نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

المسرح الحسيني إشكالية تعدد الرؤى ووحدة الأسلوب / حيدر عاشور العبيدي

img1
لم يكن المسرح الحسيني حديثاً بل هو صرخة أزلية كانت تطلقها السيدة زينب (عليها السلام) بعد استشهاد أبي الأحرار(عليه السلام ) لتعرية وجه العصبة التي استباحت دماء عائلتها الزكية،وأصبح النداء تقليداً سنوياً منذ العاشر محرم حتى أربعينية سيد الشهداء،وقد حاربت جهات الجهل هذا النداء ليتحول إلى نداء بصيغة مسرحة الكلام الذي غالباً ما يكون شعراً أو أهزوجة أو (منولوج) يثير العواطف ويبعث في النفوس روح الحزن الأبدية لاستشهاد الحسين (عليه السلام)...ليصبح الآن وبعد تحرر القضية الحسينية من أكبر طاغية يحارب مسيرة الحسين وفكره وبعداتضاح أفقها عبر الفلسفات المتنوعة جاء المسرح الحسيني بحلة جديدة تختلف عن السنين السابقة وهذه السنة وفي ذكرى عاشوراء وأربعينية الحسين (عليه السلام) تألق المسرح واتسعت رقعت معرفيته وكثر دعاته بعد أن كان مختصراً على أشخاص يعدون بأصابع اليد.

المسرح الحسيني ...ممارسة اجتماعية عامة

سنتناول تجارب المسرح الحسيني الأربعيني الحديث وحصراً للعام المنمصرم وهو يطلق عروضه في عشرة من صفر عام 1435م، وأهميته على الشارع الحسيني خاصة والشارع الثقافي عامة لما له من تنوعات وتجليات في الطرح حيث حول المسرح إلى ممارسة اجتماعية مباشرة وتجاوز الهدف في نطاق الشكل والمضمون وطريقة التعامل مع الجمهور الذي بدأ مع كل عرض مشاركاً في الأحداث بل وتجلى وأصبح أكثر من مسرح على أرض كربلاء فمن هذه المسرحيات (مسرح أحزان السماء )‘ وقد شاركت فرق متعددة منها فرقة رابطة الغدير المسرحية بمسرحية (هيئة حسيني أنا ..المسرح الحسيني ) وفرقة هيئة مسرح الأحزان،وفرقة مسرح البصرة وفرقة أحزان كربلاء وفرقة موكب شباب الناصرية وفرقة مسرح شباب بيت الأحزان أهالي الناصرية والديوانية...اتخذ المسرح في المناسبات الأخيرة خاصة زيارة الأربعين بعداً تعليمياً يهدف إلى بث التربية الحسينية في فكر أهل البيت (عليهم السلام )من خلال العرض المباشر على الطرقات العامة بحيث تكون دعوة المتلقي تشويقية بمؤثرات الصوت وجمال الإلقاء،كما ارتبط بمفهوم التطهير الروحي بالمنظور التوجيهي للمسرح ومقدساته الحسينية لتحقيق وعظ وإرشاد في التعبير عن الانفعالات التي تثير جزع حادثة خالدة ظلم بها بلا رحمة أو شفقة أو تأنيب ضمير فكان المسرح يطلق عنان الصرخات بلغة عصرية مشبعة تثير الرحمة والخوف،وهذه منطقة المسرح الإغريقي والمسرح الملحمي في المؤثرات والانفعالات وطريقة الطرح وضخ المعلومات التاريخية التي تسعى إلى تسليح المتلقي بالفكر والعقيدة وقيم ما جاء به الحسين (عليه السلام) وقسوة أعدائه لتمنح النص والعرض إمكانية التأويل البصري بوصفه خطابا لبث أفكار وعقيدة راسخة ،وخلق علاقة بين النص ككيان إبداعي مستقل وبين المشاهد الذي يجب أن يمتلك القدرة على أن يكون متفاعلاً حتى يفهم بصريات النص والعرض فمن أجل إعطاء مثال واقعي من السايكولوجيا الكونية تمر على التجارب التي صنعت بعروضها الجمال المسرحي الأربعيني.
غياب النص تماماً...والتأليف الجديد للنص بصرياً
فرقة هيئة مسرح أحزان السماء القادمة من جنوب العراق من مدينة العمارة أظهرت هذه الفرقة آفاقاً جديدة بتعيين ووضع خطط تأسيسية لفضاء مغاير ينتقل من المركزية والشمولية إلى التعددية الديمقراطية التي جعلت من المسرح سلطة قادرة على التعليق والاحتجاج ...عرضت بشكلها مدة عشرة أيام متتالية ويزاد توهجها كلما اقتربت الأربعينية وزيادة جمهورها الخاص من جميع محافظات العراق لتنشط في تفعيل العقل المسرحي وتحديثه ‘والحداثة حسب( ماكس فيبر) هي عقلنة النشاطات الإنسانية بعد أن تخلصت من التقليد وأثرت في منطقها الخاص في النظر إلى الفنون الأخرىهذه من ناحية والناحية الأخرى هي جهة التلقي على مختلف المستويات كانت متفاعلة وهي تتقبل الخطاب وتتأثر به وتهيم ذوات المشاهد ...استخدم مسرح أحزان السماء فضاء بقياسات مسرح الشارع وسنغرافيا لواقعة رجوع السبايا إلى كربلاء مع استخدام تقنيات الصوت وتهويل المشهد وانعكاسه على المتلقي بشكل واضح ،والغريب غياب النص تماماً وإذا كان هناك نص،فلم يلتزموا به حرفياً بل كانت هناك رؤيا بصرية جديدة ساهمت في إغناء خطاب العرض من خلال التأليف الجديد للنص بصرياً ،وعبر فضاءات مغايرة أو التحول في النص المعروض من ال(مونودراما) إلى أصوات متعددة ...وكان للسينوغرافيا والإضاءة الأثر الواضح في العرض المسرحي التي لم تكن موجودة في السابق ،لأنه غالباً لا تكون موجودة أصلاً في النص الأدبي (المكتوب) للمسرحية .
مهرجان (المسرح الأربعيني الحسيني ) العالمي

على امتداد نفس الشارع (شارع الحسين عليه السلام ) باب القبلة تواصلت فرقة الغدير المسرحية التابعة لرابطة الغدير الإسلامية القادمة من بغداد في تقديم عرضها المسرحي مدة سبعة أيام قبل أربعينية الحسين (عليه السلام) التي تحمل عنوان (هي ذا كربلاء ) تناولت المسرحية الأحداث التي حصلت في قصر يزيد وظفوا من خلالها الصورة الحقيقية للسيدة زينب وللإمام السجاد (عليهما السلام) وهي صورة الإباء والشموخ والانتصار وبالمقابل صورة حقيقية ليزيد الذي كان مهزوماً ومنكسراً وليس منتصراً بل كان خائباً وذليلاً رغم وجوده في عرشه...هذه المشاهد هي أسس عادية تمهد الطريق للإرادة وعرض السجال بين التخيل والفكر مما تضع كل المسارح في سباق حركة حياة عصرنا هذا ...والكاتب الذي يتخيل هو عالم نفس حقيقي وهو مشبع بالإثباتات الموضوعية يقول مخرج العمل الفنان علي جاسم محمد : فكرة المسرحية هي نموذج جديد لتجسد الملحمة الحسينية وهذه السنة الثامنة على التوالي نأتي من بغداد لتقديم عروضنا المسرحية خاصة في زيارة الأربعين ولا بد أن يكون هناك إعلام واضح لنقل هذا الفن الدرامي الذي يخلد هذه الفاجعة الكبرى ونتمنى أيضاً أن يتولد مهرجان مسرحي عالمي في أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) ويطلق عليه مهرجان (المسرح الأربعيني الحسيني ) العالمي .
حين نقارن حديث مخرج العمل حول إمكانات العمل في المسرح الأربعيني العالمي أكيد ستسعى فرق عالمية في الحضور وتجسيد الواقعة بشكل أكثر تميزاً على صعيد المسرح والنص والعرض والتمثيل ومكملات المسرح الأخرى وكلها تسير بسرعة في طريق كربلاء، ككشاف لقوة إنسانية وقوة مضيئة ذاتية تأتي لترتقي بأضواء الفاجعة.
وفرقة هيئة مسرح الأحزان،وفرقة مسرح البصرة وفرقة أحزان كربلاء وفرقة موكب شباب الناصرية وفرقة مسرح شباب بيت الأحزان-الناصرية والديوانية...وقد يكون هناك فرق أخرى في كربلاء لم يسعفني الحظ في متابعتها لكن جميع الفرق المسرحية كانت ذات طابع حسيني متفاعل مع ماهية تصوغها مشهدية حركية وسردية وفنية تعلو على كل خطاب(فقهي أو اجتماعي أو سياسي أو تاريخي )...أما المشاهد الشعبي الحسيني أكثر قدرة ونباهة يقترب من الممكنات المرئية أو غير المرئية للعرض فيعيد صياغتها وإنتاجها بكفاءة جمالية رفيعة تتجاوز المعنى الخارجي للنص المسرحي الحواري المباشر ...وبعض العروض ابتعدت عن محمولات مضمون النص والولوج بصيغة خارجية يأتي بها الفنان من خارج ممكنات التجربة الفنية نفسها لأنه يمتلك قدرة من الفهم تجعله يشكل العرض بتكوين شكلي مختلف والمشاهد البسيط الذي يترك ماهية العرض السردي الداخلية وينساق وراء غرائزه وعواطفه وعاداته أثناء المشاهدة فهو منشغل في البحث عن العبث والحزن والبكاء واستذكار مشاهد الفاجعة وهول الظلم وقسوة الظالم التي يجيد صناعتها أغلب المسرحيين بقدراتهم وكارزمة وجوههم وتخيلهم للفضائل الإنسانية والاقتراب من المفاهيم والانتماء لعقيدة أهل البيت (عليهم السلام) والتحليق في إعلاء القيم الأخلاقية والروح السمحاء.