نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

بداية سعيدة لشاكر عبد العظيم رغم مراياه الناقصة / عمار نعمة جابر




عمار نعمة جابر

شاكر عبد العظيم مسرحي عراقي شامل بمعنى الكلمة ، حاله حال اغلب ابناء جيله الذين جنّهم المسرح واصيبوا بوبائه الذي لا يشفى منه عادة ، فكما هم ، راح يتحرك في المسرح من مقاعد الدرس الاكاديمي ، وصولا الى مرحلة الدكتوراه في المسرح ، ومواظبا على  تنوع انتاجه المسرحي من تمثيل واخراج ونقد ودراسات مسرحية ، حتى صار وجها واسما مسرحيا ينتمي لعائلة المسرح العراقي الحميمة

وفي محاولاته المتواصلة في الانتاج المسرحي ، صدر حديثا للكاتب مجموعة مسرحية تحمل عنوان ( عشر مسرحيات مشاكسة ) ضمت مجموعة من المسرحيات القصيرة والمغايرة  في اسلوبها الادبي وطريقة بناءها ، وقيادة المؤلف للحدث والمكان والزمان والشخصيات ، بررت للقارئ ذلك العنوان المشاكس بشكل نسبي ، حيث بقي الغموض يرافق القصد من المشاكسة في كتابة النص المسرحي ، وهل قصد به المؤلف التغيير أم وجه من وجوه التجريب او التغريب في الكتابة المسرحية ؟

ربما يكون نص ( بداية سعيدة للمرايا الناقصة ) والذي حمل رقم ( 3 ) في مجموعته المشاكسة ، مثال يمكن ان نتعرف من خلاله على نوع المحاولات التسعة الاخرى في هذه المجموعة . فبعد ان كتب التسلسل لكل مسرحية قبل العنوان راح عبد العظيم يعود لأسلوب قديم كان معروفا في عصر النهضة بتذيل العنوان بعنوان اخر يأتي بعد كلمة ( أو ) ورغم كون القسم الاول كان سعيدا رغم نقصان المرايا لكن الـ ( لا شيء ) المتحيرة ربما هي حكم مسبق للكاتب على ما سوف يطرحه في نص يحمل تعليقة ثانوية تحت العنوان كتبت بين قوسين :      ( هي مجرد مرايا ليست من خيال ) فيه عودة لواقعية المرايا التي ستحاصر الشخصيات في النص .

عند الولوج في النص نجد هناك فقرة تبين حالة الزمان والمكان فيه ، بتفصيل هو اقرب للفعل الاخراجي كونه يبين سلطة المرايا على العرض وكيف تكون الشخصيات ليست سوى انعكاس لصور الممثلين في المرايا المائلة ، ولكن وكما حدث في اغلب النصوص المشاكسة الاخرى تدخّل الكاتب كي يسجل ضحكة له ، كون الممثلين سيميلون حتما بأجسادهم بسبب المرايا المائلة  ، ثم الحقها بعنوان لملاحظة سجل فيها انها هامة جدا يهمسها ' بيننا وبينه ' معترفا بأن مؤلف النص ضعيف لأنه يستعين بالرسوم التوضيحية وانه يتحجج بميله للاختصار لأنه يعيش في عصر السرعة ، ويدعونا في اخر الملاحظة لنرى معه اين يصل المؤلف ، وهو اسلوب غير مسبوق في الملاحظات التعريفية في كتابة النص المسرحي .

قام عبد العظيم بتقسيم النص الى خمسة مرايا ، تماثل التقسيم المشهدي للنصوص ، حيث تمثل كل مرآة مشهد منفصل ، والرقم خمسة له مدلولات كثيرة أقل ما يمكن ان يوضع في شكله الدائري ( 5 ) في الارقام العربية ليحيل الى الدوامة التي تدور بها الشخصيات أو الدوران اللامتناهي في بناء النص . ومرايا عبد العظيم الخمسة القصيرة نسبيا يغلب عليها وصفي الحالة والمكان ، وغياب ملحوظ للملفوظ الحواري ، والذي يسبق عادة فعل تكسر أحد المرايا الخمسة ، ونهاية المشهد . لقد كان التنوع في الصور المتخيلة لتلك المرايا الخمسة مقصودا لتشكيل فضاء لنص تمثل فيه هذه المرايا الشخصية المحورية في ترتيب وتنظيم خط سير الحدث المفترض . حيث تشكلت المرايا بأشكال سينمائية تارة او تلفزيونية تارة اخرى ، أو حتى على هيئة زجاجة شفافة ، او قفص أو غرفة او مقهى .

لقد تخللت تلك المرايا الخمسة ، والتي مثلت نص عبد العظيم ، ملاحظات ، اختلفت في الطول وفي اسلوب العرض ، بوّب بعضها ( ملاحظتي كمؤلف هي : ) او ( المهم : ) او ( ملاحظة عادية لي كمؤلف: ) أو حتى الدخول بشكل سافر وبلا مقدمات بملاحظة ما ! . كل هذه الملاحظات شكلت حالة من البناء العلاقاتي الغريب بين المؤلف والقارئ ، حيث تبدو شخصية المؤلف حاضرة في النص ، يتدخل ويترك رأيه المعارض ، او المستهجن لفعل ما ، ومن ثم يقود القارئ للتساؤلات التي قد تثيرها الشخصيات او الحدث . يقول المؤلف في نهاية المرآة الثانية ( المؤلف غير موفق في هذا المشهد كما اعتقد واعتقادي هذا خاص بي وحدي ) او يقول بعد تصويرة لمشهد ما في المرآة الرابعة : ( اعتقد كمؤلف تصور غير مهم لكن ما العمل ، فقد فرضته لحظة الكتابة ) .

ان نص ( بداية سعيدة للمرايا الناقصة  او لا شيء ) يحمل اسلوب جديد في طرح النص الادبي عموما ، تغيب فيه كل الاحكام الارسطية او ما تلاها من نظريات رضخ لها النص المسرحي في البناء والطرح . ان نصوص شاكر عبد العظيم المشاكسة خروج واضح عن المألوف في كتابة النص المسرحي ، والذي سيجعل من هذه المجموعة محط جدل سيشكل في النهاية مساحة للأخذ والرد في دوافع الكاتب من استخدام هكذا اسلوب في البناء ، اسلوب يمكننا ان نطلق عليه بـ ( اللا اسلوب ) بسبب عدم تقيد تلك النصوص المشاكسة بكل قوانين بناء النص المسرحي ، وعدم التزامها بنص محدد يحمل قواعد واضحة .

الناصرية

24/11/2012