نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

صدور الكتاب الثاني والأربعين للدكتور "حسين سرمك حسن" عن الروائية "هيفاء بيطار


 

أوراق ثقافية -عن دار تموز في دمشق صدر كتاب جديد للناقد الدكتور حسين سرمك حسن عنوانه "جماليات السرد الضاري – دراسات في الأدب الروائي للروائية هيفاء بيطار" وهو الكتاب الثاني والأربعين للدكتور حسين سرمك حسن .
وفي مقدّمة الكتاب (385 صفحة) يحدّد الناقد بعض المشكلات الأساسية التي تواجه الفن الروائي العربي بالقول إن :
(المشكلة الأكبر هو أن تشجيع هذه الميول الحداثوية المشوّهة صار اتفاقاً غير مُعلن بين الكتّاب والنقّاد ولجان الجوائز التي صار الكاتب يعرف ماذا تريد : حاجات الجسد وفي مقدمتها الجنس والشاذ منه تحديداً ، وألعاب الوثائق المطمورة ، والمعاناة المذهبية ، ويُستحسن الطرق على معاناة اليهود العرب المهجّرين . صار الكتّاب يشعرون بالحياء حين يكتبون عن معاناة أمّ مع ضياع ابنائها وغربتهم ، أو آلام مطلّقة في نبذ المجتمع الجبان لها ، أو معاناة عامل مع مستغلّيه الأشرار ، ومحنة موظف مع مرتبه المهين وإغراءات الفساد الساحقة ، ودمار سجين على يدي جلّاديه القتلة .. حتى السجن السياسي اختفى من الأعمال الروائية تقريبا بعد أن كانت معالجته إنشغالا أساسيا ، ودخوله شرفاً . أُضعفت التربية الوطنية حتى عن طريق انعزال الإبداع ، وخذل المبدعون الإنسان العربي المغدور ، وصارت نصوصهم شفرة بينهم ، وصار الباعة المتجوّلون الشرفاء ، هم مشعلوا الثورات وأنبيائها) .
ثم يعرض – ارتباطاً بتلك المشكلات - أسباب تخصيص كتابه هذا للفن الروائي للروائية "هيفاء بيطار" بالقول:
(وفي مثل هذه الأجواء المُربكة والمتحاملة ، تصرّ هيفاء بيطار – ومعها حفنة من الروائيين العرب -  على أن تلتصق مواضع اقدامها السردية في عمق أرض الواقع العربي الجحيمية ، وعلى أن تنتصر للإنسان المسحوق المهمّش والمنكسر ، وعلى أن توظّف فنّها الحكائي بأكمله لصالح هذا الإنسان في مهمة مقدّسة لا تنسيها اشتراطات الفن المحكمة وجمالياته الأخّاذة ، لغوياً وتصويرياً ومعالجات . وكل ذلك من خلال مقترب جديد في النظر إلى معاناة الأنوثة وأولوياتها .. والكتابة "برؤية مخلّص" كما تلخّص فعلها الإبداعي ) .
ويؤكّد أن هذه الروائية كسرت أطر "النظرة النمطيّة" النقدية إلى ما يُسمّى بـ "الأدب النسوي" حيث يكشف :
(الإشتغال التحليلي العميق على نصوص هيفاء بيطار ، الروائية بشكل خاص ، والحكائية بصورة عامة ، يكشف خطل هذا الموقف حتى بالنسبة إلى التعامل مع موضوعة مشكلات المرأة بشكل خاص ، ومعضلات الأنوثة بشكل عام في مجتمعاتنا المتخلّفة . فما يتكشف عبر التحليل القائم على القراءة الجدلية الذكية الخلاقة ، هو أن الروائية قد كسرت الدائرة المغلقة في معالجة مشكلات المرأة ومعضلات الأنوثة ، وخرجت بها إلى النور بعد أن أوشكت على الإختناق في عالم ذاتي مغلق معتم .. خرجت بها لتجعلنا ننظر إلى هذه المشكلات الخطيرة في تفاعلاتها الشائكة والعضوية مع الحال الإجتماعي القاهر العام ، ووفق نظرة يكون فيها حتى الرجل ضحية من ضحايا التخلف والإنحطاط والتردي الإجتماعي ، وحتى للعنف المدمّر الذي يبطش بالحياة الإجتماعية العربية ويمزّقها . وسيجد السيد القاريء ، حين يقرأ هذه النصوص بتأمل عميق ، أن بطلات هيفاء بيطار لم تعد مشكلتهن الأولى هي الإشباع الجسدي المقموع على الرغم من أهميته ، لم تعد الحاجات الجنسية في الخط الأول ، وحيدة متسيّدة على المشهد الحكائي كلّه ، كما يحصل لدى الكثير من الكاتبات العربيات . ما يظلل المشهد الحكائي بأكمله هو محنة المرأة كإنسان ، وما يتصدر تسلسلات المعاناة هي الكرامة المفقودة للمرأة التي تُهدر كجزء أساسي من الكرامة العامة المهدورة للمجتمعات والأوطان . إن القمع السياسي والقهر الإجتماعي وما يترتب عليه من شرعنة للفساد ، هو الذي يسمّم أرواحنا - رجالاً ونساءً - ويجعلنا ناكل بعضنا بعضاً . وتدرك الكاتبة بالفعل المضاعف لحدسها ووعيها ، أن المرأة لديها القدرة الأكبر على فهم هذا القهر المُذل ، لأنها تتحمّل القسط الأعظم من مراراته الفاجعة ، وخساراته الجسيمة ، فهي تتحمل قهراً مزدوجاً ؛ القهر الإجتماعي المعروف الذي يقع عليها وعلى الرجل ، وقهر الرجل الضحية المُزاح من السلطات الطغيانية بكافة أشكالها ، إليها ، وإسقاطات ارتباكاته في عملية إنكاره لمكوّنه الأنوثي العميق ، وعدم تصالحه العصابي معه ).
ثم يختم مبرراته بالقول أن الروائية هيفاء بيطار أسّست مفهوماً جديداً لمعنى "البطولة" في الرواية العربية :
(فبعد أن "استرجل" الإبداع العربي حتى على أيدي الكاتبات اللاتي ينظرن إلى الحياة بعين ذكورية مدرّبة وليست تلقائية ، صارت صورة "البطل" صورة نمطية أيضاً للفحل "المناضل" في انتصاراته وانكساراته الذي تحيط به - في أحسن الأحوال - وتسنده ، أناث يعلّمهن طرق النضال والتصدّي ، جاءت هيفاء بيطار لتعيد للبطولة مفهومها الحقيقي والأصيل الذي شُوّه واستُلب منذ أن تمّ دحر الحضارة الأمومية على أيدي الآباء والأبناء ، فصاروا يتذابحون ، والأم راكعة تستغفر لهم . عادت البطولة مؤنّثة ببراعة مُقنِعة ، وتلقائية باهرة . صارت الأنثى بحق هي "الفادي" ، وهي البطل الجديد ، والمُنتظر . وآلامها المرعبة لا تُعرض بطريقة مباشرة ، أو واقعية فجّة كما يحلو للبعض أن يَسِمَها أو يصمها أحياناً . هذه الآلام ، آلامنا تُعرض أمامنا ، وتسحرنا ، بفنيّتها العالية ، ولغتها الشعرية المنضبطة ، وحبكاتها المدهشة ، وشخوصها الذين تشكّلهم أنامل الروائية الحاذقة ، في مشغل لاشعورها ، من طين الواقع الحي ، تحمل حرارته ونبض روحه وحرقة أوجاعه . وبالنسبة لي ، أعتبر المبدع الذي يتمسك بالروح الواقعية – وأؤكد على الروح – ، ويبتكر الأشكال الخلّاقة للتعبير عنها ، ويصرّ على الحفاظ على صلة الأدب بحاضنته الإجتماعية ، وينتصر للإنسان المحطم والمُذل المُهان في عالمنا العربي ، ويرفض أن يحلّ "الشيء" - مهما كان - محلّ الإنسان ، ولا يغرق في الإنشغال الخانق بفضائح الجسد وحاجاته برغم أهميتها ، ولا ينساق مع توجّهات المعالجات الطائفية والمذهبية ، أعتبره "بطلاً" إبداعياً ) .
وقد أهدى المؤلّف كتابه هذا إلى (الأم السوريّة) مبرّراً ذلك بالقول :
(وقد أهديتُ هذا الكتاب إلى أسطورة سوريا: الأم السورية، فقد عشتُ في سوريا الحبيبة خمس سنوات، وشاهدت عن قرب، وبمعايشة يومية حقيقية، وبعلاقات صادقة حميمية دافئة، كيف تتأسس عذابات وطن وأمجاده، في السلم والحرب، على أكتاف امرأة: هي الأم السورية، كما هو الحال في وطني العراق الذي قتله الأمريكان الخنازير في الشارع العام الدولي بلا رحمة، ولا توجد سوى الأم العراقية الثكلى تتحمّل كل ضرائب الخراب الباهظة بصبر وتحمّل أسطوري مُعجز. فإلى هذه الأم العظيمة التي عبّرت هيفاء بيطار عن آلامها وصبرها وجبروتها المُذهل أصدق تعبير، أهديت هذا الكتاب).