نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

    إلى الحروفِ الخمسِ... تحيّةٌ [كلُّ عامٍ وأنتِ سيّدةُ النساءِ، سيّدةُ القلبِ، سيّدةُ القصيدةِ، كلُّ عامٍ وأنتِ الأملُ] فراس حج محمد / فلسطين

    لامرأةٍ جديدةْ

    كطعمِ الوردِ والضوء والشجر البريِّ والغيم والصلواتِ

    والأصواتِ في نبرة الجملة الطازجةْ

    موجة من مدّ بحر عاصفٍ

    يغسلُ انتظار الوقتِ منْ وجَعٍ كثيفْ

    لامرأةِ الشعرِ الجديدةِ مثلَ سردٍ غارقٍ في سحر شعرْ

    لامرأةٍ تمارسُ من بعيد سحرَ الشتاءِ المتدثّر في القصائدِ الوبريةْ

    تُعِدُّ أنفاس نفْسي الحجريّةْ

    وتبعد عنّي خفافيش الهواجس والمللْ

    وأسمع بسمتها الطريفةَ في رسالتها الصباحيّةْ

    تعيد تشكيلي على مهْلٍ

    لتدخل بي هذا الربيع الليلكيّ بزهرِ لوزٍ

    أو أقلّ قليلا

    كائناً كوناً حداثيّاً بميلاد جديدْ

    ودفءِ قلبٍ وطَهورْ

    متخلّصاً من التقليد في غسق الصورْ

    متطوّراً مثلَ المطرْ

    صُلباً كبيت شعر غامض يستعصي على التأويل

    هشّاً، شهيّاً مثل حضنكِ في السهَرْ

    لامرأةٍ جديدةْ

    تتّخذُ القصيدةَ في موسيقاها

    رسالةَ حبّ إلهيّةْ

    تبدّلُ ثوبَها الفضفاضَ ذاكْ

    لتضيئَني وتعيدَ لي أسرارَ أغنيتي السمائيّةْ

     

    لامرأةٍ هناكْ

    بسريرِ غفوتها العسليّةْ

    تركت ثمار قــافيتي تسبّحُ في ابتهالاتِ الجمالِ المكتملْ

    أحبّ فيها طعم عطر اللونِ، كنزتَها الربيعيّةْ

    هادئة وصاخبة عفويةْ

    ترمي بردفيها عليَّ وتمتنعْ

    عنّي بآخر لحظة من شهوة جارفةْ

    وتلوي ما تصلّب من عروقي الناتئةْ

    يا امرأة تجدّد نفسها في دقّة القلب المُبرَّحِ كلّ حينْ

    فلْتكتبي سردي الشهيّ على الإيقاعِ من نهرينِ في جسدكْ

    أعدّي لي حروفك المتتاليات على لغتي من لدن "فائكِ" حتى انتهاء التاءِ مصباح أبدْ

    لا تسْتَبْدلي خيلي بعنفوان الريح أركضُ دون ضوءْ

    في عزّ معركةٍ مصيريّة؟

    د. صابرحجازي يحاور الروائية الفلسطينية المغتربة هناء عبيد


      في إطار سلسلة اللقاءات التي أقوم بها  بقصد اتاحة الفرصة امام المهتمين بالشان الثقافي والابداعي والكتابة الادبية بشكل عام والذين قد يعانون من ضائلة المعلومات الشخصية عن اصحاب الابداعات الثقافيةعبر انحاء الوطن العربي الكبير،لذلك فان اللقاءات بهم والحوار معهم يتيح للجميع التعرف عليهم من قرب والتواصل معهم مستقبلا  
    ويأتي هذا اللقاء رقم ( 191 )  ضمن نفس المسار
    وفي ما يلي نص الحوار
     
    س :- كيف تقدمين نفسك للقارئ  ؟
    مهندسة مدنية من مواليد القدس، أعيش حاليًّا في شيكاغو، أعشق اللغة العربية وآدابها، لهذا اتجهت لكتابة القصص والرواية والمقالات.
    أصدرت رواية “هناك في شيكاغو” وانتهيت من رواية ثانية لم أنشرها بعد وبدأت في كتابة روايتي الثالثة. لي مجموعة قصصية ومقالات ويوميات في شيكاغو ستكون قيد النشر قريبًا إن شاء الله. يسعدني دومًا متابعة القارئ، فله نكتب ومنه نتعلم.
     
     س :كيف كانت البداية؟ ومن وقف بجانبك مشجعا؟ وما تأثير ذلك على حياتك الأدبية؟
    البداية كانت منذ الصغر، حيث كنت أهتم بالقراءة جدًا، وكنت أكتب بعض الخواطر والقصائد النثرية والمقالات، لكن لم أنشرها يومًا، كان والدي رحمه الله هو المشجع الأكبر، وهذا ما حثني على الاستمرار. ثم في مدينة المهجر شيكاغو، تفجر الحنين للقرب من الوطن لأبدأ أعمالي الأدبية التي تعكس هذا الحنين فكانت روايتي الأولى هناك في شيكاغو، ثم أعمالي الأدبية الأخرى. 
     
     س :هل انت حقا تتكلمين عن واقع عايشتيه بصدق؟؟ ام انك تتقمصي تلك الشخصيات، وتعبري عن بواطنها وخلجاتها، وما يدور ويحرك شخصياتها؟؟
    لا بد أن يخط القلم بما نشعر به، فهو مرتبط بمشاعرنا وعاطفتنا وقلوبنا وإلا فلن نكتب الصدق، نعم كان جزء كبير من المشاعر المصبوبة في أعمالي يمثل واقع مشاعري الحقيقية، ولكن تم تغليفه ضمن قصص من الخيال. 
     
     س :أضحى المبدع وحيدا، لا أحد يستمع إلى ألحانه الفريدة، كيف برأيك يمكن أن ندعمه؟ ما المؤسسات التي تستطيع أن تقوم بذلك الدعم؟
    للأسف الشديد، المؤسسات تدعم من يمثل اتجاهها، ويتماشى مع أفكارها، أظننا نحتاج إلى مرحلة طويلة حتى تنفصل المؤسسات عن الحزبية وتبني الأفكار التي تشجع أقلامًا بعينها، لا بد أن تتواجد مؤسسات همها الأول دعم الإبداع بالدرجة الأولى، ولكن للأسف الشديد أرى ذلك بعيدًا في ظل الظروف الفوضوية التي نعيشها.
     
     س :هل ترى أن حركة النقد مواكبة للإبداع، وما هي برأيك أسباب تأخر الحركة النقدية، وهل يمكن ان تقدم هذه الحركة إضافة نوعية للإبداع؟
    النقد حاليا لا يخضع لمنهجية معينة ويبعد عن الموضوعية بشكل كبير، لا نستطيع أن نقول بأن هناك نقدًا جادًا، هو نقد يميل إلى المصلحة والمجاملات في معظم الأحيان، لهذا تظلم أعمال قيمة كثيرة، وتعلو أعمال لا قيمة لها. لو كان هناك نقدا جادا لما امتلأت رفوف المكتبات بالأعمال التي لا تمت للأدب بصلة. 
     
    س:- أنت عضو في العديد من المنتديات الثقافية والادبية – فهل استطاعت الشبكة العنكبوتية
    تقديم التواصل بين الاديب والمتلقي ؟
    نعم، ربما كانت من أهم إيجابيات الشبكة العنقودية أنها أعطت الجميع الفرصة لتقديم المواهب والإبداعات الأدبية، وبنت جسر تواصل بين المبدع والمتلقي، وطبعا سينمحي العمل الرديء في يوم ما وسيبقى القيم منها. 
    https://www.facebook.com/hana.obeid.1/
     
    س :- ألا تظنين بأن وضع المرأة العربية تطور؟
    لا أظن ذلك، فالعادات والموروثات السلبية منها ما زالت موجودة، بل وتنتشر بشدة أكبر، ربما التكنولوجيا الحديثة أعطت الفرصة للمرأة لإظهار إبداعها، لكن ما زالت المرأة العربية في وضع متأخر للأسف.
     
     س :- بصفتك مهندسة مدني ؟ هل تجدين إن المهنة لها تاثير علي الإبداع الشخصي للكاتب ؟
    لا تأثير للمهنة على الإبداع الشخصي للكاتب، فأنا بدأت الكتابة قبل امتهان الهندسة، إنما قد ننقل تجاربنا المهنية وبعض الأحداث التي ربما تأثرنا بها أثناء العمل، لكن هذا أيضا لا يعني أن للمهنة تأثيرها على العمل الإبداعي.
     
    س : ما هي مشاكل الكاتب العربي المغترب ؟ وما هي العراقيل التي تواجهه في التواصل مع القارئ العربي ؟ 
    مع تواجد وسائل الاتصال الاجتماعية لم يعد هناك أية عراقيل أمام الكاتب للتواصل مع القارئ العربي، إنما تكمن المشكلة في قلة أو حتى انعدام وجود النوادي الأدبية والثقافية العربية في بلاد المهجر. 
     
    س :- حينما يكون المبدع خارج الحدود المكانية لوطنة (نحن نعلم انك تعيش في شيكاغو ) هل تختلف نظرتة للاحداث التي تجرى في وطنة؟… 
    وفي رايك هل سيكون هناك انعكاس علي القضية الفلسطينية مما يجرى في دول الجوار لها ؟
    طبعا نحاول قدر الإمكان التعرف على كل مجريات ما يحدث في فلسطين وفي بلادنا العربية من خلال الميديا ووسائل الاتصال الاجتماعية، لكن مهما حاولنا ذلك، فبالطبع هناك قصور في المعلومات، حينما زرت فلسطين قبل عامين كان الوضع أكثر وضوحًا عند القرب من الوطن والأهل ومعيشة القضايا عن كثب. 
    وبالطبع كل الأحداث السياسية في بلاد الجوار سيكون لها تأثيرها على القضية الفلسطينية، ويؤسفني القول أن معظمها كانت تأثيرات سلبية.
     
    س :- مشروعك المستقبلي – كيف تحلمي بة – وما هو الحلم الادبي الذى تصبو الي تحقيقة ؟
    مشروعي المستقبلي هو أن أشارك في أعمال تطوعية تخدم الإنسانية، حاليا أنشأت قناة على اليوتيوب وهي في بدايتها أتمنى أن تقدم الفائدة قدر الإمكان ولو بأضعف الإيمان.
    أما الحلم الأدبي الذي أصبو إليه، فهو حلم عام بأن تصل الرواية العربية إلى العالمية وأن يكون هناك مؤسسات جادة، لتصل الأعمال الأدبية التي تستحق إلى أيدي القراء وتأخذ حقها من الانتشار..
     
    س :- واخيرا ما الكلمة التي تحب ان تقوليها في ختام هذة المقابلة ؟
    أشكرك جدا الاديب المصري د صابرحجازيعلى هذه المساحة المضيئة التي نتعرف من خلالها على أدباء وكتاب ومثقفي أمتنا العربية، كما أشكرك على مجهودك القيم في نشر الأدب والثقافة، وأتمنى النجاح الدائم لكل مجتهد يحاول أن يزرع وردة في طريق البشرية.
    واختم بهذا النص:-..
    قصّة قصيرة
    هويّة
    …………..
    لم يعد بإمكاني التّمييز في أيّ زمنٍ أعيش. دومًا عليّ أن أتابع رزنامة التّقويم؛ حتّى أعرف تاريخ أيّامي. 
    فقدّت هويّتي، تلك البطاقة الّتي تظهرني بهيئة مثيرة للرّيبة؛ حتّى أنّني بتّ كلّما رأيتني موشومة عليها، أحاول اعتصار ذاكرتي؛ فلعلّني كنت مطلوبةً يومًا في قضيّةٍ أو جنحة.
    أحرجني الموظّف حينما سألني عن تاريخ إصدارها قبل أن يكشف ذلك من ملّفي الّذي تحتفظ فيه دائرة الأحوال المدنيّة. شعرت بابتهاج حينما علمت أنّ لي ملفًّا؛ يبدو أنّني مواطنة ذات شأن؛ أنا الّتي لم تزرني قطّة يومًا لشحّ زادي؛ فأنا إن حظيت بإفطار يومي، لا أجد طعام عشائي.
    سألني عن تاريخ فقدان هويّتي؛ تبًّا لغلاظته، كيف لي أن أعود بذاكرتي للخلف.
    لا أعرف بالتّحديد يا سيّدي، ربّما فقدّتها في العام الماضي أو قبل عامين أو ربّما عشرة، أنا أربط مذّكرتي بحدث عظيم، فمنذ ذلك اليوم الّذي اقترفت فيه والدتي جريمة تواجدي على الأرض، وكل شيء يمرّ عليّ برتابة؛ الأيّام كذلك تشابهت، لونها رماديّ أو ربّما أسود؛ كيف لي يا سيّدي أن أستطيع تمييز اليوم من البارحة، من عشر سنوات أو عشرين عامًا؛ فحينما أصبحت الأرض مقبرةً للأحياء، وانفجر باطنها ورمى بتلك الكائنات الغريبة ذات النّواجذ البارعة في امتصاص حليب الأطفال؛ وأنا فاقدة لذاكرة الزّمن.
    تلّقفت هويّتي؛ حاولت حفظ تاريخ الانتهاء
    ————
    الكاتب والشاعر والقاص المصري د.صابر حجازي
    http://ar-ar.facebook.com/SaberHegazi
    – ينشر إنتاجه منذ عام 1983 في العديد من الجرائد والمجلاّت والمواقع العربيّة
    – اذيعت قصائدة ولقاءتة في شبكة الاذاعة المصرية 
    – نشرت اعماله في معظم الدوريات الادبية في العالم العربي
    – ترجمت بعض قصائده الي الانجليزية والفرنسية
    – حصل علي العديد من الجوائز والاوسمه في الشعر والكتابة الادبية
    -عمل العديد من اللقاءات وألاحاديث الصحفية ونشرت في الصحف والمواقع والمنتديات المتخصصة

    سبعة أشياء عن النقد وسبعة أُخَرُ عنه أيضاً فراس حج محمد / فلسطين

    الكتابة في مرات كثيرة هي إعادة تدوير أو إعادة انتشار للمعلومات، وأكثر ما ينطبق هذا القول على الكتابة النقدية، فما هو عمل الناقد بناء على هذه العبارة؟ لا يخلو الأمر من تساؤلات أخرى من قبيل: ما جدوى النقد؟ وما أهميته؟ وهل النقد يعلّم الكتاب الطريقة التي يكتبون فيها؟ وهل من أثر للنقد في حياة الكتاب؟ وما الطريقة الأنسب ليكتب النقاد نقدا؟

    أسئلة كثيرة قد يطرحها الناقد أو الأديب على نفسه، وبالنسبة لي فأنا أرى متعة شخصية كبيرة وأنا أحلل الأعمال الأدبية وأقرأها، ولعل الكتابة النقدية في العمل الأدبي إما أن تكون شكرا للكاتب على جميل ما قدّمت يداه من إمتاعي بصورة شخصية، وإما أن تكون لوما له على أنه قد خيّب أملي كقارئ ومتذوق قبل أن أكون ناقدا، فتأتي كتابتي حينئذ نوعا من إنقاذ القراء من هذه الخيبة المتوقعة لمن هم على شاكلتي، وكأنني أشجع الآخرين على أن يقفوا معي ضد الكاتب في الحالة الثانية، وفي الحالة الأولى من أجل إنصاف الكاتب والإقبال على قراءة عمله الأدبي، وفي كلتا الحالتين أقوم بتحشيد القراء ودفعهم إلى الاصطفاف معي، وأن يتخذوا ما اتخذت من موقف تجاه العمل المنقود، إنني معنيّ أيضا بإثارة البلبلة- بالمفهوم الإيجابي- حول العمل، مع التأكيد أنه لا يوجد طريقة مثلى للكتابة النقدية، إنما القناعة هي المعوّل عليها في أية كتابة، فلا الشكل نهائي، ولا المضمون نفاديّ مغلق.

    لا أنظر إلى النقد على أنه يمكن أن يكون معلما، فكثير من الكتّاب لا يلتفتون إلى ما يكتب عنهم، وإن التفتوا فإنه لمن المستبعد أن يأخذوا ملحوظات النقاد على وجه الاسترشاد والتطبيق الآنيّ، لعدة أسباب:

    أولاً: لأن الكاتب لا يقوم بإعادة كتابة عمله الأدبي مرة أخرى لينفذ الملحوظات النقدية، كل ما يستطيع فعله هو تدارك ما في النص من أخطاء لغوية في طبعة قادمة. فهذا الأثر الإجرائي غير متوقع إطلاقاً، ولا يفكر فيه الطرفان، الكاتب والناقد.

    ثانيا: لا أظن أن ما ينطبق على كتاب ما من ملحوظات نقدية سيكون مفيدا في عمل إبداعي جديد، لأن الكاتب الجيد سيقوم بكتابة جديدة مغايرة ولا يكرر نفسه، ولا يقوم بهذا العمل بفعل عمل الناقد، بل بفعل استراتيجياته الإبداعية. ويعد عمله السابق خطوة متجاوز عنها، ويتطلع لما هو قادم بكل قدراته العقلية واستعداده النفسي. أقول ذلك لأنني عندما أكتب عملا إبداعياً جديدا لا تخطر "نقودات" النقاد على ذهني، ومثلي- حسب اعتقادي- أعلب الكتاب إن لم يكن كلهم.

    ثالثا: تعد الملحوظات النقدية وجهة نظر لكتّابها، مهما كانت موضوعية ومتسلحة بالعلوم وبالقوانين، ولها منطلقاتها الأيديولوجية والفنية والثقافية ومصادر الناقد ومعارفه تلعب دورا مهما وحاسما في النظر إلى العمل الأدبي، وهذه كلها أو بعضها قد تجد من الكاتب المنقود نفورا أو خللا. أو أن له منطلقاته ومصادره أيضا، وقد تصل إلى حد التناقض مع الناقد، كأنهما يقفان على طرفي نقيض. فكيف سيستفيد أديب يساري النزعة والتوجه من ناقد إسلامي المنطلقات في القراءة والحكم وتقييم الأعمال الإبداعية، شكلا ومضمونا؟

    رابعا: لا يخلو عمل الناقد من محاولة الاستعراض الثقافي والمعرفي على الكاتب، ومحاولة فرض سلطته المعرفية عليه، بحكم أنه ناقد وبيده إمكانية التقييم؛ فيرفع العمل أو يُخفضه، وما على الكتّاب إلّا أن يؤمّنوا من وراء النقاد الذين نصبوا أنفسهم أئمة في محاريب الكتابة الإبداعية.

    خامسا: يأتي الناقد إلى العمل الأدبي- في أغلب الأحيان- وهو محمل بآراء مسبقة حول عملية الكتابة؛ في أنها ناقصة ويعتريها الخلل،كونها عملا بشريا، فينصبّ جهد الناقد على التفتيش واستخراج العيوب والتعامل مع النص على أساس من هذا التشوه المسلم به مطلقا، وعليه سيكون العمل الأدبي ناقصا ويعاني من إشكاليات منهجية ولغوية وما سوى ذلك من عناصر الصنعة الكتابية. وستنحصر مهمة الكاتب حينئذ في تقزيم النص وتشويهه وتجريده من جمالياته المحتملة.

    سادسا: العملية النقدية لا تتجرد من الذوق الخاص، وهذا الذوق خادع في كثير من المرات، فمن أحب عملا رفعه، والعكس صحيح، وتلعب أمور كثيرة دورها في صناعة الذوق الخاص للناقد منها: علاقته الشخصية بالكاتب، وأفكاره العامة، أو وظيفته، أو الجنس الأدبي الذي يكتب فيه، أو بلده، أو لغته، أو جنسه؛ كاتبا أو كاتبة، وقد تصل إلى حد الحكم على الجمال والوسامة الشخصية للكاتب أو الكاتبة والمظهر العام والدين أو التدين وطبيعة اللباس، وصلة القرابة، والحالة الصحية، وكلها لها أثر في توجيه عمليات النقد وإن بدرجات متفاوتة.

    سابعا: عدم ثقة الكتاب بالنقاد غالباً، فالكاتب الممدوح مطمئن إلى جودة نصه فتأخذه النشوة، والكاتب المقدوح في نصه يسبطرّ مدافعا وواصفا الناقد بشتى الأوصاف، وعلى أحسن تقدير فإنه سيصف ما قدمه الناقد بأنه نقد انطباعي، وغير علمي، وغير منهجي. وأما النقد العلمي المنهجي فهو أيضا صعب ومؤطر بسياج من المصطلحات، ولا يحمل تقييما في الغالب، وهو بعيد عن متناول يد الكاتب، وإن قرأه لا يفهمه، لأنه لم يتوجه الناقد إليه به، هندسه على القوالب المعينة لأغراض غير أدبية ولا تمس صنعة الكتابة من قريب أو بعيد، فلا يستفيد منه الكاتب، ولذلك فالنقدان؛ الانطباعي والمنهجي في دائرة بعيدة، لا يصل تأثيرها إلى الكتّاب، فكيف سيتعلم الكتّاب إذاً من النقاد كيفية الكتابة الجيدة؟

    من خلال كل هذه الأسباب أرى أن علينا أن نقلل من سقف توقعاتنا من العملية النقدية وأثرها في تحسين مستوى الكتابة، فأثرها المباشر يكاد يكون صفرا في عملية الإبداع إن لم يكن صفرا في واقع الأمر.

    ولكن هل يعقل أن يكون النقد بلا فائدة؟ لا شك في أن النقد أحد وجوه الحيوية الثقافية، ومن وجهة نظري فإن النقد في مفهومه العام مؤشر على هذه الحيوية ويمكن أن تندرج أهميته فيما يأتي:

    أولا: وجود حركة نقدية في السياق الثقافي مؤشر إيجابي نحو التفاعل مع الأعمال الأدبية ومناقشة كتابها، وتساعد على إيجاد أجواء من الاشتباك الذي يشير إلى التعافي الفكري الذي يتطلب هذا النقاش الذي قد يصل إلى حد التعارض في وجهات النظر، ويُتّخذ النقد وسيلة من وسائل الترويج والإشهار، كما هو الحال في لجان تحكيم الجوائز التي تنظر بإيجابية إلى طبيعة النقد المقدم في العمل وطبيعة هذا النقد وجديته، ما يومئ إلى حضور العمل الأدبي في سياقه الثقافي الذي يحيا فيه.

    ثانيا: النقد بكل مدارسه المنهجية والانطباعية يحقق نوعا من التعايش مع الأفكار المتباينة في المجتمع وتعمل الحركة النقدية على إرساء شروط من التعايش المبني على الحوار البنّاء المفضي إلى تقبل وجهات النظر أو على الأقل السماح لها أن تعيش وتعبر عن أفكارها في عدم رضاها عن فكرة ما ونقدها أو نقضها، ويشير منع عملية النقد لفكرة ما توجّها دكتاتوريا مدمرا وغير صحي، كما يحدث أحيانا في مجتمعاتنا العربية، أو كما يحدث وتُمنع الدوائر الأكاديمية والإعلامية والسياسية انتقاد الحركة الصهيونية أو التشكيك بالمجازر النازية ضد اليهود في ألمانيا، لتزجّ بها- إن تجرأت على النقد والتفكيك-  في دائرة العداء للسامية، فيتعرض النقاد إلى المحاكمة والملاحقة والتضييق.

    ثالثا: يعزز النقد إنسانيتنا الباحثة دائما عن الكمال، ولذا فالنقد في جزء منه هو لرأب صدع النفس التي تصاب بأمراض أخلاقية معينة، وهو علاج للناقد قبل أن يكون علاجا لأفراد معينين في المجتمع. فالناقد هو أكثر شخص يرى عيبه؛ لأنه نذر نفسه لرؤية عيوب الآخرين عبر حيواتهم المسطرة في الكتب. سواء أكانت حياة حقيقية أو متخيلة، لذلك يكتسب النقد مهمة علاجية للناقد من أمراض العصبية والانغلاق والسادية وغيرها من أمراض خلُقية.

    رابعا: تُشبع العملية النقدية غرور الناقد ليجد له منفذا ليتقاسم مع الكاتب عمله الإبداعي لاسيما إن كان عملا أدبيا ناجحا وحقق شهرة ما، فكونه ناقدا سيكون مؤهلا دون الحاجة لدعوة مباشرة من الكاتب لينقد العمل الأدبي، فلا يحق لكاتب أن يمنع ناقدا عن نقد أي عمل أدبي منشور. هذا ربما ما يفسر تهافت النقاد على الأعمال الأدبية للكتاب الذين يفوزون بجوائز، أو تسليطهم للضوء على أعمال بعينها فازت بجوائز. وكذلك تشبع العملية النقدية غرور الكاتب نفسه في كونه استطاع أن يؤثر في الناقد سلبا أو إيجابا ليكتب في أعماله الأدبية نقداً مرة أو مرتين وأكثر؛ ما يساعده على توسيع سلطاته المعرفية وانتشاره لدى عدد أكبر من القراء.

    خامسا: تحقق الكتابة النقدية وعيا عاما وأحيانا تفصيليا لدى القراء عموما، ولدى الكتاب المكرسين والمحتملين، فتخلق نوعا من الاستعداد النفسي لتقبل وجهات نظر الآخرين، وأن العالم فيه كثير من الأفكار المتضاربة، ولا يحق لأحد أن يقول إنه امتلك الحقيقة المطلقة، فمن يكتب وينشر "عرض نفسه للنقد" لا محالة، مهما كان، ويحق لأي قارئ أن يبدي وجهة نظره، فالنقد ليس فيه محاذير ولا محظورات. حتى الشخصية منها، فهي ليست بمنأى عن التناول؛ فمنذ القديم وصف المتنبي بصفات نفسية شخصية غاية في البشاعة وكذلك الحطيأة والجاحظ، ولم يسلم كثير من شعراء الهجاء من البعد الشخصي هاجين ومهجوين، وكذلك الكتّاب المعاصرين كطه حسين والعقاد ونزار قباني وغيرهم كثير، فعلى ذلك لا بد من توطين النفس لمثل هذا الذي قد يحدث للكاتب، فلا يثور أو يغضب عند كل عملية نقدية لا تعجبه ولا تدغدغ أحاسيسه ولا تشبع غروره، فالنقد أسمى وأجل من أن يكون مجالا أو سببا للعداء بين الكتاب والنقاد.

    سادسا: المجتمع الذي يشيع فيه النقد علانية مجتمع صحي سياسيا واجتماعيا وفكريا، وشهد التاريخ على ذلك في مجتمع روما القديمة والمجتمع العربي في العصر العباسي حيث شاعت المؤلفات النقدية ووجد النقاد الكبار أصحاب المؤلفات التي أسست لفكر نقدي منهجي عقلي منظم ومدروس. وتشهد على ذلك أيضا المجتمعات الحديثة حيث يشير تطور العملية النقدية ومناهجها إلى حالة من الازدهار السياسي والفكري والتقدم في شتى المجالات. لأن النقد بمفهومه العام لا يقف عند نقد العمل الأدبي، بل يتوجه إلى نقد كل مناحي الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية، كما يشير تطور العملية النقدية إلى تطور العلوم الأخرى لأنها ذات مؤشر قوي على صحة الحياة العقلية في الأمة وتعافيها.

    سابعاً: تكمن أهمية النقد في أنه ذو قدرة على التعميم، فالعملية النقدية قادرة على نقل الخاص إلى دائرة العام، والشخصي إلى الجماعي، والمحلي إلى العالمي، ويشكل النقد حلقة وصل بين كل متقابلين لجسر المسافة التي تفصلهما، عدا أن النقد ذو قدرة على التأصيل ووضع الشروط والقواعد العامة التي ستصبح بديهيات الكتابة التي سيُسار على نهجها، كأن العملية النقدية هي وحدها القادرة على التأصيل واستخلاص العبر من التجربة والبناء على قواعدها المستقاة من العلوم والآداب على حد سواء.

    وهكذا فإنه من المفيد أن ينظر إلى العملية النقدية بمنطقها العام وليس بدوائرها الصغيرة الضيقة المحصورة في قراءة نقدية هنا أو هناك، فالناقد ليس مدققا لغويا ولا معدلا في البناء الهندسي للأعمال الإبداعية، وليس هو ضابط إيقاع للشعراء، وليس هو أيضا تابعاً للمبدعين، يترصد كتاباتهم على أبواب المكتبات وفي الأكشاك، فلا يجد له عملاً إن لم يكتب الكتّاب، إنما الناقد هو الضمير الكلي الذي يسكن فينا جميعا، لنظل ساعين نحو الكمال في كل شيء، سياسيا- قبل الكمال الشخصي- والاجتماعي والثقافي والفكري، فلا شيء أهم من النقد، لاسيما وهو الملكة التي تؤشر على مستوى من الذكاء، جعله العلماء والتربويون في أعلى السلم من النشاط العقلي، فلا ينبغي لنا أن نحشره في التفسير والتحليل والحكم على الأعمال الأدبية فقط. فالنقد ملكة فطرية ضرورية لاستقامة الحياة والتخلص من أدرانها، أو هكذا أتوقع منه أن يكون.


    قصيدة "الحب من وراء الحُجُب / علي بركات

    قصيدة "الحب من وراء الحُجُب" ج1


    ١-أراها الشوك يضوع منه الأسي


    والكمد...

    وفيها كان الوصف لي إنسان

    والحال في كبد...

    ٢- بَدئي ولحظي وغدي


    في الروع مُتجانس...


    وأخشى مني عني وعني مني


    مُجافٍ لامؤانس...


    ٣- الصمت صراخ يفزع ضجيجي

    المتراكم...


    وعيني للفراغِ زحاماً مضنيًا


    تراه...

    ٤- الشوق علي خرطِ القتاد لوجدي

     

    كالزحفِ...

     

    والهمس واللمس والحس تصاوير المدي للقلب

     

    كالرجفِ...

     

    ٥- الليل أنوارُ وشموس

     

    ووهجُ متحول...

     

    والنهار تابع وظلال وتحسس

     

    وسكونُ متحور...

     

    ٦- اليوم كمخروطِ زجاجٍ تعرّت تحته

     

    تضاعيف البارحة

     

    دهرًا...

     

    فمُزِقَت تفاصيل الحياة فهانت

     

    واستحالت علقماً

     

    وقهرًا...

     

    ٧- السنون جارية كالأنهارِ

     

    وشواطئ آمنه

     

    كانت...

     

    فتبدل عذبها أُجاجاً

     

    وكفة ميزان للجورِ

     

    مالت...

     

    ٨- تعودتُ الحب من وراءِ الحجبِ

     

    مستورًا...

     

    وما تعودتُ القول بالحاده ،

     

    وما تعودتُ الشكوى

     

    مقهوراً...

     

    ٩- صحوُ هو العشق المُعلق على جدرانِ فؤادي ،

     

    وموتُ هو ان اثقلني ،

     

    وهزعت منه مقلتي...

     

    ١٠- الآه كنت أنت، وما أنّت الآه

     

    إلا لآهاتي...

     

    وبعهدي حَلّقت الروح بالأفقِ ،

     

    وما خفق القلب

     

    إلا للوعاتي...

     

    ١١- بالوريدِ سكن الدم ولوريدي ،

     

    أنت السكن الدافق...

     

    فكيف لغائله من صروف الدنيا

     

    تلاحقني ،

     

    وحكيمي أنت ، والمرافق...

     

    ١٢- ما عادت بيننا مثاقفة ،

     

    منذ ربط أنفاسي بهواك

     

    وراح التأي ...

     

    وغدوتَ المساق لعمري الباقي

     

    فأزحت منه اللأي...

     

    ١٣- في الحنايا أمُرْ

     

    وبالحنايا يقف العمر...

     

    وفي الوسط أسبح انا الطفل

     

    وأظل الطفل!

     

    لايشيخ وجدي

     

    في روعة وجودك الحر...

     

    ١٤- أُمارس الشغف حين غروبك

     

    فيميل غصني منتشياً

     

    لأستميلك...

     

    وأكسر عني عزوفك.

     

    ١٥- مُتأهب أنا، متقد انا..

     

    أجاهد الحرف،

     

    لعلي أحترف مجامع الكلم

     

    أو لعلي أنسج شعرًا

     

    يليق لك رداءً.

     

    ١٦-الهروب ملجئي

     

    ومنك إليك أهرب ُ

     

    تصافح عتمتي نورك!

     

    فأبدو نجمك الأقرب

     

    ١٧- مُحلقُ انا دوماً كالطيرِ

     

    أسع الفضاء بجناحي

     

    أحطُ في محطاتِ البحار النائية

     

    باحث عن حصنٍ لأخبئ أحلامي !

     

    ١٨- تسألني عني

     

    فيلف الشك حيرتي

     

    عن كلي تود إجابتي ؟!

     

    أم عن بقايا مني؟!

     

    ١٩- مُثقلُ مُتوجسُ مُترقب..

     

    فاحذرني ...

     

    أن تهز أوتار دواخلي

     

    أبصرني بعين الحق

     

    فطيب قلبي لايستحق السحق!

     

    ٢٠- من وهدة السقوط من بعيد

     

    تراقبني!

     

    قصصت مني ريشي

     

    مررتَ على تخوم اوجاعي

     

    لأغدو مهيض الجناح

     

    ٢١- المهاجر القديم هو أنا

     

    الأسير القديم يكون أنا

     

    وأنا الغسق في الترحال

     

    وشمس الأصيل وأول الأيام

     

    ٢٢- شكوت العلي في عُلاه

     

    ان في الدروب غُلاه

     

    وأني قد خاصمني النصيب

     

    وأن القسمة له لا لسواه

     

    ٢٣- أيها الحاضر في لونك النهاري

     

    ياصاحبة الخد الأسِيل الوردي

     

    ياذات الشعر الذهبي

     

    يا إلهام العين في غفوة الفجر بالشهر العربي

     

    تخجُلني براءتك

     

    فأجدني كالقمرِ للشمس

     

    يذوبُ نوري في ضوء حضورك

     

    ٢٤- أيها الشوف البعيد القريب

     

    الآتي من خدرِ الماضي

     

    سل من البريةِ أعظمها

     

    مَنْ يأتيني بعرش الكلمة قبل ميلادها

     

    لأشق بها نفقي نحوها

     

    ٢٥- هادرُ هو داخلي

     

    يموج فيه التصور العنيد

     

    ينحتُ بإزميله إرهاصات

     

    الفصل العتيد

     

    ٢٦- ياموسم الحصاد في زمن الشُح،

     

    العاتي

     

    كم أنت كريم !

     

    وكم كنت كريم!

     

    بين جفاف قاسي

     

    وبؤسٍ لئيم!

     

    ٢٧- أيها العطاء الراقي الراقد في ذاتي

     

    الباحث في حقولٍ بلا جداول

     

    بقلب صحراءٍ رحبه

     

    تنشد الحفيف

     

    تنتظر الخرير

     

    تنصت في ترقب زقزقة طيور