الثقافة هي لغة شعوب العالم المتقدمة فيجب علينا أن نحرص على ثقافة أولادنا وتعليمهم جيدا
الاثنين، 21 يناير 2013
عمار نعمة جابر
شاكر عبد العظيم مسرحي عراقي شامل بمعنى الكلمة ، حاله حال اغلب ابناء
جيله الذين جنّهم المسرح واصيبوا بوبائه الذي لا يشفى منه عادة ، فكما هم ،
راح يتحرك في المسرح من مقاعد الدرس الاكاديمي ، وصولا الى مرحلة
الدكتوراه في المسرح ، ومواظبا على تنوع انتاجه المسرحي من تمثيل واخراج
ونقد ودراسات مسرحية ، حتى صار وجها واسما مسرحيا ينتمي لعائلة المسرح
العراقي الحميمة
وفي محاولاته المتواصلة في الانتاج المسرحي ، صدر
حديثا للكاتب مجموعة مسرحية تحمل عنوان ( عشر مسرحيات مشاكسة ) ضمت مجموعة
من المسرحيات القصيرة والمغايرة في اسلوبها الادبي وطريقة بناءها ،
وقيادة المؤلف للحدث والمكان والزمان والشخصيات ، بررت للقارئ ذلك العنوان
المشاكس بشكل نسبي ، حيث بقي الغموض يرافق القصد من المشاكسة في كتابة النص
المسرحي ، وهل قصد به المؤلف التغيير أم وجه من وجوه التجريب او التغريب
في الكتابة المسرحية ؟
ربما يكون نص ( بداية سعيدة للمرايا
الناقصة ) والذي حمل رقم ( 3 ) في مجموعته المشاكسة ، مثال يمكن ان نتعرف
من خلاله على نوع المحاولات التسعة الاخرى في هذه المجموعة . فبعد ان كتب
التسلسل لكل مسرحية قبل العنوان راح عبد العظيم يعود لأسلوب قديم كان
معروفا في عصر النهضة بتذيل العنوان بعنوان اخر يأتي بعد كلمة ( أو ) ورغم
كون القسم الاول كان سعيدا رغم نقصان المرايا لكن الـ ( لا شيء ) المتحيرة
ربما هي حكم مسبق للكاتب على ما سوف يطرحه في نص يحمل تعليقة ثانوية تحت
العنوان كتبت بين قوسين : ( هي مجرد مرايا ليست من خيال ) فيه عودة
لواقعية المرايا التي ستحاصر الشخصيات في النص .
عند الولوج في
النص نجد هناك فقرة تبين حالة الزمان والمكان فيه ، بتفصيل هو اقرب للفعل
الاخراجي كونه يبين سلطة المرايا على العرض وكيف تكون الشخصيات ليست سوى
انعكاس لصور الممثلين في المرايا المائلة ، ولكن وكما حدث في اغلب النصوص
المشاكسة الاخرى تدخّل الكاتب كي يسجل ضحكة له ، كون الممثلين سيميلون حتما
بأجسادهم بسبب المرايا المائلة ، ثم الحقها بعنوان لملاحظة سجل فيها انها
هامة جدا يهمسها ' بيننا وبينه ' معترفا بأن مؤلف النص ضعيف لأنه يستعين
بالرسوم التوضيحية وانه يتحجج بميله للاختصار لأنه يعيش في عصر السرعة ،
ويدعونا في اخر الملاحظة لنرى معه اين يصل المؤلف ، وهو اسلوب غير مسبوق في
الملاحظات التعريفية في كتابة النص المسرحي .
قام عبد العظيم
بتقسيم النص الى خمسة مرايا ، تماثل التقسيم المشهدي للنصوص ، حيث تمثل كل
مرآة مشهد منفصل ، والرقم خمسة له مدلولات كثيرة أقل ما يمكن ان يوضع في
شكله الدائري ( 5 ) في الارقام العربية ليحيل الى الدوامة التي تدور بها
الشخصيات أو الدوران اللامتناهي في بناء النص . ومرايا عبد العظيم الخمسة
القصيرة نسبيا يغلب عليها وصفي الحالة والمكان ، وغياب ملحوظ للملفوظ
الحواري ، والذي يسبق عادة فعل تكسر أحد المرايا الخمسة ، ونهاية المشهد .
لقد كان التنوع في الصور المتخيلة لتلك المرايا الخمسة مقصودا لتشكيل فضاء
لنص تمثل فيه هذه المرايا الشخصية المحورية في ترتيب وتنظيم خط سير الحدث
المفترض . حيث تشكلت المرايا بأشكال سينمائية تارة او تلفزيونية تارة اخرى ،
أو حتى على هيئة زجاجة شفافة ، او قفص أو غرفة او مقهى .
لقد
تخللت تلك المرايا الخمسة ، والتي مثلت نص عبد العظيم ، ملاحظات ، اختلفت
في الطول وفي اسلوب العرض ، بوّب بعضها ( ملاحظتي كمؤلف هي : ) او ( المهم :
) او ( ملاحظة عادية لي كمؤلف: ) أو حتى الدخول بشكل سافر وبلا مقدمات
بملاحظة ما ! . كل هذه الملاحظات شكلت حالة من البناء العلاقاتي الغريب بين
المؤلف والقارئ ، حيث تبدو شخصية المؤلف حاضرة في النص ، يتدخل ويترك رأيه
المعارض ، او المستهجن لفعل ما ، ومن ثم يقود القارئ للتساؤلات التي قد
تثيرها الشخصيات او الحدث . يقول المؤلف في نهاية المرآة الثانية ( المؤلف
غير موفق في هذا المشهد كما اعتقد واعتقادي هذا خاص بي وحدي ) او يقول بعد
تصويرة لمشهد ما في المرآة الرابعة : ( اعتقد كمؤلف تصور غير مهم لكن ما
العمل ، فقد فرضته لحظة الكتابة ) .
ان نص ( بداية سعيدة للمرايا
الناقصة او لا شيء ) يحمل اسلوب جديد في طرح النص الادبي عموما ، تغيب فيه
كل الاحكام الارسطية او ما تلاها من نظريات رضخ لها النص المسرحي في
البناء والطرح . ان نصوص شاكر عبد العظيم المشاكسة خروج واضح عن المألوف في
كتابة النص المسرحي ، والذي سيجعل من هذه المجموعة محط جدل سيشكل في
النهاية مساحة للأخذ والرد في دوافع الكاتب من استخدام هكذا اسلوب في
البناء ، اسلوب يمكننا ان نطلق عليه بـ ( اللا اسلوب ) بسبب عدم تقيد تلك
النصوص المشاكسة بكل قوانين بناء النص المسرحي ، وعدم التزامها بنص محدد
يحمل قواعد واضحة .
الناصرية
24/11/2012