نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

الأنبياء و..الفن ..والدين.. النبي أبراهيم خلاصة الفن والفكر الرافديني.. حكمت مهدي جبار


 حكمت مهدي جبار

الأنبياء و..الفن ..والدين..
النبي أبراهيم خلاصة الفن والفكر الرافديني..
حكمت مهدي جبار
في وسط بيئة كانت فيها العلوم والفنون والثقافة والسياسة ونظام الحياة
المستندة على القوانين في أرض الرافدين العظيمة .ولد (النبي أبراهيم – ع
- ) في قرية (فدام آرام) وتسمى( كوثار)وهي احدى قرى الكوفة في جنوب
العراق.(1)ومهما يكن من أمر ألأختلافات في اماكن وتأريخ ولادته ,فأن
الغالب ألأعم يؤكد على انه ولد في بلاد الرافدين وعاش فيها طفلا وصبيا
وشابا حتى بلغ أشده.وهو يعيش تحولات وتبدلات خطيرة وعظيمة الشأن في أرض
الرافدين .
أذن ولد (أبراهيم-ع-) في ظروف كانت فيه بلاد الرافدين تشهد نهضة في
العلوم والفنون والآداب رغم طبيعتها الأسطورية.وفي عهد كان فيه (نمرود)
قابضا على زمام الملك في بابل.
كانت بلاد الرافدين رغم مرورها بحقب تأريخية سومرية وأكدية وبابلية
وآشورية ,تسمى بـ (أرض بابل) ذلك لأن (بابل) أعتبرت الخلاصة الحضارية
لبلاد الرافدين ,بما اتصفت به من شخصية خاصة بين بلدان العالم القديم.ثم
أنها ذكرت في القرآن الكريم في سورة(البقرة..الآية 102) .ولم تذكر
أخواتها مثل سومر وأكد وآشور وغيرها.وفي ظل هكذا صور ووقائع وسمات ,ولد
النبي أبراهيم – ع – وعاش في مجتمع رغم عمره الموغل في القدم ,فهو مجتمع
حيوي متطور متحول متغير.
كان أهل بابل في تلك العهود العتيقة,ينعمون برغد العيش ويتفيئون ظلال
النعمة.حيث غدت تلك البلاد العظيمة لاتضاهى في عظمتها وسعتها.حتى صارت
عنوان حضارة بلاد الرافدين.فنسبت (كما قلنا) اليها كل حضارة البلاد
جميعا.من حيث المعتقدات والطقوس الدينية والقصور والمعابد والقوانين
والآداب وفنون الرسم والنحت والخزف والفخار وتنظيمات الجيش ومؤسسات
الدولة وبناء المجتمع .(الفنون البابلية – د. زهير صاحب. 2011) فولادة
ابراهيم في تلك الحقب الزمنية جعلته يكون بحق أبو الوعي والفكر ومؤسس
العقل الأنساني الطافح بالسعة بآفاقه المتبحرة والمتفحصة والمفتشة عن
أسرار الكون .حتى انعم الله عليه بالنبوة فأستحق أن يكون
(أبوالأنبياء).وهو لشرف عظيم ان تكون (بابل) هي الحضن الدافيء الذي ولد
فيه (النبي العظيم).
ان اغلب من كتب في الأمور الدينية المتخصصة في قصص الأنبياء في القرآن.لم
تحترم ما جاء على أيدي الأمم والشعوب من منجزات ابداعية في فنون العمارة
والنحت والرسم والفخاريات .ويعتبروه كفرا والحادا .لأنه انما يصنع ويبدع
لكي يعبد..لذلك فأن النبي أبراهيم – ع – كان يعتبر عظمة الفنون البابلية
من بناء زقورات وتماثيل ونصب انما هي أشراك بالله تعالى.ذلك لأنهم نحتوا
تلك الأصنام بأيديهم وصنعوها على أعينهم ثم جعلوها أربابا ونصبوها
آلهة.وعكفوا على عبادتها من دون الله الذي خلقهم.(قصص القرآن – جاد
المولى – دمشق – 1981)
بينما أعتبر دارسوا (تأريخ الفن العراقي القديم) أن ما انجزه أبناء (بلاد
الرافدين) ومنهم(البابليون) انما هو تعبير عن الحياة الزاخرة .وأن العصر
البابلي ليس هو عصر الظلام والجهل.مثلما عبر عنه (*)مؤلف قصص القرآن)
انما هو بمثابة عصر ألأنوار في بنية الحضارة الرافدينية .حيث عاش
المبدعون في ربوع الحرية للتعبير عن كوامنهم.ففي الوقت الذي اعترض فيه
(أبراهيم النبي) على مابناه البابليون من صروح معتبرا اياها تحديا للخالق
الأكبر العظيم.عندما أعتبر أن بناء (الزقورات) أنما هي سلالم كي يرتقي
بها الملوك والحكام لبلوغ أسباب السماء والتجرؤ على مخاطبة الرب
العظيم.فأن الفنانون في تلك العهود يعتبرون ان ذلك أبداع فكري أنساني
عظيم بنيت على أساسه الحضارات والثقافات وهويات الشعوب
لقد تعامل (أبراهيم) مع تلك الظروف وهو يستند الى أمر الهي .غيبي لايمكن
ان يتصوره أهل ذلك الزمان.فأولئك كانوا يعيشون المنطق الأسطوري
الخيالي,بأدوات الفن .ومع ذلك فقد تمكن من أن يجعل من ذلك المنطق
الأسطوري لشعب وادي الرافدين وعيا بوجود منطق روحي يخرج من القلب في
الأعتقاد بوجود خالق واحد عظيم.وذلك من خلال أستدراج الناس بمراحل أكتشاف
أفضلية شكل على شكل بصفات حجمه ومدى بقاءه في الفضاء وحركته في الكون.حتى
الوصول الى المطلق المجرد من الشكل .(فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال
هذا ربي فلما أفل قال لاأحب الآفلين.فلما رأى القمر بازغا ......الى آخر
(الآية 78 من سورة ألأنعام)
ولم تخلوا مخاطرة أبراهيم من صعوبات تمثلت في محدودية الوعي الذي كان
متشبثا وملتزما بالحس الشكلاني القائم على الحدس الروحي.في رؤية الرب.حيث
أن المعرفة أنذاك لم تكن قريبة من المنطق بقدر اقترابها من الخيال.وكان
أبراهيم عندما انعم (الله) عليه بأنبثاق الأيمان في قلبه وعقله وبصيرته
وبصره يعاني من عدم وجود من يقتنع بما جاء به من وجود خالق لايرى وغير
مجسم وليست له صورة.فألأنسان الرافديني لم يكن يؤمن بوجود شيء كونه خالق
عظيم لا يراه ولا يلمسه كصورة مادية فذلك (كفر والحاد)!!!!.
وأستنتج أبراهيم أن العالم يجب ان يكون له خالق.وكان بأستنتاجه هذا ليس
كرجل دين يستغرق في العبادة.ويتأمل الخلق والكون .انما كان مفكرا ومكتشفا
وفنانا ,حيث مارس فن النحت وهو صغير. حتى ان بعض الروايات اليهودية تقول
انه عبدها فترة قصيرة. وكان غزير العلم والمعرفة.حيث تعلم زمن البابليين
الرياضيات وعلم الفلك والتاريخ والفلسفة والدين.لذلك كان كثير الحوارات
والمناقشات مع فناني ومهندسي ومعماريي بابل.
لقد اختمرت في ذهن أبراهيم جميع عناصر الفكر والوعي الأنسانيين في أرض
الرافدين.حيث أن تلك الأرض شكلت وعاءً واحدا لايتجزأ للحضارات العراقية
السومرية والأكدية والبابلية والكلدانية والآشورية .فكان أبراهيم سومريا
بابليا آشوريا صنعته الحياة وهو يرتوي من ماء دجلة والفرات ,لينعم عليه
الله بالنبوة كأستحقاق رباني أرضي نظرا لخصوبة فكره ووعيه وعمق تأملاته
في الكون والخلق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1– حيث يقول أهل التوراة ان (أبرام) .(أبراهام) .ولد سنة 1900 ق.م.في
قرية (فدام آرام) في (بابل).ويقصد بها (بلاد الرافدين)العراق.
وهناك من اليهود  من يقول انه ولد في سنة 1948 من بعد خلق الكون. حسب
(التلمود البابلي,عبودة زرة 9أ)
وهناك من يقول انه ولد في (أور)سنة 2000ق.م زمن الملك الطاغية (نمرود بن
كنعان بن كوش) والذي حكم بلاد الرافدين  بما يقارب سنة 2053 ق.م.بمعنى
وحسب هذا الرأي ان (ابراهيم) كان عمره 53سنة عندما عاصر حكم (نمرود بن
كنعان بن كوش)وهي فترة حكم سلالة (أور الثالثة السومرية) حيث عهود  – أور
نمو – وشولكي – 2094- 2047- ق.م. وهي أيضا عهود وصل فيها السومريون الى
مستويات مرموقة من الثقافة والأدب والفنون والمعرفة والعلوم والفكر.
الا أن ماجاء في كتاب قصص القرآن للأستاذ المرحوم محمد أحمد جاد المولى-
وكتاب ألأنبياء – حياتهم – قصصهم – للسيد عبد الصاحب الحسني العاملي –
يؤكدان على أن (نمرود بن كنعان بن كوش) هو ملك بابلي .وقد ولد في عهده
النبي (أبراهيم).رغم ان (نمرود) لم يذكر في القرآن الكريم في قصة النبي
أبراهيم.انما ذكر فقط الملك الذي تحداه أبراهيم.لكن المفسرون ربطوا بينه
كـ (ملك بابلي) وبين الملك خصم (أبراهيم) .
أما ألأستاذ (سامي البدري) رئيس قسم علم الأديان المقارن في المعهد
الأسلامي البريطاني فيقول: أن النبي ابراهيم ولد بزمن قبل زمن الملك
البابلي العظيم (حمورابي) بما يقارب الـ ( 300) سنة .وبما أن فترة حكم
(حمورابي) بدأت في سنة 1792- 1750 ق.م. فأن فترة وجود (أبراهيم) كانت في
سنة 2092 ق.م.وهو رأي يقارب الآراء الأخرى بفارق سنين قليلة.وهو ما يؤكد
فترة وجود النهضة السومرية على يد (أور نمو) و(شولكي).
*أن مؤلف قصص القرآن محق في تلك التسمية .ذلك لأن يتناول سرد سيرة حياة
نبي مكلف من الله تعالى.معبرا ان صناعة التماثيل والنصب انما هي عمل ديني
مشرك وليس أبداعا فنيا كما هو عليه في الوقت الحاضر.
وهناك رأي تأريخي يقول أن أبراهيم رجل سومري ,سكن مدينة (أور) جنوب بلاد
الرافدين في مدينة (الناصرية) الحالية في (العراق).عاصر سيطرة (الحيثيين)
بعد سقوط (سلالة بابل الأولى) ذات الأصل (الأموري)عام 1595 ق.م.حيث عهد
الملك الأموري البابلي المشهور(حمورابي) .وهناك من يخالف هذا الرأي فيقول
ان (أبراهيم) صحيح (أموري) ولكنه (كلداني