نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

صوت فيروز . بقلم : محسن وادي جاسم


قال الأديب الراحل محمد الماغوط ما أطيب فنجان قهوة الصباح وصوت فيروز وأغنية أنا وشادي … ” ليس مستغربا عندما نقول بان صوت فيروز ظاهرة متفردة يتعذر تكرارها كقمة من قمم الإبهار في مجال الغناء والموسيقى العربية تستحق أكثر من وقفة للتأمل لارتباط ذلك الصوت الساحر بالصباح والإشراق وبفتح دفاتر الصغار وأبواب المدارس وحمل المعاول والمناجل نحو الحقول والتوجه لميادين العمل والإنتاج وهذا هو السر الكامن وراء عشق الناس لصوت فيروز . وهنا لابد لنا أن نتساءل هل أن الغناء والموسيقى صخب وضجيج وكلام فارغ يجتاح الإنسان في لحظة معينة من لحظات الانفلات العاطفي والنفسي كما يعتقد البعض ؟ أنما هو على العكس من ذلك تماما أي الغناء انه حاجة روحية ووجدانية للكائن البشري على مر العصور والأزمان كوسيلة من وسائل التعبير المتقدمة التي تعكس مستوى الارتقاء والتحضر واحد أهم روافد الثقافة المجتمعية وعامل تهذيب للعادات والسلوك والميول الطبيعية للإنسان للاستمتاع بكل ما هو مثير وجميل وشيق في هذه الحياة وأستطيع القول جازما بأنه الترجمة الحقيقية لحركة الواقع في الزمان والمكان المعينين والتفاعل مع معطياته وإفرازاته ماديا ونفسيا بأساليب وطرق جديدة وخلاقة باستخدام المفردة اللغوية الرصينة والصوت واللحن بعيدا عن الإسفاف والابتذال  نابعا من تراكمات الموروث الغنائي المتداول لأي شعب من الشعوب وإعادة صياغته بأساليب مبتكرة تتفق مع متطلبات العصر وتطلعات الإنسان المشروعة لتجسيد أحلامه بحياة مشرقة وغد سعيد ينقرض فيه الظلام وقمع الطغاة … إن رحلة الصباح مع صوت فيروز تعيد إلينا اللمسة الساحرة للأغنية العراقية القديمة والسبعينية خاصة في أوج ازدهارها وليل بغداد الذي كان يصدح بصوت أم كلثوم والمقام العراقي الأصيل وما قاله ابن خلدون في ” مقدمته ” في باب حديثه عن الغناء والموسيقى إن انحطاط الموسيقى هو مؤشر انحطاط لأية حضارة لأنها الصورة الأعمق للذات الإنسانية ومنها يبدأ السقوط والانهيار وفيها تتضح مؤشرات الرقي والتدني .. فهل ستنام بغداد وتستفيق على إيقاعات ومعزوفات جذابة نشم ونتذوق منها رائحة وطعم الأصالة ؟ وهل سيعود صوت فيروز يملأ صباحاتها الندية بالفرح والمسرة بدلا من صيحات الموت وأصوات الرصاص والانفجارات وحرائق الغزاة ؟ .

محسن وادي جاسم