نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

الشاعر احمد البياتي .. من كمون لوحة الوجع الى الأحتمال / وجدان عبد العزيز

لاشك الحديث عن اثار احمد البياتي، حديث يطول كونه شاعراً وناقداً واعلاميا، فالحديث هنا يأخذ ابعادا كثيرة، لكننا اليوم نتحدث عنه، وهو في واحة الشعر، وبالتحديد قصيدة النثر، والاكثر دقة البناء المقطعي فيها، فقصيدة النثر شكل فني سعى في التخلص من قيود نظام العروض في الشعر العربي، كمحاولة للتحرّر من الالتزام بالقواعد الموروثة في القصائد التقليديّة، ونستطيع ان نطلق على قصيدة النثر بانها نص تهجيني، ينفتح على الشعر والسرد والنثر الفني، بيد انها تحمل ايقاعاً داخليا، قد يكون منفردا، ذلك بتوزيع علامات الترقيم والبنية الدلالية وفقاً لبنية التضّاد، (ان نمط البناء المقطعي في القصيدة الجديدة يعتمد في بنيته الاساس على تعدد مراكز الحدث، اوتوزع الحدث الرئيس على محاور عدة، او تجسيد حالات كثيرة تختلف في مضامينها وطبيعة تجربتها، لكنها تلتقي بعضها البعض بخيط واحد يكون عادة غير مرئي، وهذا نمط مهم من الانماط المركزية في الشعر الجديد، اذ يتوقف على اساسها نجاح القصيدة)كتاب عضوية الاداة الشعرية ص33 ? من هنا مسك الشاعر البياتي العصا من الوسط في قصيدته (خاتم شمع)، حيث تكونت من ثمان مقاطع وكل مقطع حمل معنى تكميلي لما يليه، بالرغم من ان المعنى المجمل من القصيدة هو الوجع، وعادة ما يكون الألم، او الوجع هو احساس اوشعور سلبي بعدم السعادة، والمعاناة.. كما ان الألم، قد يكون مادي، أومعنوي بحسب العوامل التي تسببه، فقد يكون نتيجة إحساس أوشعور، وبطبيعة الحال فالمادي، قد يكون مثل الصداع، أوالمغص، بينما المعنوي مثل الحزن والقلق والتوتر، لكن مجسات الشاعر البياتي هنا تتركز بالاحاسيس، والاحاسيس تجربة واعية تتميز بالنشاط العقلي الشديد، وبدرجة معينة من المتعة أو المعاناة، وغالبا ما تتشابك العاطفة مع الحالة النفسية، والمزاج، والشخصية، والتوجه، والدافعية، لتخرج عن اطار التوقع، والشعر عند الفلاسفة هو الكلام الذي ينشأ عن مخيلة الشاعر، كونها صاحبة التجربة، ثم يؤثر في مخيلة المتلقي، كما يذكره ابن طبطبا، لذا جاءت قصيدة (خاتم شمع) لوحة مرصعة بالوجع الظاهر، والوجع المخفي، فالوجع الظاهر صرحت به الكلمات علانية مثلا اليأس والسقوط والخوف والعذاب وغيرها، اما الوجع المخفي فيمثل التأثيرات الخارجية على ذات الشاعر، كقول الشاعر:

(رعشة خوف

تقبع في غبش

في لحظة اضطراب

تغتال احلامنا)

فالخوف ليست مشكلة الشاعر، انما مشكلته الاكبر في حالات اغتيال احلامه، لان الوضع الاجتماعي العام جعله (على سحابة متأخرة)، حتى انه (بصمت فظيع) ينتفض، لكن انتفاضته بيأس، بمعنى ان الوضع الذي فيه ميئوس منه، وكون احمد البياتي في واحة الشعر، وهي واحة تسكن بعالم اللاممكن وتقبل الاحتمال، يقول:

(أسفل الورقة

حبلاً غليظاً

شذبنا كأغصان شائكة

تتحرك فوق أديم الأرض)

من هنا تمسك الشاعر بالحركة فوق اديم الارض، اي بمعنى ان شعور الشاعر انه لازال في عملية الزمكانية، اي الاحتمالية، التي تقترب من الحياة، والحياة معناها استمرار المحاولة للخروج من لوحة الوجع الى لوحات اخرى.