نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

شكسبير والدراما في عصر النهضة:بقلم:سعد عزيز دحام



شكسبير والدراما في عصر النهضة
يعد عصر النهضة 1300-1600 عصر تحرر الادب والفكر الاوربي من نير المعتقدات الكنسية التي اوصدت منافذ الابداع قرون عده، وقد عمت اوربا في عصر النهضة حركة انبعاث انطلقت منها الافكار الجديدة في السياسة والدين والفن وتمخضت عنها(عملية بعث شاملة للتراث الاغروروماني مع بدايات رائعة في شتى حقول المعرفة الانسانية تكفلت بانجازها عقول فذة في تاريخ الفكر ، كما رافقتها احداث تاريخية واجتماعية بعيدة الاثر شكلت جميعها حلقات متصلة تركت بصمات عميقة في مجمل التاريخ الإنساني) وبعد تولي الملكة اليزابيث مقاليد الحكم سميت الدراما في عصرها باسمها (الدراما الاليزابيثية) اضافة الى ان ( اللوردات يبدون اهتماماً حقيقياً بالشؤون المسرحية وبسبب ذلك استطاع الممثلون ان ينفذوا فعالياتهم بحرية بعض الشيء).

ونتيجة توفيق اليزابيث بين الطوائف الدينية ظهر نوع من الحرية الفكرية ساعدت على نمو المسرح وازدهاره وفي الوقت نفسه مكنت المسرح من تناول افكار جديدة لبناء المجتمع والانسان، وقد (ساعد الاستقرار السياسي والاقتصادي على ولادة حالة من التأمل والتفكير، وهذه النزعة الموضوعية افصحت عن ذاتها في المسرح بالميل الى التقصي واستنفاذ الموضوع من الداخل لتبيان الحقيقة المكتومة في ما وراء الظاهر) علماً بان النشاط المسرحي يرتبط باجتهادات فردية في كثير من الاحيان ولاجتهاد الحاشية التي كانت تؤثر على السياسة العامة والاجتماعية. (المسرح الاليزابيثي يرجع جزئياً الى الحياة ذات الطابع البلاطي او شبه البلاطي التي كانت تحياها الاسرة الكبيرة).


( لقد كانت الدراما في العصر الاليزابيثي دائماً دنيوية بحذافيرها، وحين كان شكسبير يكتبها كان فعلاً يقصر وجهة نظره على دنيا المشاهدة والفكر غير اللاهوتين لكي يستعرضها مادياً بطريق واحدة لا تتغير سواء أكان زمن احداث القصة قبل ظهور المسيحية او بعدها).

(1)

لقد مزجَ المسرح الاليزابيثي بين المسرح الكلاسيكي القديم والتقاليد الفنية لدراما القرون الوسطى (مسرح الخوارق والاسرار)، وروح عصر النهضة التي تميزت بتعميد الفرد وتشجيع روح المعاصرة، ثم اغناها بمفاهيم شكسبيرية جديدة ادت الى براعة فنية ذات صفة جديدة، وهذا ما يظهر واضحاً في البداية بالمسرحيات الكوميدية ثم التراجيدية التي تصور حياة العصر بقسوة وصراحة. ان من مميزات المسرح الاليزابيثي، انه كان يدعو جمهوره باعتباره مسرحاً شعبياً ثرياً وذو رؤيا عميقة .

ان من اهم مميزات المسرح الاليزابيثي هي علاقته بالجمهور ذلك لعدم وجود صحف او مجلات او منتديات للرأي والسياسة ودور للهو فقد كان الجمهور يلتقي بعضاً مع بعض فيثقف نفسه ويمرح ويبكي وكان يستقي ايضاً الحلم والرؤيا والاخلاق والمفاهيم السياسية من المسرح ايضاً لقد كان الصراع في المسرح الاليزابيثي يختلف كثيراً عما سبق، فلم يعد مع القوى الخارجية ولامع الواجب، بل ان اغلبه اصبح صراعاً للارادة البشرية، وهو صراع بين الرغبة في فعل شيء والرغبة في تجنب فعله، وقد ادى هذا الصراع الى تعدد اهداف الشخصيات واختلاف غاياتها كما ساهم في توسيع رفعة البناء الدرامي.


اتسم المسرح الاليزابيثي بما يأتي

أ- المرونة: ( وتوافرت في معماريه المسرح وعرض المشاهد الكثيرة، مما وفر للممثلين حركة حرة ومرنة على المسرح كما زاد في توتر وتنوع الفعل المسرحي وترقب الجمهور للعرض وأسس علاقات اكثر صميمية بين الممثل والمتلقي)

ب_ خلو المسرح من المناظر مما دفع بخيال الجمهور الى صنع المشاهد وتركيز اهتمامهم على تفاصيل الفعل والحركة والشخصيات اكثر من اهتمامه بالمناظر او المكان الذي يجري فيه الحدث، وهكذا كان على الممثل ان يعتمد في تحقيق التأثير المطلوب على طريقة الهجوم المباشر على عواطف النظارة وخيالاتهم فضلاً عن اعتماده الشعر والبلاغة بكل تأثيراتهما العاطفية.

جـ- خشبة المسرح الممتدة بين الجمهور كانت توفر للمثل حظاً اكبر في الاتصال بهم والتمثيل بينهم ولم يكن ذلك بالامر اليسير (ان الجمهور آنذاك كانت له نوازع ومطالب لا بد ان تحقق رضاه ومنها المشاهد الهزلية التي كثيراً ما تسبب مشاكل جدية للمأساة فتوفير هذه المشاهد دون افساد لنغمة المأساة يعد أمراً عسيراً) ولقد عالج شكسبير ذلك بكل حذاقة اذ حاول جاهداً ان يوجد مشاهد لا تؤثر على سير وتنامي الافعال الدرامية وفق تسلسلها القاعدي من المقدمة الى العقدة حتى الذروة واعتمد على الوصف المؤثر او خلق حدث في المقدمة يلفت الانتباه ويخلق عنصر التشويق.


د- استعمال الرجال لتمثيل دور النساء والبنات


ان هذه الصورة التاريخية لواقع المسرح في ذلك العصر كان لها- دون شك- الاثر الواضح في المسرح الشكسبيري وبناء شخصياته الدرامية، ذلك ان شكسبير رغم تفرده في الرؤية الفلسفية الا انه لا يمكن تجاهل التأثيرات السياسية والاجتماعية والفنية لعصره وما سبقه على طبيعة فنه واعماله الدرامية.



(2)

حياة شكسبير:

شكسبير اسم لا يمكن حصر ما كتب عنه عن أي فرد في تاريخ البشرية وليس من الغريب ان يتوج بانه شاعر الكون، اذ اتسعت رقعة المعرفة به كل انحاء المعمورة. ولد شكسبير في ابريل عام 1564 في مدينة ستراتفورد على نهر الافون في مقاطعة واريكشتر، من أب كان من تجار المدينة، يتاجر في الجلود والصوف والخشب، وكان يصبو الى ان ينتخب يوماً شيخاً للمدينة (وظيفة تقترب ان تكون ما يشابه العمدة) وفعلاً يعد تدرج في الوظيفة اضافة الى عمله بالتجارة الجلدية.. انتخب شيخاً للمدينة وكان أبنه وليم في تلك الفترة أبن الخامسة. وكان من بين مهام العمدة مشاهدة العروض المسرحية للفرق الجوالة- فاذا اعجبه تمثيلها واجازها قدم لها مكافآت مالية. وفي نفس الوقت كان يصطحب معه أبنه وليم الذي شهد التمثيل وهذه العروض منذ طفولته المبكرة.


ويذهب كثير من الباحثين ان هذه التجارب التي كانت تعرض امام والده أثرت كثيراً في نفس الصبي وليم شكسبير واصبحت احد الروافد الحقيقية لحلم الصبي.


أمه .. ماري اردن الأبنة الصغرى لأحد الملاك الزراعين ويذكر النقاد انها كانت ذات علم وشخصية قوية " تتقن ماري اردن اللغة اللاتينية القديمة وتحب قراءة التاريخ والشعر والأدب القديم كما كانت متدينة تحرص على مصاحبة ولدها الى الكنيسة وتشرف على تعليمه.


ويرجح ان وليم شكسبير - دخل المدرسة في سن السابعة وكانت في بلدته مدرسة يتعلم فيها ابناء التجار بالمجان- يدخلها الصبيان في سن السابعة ويخرجون في السادسة عشر.


وكان التعليم في مجمله باللغة اللاتينية وينصب على تدريس أداب القدماء- وقد نال شكسبير حظه من التعليم في تلك المدرسة .. لم يستطيع وليم الدخول الى الجامعة لكارثة مالية حلت بوالده (ونستدل على ذلك في ورود اسمه ضمن المخالفين في سجلات مجلس المدينة اضافة الى تغيبه عن حضور الصلاة في الكنيسة خشيةً أن يقبض عليه دائنوه.


(3)


من الواضح ان وليم اضطر الى الولوج في الحياة العملية وقيل انه عمل في عدة مصالح منها معلماً في الريف واخرى انه عمل في احد مكاتب المحامين ويرى الباحثون من هنا جاءت معرفة وليم شكسبير بالقوانين وشؤون التقاضي. اضافة الى كل ذلك فقد عمل ايضاً في متجر أبيه وقام بسداد كثير من الديون المتراكمة في ذمة والده.


عاش معاناة كبيرة وهو أبن السادسة عشر واكتسب من الحياة كثيراً من التجارب انعكس البعض منها على مؤلفاته .. ومع كل هذه الظروف انكب على المطالعة والكتابة الفردية. تعلم الموسيقى وكان يمارسها كلما سنحت له الظروف.


ويرد اسم وليم في سجلات المقاطعة. 1582 بمناسبة زواجه اذ تزوج وهو في الثامنة عشر من عمره من آن هانواي ابنة مزارع وكانت يتيمة الابوين تكبره بثمانية اعوام ويبدو ان زواجه جاء نتيجة لضغط اجتماعي وتدبيراً لسد فضيحة كان قد تورط بها الفتى وليم شكسبير آنذاك.


ومن الجدير بالذكر ان سوزانا ابنة وليم شكسبير قد ولدت بعد ستة اشهر من تاريخ العقد مما يدل على ان وليم قد تورط في مشكلة مع آن هانواي .. عاش بعد زواجه وهو ابن التاسعة عشر في بيت ابيه وانجب عام 1585 توأمين هما هامنت وجوديت وفي سنة 1587 ترك وليم شكسبير اسرته في كنف أبيه وغادر ستراتفورد الى لندن طلباً لتحسين ظروفه المعاشية وتفادياً للخلافات الحادة التي حدثت مع زوجته ..وقد اشاروا بعض النقاد الى أن هذه الخلافات قد انعكست في بعض مسرحياته..حيث أنه يسدي النصيحة على لسان بعض شخصيات مسرحياته الا تتزوج المرأة من يصغرها سناً.


تشير بعض الروايات الى أن وليم شكسبير قد اتصل بفرقة ممثلي الملكة عند زياراتها ستراتفورد وعمل معهم فاجتذبته الفرقة وغادر معها الى لندن بصحبة الممثلين بحثاً عن الشهرة وطلباً للرزق.


وصل شكسبير لندن وهو ابن الثالثة والعشرين من العمر..حيث شهد حكم الملكة اليزابيث في النصف الثاني من القرن السادس عشر(مولد المسرح الفني الأنكليزي) والمعروف بأسمها (المسرح الأليزابيثي) حيث كانت لندن آنذاك مزدحمة بالسكان وزاخرة بالمتاجر وعامرة بالصناع يدير امورها مجلس منتخب من التجار وعمدة المدينة.


وعندما هبط الى لندن للمرة الاولى 1587 كان معدماً لا يملك شيئاً من المال. لذا كان يعمل اجيراً في فرقة الملكة وقضى في خدمة تلك الفرقة اربع سنوات تعلم فيها التمثيل واكتشف قدراته على كتابة المسرحية .. وكان يرسل بعض ما يحصل عليه الى عائلته في ستراتفورد. كانت الفرق المسرحية في لندن تعمد الى تقديم نصوص مسرحية مقتبسة او مترجمة - وتعهد عادة بها الى من يعيد كتابتها او يضيف اليها بعض المناظر مما يتناسب والجو العام "في الغالب ان شكسبير قد تدرب في تلك الفترة على اعادة كتابة المسرحيات القديمة او التعاون مع كاتب اخر في اعداد المسرحيات الناجحة مما اطال في عمر الفرقة التي كان يعمل فيها والتي كانت على وشك الافلاس ,ثم دخل شكسبير في فرقة مسرحية عام 1596 بعدها اصبح أحد الشركاء الأساسيين نتيجة لما أدخره من مال.


مرت الفرقة التي كان شكسبير احد مؤسسيها بضروف عصيبة وتغير اسمها كثيراً ولكن كان صمودها واضحاً لأستنادها الى عدد من الممثلين الماهرين وكان اشهرهم ريتشارد بيرباج صدسق شكسبير وشريكه الذي كتب له ادواراً مهمة وخالدة.


عاد وليم شكسبير الى ستراتفورد اكثر من مرة اذ استقر فيها مرة مدة عامين من 1592 حتى 1594 لكنه غادر لندن عام 1613 الى مسقط رأسه. وكانت هذه الفترة من اخصب فترات حياته في الانتاج الدرامي المسرحي ولم ينقطع عن متابعة اعمال فرقته او تزويدهم بانتاجاته المسرحية..


بعد ان استقر في مدينة ستراتفورد اشترى داراً ضخمة ضمت اسرته، زوجته وابنائه وكان في سفراته الى لندن لمتابعة اعماله يستأجر داراً قرب مسرح كلوب. وفي سنة 1595 قدم طلباً لحصول والده واسرة شكسبير على لقب جنتلمان وحصل عليها . ولكن في عام 1597 نكب الشاعر في ابنه هامنت الذي توفي اثر مرض لم يمهله كثيراً مما ترك اثراً بليغاً من الحزن في نفس وليم شكسبير ..

(4)


قضي سنواته الاخيرة في جو من الهدوء والرفاهية منصرفاً الى الكتابة وتصريف شؤونه الخاصة واستقبال اصدقاءه الى ان توفي في 23/ نيسان من عام 1616.

انجازات شكسبير المسرحية:

لقد تعددت المصادر وكثرت الاحاديث حول ما خلفه لنا وليم شكسبير من انتاجات مسرحية وشعرية- فبعد وفاتهِ بسبع سنوات قامت مجموعة من شركائةِ واصدقاءهِ في الفرقة المسرحية وبأشراف زميله وصديقه . بن جونسون على نشر طبعة تضم اربعة وثلاثين مسرحية باسم الفوليو عام 1623 وبهذةِ الخطوه انقذت اكثر اعمال شكسبير، مع العلم ان عدداً من مسرحياته قد ظهرت لها طبعات منفصلة ، والمرجح ان شكسبير لم يشرف على هذه الاصدارات بنفسهِ. ولم تحدد هذه الطبعة - الفوليو- تاريخ كتابة النصوص بيد ان جهودا ًكبيرة تضافرت من قبل الباحثين واصدقاء شكسبير على تحديد تاريخ كتابتها والاعتماد على مصادر كثيرة منها المسرحيات المنشورة آنذاك بشكل منفصل خلال حياة الكاتب وتاريخ النشر. اضافة الى كل ذلك فقد اعتمد الباحثون على الرسائل والمذكرات في ذلك العصر - كما ان اشارات الكاتب سواء على لسان الشخصيات او الهوامش او اسلوب الكتابة او الوقائع التي تناولتها المسرحية ثبتت في بعض الاحيان تاريخ كتابة المسرحية، وقد صنفت المسرحيات الى ثلاثة اقسام وهو اجتهاد قام به بعض الباحثين.


1)المرحلة الأولى: كتب خلالها المسرحيات التاريخية ,عدا مسرحية (هنري الثامن) وعدداً من المسرحيات الكوميدية اهمها (حلم منتصف ليلة صيف) و(تاجر البندقية).


2) المرحلة الثانية : وتبدأ في افتتاح مسرح جلوب 1599 والتي افتتحت في مسرحية (يوليوس قيصر) حيث تلتها اعمال مسرحية رائعة مثل مسرحية (الليلة الثانية عشر).ويؤكد الباحثون أن هذه المرحلة هي مرحلة نضج المسرحية الكوميدية والجادة معاً.


3) المرحلة الثالثة : وهي مرحلة المسرحية الكاملة النضج..حيث كتب خلالها اعماله التراجيدية المهمة جداً,امثال ,عطيل ,الملك لير , ماكبث , انطونيو وكيلوباترا..وغيرهم.


وقد بدات هذه المرحلة من عام 1603 التي اعتلى بها جيمس الأول العرش بعد وفاة الملكة اليزابيث وحتى مسرحية العاصفة عام 1612.


لقد اعاد شكسبير صياغة الموروث الاخلاقي للعصور الوسطى بما يتناسب مع معطيات عصره. وحدد فيه الصراع الروحي والمعطيات البيئية التي تحيط بالذات الانسانية بغض النظر عن جنس الشخصية نسائية او رجالية. كما تحمل شخوصه القيم الفكرية والاخلاقية التي كان يصرح بها او يلبسها متعمداً لشخصياتهِ.


اما المعاني الرئيسية التي اضافها شكسبير الى وصف هذا الصراع الروحي فهي حتمية الصراع، واستحالة حالهِ في نهاية الامر، والانتصار الاخلاقي للبطل وسط الكارثة وكان اول ما اتاح هذا الانتصار هو مفهوم المصير المناسب، الذي يختلف اساساً عن الفكرة الكلاسيكية في ان البطل التراجيدي يؤكد مصيره ويقبله على انه شيء له دلالتهِ ومعناه الكامن. فالمصير لا يصبح تراجيدياً الا لكونه مقبولاً. وان التشابه العقلي بين فكرة التراجيديا هذهِ وبين السلوك السائد الذي يستنفر معطيات عصر النهضة عموماً، وحتى لو لم يكن هناك اعتماد مباشر ( فأن هذهِ على الاقل حالة من حالات التوازي في تاريخ الافكار يترتب عليها ان يكون ظهور اول بوادر التراجيديا الحديثة في الوقت نفسه الذي حدث فيه الاصلاح الديني، امراً له دلالتةِ الحقيقية).


لقد كسر شكسبير قاعدة المدرك العام من معطيات دينية واقتصادية واخلاقية وسياسية ليناقش مدرك المستقبل في ضوء نتائج الحاظر..فهو يعقد مناقشة عقلانية للأسباب التي تؤدي بالواقعة الدرامية الى الحصول ورسم مسارها المستقبلي ونتائجها.


لقد اخذ شكسبير من العصور الوسطى الخيال والواقعية البسيطة والشمول والفكاهة الخالصة , واخذ من عصر النهضة الصورة الفنية الكلاسيكية بما فيها من تحد للنظام وأحساس دقيق به , وبهذا يكون قد وفق بين نظرتين متوازيين للحياة وجمع خير خصائص العصرين ليخرج منهما بعصر اليزابيث المميز.

(5)

تعامل شكسبير مع التاريخ:

جمع شكسبير بين التراث والمعاصرة لما يحيط الأنسان المتعايش مع عصره, وهذا يعتبر من أهم مميزات مسرح شكسبير من وجة النظر الأسلوبية , اضافة الى ان شكسبير قد استلهم الاحداث التاريخية والشخصيات التاريخية في مسرحياته وشخص علاقة المسرح بالتاريخ لكنه لم يكن مؤرخاً ، بل كان مبدعاً في تعامله مع التاريخ. فلقد استل من التاريخ القديم او القريب الواقعة الدرامية، او الشخصية التي من الممكن ان ينسج على اكتافها الهرمية الهندسية الدرامية المؤثرة..يؤكد الكاتب المسرحي ( جورج بوشتر ) في تشخيصه لعلاقة المسرح بالتاريخ، الى ان الشاعر المسرحي لا يعدو في نظره ( ان يكون مؤرخاً ، لكنه يحتل مرتبة اعلى من هذا الاخير لانه يخلق التاريخ مرة اخرى، ويغوص بنا في حياة احد العصور بدلاً من ان يقدم لنا سرداً جافاً عنه، ويرينا الطبائع بدلاً من الخواص، والوجود بدلاً من الوصف).لو دققنا في كل مسرحيات شكسبير وبالاخص تراجدياتهِ، لاستنتجنا ان كل مسرحية تراجيدية يمكن ان نعدها بحثاً في اغوار النفس البشرية وذلك لما تحمله من فعل وعقل واعٍ وما تحمله من غموض واسرار، فشكسبير كان يحدثنا عن الانسان بوجه عام، لا عن عطيل او هاملت، ذلك لان الانسان هو موضوعه الاول ( الانسان في صراعهِ مع نفسه وفي رحلتهِ الطويلة التي تتنازعه فيها عوامل الخير والشر، ان شكسبير لم يصنع مأساة اشخاص بل مأساة ظروف) والمقصود هنا ان شكسبير لم يترك شخصياته تتصرف بلا فعل دافع يستمد قوته من الظروف والعوامل المحيطة به

(6)

البناء الدرامي في اعمال شكسبير:

الكاتب المسرحي شكسبير له من الخصوصية التي تحتمل احتواء التنظيرات التي سبقته والتي تلت موته الجسدي. لنا في هذا المجال قد نذكر أن شكسبير قد استفاد كثيراً ممن سبقه في مجال الابداع التأليفي للدراما اذ اغترف من روائع الأدب الاغريقي والروماني وافاد منها الكثير، فهو في جميع مؤلفاتهِ الدرامية انتهج القاعدة الارسطية في مجال البناء الدرامي ، لكننا لا ننكر على شكسبير قدرته على الاضافة والابتكار بالرغم من تفاعله مع كل ما هو اصيل اتخذ شكسبير من الادب اليوناني او الروماني في محاكاة النماذج العليا محكاً لاختبار قدرتةِ وموهبتهِ ودون ان يدري اصبحت طريقاً للتحدي والمنافسة .


لا بد ونحن نتطرق الى البناء الدرامي ان نتذكر ان هنالك مصادر كلاسيكية للأدب والبناء الدرامي الشكسبيري. ولا يخفي التاريخ ان الجزر البريطانية كانت يوماً ما جزءً من الامبراطورية الرومانية، مما يعطيها الحق في توارث التركة الأدبية الكلاسيكية، كانت المدن والمستعمرات الرومانية في الجزيرة البريطانية مراكز حضارية متقدمة ضمت المنازل الكبيرة والشوارع والسوق الرومانية المعروفة باسم ( فورم Forum ) وكذلك الحمامات العامة والمسارح التي تقدم بعض المسرحيات الرومانية . ان البناء الدرامي الشكسبيري ينطلق من التزامه بالموروث اليوناني واضافات الرومان التقنية على بنية العرض غير أن شكسبير كما أراه قد ابتكر بناءاً خاصاً بمسرحهِ سواءً كان قاصداً ذلك أو لم يقصده. وأرى ان صيغة البناء تتلخص بالمنطق الرياضي الهندسي ٍاذ يعطي في مرحلة المعلومات ما يريد للفعل المسرحي او للفكرة الاساسية للمسرحية منطوقاً خاصاً، ثم يقدم لنا الفرضيات المطلوبة او الادوات الآساسيه والافعال الباعثة للشخوص المسرحية وبعد ذلك يطرح من خلال شخوصهِ ما المطلوب أثباتهِ. كل ذلك يتم في الفصل الاول والثاني، ثم يبدأ بالبرهنة على ما تقدم من خلال افعال الشخصيات بعد تقسيمها الى شخصيات سلبية وايجابية ومساعده تتصارع مع بعضها البعض ويلخص في النهاية الى البرهان الذي يختزل كل شيء في حكمة او قول مأثور.
7
ان المميزات العقلية التي جعلت من شكسبير كاتباً درامياً هو (استعراضه للملامح الخارجية للعمل الدرامي) أي تأكيده على ان هناك صفات اساسية لا يمكن ان ينجز العمل الدرامي الا بوجودها، وهي العاطفة والفكر والادراك الشعري لعالم التجربة واهتمامه بالعمل الدرامي ابتداءاً من الحبكة بأعتبارها روح التراجيديا ثم مروراً بالشخصيات المسرحية التي يعرضها بشكل رائع، اضافة الى استخدامه الحوار الذي يقوم بدور الكشف عن الحدث والشخصيات


ان رؤيا شكسبير العميقة الى الحياة وتفكيرهِ وتأملهِ المستمر هو الذي اعطاهُ القوة الخلاقة التي نفخت الحياة في شخصياتة.


لقد اتصفت البنية الدرامية عند شكسبير ببنائها التدريجي وصولاً الى التطهير الارسطي، فضلاً عن مهارته في رسم الشخصيات وذلك باكتسابها من العواطف والدوافع والمبررات ما يجعلها اكثر انسانية.كما انه يجمع في مسرحياته بين الملوك والصعاليك والنبلاء والخدم والسادة والعبيد بل كثيراً ما يجعل السفلة يتحكمون في النبلاء والعبيد في السادة.


اخيراً اقول أن شكسبير رجل ورث اساليب متعددة في صياغة الشخصية المسرحية بيد انه استقل في بناء شخصياته فاعطى لها بعدا حياتيا جديدا اعتمد فيه على خزين التجربتين الالية والحية والخيال العقلاني الذي رسم حدود مادية للشكل الخارجي وتصوير ادق يغور الى الداخل ليضع حدود المعادل الموضوعي بين ماتريد الشخصية ان تحققه من افعال تعتبر باعثه ومجسده تفعل السلوك الظاهري. من ذلك نستنتج بان شكسبير حتى في حالة استعانته بالتاريخ واحداثه القريبة او البعيدة او استلالهِ الاحداث من الاسطورة او الادب القصصي او الشعبي فانه يوظف شخصياتهِ التي يبتكرها لتصبح معبره عن عالم خاص يرتبط بزمان ومكان وحدث لكنه يصلح لكل


الازمان. ان ُجل ماكان يميز الشخصيات المسرحية الشكسبيرية هو قرب تجارب الشخصيه المسرحيه الشكسبيريه الى التجارب الانسانيه عند الاخرين سواء كانت شرا او خيرا... "كان


شكسبير يخلط بين احلامه وبين الحياة العادية ، وكان الحياة كانت تمر امام ناظره بينما هو يحلم وهو مفتوح العينين وهو صادق اذ يقول اننا من نفس معدن احلامنا .






سعد عزيز دحام


5/1/2011










المصادر


............


* الحاوي ايليا.. شكسبير والمسرح الأليزابيثي ج1 ط1 دار الكتب اللبناني للطباعة والنشر بيروت 1980 ص 45 .


*جبرا ابراهيم جبرا..شكسبير معاصرنا..الجمهورية العراقية ..دار الرشيد للنشر ,1979 ص63.


*هواينتج فرانك..المدخل الى الفنون المسرحية.. ت كامل يوسف ,ورمزي مصطفى ,ودريني خشبة ,وبدر الدين,ومحمود السباع,دار المعرفة.


* ماركس ملتون..المسرحية كيف ندرسها ونتذوقها..ت فريد منصور..دار الكتاب العربي.ص137.


*لويس عوض..البحث عن شكسبير ..دار المعارف بمصر..ص205.


*محمد الجزائري..شكسبير جناح البقاء في كل مكان..مجلة فنون بغداد..العدد 58


(12)


تشرين الأول 1979 ص10.


*مجموعة من النقاد الأدباء السوفيات..دراسة اشتراكية في مسرح شكسبير..ت عبدالله راضي 1977 ص77.


*ارنولد هاوزر..فلسفة تاريخ الفن..ت رمزي عبده جرجيس..الهيئة العامة للكتب .القاهرة.1968 ص9.


*هاملت..جبرا ابراهيم جبرا..دار المأمون,وزراة الثقافة والأعلام 1986 ص10.