النو) الياباني، والمسرح الهندي، والمسرح الصيني، ومن استاذه بسكاتور، اذن اين النظرية، وما هي التجارب التي اجراها عليها؟ وما هي النتائج التي خرج بها من اجل تطبيقها؟، لقد اراد برشت من خلال مسرحه تغير العالم، فهل استطاع ان يغير من خلال نظريته احداً من جمهوره، هل هناك استبيان قبلي وبعدي من اجل معرفة تأثير النظرية على الجمهور؟.

    وبالعودة الى ان المسرح الملحمي يخاطب عقل المشاهد لا عواطفه، اقول منذ متى والمسرح لم يخاطب العقل، اذا ما عرفنا ان المسرح بالأساس انبثق من المعابد، واحتضنته الكنائس فيما بعد، وكانت صبغة التعليم واضحة عندما استخدمته الكنسية الرومانية بطرح تعاليم السيد المسيح وتعليم أبنائهم بنفس الأسلوب وعن طريق المسرح أيضا، وكذلك قام رجال الكنيسة في العصور الوسطى بدعم وتشجيع مسرحيات الاسراء والاخلاقيات كوسيلة لإدماج رسالة الكتاب المقدس (7), فالمسرح الذي يُستخدم لتعليم الأطفال الا يعد هذا  مخاطبة للعقل، لان أساس التعليم هو موجه للعقول وليس للعواطف، اذن من الممكن ان نعتبر ما قاله برشت (تغريبا)، وهو الذي لا يؤمن بالإنسان ولا يحترمه يريد ان يخاطب عقله، نعم لأنه لا يعترف به ككائن له وعي وفهم فقد اعتبره وهذا اعتراف منه في قصيدته (المسكين ب. ب)، ان الكائنات البشرية – وهو يعتبر نفسه واحدا منهم-، (حيوانات كريهة الرائحة) الى حد غريب، كما ان الانسان والطبيعة هما الموضوعات الرئيسية التي تستولي على مسرحياته الأولى والتي يتناول فيها اشكالا من الإنسانية اخطر من ذلك التدهور في بيئة مفزعة، ففي مسرحية (بعل) مثلا نجده يروي حياة شاعر عديم الرحمة ذي ميول جنسية مزدوجة، يشبع غرائزه بدون وازع ضمير، ويموت في النهاية في مهانة وحطة وسط البول والركام معلنا ان العالم ما هو الا براز، وفي مسرحية (طبول في الليل) يصور ما تعانيه الشخصية الرئيسية من فوضى وعزلة… ويسلك اشد السبل اطمئنانا وامانا،(انا خنزير، والخنزير يذهب الى بيته)، وفي مسرحية (غابة المدن) يصور برشت اختلاف الكون وقسوة البشرية التي لا مبرر لها، مختتما المسرحية بتقبل الشر تقبلا سلبيا، هل هذا التغير الذي يسعى اليه برِشت، هل بهذه الطريقة يريد برشت ان يغير العالم، ان هذا الامر يستدعي الوقوف امامه كثيرا، ان هذه الازدواجية الموجودة في شخصية برشت قد انعكست على اعماله وحياته، ولم تتغير نظرته عن المجتمع وعن الفرد، لذلك فهو لا يريد ان يعلم المجتمع من خلال مسرحة او يجعله ثوريا، بل يريد ان يعيد تعليمه وفق ما تملي عليه شخصيته الازدواجية والفوضوية، وضل برشت في حياته الأولى لم يغير من نظرته اتجاه الانسان الذي اعتبره حيوان كريه الرائحة الى حد عجيب ، وهو غير جدير ببطولة او اخلاق او حرية ، او أي شيء اكثر من العمل في سخرية على ما فيه خير هو وبقاءه (8).

    ومن ثم اذا كان كل ما يهم برشت هو الانسان وقضايا المجتمع ،والانسان لديه هو الأداة الرئيسية التي يحرك بها المسرحية، لذ لمَ يحمله مسؤولية الإرادة ويجعلها بيد الانسان وليس خاضعة للظروف الحياتية، التي تجبر الانسان في احيانا كثيرة بان يسير معها، وقد ذكر لنا الله في كتابه العزيز: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (9) ويقول: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)(10)، اذن ما ذنب الانسان ان نحمله مالم يستطيع تحمله، وهو غير خاضع لإرادته وحده، وهو غير عالم بكل ما يحصل له سوى الامور الانية، التي من الممكن ان يخطط لها ويفكر، لكن برشت يصر على ان يحمل الانسان المسؤولية ويخضع كل هذا الى المسرح الملحمي، الذي يعني سرد الاحداث الماضية من حروب ومأسي واعمال بطولية وظروف متعددة من قضايا الانسان ومشكلاته التي مر بها في حياة قاسية ومريره، وطبعا هذا الطرح يكون جماعيا يخص شعبا كاملا مر بهذه المعاناة، واحيانا يكون الطرح فرديا(11). وبالعودة الى كتاب المسرح الاغريقي، نجد انهم اعتمدوا في طروحاتهم على المثيولوجيا، ونقلوا للشعب الاغريقي كل البطولات القديمة، ليتعلمو ويستخلصوا الدروس والعبر منها.

    لكن برشت ينظر للأحداث التي مرت كابوسا كبيرا انهكت الانسان والمجتمع، وعليه حاول ان يوثق هذا التاريخ المرير لشعبه، ومارس هذا الفعل في بادئ الامر في الشعر حيث كتب العديد من القصائد التي اظهر فيها مظلومية شعبه حيث كتب هذه القصائد بين عام 1918 و 1926 ، حيث كانت القصائد للفوضى والعدمية والكآبة والاستلاب الإنساني في تلك الفترة.

    اذن ماذا نطلق على كتابات سنكا وشكسبير، وغيرهم من الكتاب الذين اوخوا لبلدانهم وحكامهم.

    فعملية التوثيق لا تستدعي (التغريب)، لان ناقل الحقائق يجب ان يكون اميناً في نقلها، للجيل الجديد من الشعب، الذي ينتظر هذه الحقائق، وينبغي ان يعرفها كما هي ليقوم بنقلها للأجيال التي بعده، دون تشويش، ودون (تغريب)، ولا يحتاج ان يحللها او يحل رموزها، فنقل الوثيقة مسؤولية كبيرة، فمن مسؤولية الكاتب ان ينقل الاحداث كما حصلت في الواقع، مع بعض التعديلات التي تنفعها لغرض المتعة والتشويق، بشرط ان لا يؤثر على مجرى الاحداث، كون الاحداث الواقعية معرضة الى نقلها من جهات عدة، فاذا ما حدث وان نقلت هذه الاحداث من كاتب اخر فسيكون الكاتب الاول محرج امام جمهوره، وتثار اسأله كثيرة حول هذه الاحداث، علما ان قصائد برشت الاولى كانت صادقة في نقل الواقع المرير الذي يعيشه الانسان المضطهد والمسلوب الإرادة، من قبل البرجوازية، ومن ثم نقل التاريخ لا يحتاج الى نظرية جديدة ننطلق من خلالها لتعريف الاجيال به، فهو موجود في الاساطير، وكتب التاريخ والقصص والروايات، التي استعان من بعضها برشت وحولها بخبرته العالية الى اعمال مسرحية كبيرة.

    ويبقى القول النهائي ان المسرح لملحمي لا يمكن ان يكتمل الا بكتابات برشت نفسها، فهو قد اختط لنفسه اسلوبا ادبيا يكتب اعماله المسرحية المقتبسة من قصص واحداث اخرى، وعلى الذين يرغبون في الدخول بهذه الملحمية بأعمال كتاب اخرين عليهم اعداد النص المسرحي وفق الخريطة التي رسمها برشت او اعادة كتابة النص من جديد .

    الإحـــالات:

    (1): ينظر : يوسف عبد المسيح ثروت ، معالم الدراما في العصر الحديث، (المكتبة العصرية، بيروت ، ب، ت)،ص87.

    (2): ينظر : اوديت اصلان ، موسوعة فن المسرح، ترجمة: سامي احمد، ج2 ( دار الطباعة الحديثة ، ب ـ ت) ص743.

    (3):ينظر : أريك بنتلي، نظرية المسرح الحديث، ترجمة : يوسف عبد المسيح ثروت ( وزارة الاعلام  العراقية ، بغداد ، 1975 ، ص 82.

    (4): مذكور ثابت، الكسر النسبي في الايهام السينمائي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994

    (5): د. سعد عبد العزيز عبد الصاحب، الجدل في المسرح المعاصر، الهيئة العربية للمسرح، الشارقة

    (6): ينظر : يوسف عبد المسيح ثروت ، معالم الدراما في العصر الحديث ، المصدر السابق .

    (7):ينظر: حسن كاظم خضير الخفاجي، توظيف المسرح المدرسي في تعزيز الشخصية الإيجابية (مركز البحوث والدراسات التربوية ، بغداد ، 2011) .

    (8):ينظر : روبرت بروستاين ،المسرح الثوري، ترجمة: عبد الحليم البشلاوي ( دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، ب، ت).

    (9):  سورة المرسلات ، الآية(30).

    (10): سورة الكهف الآية(22) والايه(23).

    (11): ينظر : يوسف عبد المسيح ثروت ، الطريق والحدود : مقالات في الادب والمسرح والفن ، مقالات في الادب والمسرح والفن  (منشورات وزارة الاعلام، سلسلة دراسات/118 ، بغداد، 1977)

    الماركسية والترف الفكري / سمير عادل

    انهى ماركس عمر الفلسفة بعبارته الشهيرة:" فسر الفلاسفة العالم بطرق وأشكال مختلفة، ولكنَّ المهمة تكمن في تغييره".

    أي كان فكر ماركس وإسهاماته الفكرية والسياسية والاقتصادية، ثوريا بالمعنى المطلق، وكان نقده ثوريا بامتياز الى فلسفة هيغل ومادية فيورباخ، واستطاع ان يرسخ نظرية مادية في تغيير المجتمع وإعادة القيمة إلى الإنسان التي عبر عنها بجملته المعروفة،" الإنسان هو أثمن رأسمال".

     تحويل ماركس الى أكاديمي وفيلسوف، هو محض عمل صرف للطبقة البرجوازية منذ ان حول لينين النظرية الماركسية على الصعيد الأيديولوجي والسياسي والاجتماعي الى واقع مادي ملموس، عندما بين ان السلطة ممكنة بيد الطبقة العاملة، وأن الثورة الوحيدة في عصر ما بعد الرأسمالية هي الثورة العمالية وتحت افاق الاشتراكية، وكل بخلاف ذلك، هي اما ثورات مرتدة لإعادة الأوضاع الى سابق عهدها، او ثورات ديمقراطية تحسن وضع تيارات الطبقة البرجوازية على صعيد السلطة والمعادلة السياسية على حساب الجماهير العمالية والكادحة، ولا يمكن نفي بأن وفي ظل أوضاع محددة، وضمن توازن القوى، يتحسن وضع الأخيرة وبشكل نسبي وبدرجات، وهي نفس الأوضاع قد يمهد او يفرض على أحزاب برجوازية تقديم التنازلات السياسية من أجل الحفاظ على سلطتها الطبقية. 

    هذه هي حقيقة ماركس والفكر الماركسي، فلم يكن ماركس فيلسوفا، وقد سدد ماركس ضربة قاصمة الى الفلاسفة، عندما صور تحلق مخيلتهم في تفسير العالم مع انجلز في كتابهما (الأيديولوجية الألمانية)، مثل ذاك الذي يحلق بخياله في عملية الاستمناء أو ما تسمى بالعادة السرية.

    أي بشكل آخر نقول، كان ماركس اخطر قائد ثوري، يقض مضاجع البرجوازية والاقطاع وكل القوى الرجعية في اوروبا، والتي سماه في البيان الشيوعي الحلف المقدس. ولأنه كان كذلك، فقد منع من التدريس في الجامعات، وحظر دخوله او العيش في العديد من البلدان الاوربية.

    ان الأقلام المأجورة و المفكرين البرجوازيين، لم يكن امامهم خيار في الحيلولة دون ظهور لينين جديد، يعلم الطبقة العاملة الطريق الى السلطة السياسية إضافة الى كل أساليب القمع السياسي والفكري وإشاعة التحميق والجهل، نقول لم يكن أمامهم سوى العمل بتحويل الفكر الماركسي الى منظومة اكاديمية معزولة، تدور اما في الجامعات او في ذهن لفيف من مثقفي الطبقة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، في حين منع صاحبه كما اشرنا من وضع أقدامه في تلك الجامعات.

    إن المنطق المتماسك للفكر الماركسي، وتفسيره المادي لكل العلل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، هو احدى العوامل في تبني أولئك المثقفين، الفكر

    الماركسي، ولكن منزوع الثورية، مثل حليب منزوع الدسم، وفضلا على ذلك أن رقي الفكر الماركسي بالنسبة لهم وتبني كل منجزات العلم والتطور الانساني، هو مبعث راحة ضمير عندما يجلسون خلف مكاتبهم ، بأبداء النصح والغوص في التحليلات على أساس الماركسية، التي هي محل اعجاب طيف واسع من الجمهور.

    ومثلما ابدعت البرجوازية من اجل الربح، ابتكار وسائل للترفيه والاستجمام، ابدعت أيضا في تحويل الفكر الماركسي الى ترف فكري يتمتع بالمنتجعات الفكرية مثل المنتجعات السياحية، مثل مراكز الدراسات والجامعات والصالونات، ويحضر إليها شلة من الناس الذين يسمون أنفسهم بالنخبة بالاستجمام الفكري، وينظرون من برجهم العاجي المحصّن من ضربات منجنيق القرون الوسطى، الى الطبقة العاملة والمحرومين وكل أشكال الظلم القومي والعرقي والجنسي وعملية التجهيل المنظمة من قبل الطبقة البرجوازية الحاكمة، وشيوع الخرافات الدينية، بأنهم أي الجماهير العاملة والكادحة، لم ينضجوا بعد، ولم يفكوا بعد شفرة طلاسم الديمقراطية، بينما هم أي النخبة، تمتلك اكسير الترف الفكري.

    إن احدى السمات الإيجابية لانتفاضة أكتوبر في العراق أي انتفاضة تشرين ٢٠١٩، هي انتشار الفكر الاشتراكي بشكل نسبي، وتبني الفكر الماركسي في أوساط اجتماعية عديدة، وقد تحدثنا عنها في وقتها، الا ان ما نريد الإشارة إليه في هذه المساحة، هو سيادة التقاليد النخبوية للبرجوازية الصغيرة على هذه الأوساط، وتنظر الى الفكر الاشتراكي وحتى الحلقات الاشتراكية او التجمعات التي تبلورت حول هذا الفكر، بأن الفكر الاشتراكي هو فكر نخبوي، هو فكر صف من المثقفين الذين ينحدرون من البرجوازية الصغيرة، هو فكر ليس له علاقة بالتغيير، ولا بالتدخل في الحركات الاجتماعية، ولا تعترف بدوره بالتغييرات السياسية والاجتماعية في المجتمع.

    وبموازاة ذلك أيضا يعزل الفكر الماركسي عن الفكر الاشتراكي، وكأن الفكر الماركسي هو فكر تحليلي وفلسفي، بينما الفكر الاشتراكي هو فكر نخبة من الناس المحترمين وطيبي القلب والنيات، ولديهم مستوى من الثقافة والفكر النير حول العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات.

    هذا العزل، او وضع جدار بين الفكر الماركسي والاشتراكي هو من صنع البرجوازية الصغيرة، ويلتقي أصحابهما في نقطة اللاعمل، وحصر كل شيء بالثقافة وتنوير الناس، حتى ظهور "المهدي المنتظر" ولكن ليس نسخته الشيعية، انما بنسخته الاشتراكية ويقود التغيير.

    وان هذا المشهد الكاريكاتوري في أوساط المثقفين الذين يتبنون الفكر الماركسي والفكر الاشتراكي، يمتد الى العديد من المدن، وخاصة بعد انتفاضة أكتوبر.

    إذا لم يمض الفكر الماركسي نحو التغيير الثوري في المجتمع، وانهاء علاقات الإنتاج الرأسمالية القائمة على استثمار الانسان، وبناء المجتمع الاشتراكي،

    فهو فكر له علاقة بكل شيء ولكن ليس له أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بماركس ومنهجيته بالتغيير الثوري، اما الفكر الاشتراكي دون مد يده الى

    الماركسية كعلم التغيير او كما يصفه منصور حكمت بأنها علم تحرر الطبقة العاملة والذي بالضرورة علم تحرر المجتمع، مثل بقية العلوم الأخرى، يتحول دعاته الى انبياء لا حول لهم ولا قوة، حيث يفتقرون الى المعجزات كي يتبعهم الاخرين.

     وكما ان التصورات والأفكار الليبرالية والديمقراطية والقومية والفاشية تمثل تيارات داخل الطبقة البرجوازية، فان التصورات والأفكار الاشتراكية و الشيوعية والفوضوية والنقابية، تعبر عن ميول وتيارات داخل الطبقة العاملة، ويعتبر الفكر الماركسي هو علم ذلك التيار في الحركة الاشتراكية داخل الطبقة العاملة مثلما يعلمنا منصور حكمت قائد ومفكر الشيوعية العمالية.

    أي ما نريد ان نقوله، بأنه لا مكان للأفكار والتصورات خارج حدود الطبقات، وعليه ان الفكر الماركسي هو الراية النظرية لتيار محدد في الحركة الاشتراكية وهو التيار الشيوعي داخل الطبقة العاملة، وليس راية لكل الطبقة العاملة، شأن التيارات البرجوازية الانفة الذكر، التي تبغي كل واحد منها جر الطبقة البرجوازية تحت رايتها.

     ولكن ماذا فعلت البرجوازية بالفكر الماركسي، فقد فصلته أو بالأحرى ودقيق العبارة انتزعته من طبقته، وحولته إلى راية سياسية للشرائح الاجتماعية

    المتذمرة والساخطة ضد الاستعمار والامبريالية والرأسمال العالمي وضد الاستبداد والدكتاتورية داخل الطبقة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة مع تفريغه من محتواه الفكري والسياسي، وعندما انتفت الحاجة اليه، حولته الى مكتب فكري لترفيه المثقفين من تلك الطبقات.

     بمعنى اخر ان الفكر الماركسي هو راية التيار الشيوعي داخل الطبقة العاملة، ولا معنى للفكر الماركسي خارج طبقته، وكل ما يقال بخلاف ذلك هو محض هراء وفبركة برجوازية، لإبعاد هذا السلاح النظري من يد الطبقة العاملة في نقد الرأسمالية ونظامها الجائر والعمل على قلبه. وليس هذا فحسب فالفكر الماركسي دون تحزبه، دون تنظيم الفصيل الثوري الذي يعبر عنه التيار الشيوعي، دون العمل على سيادة افاقه الفكرية والسياسية والاجتماعية على الطبقة العاملة، فلا يتجاوز فلك البرجوازية ومكاتبها الفكرية، التي ترتعب من ظهور لينين آخر يٌمَكَنّه من تبنيه، و يسلحه بالجسارة الثورية لمد يديه إلى السلطة.

    الوجود والثقافة والمعرفة إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

    1
    الرابطةُ الوجوديةُ بين الظواهرِ الثقافية ومصادرِ المعرفة تُمثِّل منظومةً اجتماعية حاضنة
    للتفاعلات الرمزية المُسيطرة على علاقة الفرد بِنَفْسِه وبيئته ومُجتمعه. والتفاعلاتُ الرمزيةُ
    جَوْهَرٌ أخلاقي مُتجانِس،ونَسِيجٌ مُتشابِك مِن الصُّوَرِ الذهنية والأحداثِ الواقعية ، يُؤَدِّي إلى
    إنتاج آلِيَّات لُغوية قائمة على تأويلِ تفاصيل الواقع المُعاش ، وتفكيكِ أدوات الهَيمنة السُّلْطَوِيَّة
    على الوقائع التاريخية ، واستنباطِ المعاني الكامنة في السلوكياتِ الفردية والمصالحِ الجماعية
    ، وصناعةِ عوالم فكرية قادرة على صهر الماضي والحاضر والمُستقبَل في بَوْتقة واحدة ،
    وفتحِ الزمن على جميع التفسيرات للمَعْنَى الحَاكمِ على السِّيَاق الاجتماعي،والمَحكومِ بطبيعة
    السُّلوك الإنساني، والمُتَحَكِّمِ بشروط إنتاج المعرفة في العناصر التاريخية المُحيطة بشخصية
    الفرد الإنسانية، باعتبارها كِيَانًا حياتيًّا مركزيًّا، وكَينونةً لُغوية مُتجدِّدة. وإذا كانَ التاريخُ
    _كَوَعْيٍ خَلاصِي وإدراكٍ رُؤْيَوِي وإرادةٍ إنسانية _ تَوليدًا مُستمرًّا لفلسفة السُّلطة في المعرفة
    حِسِّيًّا ومَعنويًّا ، فإنَّ اللغةَ _ كَسُلوكٍ مُجتمعي ومَضمونٍ إبداعي ومشروعٍ تَحَرُّري _ إعادةُ
    صناعةٍ للنَّوَاة الأساسية لِهُوِيَّةِ المُجتمع روحيًّا وماديًّا . وعندما يتحرَّك التاريخُ باتِّجاه اللغة ،
    فإنَّ تفاصيل الحياة المَلموسة تُصبح مَركزًا مُتَجَذِّرًا يَستعيد الهوامشَ ، ومنهجًا عقلانيًّا يُحرِّر
    السِّيَاقَ الاجتماعي مِن الكَبْت ، وزمنًا مُتَشَعِّبًا يُعِيد العناصرَ المنسيَّة إلى ذاكرة المجتمع ،
    بِوَصْفِهَا فِعْلًا وفاعليَّةً وتَفَاعُلًا . وعندما تتحرَّك اللغةُ باتِّجاه التاريخ ، فإنَّ تعقيدات المشاعر
    الإنسانية تُصبح جَوْهَرًا فلسفيًّا يُولِّد الأسئلةَ المصيرية في التُّرَاث ، ومنظومةً معرفية تُكرِّس
    مركزيةَ الذات في الذكريات ، ومَرجعيةً رمزية تُحلِّل الدَّوْرَ الحضاري للمنطقِ اللغوي والعقلِ
    التاريخي .
    2
    الوجودُ صِناعةٌ مُستمرة للخِبرات العملية ، والثقافةُ إنتاجٌ دائم للأسئلة المصيرية ،
    والمعرفةُ تشييدٌ مُتواصِل للبناء الاجتماعي. وهذه الأركانُ الثلاثة ( الوجود والثقافة والمعرفة
    )، تُمثِّل نِظَامًا مِحوريًّا لا يَتَعالى على التاريخ، ولا يُقِيم قَطِيعةً مع أنساقه ، وإنَّما يُؤَسِّس
    مناهجَ اجتماعية للكشف عن الشروط الضرورية لتوظيف الأفكار الإبداعية في عملية تفسير
    مصادر المعرفة، من أجل دَمْجها معَ الآلِيَّات اللغوية التي تُسَاعِد العقلَ الجَمْعي على تحويل
    الوَعْي الحضاري إلى تاريخ مُشْتَرَك بين مَاهِيَّةِ الوُجود الحَي والحُر ( طبيعة الفردِ وهُوِيَّة
    المُجتمع ) ومَاهِيَّةِ النشاط الواقعي والعَقْلي ( دِينَامِيَّة الحياةِ اليومية والصَّيرورة الزمنية
    المكانية ) . وإذا كانت الظُّرُوفُ المعيشية تُؤَثِّر في تراكيبِ الهُوِيَّةِ والماهيَّةِ سَلْبًا وإيجابًا ، فإنَّ
    العقل الجَمْعي يُؤَثِّر في تفاصيل الحياة اليومية ، ويَستطيع مَنْحَ الشرعية لها أوْ نَزْعها عَنها .
    والامتحانُ الحقيقي لا يَكْمُن في قُدرة الفرد على تغيير مُجتمعه ، وإنَّما يَكْمُن في قُدرة الفرد
    على تغيير نَفْسِه، مِن أجل إعادة بناء مُجتمعه ، باعتباره هُوِيَّةً وُجوديةً قائمةً بذاتها ،
    ومُتَفَاعِلةً معَ العناصر المُحيطة بها ، ومُتَجَانِسَةً على صَعيد البُنية التحتية والبُنية الفَوقية ،
    ومُنْدَمِجَةً معَ عملية تَحويل الظواهرِ الثقافية ومصادرِ المعرفة مِن الكِيَان إلى الكَينونة، ومِن
    الذات إلى الطبيعة ، ومِن النظرية إلى التطبيق . والمُجتمعُ لَيْسَ مرحلةً زمنيةً عابرةً ، وإنَّما
    هو زمنٌ مُتَجَدِّدٌ ومُتَكَاثِرٌ يَلِدُ نَفْسَه بِنَفْسِه ، لذلك كانت العلاقاتُ الاجتماعيةُ حاضنةً للأزمنة
    المُختلفة . وكما أنَّ الروابطَ بين الأشياء أَهَمُّ مِن الأشياء ذاتها ، كذلك العلاقات بين الأزمنة
    أَهَمُّ مِن الأزمنة ذاتها .
                                                         3

    الثقافةُ تُطهِّر الوُجودَ مِن الوَعْي الزائف ، والمعرفةُ تُنقِّي الوُجودَ مِن الإدراك الوهمي ،
    مِمَّا يُؤَدِّي إلى مَنْعِ العلاقات الاجتماعية مِن إنتاج ذاتها ضِمْن المُسَلَّمَاتِ الافتراضية المُغْرِضَة
    ، والمصالحِ الشخصية الضَّيقة . وكُلُّ تَطهيرٍ للوُجود ثقافيًّا ومعرفيًّا يُؤَدِّي _ بالضَّرورة _ إلى
    تَطَهُّر في العلاقات الاجتماعية شكلًا ومُحتوى ، وهذه العمليةُ لا تَقُوم على الآلِيَّة الميكانيكية ،
    بَلْ تقوم على القَصْدِيَّة الواعية ، التي تَستطيع تحريرَ الفرد مِن المَأزِق الوجودي في بيئةٍ
    مُعقَّدة وعَالَمٍ مُركَّب . والمأزقُ الوجودي هو النتيجة الحتمية لِخَوْفِ الفرد مِن نَفْسِه ومُستقبَله
    ، وعدمِ رِضَاه عن أدائه الحياتي . وهذا يَعْني انفصالَ الفِعْل الاجتماعي عن فاعليته المعرفية ،
    فَتُصبح حياةُ الفردِ حركةً مَحصورةً بين الحُدود الزمنية والمكانية بلا أثر ولا تأثير ، وتُصبح
    السُّلطةُ الاعتباريةُ للفرد مُجرَّد دَوَرَان في حَلْقَة مُفْرَغة ، وعِندئذ يَعْجِز عن الانطلاق مِن تغيير
    نَفْسِه إلى تغيير مُجتمعه . لذلك ، يجب على الفرد _ إذا أرادَ أن يَكُون فاعلًا في الأحداث
    اليومية_ أن يُحَوِّل عَقْلَه إلى أداة لصناعة المفاهيم الجديدة، التي تَقْدِر على توليدِ المَعْنَى لا
    نَسْخِه ، وإبداعِ المفاهيم لا تقليدِها ، ومُواجهةِ الواقع لا الهُروب مِنه .

    أهمية أشتراك التلاميذ في نشاط المسرح المدرسي/ محمد صخي العتابي


    أذا أتخذ النشاط المسرحي دعامته من المجتمع ذاته وأوضح بجلاء الاتجاهات التي يأمل أن يحققها ذلك من مستقبل المجتمع وحاضره وماضيه يؤثر تأثيرا قويا في أي من أعضائه وقد يأتي هذا التأثير بطريقة عارضة مادام هذا الفرد عضوا في المجتمع ولاكن متى مابذلت الجهود العامدة لتحقيقة بصورة واعية فأن حياة الفرد لابد أن تكون متمشية في حاضرها ومستقبلها مع طبيعة الاحداث التي يعيش فيها وأن مهام هذه الانشطة تعزيز العلاقات الانسانية والاجتماعية بين التلاميذ والعمل على تعميق الشعور بالمسؤلية وتحملها وتضحية وممارسة مختلف الاساليب الديمقراطية في التعامل الاجتماعي وأحترام القوانين والانظمة والتحلي بأخلاق والثقة بالنفس .
    وتتيح للتلاميذ في مختلف مراحل العمر فرصا يعبرون فيها عن كثيرمن الموضوعات التي تعكس الحياة من حولهم فأن من بين الوضائف العامة التي يؤديه المسرح المدرسي في المدارس هي أتاحة الفرصة للتلاميذ للتنفيس عن مكبوتاتهم فيفصحون عن هذه الانفعالات المخزونة وليدة الماضي .
    ومن هذا أن التربية الفنية الواعية يجب أن تدخل في حسابها كيف يكمن أن يتحول التفكير الاجتماعي الجديد الى صورة واقعية ملموسة.

    انتخابات وقوائم ومرشحون ودعاية وديموقراطية : فازع دراوشة / فلسطين

    أستمع كثيرا للدعايات التي تقدمها القوائم  المرشحة لانتخابات  الكنيست الخامسة  والعشرين ( والكنيست لمن لا  يعرفها بعد  من الأعاريب  هي  برلمان  العدو  الذي دونه جميع البرلمانات  العربية أداء واحترافا وحرية تعبير ...)

    تجد  في المبثوثات سوقا للأفكار   التي تنهال عليك  من كل حدب وصوب.

    وتجد  في المبثوثات  ما لا  يسرك    وهو كثير وتجد  فيها ما يسرك وهو قليل.

    تجد فيها  ملامح قوة العدو  وتفاني المرشحين  لخدمة قومهم

    وتجد فيها الصوت  العربي  يصارع كي  يؤمن  له   منصة في السوق مستقبلا

    تجد  في مضمونها فسطاطين فسطاط  العدو  وان  امتد ما بين غلاة العنصريين إلى الأقل  عنصرية  والفسطاط  الثاني : فسطاط  الفلسطينيين  العرب  ( والفلسطينيون  عند  العدو  عرب  على التعميم والتغليب , او ان  شئت  الأغيار  وإن تنوعت التغطية  لاستقطاب شرائح  من الأغيار تلزم  هنا أو هناك ).

    والفسطاط  الفلسطيني والعربي ( هناك مرشحون  من الجَولان العربي  السوري متنوع أيضا  فمنه  العربي  الصافي  والعربي  المخلوط مع  غير الأغيار .

    وتعجبني الرموز  المستخدمة لكل قائمة  ولفت انتباهي  رمزان :

    الرمز الأول : "ض " وهو  رمز التجمع الوطني الديموقراطي بقيادة الأستاذ Sami Abou Shahadeh - سامي أبو شحادة  المحترم  وللرمز ايحاءاته  فهو رمز  اللغة العربية  الخالد ( لغة االضاد ) مع كل  دلالات  ذلك ومضامينها .

    والمحور الذي يدور حوله  هذا الحزب بسيط  وفعّال في آن : "المساواة" مع كل ما يقتضيه هذا الأمر  ومحو  للعنصرية .

    الرمز الثاني : وهو مضحك  ولم يتقصده أصحابه حتما  ولكن غباءهم أوقعهم فيه  م ح ل  ( مَحْلْ وهو رمز التكتل ( هليكود بقيادة  العدو نتنياهو .

    وفعلا  جاء الرمز والاسم  ليعبر عن المضمون من حيث لا يعلمون : ليعبر عن المحل  والقحط  وكل الايحاءات  المرافقة وهذا ما جناه الفلسطينيون خاصة والعرب عامة من هذا الشخص  وحزبه منذ  فوزهم  بالحكم  بانتخابات الثلاثاء 17  أيار 1977  وان  ظهر للبعض  بقع ماء هنا وهناك  ولكنها  انكشفت سرابا .

    وأما الأغاني  فهي مُشَكَّلَة وتتبنى بعض الأحزاب  بعضا منها والبعض الأكثر  لا يميل إليها .

    وشخصيا أتابع الدعايات  الانتخابية الإسرائيلية منذ 41 عاما يوم كنت بالثانوية العامة  وتحديدا انتخابات  الأول من تموز 1981. ومن أطرف الشعارات  وأطرف الأغاني التي  عايشتها :

    الأول  : شعار حزب همفدال ( الحزب الوطني الديني وهو حزب يميني ديني متطرف  وتحوّر لأحزاب أخرى ( بضم الهمزة ) وابرزها   حزب البيت اليهودي بقيادة أييلت شكيد . والمهم  تَبنى حزب المتدينين هذا  في انتخابات  الأول من نوفمبر 1988 شعار :

    انتخب  المفدال وعلى الله  الاتكال  ( وفي رواية ( على الله المتكال )

    لاحظوا  ان حزباً يهوديا دينيا متطرفا يداعب الفلسطينيين  لانتخابه بتبني مبدأ سامٍ  لدى المسلمين وهم  جل الناخبين الفلسطينيين !!

    الثاني : في الانتخابات نفسها ( الفاتح من نوفمبر 1988 )

    أعد أشياع الليكود ( التكتل ) وكان  بزعامة الهالك  اسحق  شمير ( سمير ) يومها  طلعةً زجلية في دعايتهم الانتخابية   , وهي جميلة بغض النظر عن مضمونها الكاذب :

    بِدْنا  نْصَوِّتْ لَ الليكود  ...... حتى تتحقق الوعودْ

    ولَمّا الليكود  اللي   "يكود" .....يجيب السلام المنشود

    لاحظوا : 1. اللجوء للزجل وهو فن شعبي فلسطيني جميل  وأصيل ( وكذلك بلبنان طبعا ) وفن له  احترامه عند أهلنا بالجليل تحديدا وسائر فلسطين

                2. استخدم " المؤلف " كلمة : يكود " وهي باللهجة الفلسطينية  الجميلة : يقود  ( أي يتولى زمام  القيادة )

                3. اختار لونا زجليا يسهل إيصال الفكرة فيه  وتنغيمه  سهل أيضا , ويحفظ بسهولة أيضا .(ما زلت أحفظه منذ 34  سنة رغم أنه مخزّن في ذاكرتي ولا أستخدمه طبعا )

    ولا يخفى على المرء  الخطاب النفسي  الذي يرومه أصحاب  الشعارات والدعايات  من دغدغة المشاعر  والتلاعب بالألباب . ولكن ثقتي بالأهل  في فلسطين تجعلني واثق  أن مثل هذه الألاعيب  لا تنطلي عليهم . ولقد راكم الفلسطينيون في الداخل   ( جِوّأ ) من الخبرات  بهذا المجال  ما يجعلهم يبزون كل الشعوب العربية بهذا الخصوص  واعني ما أسميه  "الوعي  الانتخابي  والديموقراطيولعبة الأحزاب   والقوائم وفائض الأصوات ...الخ

    وغني عن البيان القول, أمران( الأول ) أني كنت أتوق  لأن يكون الفلسطينيون الفلسطينيون قائمة واحدة كما حصل  بانتخابات آذار  2015  فحققوا  غلة معقولةولكن جرت الرياح بما لا نشتهي .

    والأمر الثاني : أني أهيب  بجميع من  له حق الانتخاب أن يمارس حقه لسبب  بسيط :   وهو أن هذا الفعل يغيظ عدوهم وعدونا  .مع كامل  الاحترام  للرافضين   المشاركة من حيث المبدأ أو عقائديا . (ولا يتسع المجال  هنا  لنقاش هذه القضية الشائكة , وقد أناقشها لاحقا بسياق آخر ).

    وإجمالا  لا يسع المرء إلا ان يسجل حزنه  لازدهار  اللعبة الديموقراطية  لدى العدو  ولانعدامها  في  الفيافي العربية  جميعها . فالبرلمانات  إما مفقودة في دول  الوطن العربي  أو  موجودة ولكنها شوهاء  تفصل بطريقة تخدم السلطان ولا حول  ولا قوة الا بالله

    ولعل  جيلاً جديداً  ينشأ  يغير ما نحن فيه  من سوء  على ضوء من قول العزيز الحكيم : " إن الله لا يغير الله  ما بقوم  حتى يغيروا ما بأنفسهم "  . صدق الحق تعالى.