نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

    المعطف : قصة قصيرة/ فوز حمزة

     بلهفة ..

    أزحتُ ستائر نافذتي .. الحديقة البيضاء .. وأغصان الأشجار المرتجفة وهي تحمل أكوام الثلج.. وذلك الصوت الذي يبعث في نفسي الوحشة .. جعلني أشعر باليأسِ من رؤيته اليوم .. لكن نباح كلبه جعل الأمل يدبُ فيّ من جديد .. كم يبدو أنيقًا وسيمًا بمعطفه الأسود ذي الأزرار البراقة كمعطف أبي وكتابه البني الذي يشبه كتاب أبي .. أنشغل قليلًا بملاطفة الكلب الذي لم يكن يشبه كلب أبي!
    السبت .. الثامنة وعشر دقائق .. فصل الربيع ..
    بلهفة ..
    أزحتُ ستائر نافذتي .. ما بين قطرات الندى المتناثرة على الزجاج..رسمت قلبًا صغيرًا .. الشمس اليوم تبعث الدفء في الحقول .. افترش ضياؤها أرض الحديقة فبدت شديدة الخضرة براقة ..
    تهافتت الأغصان مع نسائم عليلة هب عليها ذلك الصباح .. العصافير والطيور منشغلة بنقل الأسرار بين الأشجار وقد استحوذ الترقب عينيّ ..
    ها قد وصل يسبقه كلبه .. كم يبدو أنيقًا بمعطفه الأسود ذي الأزرار البراقة كمعطف أبي .. اتخذ مجلسه المعتاد من الحديقة ..
    أخرج كتابه البني الذي يشبه كتاب أبي .. قرأ فيه قليلًا ثم انشغل عنه بملاطفة كلبه.. كم كرهت الكلب لأنه لم يكن يشبه كلب أبي!
    الأربعاء .. الثامنة وخمسة وعشرون دقيقة .. فصل الصيف ..
    بلهفة..
    أزحتُ ستائر نافذتي .. ها قد وصل يسبقه كلبه .. كم هو !!! لكن ..
    أين معطفه الأسود ذي الأزرار البراقة الذي يشبه معطف أبي؟! لا أرى كتابه البني الذي يشبه كتاب أبي .. فقط هو وكلبه الذي لايشبه كلب أبي
    أين أبي ؟

    الحب العميق للأمام الحسين : قصة قصيرة / محمد صخي العتابي

    في زمنٍ بعيد، كان هناك رجل صالح من بلاد الهند يدعى أحمد يتمتع بالإيمان القوي والأخلاق الحميدة. يحب الله ورسوله وآل البيت ومن المعجبين بالأمام الحسين عليه السلام ، وله مكانة عظيمة في قلبه.
    في يوم من الأيام، قرر أحمد أن يقدم للأمام الحسين هدية تعبر عن حبه وتقديره العميق له.
    قام أحمد بالتفكير في الهدية المناسبة، بعد أن قرر أخيرًا، بدأ في إعدادها بكل حب واهتمام. قام بنقش اسم الأمام الحسين وصورته الشريفة على قطعة من الخشب الجميل. قام أيضًا بزخرفتها بأجمل الألوان والتفاصيل الدقيقة.
    بعد أن أنهى عمله، ارتدى أحمد أفضل مالديه من ثيابه ووضع الهدية في صندوق جميل. سافر إلى كربلاء المقدسة. وانتقل إلى الضريح الشريف لتقديم الهدية. كان هناك زائرين يُؤدون مراسيم الزيارة لكن أحمد كان ملتصقًا بالصمت والتأمل، وهو يقف بجانب الضريح المقدس وينظر إلى الهدية التي أحضرها.
    ثم قرر أحمد أن يتحدث للأمام الحسين من قلبه قال: ياحسين أنت رمز الشجاعة والعدل والعطاء. أحببتك من عمق قلبي.
    أحمد أراد أن يعبر عن حبه واعتزازه بالإمام الحسين عليه السلام، فأخذ يستذكر قصة استشهاده البطولية في واقعة الطف الأليمة . تذكر كيف قاتل الأمام الحسين وآصحابه عليهم السلام الظلم والظالمين من أجل الحق والعدل.رغم قلة عددهم ، استمروا في الوقوف للحق والمبادئ حتى آخر نفس.
    وفي تلك اللحظة، شعر أحمد بوجود حضور خفي في المكان. فإذا بشيخ كبير طيب الوجه يقترب منه ببطء. كان الشيخ يرتدي ثيابًا متواضعة وعلى يده خاتمًا ثمينًا.
    قال الشيخ بصوتٍ هادئ : يا أحمد، إن الأمام الحسين يراقبك ويعلم بمشاعر قلبك الصادقة. أنت فعلاً من الأشخاص المؤمنين الذين يعيشون معاناة الأمام ويعبّرون عن محبتهم.
    صدم أحمد من كلام الشيخ، وقد تبادل معه السلام. وقال له بدهشة : "كيف عرفت؟"
    أجاب الشيخ وهو يبتسم: أنا حبيب بن مظاهر الأسدي، أحد أصحاب الأمام الحسين الذين أستشهدوا معه في كربلاء. أتجوّل في أماكن زيارته وأشعر بمحبة الناس له.
    أحمد كان مندهشًا وممتنًا لهذا اللقاء الغريب والمميز. أخذ حبيب بن مظاهر الهدية التي جهزها أحمد ونظر إليه بعينين ممتلئتين بالدموع. ثم أخذ الخاتم الثمين من يده وقدّمه لأحمد قائلاً: "هذا الخاتم هو تذكارٌ مني لك، فقط لتذكر حبك واخلاصك للأمام الحسين.
    بعد أن قبل أحمد الخاتم بتواضع، انصرف حبيب بن مظاهر ببطء، تاركًا أحمد يفكر في معنى هذا اللقاء الروحي والهدية الثمينة التي حصل عليها. شعر أحمد بأن قلبه مليء بالسعادة والإلهام.
    عاد أحمد إلى بلده ولكن لم يتوانَ عن نشر قصة اللقاء المذهل وتجربته الروحية مع الأمام الحسين عليه السلام وصاحبه حبيب بن مظاهر(رض) قصها للجميع، وانتشرت القصة بسرعة وأصبحت حديث الناس في المدينة التي يعيش فيها.
    كانت الهدية التي قدمها أحمد للأمام الحسين تجسيدًا لحبه العميق واحترامه لشهداء كربلاء وتضحياتهم. والخاتم الثمين الذي حصل عليه كان تذكارًا لهذه اللقاءات الروحية القوية ورمزًا لتواصله مع الروح الطاهرة للأمام الحسين عليه السلام .
    أحمد لم يكن مجرد شاهد على قصة الأمام الحسين واستشهاده، بل أصبح قائدًا في نشر مبادئ العدل والشجاعة والمحبة التي تجسدها قصة الأمام الحسين . أصبح يلقي خطبًا ومحاضرات عن قيم الإسلام وأهمية القتال من أجل الحق والعدل، مستلهمًا من روح الثورة التي قادها الأمام الحسين عليه السلام.
    ومع مرور الوقت، انتشرت قصة أحمد وتأثر الكثيرون بها. تغيرت حياتهم وعملوا بجد للعيش وفقًا لمبادئ الأمام الحسين. أصبحت قصة الحب العميق للأمام الحسين وتأثيره على أحمد وغيره من الناس تحفيزًا للكثيرين للتصدي للظلم والاضطهاد والسعي
    لتحقيق العدل والمساعدة في بناء مجتمع أفضل. انتشرت روح الثورة والمحبة في قلوب الناس، وبدأوا يتعاونون سويًا في مشاريع خيرية وأعمال تطوعية لمساعدة المحتاجين وتعزيز الوحدة والتعاون بين مكونات الشعب الهندي.
    تأثرت الأجيال اللاحقة بقصة أحمد وحبه العميق للأمام الحسين. تعلموا قيم الإنسانية والتضحية والشجاعة من خلال تاريخ الإمام وقصته. أصبحوا رموزًا للخير والعدل في مجتمعهم، واستمرت قصة الحب العميق للأمام الحسين في العيش في قلوب الناس.
    وفي كل عاشوراء، اليوم الذي استشهد فيه الأمام الحسين، أجتمع الناس للتذكير بتضحيته العظيمة ونموذجه النبيل. يتجمعون في المساجد والحسينيات والضريح الشريف ويقرأون الزيارة والأدعية تخليدًا لذكراه ولتجديد العهد بمتابعة دربه وسلوك طريق العدل والحق.
    وهكذا استمرت قصة حب الأمام الحسين عليه السلام في العاشقين له، تتوالى الأجيال وتمتد إلى مدى الزمن. فقد أصبحت قصته رمزًا للثبات والنضال ضد الظلم والاستبداد، ودرسًا للصبر والتضحية والايمان.
    في ختام هذه القصة، نجد أن قصة حب الأمام الحسين عليه السلام لا تعرف حدودًا زمانية أو مكانية، فهي تستمر في تحفيز الناس وتلهمهم للسعي نحو العدل والمحبة في كل حقبة من تاريخ البشرية.

    الأربعاء، 13 تموز الساعة 8:57 ص رسالة إلى سلمى فراس حج محمد/ فلسطين

    سلمى هذه قارئة، ويبدو أنها متابعة لجلّ ما أكتب، أو على الأقل ما ينشر لي في موقع جريدة رأي اليوم الإلكترونية، وهي كذلك ذات لغة جيدة في التعليق والتعقيب على المقالات والنصوص المنشورة. أقرأ لها تعليقا على مقالة كتبتْها الصديقة الكاتبة صفاء أبو خضرة تناولت فيه كتابي "استعادة غسان كنفاني"، ونُشرت المقالة في الموقع بتاريخ: 11/7/2022، ثم عادت لتعلق على مقالة الرفيق عمر كتمتو حول الكتاب نفسه، وقد نُشرت المقالة أيضا في الموقع ذاته بتاريخ: 12/7/2022 لتؤكد الملحوظة الخاصة بعنوان الكتاب، لترفضه هذه المرة رفضا باتا ونهائيا.

    هل كان تعليقها مزعجاً في المرّتين؟ لا أظن أنه يصل إلى درجة الإزعاج، لكنه مستفزّ بمعنى ما، أي يدفع الكاتب للكتابة، لأن الصورة التي في ذهن "سلمى" عني صورة مشوّهة كثيراً للأسف، وأنا هنا لا أصحح الصورة، ولا أحاول أن أزيل عنها الغباش، وما تراكم عليها من غبار، إنما لأوضح أكثر ما كنتُ كتبته يوما تحت عنوان "كيف يصنع القراء الصورة؟"، إن أي صورة لأي كاتب في ذهن أي قارئ هي صورة ناقصة بالتأكيد لاعتبارات كثيرة؛ أهمها عدم القدرة على الإحاطة والشمول بكل عوالم الكاتب الكتابية والنفسية، فالقراء، ومنهم سلمى، يحكمون على ما تخايل لهم من صورة في تلك الكتابات.

    في تعليقها الأول؛ أظن أن الصورة بعيدة درجتين حسب هذا المقال؛ الدرجة الأولى أن الكاتبة صفاء أبو خضرة استنتجت صورة ظنية لي من خلال كتابي، وهذا حق كل كاتب أو ناقد؛ فكل كتاب يحمل صورة لكاتبه، يطلق عليها في النقد "الكاتب الضمني" أو "المؤلف الثاني"؛ وهي الصورة التي قد تصل للقراء من هذا الكتاب، وهذه الصورة هي صورة متوهمة ومتخيلة، لكنّ لها شروطاً موضوعية لرسمها قد تساعد فيها الأفكار، وطريقة تناولها، وحدة مناقشتها، وطبيعة اللغة المستخدمة، والتوتر العاطفي، وما إلى ذلك من شروط، وقد لا تكون هي صورة الكاتب الحقيقية، وقد تلتقي مع بعض صفاته، وأحياناً قد تتطابق تطابقا تاما، مع ندرة هذا الاحتمال.

    أما الدرجة الثانية في ابتعاد صورتي في "عيون سلمى وفكرها" أنها رسمت لي صورة أخرى أكثر توهما وبعدا من خلال نسجها من الصورة المتخيلة التي تكونت في "عيون صفاء أبو خضرة ومقالتها"، فكأنها رسمت صورة متخيلة عن صورة متخيلة أخرى؛ صورة بعد صورة، أو محاكاة المحاكاة، فابتعدت مرتين، فإذا كان الكاتب أو الناقد وهو يحلل كتاب كاتب آخر يرسم صورة هي غير متطابقة قطعا، وبعيدة، فمن يرسم صورة أخرى لهذا الكاتب من خلال المكتوب عنه سيبتعد خطوتين، وتصبح الصورة مشوّهة وغير حقيقية.

    ما هي الصورة التي رسمتها لي سلمى في تعليقها على المقال؟

    أستطيع تتبع تلك الصورة في أنني "كاتب غير دقيق"، فخطأتني في عنوان الكتاب، فغسان "حي في نبض كل الأحرار الشرفاء ولا يحتاج إلى استعادة"، هذا يمسّ صنعة الكتابة وعصب الكتاب وفكرته الأساسية، مع أنها- وهذا جزء من التشويه المضاعف- لم تقرأ الكتاب، تعود في التعليق مرة ثانية لتكتب بشكل قاطع اعتراضها على العنوان بهذه الصورة: "عنوان كتاب الشاعر فراس حج محمد ليس موفقا… أنا قد اعترضت عليه لأن العنوان يوحي بأن الشاعر فراس قامة أدبية عملاقة أكثر من غسان كنفاني نفسه، وهذا بالطبع يجافي الحقيقة تماما!!!! وأرفضه بشكل مطلق!!!!! وحيث إننا بشر فلنا الظاهر ولا نستطيع معرفة نوايا مؤلف الكتاب!!! ومن فحوي مقالك هذا أستطيع الاستنتاج بأنك في البداية اعترضت على عنوان الكتاب مثلي تماما… ولكن بعد اتصالك بالشاعر فراس وافقت على عنوان الكتاب".

    وحيث أن اتصالك كان على هيئة سؤال فرض رؤيتك على المؤلف الذي أجاب بنعم لرؤيتك وتوجهك الوارد في صيغة السؤال ولم يترك للشاعر فراس أية خيارات اخرى سوى تبني رؤيتك المفروضة عليه… مما يدعوني للتشكيك بصدق مقصد الشاعر فراس… وبالتالي ما زلت معترضا على عنوان الكتاب…. ولو صدقت النوايا بإمكانه تصحيح وتغيير عنوان الكتاب.".

    إن في هذا التعليق كما هائلا من الاستهجان، يدل على ذلك علامات التعجب التي تستخدمها "سلمي" في تعليقها، وأظنّ أنها لو قرأت الكتاب ربما لغيرت وجهة نظرها، وأنا أهيب بها- إن قرأت هذا الرسالة- أن تراسلني على البريد الإلكتروني لأرسل لها الكتاب إلكترونيا، فهو متاح (بريدي الإلكتروني) إن بحثت عنه، وستجده إن كانت معنية بتصحيح هذا الخطأ الذي وقعتْ فيه، أو تعزز خطأي أيضا الذي وقعتُ فيه، كما قال القرآن الكريم: "فإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين"، أو على الأقل لتشرح لي كيف يوحي العنوان بأنني قامة أكبر من غسان. هذه النقطة تحديدا لم أفهمها. في هذا التعليق أبدو أيضا مغرورا ونرجسيا كثيرا، ربما ومتطاولا على العظماء كذلك.

    الملمح الثاني لهذه الصورة المستقاة من التعليق الأول هي أنني "حسود"؛ أحسد غسان كنفاني على محبوبته غادة السمان، وأتمنى أن يكون لي حبيبة كغادة. هذا أيضا- كما جاء في الكتاب- له سياق كامل متكامل وضعت فيه هذه الأمنية. إنّ موضوع الحسد والغيرة موضوع مبرر لو كنت أنا وغسان من جيل واحد أو متنافسين على أمر واحد أو أنّ كلينا يحب امرأة واحدة، متعلقيْن بها، أما أن أكون ولدت بعد استشهاد غسان بثلاثة عشر شهرا تقريبا، فكيف سأحسده؟ هذا من باب المقاربات غير اللازمة، ولا تدخل في حساباتي ككاتب. هذه الصفة صفة نفسية قاسية ومقيتة، ولن تصدقني "سلمى" لو دافعت عن نفسي في ذلك، ولو عرفت علاقتي بالزملاء الكتاب والكاتبات لم تقل ذلك، ولم تُلبسني هذه الصورة المشوّهة، ولو قرأتْ ما كتبته تحت باب "غسان كنفاني وأنا" لربما أيضا رأتني بصورة أكثر إيجابية.

    كتابتي عن غسان كنفاني كونه مثقفا وعظيما وكاتبا مُهمّاً، أحبّ وأرغب أن أحقق ما حققه من تأكيد صدق مواقفي تجاه الأشياء؛ مثله تماماً، كونه كاتبا قدوة. هذه هي رغبتي الحقيقية في الكتابة عن غسان في هذا الكتاب، وفي هذا الفصل تحديدا، وموضوع الأمنية هي أمنية كل كاتب أن تحبّه كاتبة على درجة كبيرة من الوعي والثقافة والحب والجمال كغادة السمان، وهذا أيضا ليس موضوع حسد إنما موضوع رغبة، فتجارب الكتاب يُقاس بعضها ببعض، ويتقارب الناس أو يكادون، ولا يحمل ذلك أي معنى سلبي، بل ربما أشار إلى أن غسان كنفاني كان ذا حظ عظيم حتى في الحب، كما في الكتابة، ومن بعدُ في حيازته شرف الخلود والشهادة، إذ أحبته كاتبة لها هذه المواصفات، وهذه من منح الحياة التي لا توهب لأي أحد، أذكّر فيها من باب ذكر النعم والمواهب والعطايا الإلهية، فكيف يكون حسدا؟ لعل أقرب ما يدافع عني ما قاله يوما الشافعي عن الصالحين: "أُحِبُّ الصالِحينَ وَلَستُ مِنهُم، لَعَلّي أَن أَنالَ بِهِم شَفاعَةْ".

    فأنا أحب الكتاب الناجحين، ولست منهم، لعلي أن أنال بهم شفاعة، فإن لم نكتب عن هؤلاء وهم أصل الأدب، والتعلم منهم واجب، فهم أساتذتنا بمعنى من المعنى، فهل سنكتب عن الكتاب الرديئين السطحيين؟ وهل ستحمينا "سلمى" من قراء آخرين يسلقوننا بألسنتهم الحِداد ليقولوا عنا إننا مجاملون، ونشوه الحقيقة، وننسى الكتاب الكبار. سنجد من هم على شاكلة سلمى، وربما هي أيضا، ما تتهمنا به كذلك. فمن رام عيبا وجده.

    تؤكد سلمى صفة الحقد فيّ، هذا الحقد المتفرّع عن الحسد بالضرورة، وتدعي أنني أحسد محمود درويش، فتقول: "المتتبع لكتابات ومقالات الشاعر فراس حج محمد يلاحظ- وبشكل فج- أنه يكنّ نوعاً من الحسد أيضا للشاعر الكبير الراحل محمود درويش". لا أدري كيف أتت بذلك؟ هل قرأت كتابي "في ذكرى محمود درويش"؟ وهل في هذا الكتاب أي ملمح للغيرة والحسد؟ وما ينطبق على غسان كنفاني في كتابتي عنه ينطبق على محمود درويش وكتابته، فأنا أحب درويش شاعرا، وناثرا، ولم أترك له كتابا أو حوارا أستطيع الوصول إليه إلا وقرأته، وأقرأه بلذة متناهية، وأكتب عنه بحب، ومقالاتي في ذلك كثيرة، وموقفي من درويش شاعراً يختلف عن موقفي منه سياسيا أو صاحب فكر، مال أحيانا إلى الإسرائيليين وصادق كتّابهم، وأراه "شاعرا مدجنا وانتهازيا وباحثا عن مجد شخصي" كما يُفهم إلى حد التصريح من حواراته، وكان ينادي بالدولة الواحدة، ويدعو إلى الصلح العام مع الإسرائيليين كما في قصيدته "سيناريو جاهز"، هذا الانتقاد ليس حسدا، إنما هو انتقاد لموقف سياسي، كما أنتقد السلطة الفلسطينية عامة، أو وزير الثقافة الفلسطينية، أو اتحاد الكتاب الفلسطينيين أو الأمين العام للاتحاد، أو الرئيس محمود عباس نفسه أو أي كاتب آخر، فهل كل هؤلاء أحسدهم؟ يا لطيف، ما هذه النفسية التي أحملها؟ ما أشد سوادها يا سلمى!

    الصفة الثالثة التي منحتني إياها سلمى، هي أنني أكتب عن هؤلاء العمالقة طمعا في الشهرة. تقول سلمى: "وبالرغم من كل ذلك، فإنه يتناول بالنقد وغيره سيرة هؤلاء الشعراء وكتاباتهم. وأتمنى أن لا يكون ذلك من باب التمسّح بسيرة هؤلاء العمالقة من أجل الشهرة". عندما نشرت بعض المقالات والنصوص الشعرية والنثرية ذات الأفكار "الأيروتيكية" اتهمني بعض القراء بأنني أكتب في هذه الموضوعات من أجل الشهرة. وها أنا عندما أكتب عن كنفاني وعن درويش أتهم بأنني أسعى إلى الشهرة أيضاً. بهذه التهمة صفعتني زميلة عندما حدثتها أنني كتبت مقالة ونشرتها عن تميم البرغوثي. ضحكت بمكر، ورمت تهمتها التي جرحتني بكل تأكيد.

    بماذا ستصف "سلمى" من يكتب عن القرآن الكريم وعن شخصية محمد صلى الله عليه وسلم، أو من يكتب عن الله عز وجل؟ فهل ستصفه بأنه يكتب ليكون نبياً أو إلهاً؟ لله درك يا سلمى ما أخصب خيالك هذا الفذ! وهذا ليس سخرية ألبتة، إنما امتداح لهذا الأفق المحمول على الدهشة الذي فتحته لي سلمى بهذا التحليل، أرأيت يا سلمى كيف يكون تلاقح الأفكار ذا إيجابية مطلقة؟

    في واقع الأمر، هذا مقتل كبير يصيب الكتّاب، ولن يدافع عنك مثلُ كتاباتك، ولأن "سلمى"- رعاها الله- لم تطلع على كتاباتي جميعا ولم تُحِطْ بها علماً، توصلت إلى هذه النتيجة المستفزة. في الحقيقة كتبت عن كتّاب ما زالوا في أول الطريق، وهم كثر أكثر بكثير مما كتبت عن الكتاب العمالقة، بل ونشرت كتبا عنهم، وخاصة الكاتبات. هنا ربما حمل "سلمى" هذا "الاعتراف" على أن ترسم لي صورة مشوهة أخرى بأنني "نسونجي" أتمسّح من النساء وأتقرب لهن بالكتابة عنهنّ. أعتقد أنها مؤهلة لتقول هذا عني، سامحها الله. فكل شيء يصدق على الكتّاب هذه الأيام.

    على أية حال، تأكدي يا "سلمى" أن صدري واسع ومتسع لملاحظاتك، ولم أضق بها ذرعاً، كما قد يجعلك هذا المقال ترسمين صورة أخرى عني لتضيفي لي من الأوصاف ما ليس فيّ، إنما من عادة الكتابة أن تجلب الكتابة وتجلّيها، وتتوالد الأفكار وتنمو على أذيال بعضها البعض، فشكرا جزيلا لك، على ما تفضلت به، وهذه دعوة لأن تقرئي كل كتبي فسأمنحها لك هدية، تأكيدا أنني لست منك غاضبا أو منزعجاً.

    ودمت بود، ولتستمري في متابعتنا- نحن الكتاب- حتى وأنت ترسمين لنا مثل هذه الصور المشوّهة، "فمن نشر عرّض نفسه للنقد"، علينا أن نكتب فقط ما نحن مقتنعون به، رغما عما يتشكل من صور ضمنية لنا، وعلينا أن نقرّ ونعترف أيضاً بأن الكتابة- مهما كانت شارحة- فهي ناقصة، ولذلك نحن الكتّاب نتحمل أحيانا ما يصل القراء من صور مشوّهة عنا من خلال كتبنا ومقالاتنا ونصوصنا، فهذه هي المعادلة فلنكن أكثر تسامحاً وديمقراطيّة.

    وإلى اللقاء يا "سلمى" في المتون وليس في الهوامش.

    مزار سياحى : قصتان قصيرتان / ماهر طلبه

    مزار سياحى – قصتان قصيرتان

    لوحة على جدار

    رسم نفسه واقفا مواجها للجدار مرفوع الرأس، ثم وظهر الجدار له.. ثم والجدار خلفه يفتش –  من خلف ظهره المنقوش عليه خطوط كرباج الجدار-  عن أخطائه التى كان يخفيها عن الدنيا ونفسه خلف ظهره...  ثم وهو راكع أمام الجدار لعله يغفر له، ثم وهو ساجد شكرا لله، ربما لأنه نال مغفرة أو نال عقابا وانتهى الأمر.. ثم وهو غافي فى بطن حوت سليمان لا يُسمع له صوت حتى المناجاة.. وغافيا مضموم الأعضاء كطفل فى بطن أمه يخشى مواجهة الحياة.... وغافيا وجهه إلى الأرض..   ومستيقظا  فجأة فى قبر..

    أمسك فُرشته ونظر إلى الجدار حيث صورته المنعكسة منتصبا، ساجدا، راكعا، غافيا.. لم تكن المساحة أمامه تسمح له بنشر كل هذه الذكريات.. احتار.. أى الصور أهم واقربها لقلبه لتحتل الجدار كله؟، وأيها يستحق النسيان والضياع؟.. عجز عن الاختيار.. غمس يده فى ألوانه.. تحرك بخطوات كهل مقتربا من الجدار، طبع بصْمَتُه على حافته وأسرع – بذكرياته- هاربا.

    مزار سياحى

    قيل فى الأثر : يموت الإنسان واقفا إن لم يجد ما يضع خده عليه أو فقده..

    ويحكى أن رجلا حمل يوما بؤجة طعامه فى يد وفأسه على كتفه وجر خلفه حماره وشمسه التى كانت لا تشرق حتى يجرها بحبل الحمار، وذهب إلى حقله ليسقى زرعته ويراقب نموها.. فوجد مكان حقله/ حصاد عمره.. كمبوند بعمارات شاهقة وفيلات عامرة وحمامات سباحة وملاعب جولف تسر الناظرين، أخذه الذهول فظل واقفا فى مكانه كعمود من الصوان..

    فى البدء استقبحه سكان المنطقة وزوارها وتحدثوا مع المسئولين لنقله إلى الخيام والعشوئيات حيث موطنه الأصلى.. وحين استبطأ عملية النقل السكان.. فكروا فى حل للمشكلة، حيث نجح أحد سكان الفيلات العامرة فى تحويله – كأى آثر مر عليه الزمن وترك غباره فوقه- إلى مزار سياحى.. يزوره السياح من كل فج عميق ليرجموه بلغاتهم وأشكالهم.

    ماهر طلبه

    mahertolba@yahoo.com

    http://mahertolba62.blogspot.com/

    الشاعرة اللبنانية لوركا سبيتي تكتب : الشاعرة لا تتزوج


    الشاعرة لا تتزوج..عليها الا تفعل ذلك..لأنه لا يمكنها ان تكتب كل ما يجب أن تكتبه وان تراعي بالوقت ذاته شريكا(وتوابعه) يعتقد بأنها ملكه ولسانها لسانه واسمها تابع لإسمه وبوحها يدنس كرامته وفستانها الشفاف يعري جسده وبأنها تعيش في حضن خيالها لا في حضنه وبأنها تهرب من واقعها الى واقع مشتهى..وبأنها حين تشرد ليست في ال هنا، وحين تغمض عينيها تكون في الهناك، وقصيدتها أقرب اليها منه، وكلمات قصيدتها ضده وان كانت غزلا فلآخر غيره، وان كانت ايروتيكية فسببها رغبات خارجة عن إطار السرير الزوجي، هذا غير تحليلاته النفسية عن الشاعرة التي يجب أن توضع في خانة الأمراض العصابية وأما الذهانية وان كان لطيفا قليلا سيقول العقد النفسية..

    الشاعرة لا تتزوج ،عليها الا تفعل ذلك، لأنها ستصير كائنا غريبا عنها..كل صباح تلبس قناعها وتحمل ازميلها وتبدأ بالنحت..تشذّب يديها وتقص نظرة عينيها وتسوي احلامها على قياس المتوقع منها وتقنع اوهامها بأن كل شيء على ما يرام..عليها الا تفعل وابدا وان فعلت فلتصلح فعلتها هذه بسرعة كما تصحح غلطا لغويا في نص كتبته سريعا..فالقيد ليس لكفيها الحرتين، والرسن لا يليق بمن تصادق الهواء والينابيع وبمن تأوي الأفكار التائهة والعناقات المتروكة على الأرصفة اليها...
    ...هذا وايضا هذه الصورة وكل صوري مهداة لكل من يخال بأني استعمل جسدي للإغراء (مع انو هيدا مش مدان بنظري)..
    سحري في مكان آخر ..آخر جدا، ابعد بكثير بكثير جدا ..لا يستطيع من يعيش الحياة بتلافيها مكبوتا وممنوعا ومسجونا أن يراه..وهذا من حسن حظي منعا للحسد

    منى فتحي حامد / ميناء قلبي

    منى فتحي حامد

    واقفة أمام مرآتي

    أتحسس نظرات

    هواجس وترانيم

    أنهار تجوب نثري..

    باحثة عن غرامِ

    طوال البقاء

    راجية عزف جيتار

    حنين يفوق عمري..

    غارقة بين الآمال

    بانتظار المنال

    أمواج و بساتين

    هيام يحل أسري..

    تحييني أحضان

    محراب الخيال

    يدثرني تدليل

    أغصان تتوجني..

    فارقتني الأزمنة

    بأناملها القارصة

    توابيت ملائكية

    غلغلت قلمي..

    منذ أيام الشوق

    لافتات المكتوب

    بالنقر أعاصير

    موقدة ميناء شغفي..

    ورود و زهور

    أوسمة من نور

    رايات و اشتياق

    والحافظ هو ربي..

    زنبقة نرجسية

    للمشاعر سندسية

    صمت داخل الروح

    يناديها توقظني..

    نغمات مصطنعة

    أحاسيس ضالة

    همسات الأقلية

    عاشقة ملامحي..

    ترياق و ابتسامة

    تفسيرات لا للعِلة

    أي عبارة ترشدني

    عن ميناء قلبي..

    مصر

    hohooamgad@gmail.com

    النوادي الأدبية وأثارها على أبنائنا وشبابنا / منى فتحي حامد

    المعتاد بأذهان وعقول الأشخاص سواء كتاب أو شعراء أو متذوقين للأدب والفنون بألوانها شتى، أن النوادي الأدبية حريصة دائما على تنمية الموهوبين و تشجيع المبدعين بمختلف الأجيال.

    لكنه من الملاحظ مؤخرا بأن معظمها أو أغلبها به عدد الحاضرين كل مرة بها هم نفس الأشخاص والأصدقاء المقربين، لن يتغيروا و لن تتعدى أعدادهم عدد أنامل الأيدي الواحدة.

    المسؤولين عن تلك النوادي الأدبية مهتمين فقط بالانتخاب و بكراسي منصة الحضور فقط كما لو كانوا منها وإليها أبدا.

    أحيانا يتواجد بينهم من لا ينتمي لأي ابداع أو روح ثقافية على الاطلاق، لكنه يتواجد للترقي بالمنصب و إدارة المكان واتخاذ اللقب.

    هل بين مسؤوليها المحبة والتمني بالخير لكل فرد ينتمي إليها.

    العجيب من ذلك قلة تواجد الشباب من الجنسين، على الرغم من ادعائهم بإمداد يد العون و المساعدة لهؤلاء الشباب.


    التركيز فقط على كبار السن منهم، خاصة المدح و الإنشاد للمتوفيين أكثر ممن على قيد الحياة، بسيطا جدا إن كرموا الأحياء المبدعين الذين لن ينتمون إليهم.

    نتساءل ما الأسباب الحقيقية وراء عدم كثرة زوار نوادي الأدب:

    * هل التسلط و الرياء من مسؤوليها.

    * التباهي بمساعدة الشباب و هم على العكس من ذلك بالتعامل معهم.

    * التصفيق والتهليل للقدامى سواء موهوبين أو غير، خاضعين تحت سيطرة السطحية و الاستفادة و المجاملات.

    من ثم هل يأتي النبوغ والتقدم و الفلاح، هل نرتقي بثقافة أبنائنا و شبابنا و تنمية إبداعاتهم و مواهبهم، أم يظلون حالمين بالفرصة و إثراء المعرفة والنجاح.

    النوادي الأدبية تمثل كل منطقة، فهل حقا جديرة بالمسؤولية و احتواء هذا المكان بلا زيف أو نفاق، و من المسؤول عن توجيهها لما ما يتناسب مع حق الجميع في الموهبة و الابداع و حصاد النجاحات .

    الأم في قصائد رفعة يونس/ زياد جيوسي

    تميزت الشاعرة رفعة يونس في نصوصها الشعرية بآفاق موضوعاتها التي تعبر عنها شعراً، فهي كتبت للوطن بشكل خاص وهي ابنة سلواد المحتلة وأجُبرت وهي في الثالثة عشر من عمرها على النزوح عن الوطن بعد هزيمة 1967، فلا يغيب الوطن عامة وسلواد خاصة عن نصوصها، كذلك مشاعرها تجاه الأسرى في سجون الاحتلال وتجاه شهداء الوطن، والحلم سواء الحلم الوطني أو الشخصي أو الإنساني، والمكان والإنسان كان لهما مكانة كبيرة في نصوصها، وألوان الفرح والوطن والمعاناة الوطنية إضافة للبعدين القومي والإنساني، وفي هذا المقال ارتأيت أن أبحث عن مفهوم وفكرة الأم في نصوص رفعة يونس، فالأم في نصوصها العديدة التي اخترت بعض منها مازجت بين الأم الإنسان التي رحلت، والأرض والوطن الذي نعشقه ولا يمكن أن يرحل ولكنه يعاني من الاحتلال والإغتصاب، وسنلاحظ التأثير الزمني على النصوص بين وجود الأم على قيد الحياة وبين النصوص التي كتبتها بعد رحيل روح والدتها الحاجة قدرية إلى بارئها. 

    في النص الأول والمعنون "أمي" تعود القصيدة إلى عام 2012 م وكانت من ضمن قصائد ديوانها "أصداء بالمنفى" والصادر عن دار أزمنة بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، سنلاحظ أن الحنين إلى الوطن متكرس بعنوان الديوان، وهذا النص من النصوص الطويلة نسبيا من نصوص الشاعرة التي تعتمد على التكثيف باللغة والمعاني، فلا تطيل النص بمقدار أن النص بتحليله يأخذ مساحة طويلة للوصول إلى ما وراء الكلمات، لكن هذا النص مع تاريخه يمثل بداية التسلسل الزمني للشاعرة وبالتالي سنلاحظ في النصوص التي تليه كيف تأثرت نصوصها بتأثير الزمان وإن بقي المكان هو نفسه بين الوطن وبين المنفى الإجباري. 

    نجد هذا النص مكون من ثمانية لوحات تصور في الأولى حضور الأم في حياة الشاعرة كما بنفسجة فتهمس: " تأتينَ...على راحاتِ الفصولِ بنفسجةً"، فتنشر الفرح، رفيف الأزرقِ ...شالات حولنا" فتكون النتيجة "..فينساب العُمرُ ..مرتعشاٌ"، وتواصل الوصف في اللوحة الثانية فتصف أمها بأنها "سنبلةً من حنينٍ" فهي من تزيل "صقيع الوحدة"، بينما في اللوحة الثالثة تصف تأثير حضور الأم على المحيط فتقول: "ترف طيور تغني، على وشوشات لأمواجها" فهي ترى أن الزنابق مصدرها "من صدركِ تعبقُ كلُّ الزنابق"، وتواصل الوصف بتشابيه جميلة في اللوحة الرابعة فلأخاديد وجهها بعد أن كبرت وظهرت التجاعيد "تصهل ريح، ويومض برق، رعود.. أمطار تنحني، وغيوم تختال.. تحرسها"، وتواصل هذه اللوحات الإبداعية الجميلة في اللوحة الخامسة حتى الثامنة وتلخص لوحاتها بقولها: "معك العمرُ أخضر"، "معك العمر أجمل"، "خلف أبواب العاشقين"، "معكِ العمر.. أطهر" فالأم عندها "أنقى من قطرات ندىً، من أنفاس وردٍ"، فحتى القصائد من شهد الأم، وفي مقطع خرجت من الخاص إلى العام فتحدثت عن الأمهات في قصائد الشعراء "فراش المعاني، من شهدِها.. في قصائدنا"، لتنهي النص المطول بوصف الأم بأنها "قنديل أنتِ، ونزف الزيت" ومعها العمر "يمتد واحاتٍ.. واحات". 
    في نصها الثاني ويحمل نفس إسم النص الأول "أمي" وهو أحد نصوص ديوانها "مغناة الليلك" والصادر عن دار البيروني في عمَّان 2016م وكتبت النص في عام 2015 وهو مكون من أربع لوحات شعرية تبدأ بالتساؤل في لوحتها الأولى: "لِمَ تاهت في ملكوت الشّقاءِ، خطانا" ليأتي الجواب مع وصف الحال مباشرة بقولها: "حين ابتعدنا عن وجهكِ، عن طهره" والنتيجة في اللوحة الثانية "هربتْ من سمانا ..كلُّ أغاني الشّتاءِ" وعن " الشّوقِ في العيْنيْنِ، وعن دفءِ الراحتين"، وفي اللوحة الثالثة تصف الحال الراحتين "لكم فيهما، أورق العمر.. واخضرَّ"، وتربط بين الأم والأرض بالبعد المكاني عن الأم وعن الوطن فتهمس "عن عطر ثوبك عن حاكورة أزهاره" فالثوب الفلسطيني مطرز بأزهار الأرض، فتشتاق لصوت أمها: "لصوتكِ حين ينادي، فيشرق في أفقنا.. أمل"، هذا الأمل الذي "يغرق الدنيا.. شالات حرير"، والشال هو من ترتديه المرأة مع الثوب فتشبهه الشاعرة بالماء الذي يغرق الدنيا لكن بشالات الحرير، فنلاحظ في النص الحنين للقاء والتغير في الأسلوب وتأجج المشاعر مع التأثير الزمني بعد ثلاثة أعوام من النص الأول، فهنا كان النص قصيرا ومكثفا أكثر من النص الأول. 

    في النص الثالث "بطاقة حبٍ إلى أمي" من نفس الديوان ونفس الفترة الزمنية نجد نفس الملاحظة من حيث تراكم الحنين والإشتياق وتكثيف النص، ونلاحظ أن هذه النصوص كتبتها الشاعرة في حياة والدتها وربما أن الغياب الذي أشارت اليه الشاعرة تعب الوالدة ومرضها وبالتالي كأنها غابت وابتعدت، فتنقش الشاعرة بطاقة حب لأمها من أربع لوحات حافلة بالمشاعر، فتصف باللوحة الأولى حجم الحنين والإشتياق والرغبات، فتهمس لها: "أشتهي أن أعود إليكِ" وهذا الاشتهاء تصف رغباتها فيه بأن تعود إليها بريئة كطفلة "بريئاً.. أعد النجوم، أقطف تيجان الأزهار، وأبكي بلا سبب"، وتواصل هذه الرغبات المشتهاة بأن تعود اليها مَلَكاً، أن تُدفن في ثلج شعرها بتعبير رمزي لانتشار البياض والشيب بشعر الأم، وتغرق في دفء عينيها وتغفو بين ذراعيها، لتنقلنا للوحة الثانية من النص بوصف أمها بالقول: "أمّي ..منكِ يضوعُ عبيرُ الحقولِ، عطورُ ربيع، رحيقُ زهورٍ"، وبعد هذا الوصف المتميز بالتعابير والتشابيه اللغوية تنتقل للوحة الثالثة وتصف كيف يكون اللقاء: "أُمّي.. وحينَ يُطلُّ عليَّ، جبينكِ مخضلّاً، كورود الصّباحِ، نقاءِ النّدى"، فتصف باللوحة الرابعة كيف ستكون مشاعرها حين اللقاء: "أمسحُ الدّمعَ عن عيْنيَّ، وأعلنُ أنّي أحبّكِ ...أكثرُ"، حيث عندها ستنشر للغد شالاً أخضر وتزهو في أعماقها "عرائشُ من ياسمين". 

    في النصوص التالية سنجد مرحلة أخرى في حديث الشاعرة عن أمها، فالوالدة رحلت الى ملكوت السماء، ولم يعد من لقاء إلا بالمشاعر والحنين، فتتألق هذه المشاعر في النص الرابع من ديوانها "مرافئ الغيم" حيث كتبت هذا النص والمعنون "حنين" في عام 2019م، فكان النص من ثلاث لوحات الأولى مقدمة قصيرة والأخيرة نهاية قصيرة أيضا بينما اللوحة الثانية من النص كانت متن القصيدة وأخذت مساحة أطول بكثير، ففي اللوحة الأولى من النص تتحدث عن واقعها في غياب الأم ورحيلها فتبدأ اللوحة بالقول: "لِمَ يهجرني ..دوريُّ الكلامِ، فراشاتُ المفرداتِ"، لتنقلنا لمتن النص واللوحة الثانية فتصف مشاعرها وحالتها حين يشتد بها الحنين فتبدأ اللوحة بالقول: "أمّي ...حين يعبُّ بصدري، موجُ الحنينِ إليكِ، فكيفَ أُداري ...صهيلَ المعاني" وتليها بمجموعة تساؤلات تصف حالها وأحاسيسها ومشاعرها وخاصة حين يطل عليها وجه الأم في الذاكرة فتقول: "كيفَ أداري المحيا، حينَ يُطلُّ عليّ، كنجمٍ بهيٍّ بليلِ المسافر"، فنحن جميعا مسافرون في هذه الحياة حتى نغادرها، فالذكريات كما النجم في ليل المسافر " على عتباتِ السّنين!!"، فهالات وجه الأم ليست كما أية هالات فهي "كغيماتِ عطرٍ، كزهرِ اللوزِ وأجمل ُ!!"، لتنقلنا للوحة الخاتمة التي تلخص هذه الأحاسيس والمشاعر فتقول: "يا شهدَ الكلماتِ، ونبع الطّهرِ، وأنفاسَ ذاكَ الأبيضِ، في شفةِ الياسمين" فنرى لوحة مرسومة بالكلمات تترك أثرها في أعماق الروح. 
    في اللوحة الثانية نراها تهمس مباشرة لروح أمها بالقول: "أقبل أنفاس الفجر" ولكن ليس في كل وقت ولكن الوقت بالقول: "حين تلامس وجهكِ" وتقصد إطلالة الفجر، وهنا نجد التناص بكلمات الشاعرة مع القرآن الكريم: "وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ" أي أقبل وانبلج، ففي تلك اللحظات سيزول عن وجه الأم "ضباب الحزن" ليكون البديل نشر "شالات من عطر"، وبالتأكيد أن العطر رائحة وعبق وليس شال، لكن قوة التعبير أن النساء يرتدين الشال حول الرقبة وعلى الرأس ويتعطرن ويرتدينه فيأخذ الشال العبق العطري ويصبح وكأنه ينشر"شالات من عطر" بدلا من "ضباب الحزن"، فنساء فلسطين يرحلن "للسفر الوردي" وتحلق أرواحهن في: "مدى.. للشبابيك المنذورة للغيم" وحلم العودة للوطن لتجد أرواحهن التائهة مأوى فالحلم تراه الشاعرة بهمسها للأم: "بغابات عينيكِ". 

    اللوحة الثالثة حفلت بالاشتياق بقوة للأم فحفلت بالتذكر لثوب الأم الفلسطيني النقوش فتقول: "كم أشتاق لتلك الحدائق في ثوبك المخملي"، والمعروف أن الأزهار والورود من النقوش المتوراثة على الأثواب والمستمدة من النقوش الكنعانية، فكان الثوب الفلسطيني يضم اللون الأخضر رمز للأرض وخصبها "ويناعة أخضره" واللون الأزرق الذي يرمز لالتقاء الأزرقين الشمس والبحر "سحابة سحر الأزرق، في أمواج سماواته" وتشتاق للحنون الذي يزين الأثواب كما يزين السهول "للحنون مشتعلا"، وللحكايات التي ترويها الأثواب منذ عهد كنعان "ولزهو الحكايا.. في زهرة"، وتشتاق الشاعرة "لتلك الخطى" التي تذكرها لأمها في الوطن فتقول لها: "لتلك الخطى، في مدائنكِ الطاهرة"، لتنهي اللوحة الثالثة بالاشتياق إلى: "لدفء بحضنك.. أشتاق"، فنرى بهذه اللوحة كيف تمثل الوطن بالأم ولباسها وخطواتها ودفء حضنها كما دفء أرض الوطن. 

    في اللوحة الرابعة والتي كانت قمة الاشتياق بعد أربعة سنوات من الرحيل، كانت الشاعرة تروي لنا شعرا حجم مشاعرها وأحلامها فتقول: "ألثم وجه النجوم، التي خبأت الصورة"، وتتحدث عن "جرح المسافات، عن وجع العمر"، عن صبرها الذي شبهته بالجمر "جمر الصبر.. حرقته، في مرايا السنين"، لتنهي النص بمباركتها "لحن الرجوع" منادية أمها أن هذا الرجوع سيكون: "لأحضان جنتك العامرة"، فتناديها: "لأني أشتاق، آتي اليكِ، أبارك.. سحركِ". 

    وهكذا حلقت بنا الشاعرة في فضاءات الأم بحياتها ورحيلها، وصهرت روحها بالوطن الذي كانت تحلم به، فكانت ترسم لوحاتها بالقلم والكلمات وألوانها نزف الروح، فحلقت بنا في فضاءات من الأحاسيس والمشاعر، أظهرت فيها الدلالات النفسية المؤثرة على النصوص الشعرية، مستخدمة بديع اللغة العربية من رمزيات وتشبيهات وتكثيف بالفكرة والنص، فكانت نصوص وجدانية متوازنة ذات حركة سلسلة لم تترك فراغا بين شطرات كل نص ولا قفزات مفاجئة، فوحدت الفكرة وتألقت بالأسلوب وكان مسرحها المكاني بين الوطن والمنفى، ولاحظنا التأثير الزمني عبر عشر سنوات على النصوص من حيث الفكرة أو الأسلوب، فأبدعت في علاقة تفاعل بينها كشاعرة وبين القارئ كمتلقي، وأبدعت الشاعرة بالوصف والأحاسيس، فوطن لا ينساه اهله رغم السنوات الطويلة، وطن جدير بالحب والحلم وتحليق أرواح الأمهات في فضاءه بانتظار فجر الحرية. 

    الشاعر احمد البياتي .. من كمون لوحة الوجع الى الأحتمال / وجدان عبد العزيز

    لاشك الحديث عن اثار احمد البياتي، حديث يطول كونه شاعراً وناقداً واعلاميا، فالحديث هنا يأخذ ابعادا كثيرة، لكننا اليوم نتحدث عنه، وهو في واحة الشعر، وبالتحديد قصيدة النثر، والاكثر دقة البناء المقطعي فيها، فقصيدة النثر شكل فني سعى في التخلص من قيود نظام العروض في الشعر العربي، كمحاولة للتحرّر من الالتزام بالقواعد الموروثة في القصائد التقليديّة، ونستطيع ان نطلق على قصيدة النثر بانها نص تهجيني، ينفتح على الشعر والسرد والنثر الفني، بيد انها تحمل ايقاعاً داخليا، قد يكون منفردا، ذلك بتوزيع علامات الترقيم والبنية الدلالية وفقاً لبنية التضّاد، (ان نمط البناء المقطعي في القصيدة الجديدة يعتمد في بنيته الاساس على تعدد مراكز الحدث، اوتوزع الحدث الرئيس على محاور عدة، او تجسيد حالات كثيرة تختلف في مضامينها وطبيعة تجربتها، لكنها تلتقي بعضها البعض بخيط واحد يكون عادة غير مرئي، وهذا نمط مهم من الانماط المركزية في الشعر الجديد، اذ يتوقف على اساسها نجاح القصيدة)كتاب عضوية الاداة الشعرية ص33 ? من هنا مسك الشاعر البياتي العصا من الوسط في قصيدته (خاتم شمع)، حيث تكونت من ثمان مقاطع وكل مقطع حمل معنى تكميلي لما يليه، بالرغم من ان المعنى المجمل من القصيدة هو الوجع، وعادة ما يكون الألم، او الوجع هو احساس اوشعور سلبي بعدم السعادة، والمعاناة.. كما ان الألم، قد يكون مادي، أومعنوي بحسب العوامل التي تسببه، فقد يكون نتيجة إحساس أوشعور، وبطبيعة الحال فالمادي، قد يكون مثل الصداع، أوالمغص، بينما المعنوي مثل الحزن والقلق والتوتر، لكن مجسات الشاعر البياتي هنا تتركز بالاحاسيس، والاحاسيس تجربة واعية تتميز بالنشاط العقلي الشديد، وبدرجة معينة من المتعة أو المعاناة، وغالبا ما تتشابك العاطفة مع الحالة النفسية، والمزاج، والشخصية، والتوجه، والدافعية، لتخرج عن اطار التوقع، والشعر عند الفلاسفة هو الكلام الذي ينشأ عن مخيلة الشاعر، كونها صاحبة التجربة، ثم يؤثر في مخيلة المتلقي، كما يذكره ابن طبطبا، لذا جاءت قصيدة (خاتم شمع) لوحة مرصعة بالوجع الظاهر، والوجع المخفي، فالوجع الظاهر صرحت به الكلمات علانية مثلا اليأس والسقوط والخوف والعذاب وغيرها، اما الوجع المخفي فيمثل التأثيرات الخارجية على ذات الشاعر، كقول الشاعر:

    (رعشة خوف

    تقبع في غبش

    في لحظة اضطراب

    تغتال احلامنا)

    فالخوف ليست مشكلة الشاعر، انما مشكلته الاكبر في حالات اغتيال احلامه، لان الوضع الاجتماعي العام جعله (على سحابة متأخرة)، حتى انه (بصمت فظيع) ينتفض، لكن انتفاضته بيأس، بمعنى ان الوضع الذي فيه ميئوس منه، وكون احمد البياتي في واحة الشعر، وهي واحة تسكن بعالم اللاممكن وتقبل الاحتمال، يقول:

    (أسفل الورقة

    حبلاً غليظاً

    شذبنا كأغصان شائكة

    تتحرك فوق أديم الأرض)

    من هنا تمسك الشاعر بالحركة فوق اديم الارض، اي بمعنى ان شعور الشاعر انه لازال في عملية الزمكانية، اي الاحتمالية، التي تقترب من الحياة، والحياة معناها استمرار المحاولة للخروج من لوحة الوجع الى لوحات اخرى.

    منى فتحي حامد : بعينيها قبلات الهيل

    في تلك الليلة كانت تجلس بمفردها في حديقة المنزل وقد لمحها رجلا من بعيد، سار تجاهها، أشار إليها, طلب منها كوب ماء، أجابته ومنحته إياه، نظرت إليه فتعجبت من وسامته حيث كان يقف بجوار جواده و لن يظهر من ملامحه بأنه مسكين أو عابر سبيل..

    سألها: من أنتِ و مَنْ يقطن معكِ، استنشقت البكاء من مشاعرها، أجابت:

    كانت ترافقني أسرتي سابقا، الآن وِحدتي هي كل دنيتي، صار بحياتي فجأة ما لن يطرأ على خاطري أو بخيالي، جميع أرحامي غابوا عن دربي لبساطتي و فقري، داعبني القدر بفراق و وفاة رفيق عمري..

    ما ذنبي، ما زالت أنفاسي تحاول وصالهم لكنهم قساة بقلوبهم، سئمت وعانيت من غلظة أرواحهم..

    الآن كما تراني، الصمت تملك من وجداني، رسمت الوفاء بأقلامي و من أزهار الجنة عالم نثرياتي ..

    دنا الرجل من روحها، لملم بأنامله شجن غربتها..

    همس لمشاعرها: هل تقبلينني رفيق عمرك، مِثلكِ أنا وحيداً ، لمست حنانكِ من أولِ همسة، سأظل وسأبقى حبيبك أبد الزمان والدنيا..

    لمس وجنتيها، داوى آلامها، عانق أحاسيسها، ارتشف من نظراتها قبلات هيل عينيها.

    العشّاقُ مرضى دائماً (من ديوان وأنتِ وحدك أغنية) [لا أتفهَ من عاشقٍ احترقتْ بصيرتُه، ولا أحقرَ من أن تشتاقَ لامرأةٍ هجرتكَ دونَ سببٍ وجيه] فراس حج محمد/ فلسطين


    العشّاق مرضى كالشّعراء تماماً

    لا فرق بينهما

    إلّا بوحيٍ لطيف يُداهِمُ الخيالَ

    ويستريح على رؤوس الجنون

     

    العشّاق يتخيّلون الماء النازف في المطر

    طقسَ تعميدٍ مقدسْ

    فيغرقون في انهمار الضوءْ

    ويستلقون على جنوبهم لاهثينْ

     

    العشّاق يصيبهم مع الزمنْ

    داء الشفاء من الشفاءْ

    ينتقلون في أبراجهم العليا وأمزجتهم الأرضيّةْ

    ويستغلّون الفراغ الناعم بينهمْ

     

    العشّاق يتبجّحون بأنّهم أطفالُ الزغب الأبيض

    وبأنّ أغنياتهم ما زالت تشرب من نهر عذبْ

    مقتنعون بأنّ داخلهم عابقٌ كالنسيمِ

    كفيروز القهوة الصباحيّة عند السابعةْ

     

    العشّاق توهّموا يوماً

    بأنّ الله أعطاهم رحيق الفردوس الأعلى

    فصادقوا الملائكةَ ورجموا الشياطين

    فألبسوا النساء عطوراً وزرعوا عيونهنّ رياحينْ

    العشّاق يكتشفون عند المحطّة الأخيرةِ

    كم كانوا مصابينَ بداء الكلَبِ المسعورْ

    يمزّقون الوقت من أجسادهم دونما نهاية

    ويكتشفون كم كانوا كلاباً نابحةً في الطريق الطويلة دون أن يعبأ بهم أحد قبيح أو مشوّه

     

    العشّاق يكتشفون كم كانوا شعراء يوماً

    وكيف أصبحوا سياسيّين فاشلين على موائد الانقضاض غير الرحيمةِ التي تقتات جلودهم كلّما فتح القلب مساحيق الحنين المستبدّةِ بالخفايا

     

    العشّاق يكتشفون كم كانوا حقيقيّين مثل الوهمِ

    مثل الشعرِ

    مثل الماءِ

    مثل الأغنيةْ

    مثل كلّ شيء عدا أنّهم

    مدجّنون وخائبون 

    مثل حيوان أليفٍ آلفَ الذلّ فتمدّد واستراح لركلة الرِّجْلِ الخفيفة بابتسامتها الغريقة بالبرَد

     

    العشّاق مُفَتَّتون في النواصي الخاطئةِ الكاذبةْ

    أبيضهم كشيء ليس أبيضْ

    وحُبَيْباتُ اللقاح في كلّ لقاءٍ عارية الحرارةْ

    فالعشّاق ليسوا بأكثر من خلايا عفنة

    يسيل منها القيحْ

    تخصفُ في خجلْ

     

    العشّاق مثل "الكافرينَ" الآخرينَ.. منافقونْ

    "يفعلون ما لا يقولونْ"

    ويختبئون في تلك الظلالِ المعتمةِ

    ويحتلمون بالغيمة القاحلة

    فيموت أمثلهم كأمثلهم طريقةْ

    يموتُ أنبلهم عطشْ

     

    العشّاق منمّقونَ.. مزخرفونَ

    وخارجون عن الحدّ الطبيعي للمجاز

    وداخلو قلبٍ النبات بلا إذنٍ من الغربةْ

    ومدجّجون بالاصطلاحات البعيدة في اللغةْ

    لكنّهم لا يعرفون الحدّ الفاصل بين كلّ محارتينْ

     

    العشّاق صنّاع أشرعةٍ بلا بحر ولا موج ولا ريح وعاصفة وسدّ

    العشّاق مجداف قديم قد تكسر في كلّ طلعةِ سردْ

    العشّاق لا ينفصلون عن الريح وعن متن القلقْ

    العشّاق مثل الوقت، يلتهمُ الانتظار قلوبهم

    ويبتكرون التصالح مع جنينٍ ميّتٍ

    لا يختلفون عن الرملِ سوى أنّهم أقلّ تماسكاً 

    وتناظراً في الزوايا القائمةْ  

     

    العشّاق مفتونون وفتنتهم بلا حدٍّ

    وليس لها حرسْ

    سيظلّون مصابين بداء الداء

    صرعى بالكلَب

    يتصوّرون الماء يخلو من الأكسجينْ

    ويلهو بتكتكات الريح شيءٌ من هربْ