نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

قصتي مع القصة والرسم:بقلم: حكمت مهدي جبار


 حكمت مهدي جبار

مذ كنت صغيرا أولعت بالمجلات والكتب التي كنت اراها متناثرة هنا وهناك لأشقائي الأكبرمني..أغافلهم لأقلب صفحاتها فتدهشني صورها وحروف كلماتها.وعندما صار عمري ست سنوات والتحقت الى الأبتدائية.كان أكثر ما يثير فيَّ متعة التعجب هو رائحة الورق التي انغرزت في أنفي لتصبح منذ ذلك الوقت تحمل أسم (رائحة المدرسة)..وبمرور السنين الدراسية عشقت الكتابة وأجدت في رسم حروفها مقلدا ماأراه في كراسات الخط العربي....فأبدعت في جودة الخط..فأسماني المعلمون بالخطاط وراح ينعتني زملائي داخل الصف بتلك الكنية..ثم انقلبت على القراءة لكل مايقع تحت يدي.صرت أقرأ بشراهة..وعندما يحين موعد الذهاب الى مكتبة مدرستي الطينية في القرية القصية عن المدينة,وقعت تحت يدي كتب لكتاب كبار وفلاسفة كثيرا ماكان يهمس بأذني أحد المعلمين معتبرا أن مايقوله لي نصيحة:ــ لاتقرأ تلك الكتب ..أنت لم تزل بعد صغيرا..وخشي البعض من أن يؤثر ذلك على انصرافي عن كتبي المدرسية.إلا أن تلك الكتب قد سرقت مني كل أهتماماتي لأروح غائصا في بطونها مقلبا صفحاتها ناسيا نفسي مبهورا بما يقول أصحابها في قصصهم ورواياتهم وعباراتهم الفلسفية دون أن أعي منها الشيء الكثير.حتى انعقدت علاقة عظيمة بيني وبين بالكتابة لأكون أفضل تلميذ في كتابة مادة (الأنشاء والتعبير) في اللغة العربية ولألقي الكلمات في يوم مراسيم رفع العلم مقلدا كبار الخطباء بألقاءاتهم وحركاتهم وأيماءاتهم .كتبت القصة وأنا في الخامس الأبتدائي.دون أن أدري كيف جاءت الكلمات والعبارات الوصفية.كتبت تلك القصة عندما تحدث لنا معلم الدين عن قصة أصحاب الكهف..في بداية سبعينات القرن العشرين كانت مجلة ألف باء المشهورة في العراق ضيفا دائما في بيتنا.يجلبها أشقائي من مكتبات المدينة.فأروح أقلب صفحاتها فتستوقفني الصفحة التي لاتنسى.وهي صفحة (قصة قصيرة) يثيرني فيها التخطيط الذي يرافق النص وعادة مايكون لـلرسامين الكبار (صلاح جياد) أو (فيصل لعيبي).أقرأ القصة بشغف وأعيدها مرات ومرات وقد ارتسمت في خيالي صورها التي انسجها من تعبيرات كاتبها وتوصيفاتها..كنت أعتبر أن القصة تقترن بالتخطيط الذي يرسمه كبار الرسامين والتخطيط يقترن بالقصة..وهكذا بدأت مع القصة كما وجدت نفسي رساما منذ طفولتي..لكن طيلة ذلك العمر لم يعرفني الناس ككاتب قصة انما رساما..فبقيت نصوصي مخفية بين صفحات مفكراتي زمنا طويلا,حتى كثرت فجمعتها بلملفات خاصة بخط يدي....رغم كل ماكتبت من مئات القصص القصيرة لم تنشر أية واحدة منها..لكن بعد أن صار الغزو التكنولوجي في عالم الحواسيب ودخول الطابعات الحديثة طبعت عدد كبير منها وأحتفظت به في مكتبتي الخاصة..ثم يأتي وقت انسى تلك الكتابات منشغلا في الرسم فترة طويلة فانقطع لأقامة المعارض الشخصية والجماعية لأقدم أعمالا فنية متعددة الأتجاهات ..وجربت يوما النقد الفني حتى تمكنت من أتقان بعض أدواته على قدر ما أستطيع..كتبت عن زملائي من الرسامين والنحاتين نالت أعجاب كبار النقاد..وبعد ذلك يجرفني حنين العودة للكتابة .فأذهب مستغرقا أوقاتا طويلا أترك فيها الرسم لكتابة القصة والنقد القصصي...كل ذلك تراكم في بيتي.صار ممتلكاتي الخاصة..ومنذ زمن بعيد ..بقيت انظر الى تلك الممتلكات..مرة أقلب صفحات ماكتبت ومرة أقلب لوحاتي مكتفيا بأعادة الماضي لأستمتع بذلك الشعور الغريب... 
 حكمت مهدي جبار