نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

    قراءة في رواية "نوار العلت" بقلم د. لينا الشيخ حشمة

    يافا حلمٌ في ظلال الواقع"-

    قراءة في رواية "نوّار العلت" للكاتب محمّد عليّ طه

    بقلم: لينا الشيخ- حشمة

    "نوّار العلت" رواية سياسيّة بالدرجة الأولى، تؤكّد العلاقة بين الأدب والسياسة والواقع. كيف لا والكاتب الفلسطينيّ مأزوم بالسياسة؟! مأزوم بها لأنّ مكانه بوتقة من الصراع السياسيّ، مكانه هو قضيّته وقضيّة وطن ووجود.  هي رواية ترصد الواقع السياسيّ الذي تعيشه الأقلّيّة الفلسطينيّة في إسرائيل دون أن تغفل عن واقعهم الاجتماعيّ والثقافيّ والاقتصاديّ. تحصر الأحداث في العقود الأخيرة فتكشف معاناتهم اليوميّة والواقع المعيش وصراعاته. تصوّر رحلة الحياة بين البحث عن الذات وشرعيّة الوجود والبحث عن لقمة العيش.

    تقوم الرواية على جدليّات التضادّ، كاليمين مقابل اليسار، الذات والآخر، المدينة والقرية، الحبّ والبغض، الحياة والموت وغيرها. وهي تضادّات تنبثق بالأساس من الصراع بين الفلسطينيّ والإسرائيليّ. فلمّا كان واقعنا يقوم على صراع سياسيّ فإنّ حبكة الرواية تقوم على هذا النزاع والمواجهة بين الطرفين. فيضع الكاتب الطرفين أمام مرآة الذات كاشفًا أسباب العداء ومشاعر كلّ طرف وأزمته مع الآخر. كما يرصد اليهوديّ بصراعاته ورواسبه والجانب الإنسانيّ فيه، مصوّرًا علاقته مع العرب، والعلاقات بين اليهود أنفسهم حيث يوظّف شخصيّات يهوديّة من أصول مختلفة لإظهار الصراع بين الأشكناز والشرقيّين والكشف عن نظرة كلّ فئة منهما للعربيّ، ثمّ يتناول ازدياد تطرّف اليمين مقابل تراجع اليسار الذي بات يعتبر تهمة وشتيمة.  

    يحبك الكاتب روايته من التضادّ بين حلم منشود وواقع موجود. فيحلم بالسلام وانتهاء الاحتلال وشرعيّة الوجود. لكنه لا يطلب من الفلسطينيّ تنازلًا أو تذلّلًا لإرضاء الآخر. لم يطلب منه تنازلًا عن قوميّته أو هويّته.  فإنّ بحث عن مصالحة فلا يطلبها إلّا في نطاق الاحترام المتبادل واحترام التقاليد والتراث وشرعيّة الوجود. وهذا ما كانت تجسّده علاقة يافا بسمير. فالحبّ بينهما معادل موضوعيّ للعلاقة السياسيّة بين الشعبين، للسّلام المسكون بالمحبّة الإنسانيّة والعدل والاعتراف بالآخر وانبثاق الحياة. وحتّى يتمّ ذلك يجب أن تكسر الحواجز ويكون اللقاء والانكشاف والتنازل عن الآراء المسبقة والاعتراف بحقوق الآخر. أمّا حبّ نفتالي اليمينيّ المتطرّف فإنّه حبّ يصنع قاتلًا متطرّفًا شرسًا يقتل الأحلام والمستقبل. إذًا يعرض الكاتب المشكلة والحلّ. والحلّ موجود لكنّه مشروط. وهو ليس مشروطًا بالطرف العربيّ الذي قدّم تنازلات جمّة بقدر ما هو مشروط بالإسرائيليّ. لكنّ الكاتب على ما يبدو مقتنع بأنّ الحلّ الحلم في ظلال هذا الواقع، وفي ظلّ ازدياد الصوت اليمينيّ المتطرّف، ليس بالأمر القريب.

    ومن جانب آخر يرصد الكاتب معاناة الأقلّيّة العربيّة من العنف والجريمة، حيث الشرطة تتعامل معها من منطلق "بطّيخ يكسّر بعضه"(ص38). والحلّ لهذا كما يؤكّده الكاتب هو الثقافة والعلم ونبذ الجهل والتخلّف، كقول صبري: "العلم هو الذي سوف ينقذنا من التخلّف"(ص32). فكان بيته مثالًا يوتوبيًّا، إذ قالت الأمّ فاطمة: "بنينا هذا البيت على الحبّ والكرامة والاستقامة. أولادي لا يكذبون، ولا يسرقون، ولا ينافقون"(ص231). تبنّى بيتها العلم والثقافة وحرّيّة الرأي وحقّ الاختلاف. وكأنّي بالكاتب يهمس صارخًا: "كيف نستطيع التعاطيَ مع الآخر الذي يدّعي أنّنا شعب متخلّف جاهل ونحن نقتل بعضنا بعضًا؟ وكيف نستطيع الصمود إذا لم نكن ندًّا قويًّا مثقفًا قادرًا على الحوار دون التنازل عن حقّه"؟! على المجتمع العربيّ إذًا أن يتخلّص من أمراضه الداخليّة حتّى يبرأ جسده ويعزّز وعيه فيقوّم لسانه ويده. وحينها سيفوّت الفرصة على الشرطيّ الساعي دومًا لأن يجعل منه المتّهم والقاتل، مثلما فعل كلّ من أحمد وسمير في الرواية.

    تختلف صورة العربيّ لدى الإسرائيليّين بحسب الوعي الفكريّ والسياسيّ، لكنّ الكثيرين يعتبرونه عدوًّا، مُتخلّفًا، مُخرّبًا و "العربيّ القذر". فيدافع الكاتب عنه مختارًا شخصيّات أكاديميّة مثقّفة تتفوّق على الآخر المدجّج بالقوّة والشعور بالأفضليّة بأخلاقها وحبّها. فسمير كان قادرًا على صنع الحياة وتطهير حبيبته يافا من أدران البغض. بينما تمرّغ عشق نفتالي بكراهيّته التي قادته لقتل حبيبته من أبناء جلدته. ممّا يذكّرنا بقتل رئيس الحكومة "إسحق رابين". يظهر العربيّ في الرواية بصورة الرجل الذي يحترم المرأة ويقدّرها. ويتناقض هذا مع ادّعاء والد يافا الذي يرى بالمجتمع العربيّ ذكوريًّا يقتل النساء بحجّة "شرف العائلة"، فرأت يافا في سمير حبيبًا شريكًا يقدّرها كامرأة وإنسان، بخلاف نفتالي الذي اعتبرها قطعة من ممتلكاته، فيقتلها حين تتركه ويلصق التّهمة بحبيبها سمير، فما أسهل اتّهام العربيّ!

    يؤكّد الكاتب على دور الثقافة في تطهير الوعي ورقّيّه كضرورة لصنع التغيير عند الطرف الآخر أيضًا، فيختار أن تلتقي يافا بنفتالي خلال خدمتها العسكريّة حيث يحرّضها على الفلسطينيّ بكراهيّته السوداء. أمّا لقاؤها بسمير فيكون خلال دراستها الأكاديميّة فتعيش معه قصّة حبّ إنسانيّة أرقى.  وحتّى يؤكّد الكاتب قناعته هذه يجعل أوري ضابط الشرطة غير مستعدّ لقراءة أيّ كتاب، فيمسي رمزًا للجهل والغباء، الجهل الذي يقود للعنصريّة والعنف، والغباء الذي يعزّر شعور النقص لديه فيغفل عن خيانة زوجته.

    حين عرف سمير يافا كانت تحمل أفكارًا سيّئة عن العرب وتحمّل الفلسطينيّين استمرار الصراع معتقدة كمعظم الاسرائيليّين أنّها تملك الحقيقة(ص135)، لكنّه ينجح بتغيير أفكارها ويزيل الرواسب من عقلها فتغدو أكثر قدرة على تقبّل الآخر وحبّه واحتوائه. علّمها سمير حبّ الحياة، فأدركت كيف تكون الحياة ضدّ التطرّف والموت فتترك نفتالي وتزور قريته وتنام في بيتهم. يافا هي الشخصيّة الإسرائيليّة الوحيدة في الرواية التي تغيّر وجهة نظرها إزاء العرب. لم توافق سمير على آرائه كلّها لكنّهما تناقشا من منطلق محاولة الإقناع وشرح الموقف، ولم يفسد اختلاف الرأي المودّة والحبّ بينهما. كان سمير يؤمن أنّ لقاءها بأمّه الحلّ لصنع الحياة. كان يقول: "أنت وأنا سنشرق غدًا جميلًا"، "عندما نلتقي معًا تختفي عقود من الكراهيّة"، "فتستقلّ الدولة الفلسطينيّة، وتحلّ قضيّة القضايا"(ص241)، فتردّ: "أنا وأنت سنغيّر العالم". ينجح سمير ويافا في اليوتوبيا التي رسمها الكاتب على الورق بتوحيد عالمين متصارعين، لكنّ نفتالي المستوطن المتطرّف ينهب الحياة ويقتل الحلم بقتل يافا. ممّا يعني أنّ الكاتب يتراجع مؤكّدًا غلبة الواقع على الحلم، على الرغم ممّا تعد به روايته من أمل!  

    لم تمثّل الشخصيّات ذاتها لذاتها بل هي سيميائيّة رمزيّة. كما كان اختيار أسمائها موفّقًا ومدروسًا. فلمّا كانت الرواية تدور وفقًا للمعطيات النصّيّة في بداية القرن الحادي والعشرين كانت فاطمة في الستينيّات. واسم فاطمة اسم عربيّ تقليديّ. وفاطمة المهجّرة من الطنطورة رمز للأرض والأقلّيّة الفلسطينيّة التي بقيت تعيش هنا وعانت كذلك من التشرد والتهجير الداخليّ. وهي تمثّل التغيير الحاصل على هذه الأقلّيّة، فلم تكن ربّة منزل ولا فلّاحة مثلما كانت صورة المرأة الفلسطينيّة في قصص المراحل الأولى، بل يجعلها الكاتب معلّمة مثقّفة متقاعدة، ربّت أولادها على طلب العلم وحبّ القراءة، تحدّثت العبريّة وناقشت يافا. ولمّا كان الزوج/ الأب رمزًا لسلطة الدولة فإنّ فقد فاطمة لزوجها صبري يعني فقدها لسيادة دولتها الفلسطينيّة. لذا أصرّ الكاتب على ذكر العبارة "سمير يتيم الأب ويافا يتيمة الأمّ"، أي سمير ابن لفاطمة الأرض والأقلّيّة الفلسطينيّة التي أصبحت تحت سيادة الدولة اليهوديّة، وهو جزء من الشعب الفلسطينيّ الذي فقد دولته، وينتمي للقوميّة العربيّة. أمّا يافا فهي بلا أمّ لأن إسرائيل هي الدولة اليهوديّة الوحيدة في العالم.

    ليس المطلوب في المصالحة التي يريدها الكاتب بين الطرفين أن تتزوّج فاطمة فتنسى قوميّتها العربيّة الفلسطينيّة، فحين تسأل يافا سميرًا: "ماذا لو عرّفنا والدي بوالدتك؟" يردّ: "أمّي لن تعرف رجلًا بعد أبي"(ص217)، أي لن تتزوّج فاطمة من يوسف فتضطرّ لتغيير هويّتها. لن تتنازل عن هويّتها الفلسطينيّة العربيّة وستبقى على تراثها متمسّكة بأرضها. لذا قالت فاطمة ليافا: "نعيش معركة البقاء. نريد أن نعيش بهدوء وبكرامة وبمساواة"(ص231).

    وإذا دلّ اسم صبري على الصبر، دلالة صبره على قضيّته الفلسطينيّة التي لمّا تنته، فسمير يثير لدى يافا التساؤل حول هويّة حامله، بخلاف اسم أحمد. ويأتي اسما أحمد وسمير مناسبين لفكريهما وتوجّهاتهما. ويرمز "يوسف أهروني"، والد يافا وضابط الجيش، لدولة إسرائيل وحكومتها التي تقبل علاقة يافا بسمير على مضض، لكنّه يعترف بأنّه "لا يكره العرب لكنّه لا يثق بهم". كما اعترف بأنّه "يحقّ للعرب أن يكرهونا، فنحن نداهم بيوتهم ليلًا ونوقفهم على الحواجز"(ص95). لم يكن يساريًّا ولا يمينيًّا لكنّه لم يرتح لعلاقة ابنته مع نفتالي لكرهه لليمين المتطرّف، لكنّه بالنسبة إليه يهوديّ وأفضل من العربيّ. حذّرها منه قائلًا: "قد يرتكب نفتالي جرمًا. قد يقتل عربيًّا بدم بارد"(ص97)، لكنّه لم يتوقّع بأن تقوده كراهيّته السوداء للعربيّ لأن يقتل ابنته لأنّها أحبّت عربيًّا.

    أمّا يافا فوصفتها فاطمة: "بتحكي شويّة عربي. بُنيّة لا طويلة ولا قصيرة، لا سمرا ولا بيضا، لها عينان زرقاوان مثل نوّار العلت.. والله كأنّها بنيّة عرب"(ص29). وقد علّق ابنها أحمد بقوله: "يهوديّة بنيّة عرب أو صهيونيّة بنيّة عرب"(ص29). هذا وصف معادل لدولة إسرائيل وشعبها بعد تعرّفها على سمير وأمّه. "لا طويلة ولا قصيرة" دلالة مساحتها، "لا سمرا ولا بيضا" أي سكّانها من أصول وألوان متعدّدة. و"لها عينان زرقاوان" دلالة البحر، بحر يافا، واسمها يافا. أمّا "بتحكي شويّة عربي" فنسبة للأقلّيّة الفلسطينيّة.

    "تخلّصت يافا من الأفكار المسبقة عن الآخر"، "الآخر إنسان من لحم ودم. الآخر يحبّ ويكره، يفرح ويحزن يضحك ويبكي. الآخر في مدينتي وفي شارعي وفي غرفتي"(ص238). لقد أدركت يافا أنّه لا مجال للانفصال عن العرب، لذا تقول: "إنّ والدها لا يستطيع أن يكون بعيدًا عن العرب، العرب مواطنون في الدولة"(ص165)، ووالدها هو السلطة، وبيتها هو الدولة. ولمّا جعلها الكاتب تتحرّر من ثقافة الكراهيّة للعرب وتقرّر الزواج من سمير كان اختيار اسمها موائمًا لهذا. إذ لم يختر اسمًا عبريًّا بل اسمًا يقبل وجهين؛ فيافا لها وجودها في التاريخ الفلسطينيّ وحاضره، ولها وجودها الإسرائيليّ كذلك. فيدلّ على هويّة مزدوجة قابلة للتقاسم. هكذا صنع مستقبلًا متعالقًا مشتركًا دون محو للماضي الفلسطينيّ، بل انطلاقًا منه وتعزيزًا لشرعيّة وجوده. واسم يافا كنعانيّ ويعني الجميل، ولقّبت "بعروس فلسطين"، ويافا جميلة مثلما رآها سمير.

    أمّا أوري ضابط الشرطة فكان يحلم بالترقية على حساب أحمد وسمير، فالقاتل يجب أن يكون عربيًّا. أمّا فارس فهو عشيق شولا زوجة أوري. كان فارس متعلّمًا مثقّفًا لكنّه لم يجد عملًا بالتدريس فالتحق بمهنة فأرسلته الشركة إلى بيت أوري لإصلاح الغسّالة، فأعجب شولا واتّخذته عشيقًا. وأوري الذي يعاني من عقدة النقص يريد أن يعيش كالمجتمع الذي فوق "حيث لكلّ زوجة عشيق". لكنّه يتذمّر من اختيار شولا فيقول بألم: "عشيق عشيق أو صديق صديق! أمّا أن يكون عربيًّا فهذه مصيبة، أنا لا أثق بعربيّ في بيتي"(ص75). هكذا أصبح فارس "جزءًا من البيت" لكنّه "ليس شريكًا مئة بالمئة"(ص247) حسب وصف أوري. "ولولاه لما تعطّر وما مارس الرياضة وما أثنى على جمال شولا"(ص247).

    اعتقد أوري أنّه سيحصل على الترقية، لكنّه يتفاجأ بقول شولا: "سمع فارس الخبر.. فغادر البيت مهمومًا. كان صعبَا عليه أن يراك بعد أن قالوا في نشرة الأخبار إنّ المفتّش هنّأ أبراهام على اكتشافه الجريمة"(ص49). يترك فارس البيت لأنّه يدرك أنّ أوري سيصبّ غضبه عليه لأنّه عربيّ. فتنتهي الرواية بمفارقة تمثّل الواقع بسخرية.  بيت أوري هو تجسيد للدولة، وأوري رمز للسلطة. إنّ دخول فارس إلى بيته يعني أنّ العربيّ له وجود وهو جزء من الدولة، لكنّه من وجهة نظر أوري يقدّم خدمة، كعامل أو مصلّح أو طبيب أو غيره. وإذا قُبِل كصديق أو عشيق فسيجد من يحرض ضدّه وعلى وجوده، وسيتعرّض للتشكيك والاستهجان والاتّهام لأنّه منزوع الشرعيّة أصلًا.

    أمّا شولا فهي المرأة التي تمثّل الفئة التي تتعامل مع فارس بعين إنسانيّة متساوية. كانت شولا ترى بالإنسان إنسانًا، فهناك عربيّ جيّد وهناك عربيّ سيّئ، تمامًا مثلما هناك يهوديّ جيّد ويهوديّ سيّئ. التعميم خاطئ"(ص 73). كانت شولا تلومه على قسوته وتعامله غير الإنسانيّ مع العرب وادّعائه بأنّه لا يثق بعربيّ لأنّه لا يوجد عربيّ جيّد، فتردّ عليه: "تأبى أن تكون حضاريًّا لأنّك عشت طفولتك في نظام دكتاتوريّ أغلق أفواه الناس وسلب حرّيّاتهم... هذه عقدتك. أنا أعرف لماذا تكره العرب. أنت لا تستطيع أن تكون رجلًا عصريًّا"(ص73). أمّا فارس فلا يثق بالشرطيّ الذي يراه المتّهم دومًا، أي لا يثق بحكم الدولة عليه.

    وهكذا، علاقة شولا بفارس تقابل علاقة يافا بسمير. لكن، إذا كانت علاقة يافا بسمير صورة للحلم المنشود فإنّ علاقة شولا بفارس تجسيد للواقع المعيش دون تجميل وأحلام. وهي أكثر ارتباطًا بالواقع. فالعربيّ لا يزال منزوع الشرعيّة ومتّهمًا، و"ليس شريكًا مئة بالمئة" مثلما صرّح أوري. يضعنا الكاتب إذًا بين حكايتين، حكاية سمير ويافا، وهي الحلم الذي يصوغه بحبره، وتأخذ معظم الرواية، وحكاية شولا وفارس وهي حكاية يفرضها الواقع عليه فيرصدها بنسبة أقلّ بكثير، كنسبة وجود الأقلّيّة العربيّة هنا. وهي التي يختارها لينهي روايته ليذكّرنا بسطوة الواقع وغلبته. ممّا يعني أنّه يجانس المضمون بالشكل.

    تعتمد الرواية على آليّات حداثيّة ككسر التتابع الزمنيّ وتهشيم الحبكة التقليديّة باتّكائها على تيّار الوعي والمونولوج والاسترجاع الفنّيّ والتداعي والاستباق وغيرها. كما يطعّم الكاتب روايته بالحكاية الشعبيّة والفكاهة والسخرية وتوثيق التراث الفلسطينيّ وعاداته وتقاليده، وجغرافيّة الأماكن وأسمائها ونباتاتها. وليس هذا بغريب عنه فهذا من ديدن الكاتب محمّد علي طه في أدبه عامّة.

    ولعلّ أبرز الآليّات التي تؤكّد رسالة الرواية هي تعدّد الأصوات (البوليفونيّة)، أي توزيع السرد على شخصيّات متعدّدة. وقد ترك الكاتب شخصيّاته، إضافة إلى الراوي، تسرد الأحداث وتقدّم أفكارها من وجهة نظرها، وتتحدّث بلسانها بالضمير المتكلّم، ضمير البوح والاعتراف، سواء كانت الشخصيّة فلسطينيّة أو إسرائيليّة، كأحمد وسمير وأوري ويوسف ويافا. لم يحرم الشخصيّة اليهوديّة من التعبير عن وجهة نظرها، عدا نفتالي اليمينيّ المتطرّف الذي يؤمن بتغييب الصوت العربيّ ووجوده، فينتقم الكاتب منه بتغييب صوته وتهميشه لأنّه قاتل السلام والأحلام.

    ومن جهة أخرى أكّد الكاتب على تعدّديّة مجتمعه العربيّ مثلما يتوق إليه. فجعل البيت العربيّ مثقّفًا متعدّد التوجّهات، فكانت فاطمة متديّنة وكان صبري نقيضها. أمّا أحمد فيختلف عن سمير في أنّه يرى باتّفاق أوسلو اتفاقًا خاطئًا ولا يؤمن بيسار صهيونيّ. أمّا سمير فيؤيّد التعاون مع اليسار اليهوديّ واتّفاق أوسلو. لكنّهما قادران على الحوار واحترام رأي الآخر دون إلغائه. وكانت قريتهم نموذجًا للوفاق السياسيّ في الانتخابات، بخلاف البلدة المجاورة التي نهشها العنف والبذاءات.

    هكذا بنى الكاتب الرواية بطريقة يتوافق فيها مضمونها ورسالتها مع شكلها وأسلوبها. فالرواية السياسيّة عمومًا تفضّل تعدّد الأصوات لأنّ ذلك يحقّق لها قدرًا أكبر من الموضوعيّة، إذ يأتي تعدّد الأصوات، إضافة إلى كونه آليّة حداثيّة ورفضًا واعيًا لأساليب القصّ التقليديّة، رمزًا للديمقراطيّة وتعدّد وجهات النظر. إذ يؤدّي إلى زوال الراوي الأحاديّ العليم بكلّ شيء، ويلغي فكرة أحاديّة الصوت الذي يسعى إلى التسلّط وفرض الرأي وسلب حقوق الآخر. وهذا ما يمثّله المستوطن نفتالي. فتمسي الرواية مجموعة رؤى وأصوات تتقاسم السرد بتعدّديّة وديمقراطيّة واحترام الرأي كمَثَل الحياة التي يتوق إليها الكاتب حيث يتقاسم فيها المتنازعان الأرض والحياة بحقّ وعدل وحرّيّة.

    أمّا العنوان "النصّ الموازي" مثلما يسمّيه جيرار جينت، فهو العتبة الأولى للرواية، حيث تعتبر من أهمّ العتبات في دراسة النصّ الأدبيّ. إذ يعتبر العنوان في المنظور السيميائيّ إشارة ومفتاحًا ضروريًّا لسبر أغوار العمل الأدبيّ وتأويله لتشكيل الدّلالة. الأمر الذي يجعله يشكّل جزءًا لا يتجزّأ من النصّ، وبه يكتمل. "نوّار العلت" هو لقب منحته الأمّ فاطمة ليافا قائلة: "عيناك مثل نوّار العلت". ونوّاره لونه أزرق، رمز البحر. وهذا ما يؤكّده وصف سمير لها: "يافا عروس البحر"(124)، و"حيفا ببحرها الأزرق"(ص228)، و"عيناك بحري الذي أتشهّى أن أغرق فيه"(ص239). أمّا العلت فنبات. والنبات لا يكون إلّا بارتباطه بالأرض. والعلت من نباتات هذا الوطن، ومنه يحضّر طعام فلسطينيّ تراثيّ. والتراث يعني الماضي. والماضي هو التّاريخ وعمر الإنسان وجذوره وذاكرته، أي زمان. والوطن والأرض مكان. والزمان والمكان وجود وحياة. والإنسان زمكانيّ، وبهما تتكوّن حكاياته وذاكرته ووجوده. ونوّار العلت تؤكّد تمسّك الأقلّيّة الفلسطينيّة بوطنها وتراثها وأرضها. فيقول أحمد: "لا يزال فكر الترانسفير معشّشًا في عقول قادة إسرائيل وليس لنا إلّا الصمود والبقاء، ولا خيار سوى الانغراس في أرض الوطن"(ص50)، ويكون انغراسه بقراره زراعة الأرض. لقد كانت أسرته مشدودة بالأرض، فوالده صبري كان مزارعًا، وهو كذلك قرّر زراعة الأرض كمصدر رزق حين سدّت في وجهه سبل العمل.

    ولماذا يختار الكاتب عنوانًا يدلّ على النبات؟ لأنّ النبات هو الأرض. وإذا فَقَد الفلسطينيّ شيئًا فَقَدْ فَقَدَ الأرض. والنبات والأرض يعني خصوبة واستمرار حياة. وقد ربط بالنبات اللون الأزرق دلالة البحر. ويافا كانت المدينة، والعلت رمز للقرية ومعالمها. أي يجمع المدينة والقرية، والبحر والبرّ، وكلّ معالم الوطن وجغرافيّته. وفاطمة رأت بجمال يافا جمال الأرض والوطن فأكّدت انتماءها لوطنها وأرضها. ففي العلت الأرض والناس وتراثهم وطعامهم وذاكرتهم. وعليه، إنّه عنوان يؤكّد الانتماء والتعالق الوجدانيّ بالأرض. فيحتفي الكاتب بالطبيعة ويغازلها كما يتغزّل الرجل بالحبيبة وجسدها، كغزل سمير بيافا. فتكون الأنثى والأرض شيئًا واحدًا، لا تنفصل عنها أو عن جمالها ورائحتها وطعم زرعها. نوّار العلت يدلّ على الجمال فيوحي به. لذا لا غرو بأن تتضمّن لوحة الغلاف وجه امرأة جميلة وعلى وجهها نبتة العلت وزهره الأزرق. إذًا ليست لفظة نوّار العلت محايدة إنّما هي الدلالة ذاتها، هي وجهة النظر الفلسطينيّة، دلالة ذاتيّة تكشف فكر الكاتب وانتماءه وعاطفته، وتدلّ على تمسّكه بالأرض والبقاء والهويّة والتراث.

    وإذا كانت فاطمة من أطلق اسم نوّار العلت ونبع وصفها من مفاهيمها وعاداتها فسارة أمّ يافا أطلقت عليها "شجرة الكمّثرى"(ص196). والكمّثرى شجرة الإجاص. ولماذا اختار الكاتب شجرةً لسارة والعلت النبتة الصغيرة لفاطمة؟ لماذا لم يختر الخبّيزة مثلًا؟ وهي نبتة تقارب العلت كبرًا وارتفاعًا!  لماذا أصرّ الكاتب على منح "الشجرة" للطرف اليهوديّ والنبتة الصغيرة للطرف الفلسطينيّ؟ لقد أراد الكاتب برأيي أن يوازي ذلك على المستوى السياسيّ على خريطة الواقع، فالكمّثرى من حيث الكبر كإسرائيل. ويتأكّد هذا المعطى بقول سمير: "نحن نريد 22% من الوطن"(ص219). أوَ لعلّه يماثل هذه النسبة بين العلت والكمثرى؟! ربّما! فالمعنى عند الكاتب والدلالة عند القارئ. وما يؤكّد تساؤلي هذا واعتقادي بعدم عشوائيّة هذه المعطيات ما ورد في الرواية من حديث بين سمير ويافا، والمذكور في دفتر مذكّرات يافا الزهريّ المعنون بـ "شجرة الكمثرى ونوار العلت": "يقول لي: تعالي نزرع زيتونة. فأقول له: تعال نزرع قرنفلًا وفلًّا ونعناعًا"(ص 239). فلماذا يريد هو أن يزرع زيتونة، أي شجرة، في حين تريد هي أن تزرع "قرنفلًا وفلًّا ونعناعًا"، أي نباتات كالعلت؟ لماذا يعاكس ما منحته فاطمة وسارة ليافا؟ يافا هي كالشجرة عند أمّها اليهوديّة، وهي كالنبتة الصغيرة عند فاطمة الفلسطينيّة، فلماذا يريد سمير ابن فاطمة أن يزرع شجرة في حين يافا ابنة سارة تريد أن تزرع نبتة صغيرة؟ وكأنّي بالكاتب يبحث عن معادلة حسابيّة تقلب الموازين التاريخيّة وتساوي الدَيْنَ فتساوي بينهما! فهل المعادلات الحسابيّة على الورق، وفي العمل الأدبيّ، تعيد الحقّ وتساوي بين اثنين غير متساويين فعلًا؟!

    وأخيرًا، إذا كان النوّار يحمل معنى النور فهل بقتل يافا قتل لنور المستقبل؟ هل سيقتل الحلم في ظلال الواقع؟

    (ألقيت المداخلة في أمسية الإشهار في نادي حيفا الثقافي يوم 11.11.2021)

    مجموعة شعرية جديدة للشاعر العراقيّ / جواد كاظم غلوم

    صدرت في بغداد مؤخرا المجموعة الشعرية للشاعر العراقي جواد غلوم المسماة " حجَرٌ نبيل وآخرُ من سِجِّيل " وقد قام اتحاد الادباء في العراق بإصدارها مبادرةً منه على تعضيد النشر  لأعضائه ممن يتوسّم فيهم الإبداع... وتضمنت المجموعة ثلاثٌ وثلاثون قصيدةً تنوّعت بين مايسمى القصائد العمودية والتفعلية إضافة الى القصائد النثرية .

    نقرأ شيئا من المقاطع ضمن القصيدة النثرية الحداثوية والتي انتقى الشاعر منها اسم المجموعة  :

    لا يمكنني ان أحشر حجَرا في فمي

    كي أسكتَ نفاد صبري

    حتما ستنطلق بفعل نفثات حسراتي

    لِتشجّ رأسي

    ***

    كم عليَّ ان افجّر العيون والينابيع

    وأكسر السدود

    لأوقف الجدبَ العائم فينا

    وحدها لطمةُ حجَرٍ على وجوه الجبابرة

    تفعلُ فعلَها وتُدمي طلعتهم .

    وفي قصيدة " وطنٌ في علبة سردين "  نقرأ :

    وطني إنّا أحببناك بعمقٍ أكثر

    وزرعنا في مسلك دربك عشبا أخضر

    أطعمناك الشهدَ مزيجا من بلّورات السكّر

    ضوّعنا  في أجوائك مسكاً

    يحرسهُ العطرُ وينعشه العنبر

    وركزنا في أرضك نخلاً أوفر

    وفرشنا القلب اليك بساطا

    وملأنا نفسك إيمانا

    فلماذا في الآخر تكفر  ؟؟

    وفي تساؤلٍ شعريّ مما يحيق بلاده من أذى .. يتساءل الشاعر  :

    كيف نسمي سَـقَرا مشتعلا مرعى وطنْ !

    كأننا لا نستحي حين نسمّيه سكنْ

    فالوطن الزاهر أمٌّ ومراحٌ وحضنْ

    الوطن المعطاءُ كنزٌ وسخاءٌ لا مِنَـنْ

    لسنا كلابا أو دجاجا ، وكرُنا جُحْرٌ وقِـنْ

    أيّ سنينٍ عجفتْ نعيشها هذا الزمن

    بابلُ في جنانِها تفوق جناتِ عدنْ

    عقولُنا نابغةٌ ، بشاسعٍ من الفطَنْ

    أهكذا يسومنا الخسفُ ويحوينا الدرَنْ ؟؟ !!

    ومن وجدانياته وغزلياته نقرأ بعض أبياته من العمود الشعري :

    احتمالي أذى غيابِك صعبٌ

    واشتياقي الى وجودك أصعبْ

    ليتني لم أكن بدنياك ذكرا

    دافق الروح في المنى أتقلّبْ

    كم خبرتُ النساء عقلا وقلبا

    لم أجدْ مثلها أمرّ وأطيبْ

    ساعة أرتجي مراحا وضحكا

    ساعة أنزوي وأبكي وأنحبْ

    فالحسِ الشهدَ لو صار مُرّا

    واطلب الحبّ انه خير مطلبْ

    هي كأسٌ مذاقُها كلّ حلْوٍ

    كلُّ مُرٍّ فكن جريئا لِتشربْ .

     

    فراس حج محمد : ست دراسات بحثية تأخذ الطابع الأكاديمي: الأسير أمجد عواد يصدر كتابه “دراسات من الأسر

    عن دارة الاستقلال للثقافة والنشر في رام الله، صدر مؤخرا للأسير أمجد عواد كتاب “دراسات من الأسر”، ويقع الكتاب في (353) صفحة من القطع المتوسط، وقدّم له الكاتب والأسير المحرر عصمت منصور، واصفاً الكتاب بأن مجموعة من الدراسات التي “تصلح فعلاً لأن تكون مرجعاً ليس للطلاب والجامعات فقط، بل لكل مهتمّ لأنها غنية وسلسة وتنطلق من بدهيات واقعنا وأبجديات صراعنا مع المحتل”.

    وتتكون مادة الكتاب من ست دراسات؛ تتناول الشأن “الإسرائيلي” والفلسطيني والإسلام والمرأة، وجاءت هذه الدراسات تحت العناوين الآتية: الاغتيالات- الشاباك والموساد، ونظرية الإحباط المركّز… سؤال النجاح والفشل، والصهيونية تدفع بالغرب لتبنّي المحرقة، واليسار الفلسطيني- أسباب وعوامل التراجع، والإسلام والغرب- التحدي الحضاري، وأهمية المعرفة، الثقافة، العلم في تغيير النظرة للمرأة- أسرى سجن هداريم حالة”.

    كُتبت هذه الأبحاث بين عامي 2017 و2019، وقد ذكر الباحث في مقدمة الكتاب أن هذه الأبحاث كتبت في سجن هداريم، “وبالتحديد كتبت في زنزانة حملت الرقم 19″، ولذا فالكاتب يعتذر من القراء والباحثين سلفا عن القصور البحثي الذي قد يقع فيها بسبب ظروف الاعتقال القاسية التي صاحبتها أحيانا ما أسماه “عملية تطهير ثقافي، حيث استولت (وحدة خاصة) على مكتبة السجن بكل ما فيها من كتب ومجلدات وزاد عددها عن 5000 كتاب”.

    اتبع المؤلف في هذه الدراسات المنهج العلمي في كتابة أبحاثه، ملتزما الطريقة الأكاديمية المتعارف عليها حيث وضح في بداية كل دراسة بعد المقدمة: هدف الدراسة، وأهميتها، ومحدداتها، ومنهجيتها، وأدوات جمع البيانات، والدراسات السابقة، وإشكالية الدراسة، والفرضيات العامة والفرعية، والإطار النظري، قبل الدخول إلى البحث الذي يقسمه إلى فصول، معتمدا على مجموعة من المراجع ذات الصلة. منهيا البحث بخاتمة أو توصيات. وقد تنوعت مصادر الكتاب ومراجعه، فكان هناك مراجع باللغة العربية وأخرى باللغة العبرية، وتنوعت بين الكتب والدوريات والصحف.

    وظف الباحث الاستمارة كأداة من أدوات البحث والحصول على البيانات الأولية اللازمة للتحليل واستناج الأفكار والتوصل إلى النتائج والتوصيات. واستعان بالعديد من المناهج البحثية في دراساته، كالمنهج الوصفي، والمنهج التحليلي، والمنهج التاريخي، ودراسة الحالة، والمنهج المسحي، والتحليل الإحصائي الكمي والكيفي.

    ومن الجدير بالذكر أن الأسير أمجد عواد ينتمي إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومعتقل منذ 10/4/2011، ومحكوم بالسجن المؤبد خمس مرات، حاصل على درجة الماجستير في الشؤون الإسرائيلية، وتمّ إعداد هذا الكتاب وإخراجه من سجن ريمون.

    صدر في بيروت عن دار زمكان للطباعة والنشر ديوان الشاعرة اللبنانية : رنا يتيم (طرقٌ على بابٍ مفتوح )

    صدر في بيروت عن دار زمكان للطباعة والنشر – شارع بدارو – بيروت – لبنان

    ديوان الشاعرة اللبنانية : رنا يتيم (طرقٌ على بابٍ مفتوح ) .

    يقع الكتاب في 96 صفحة.

    لوحة الغلاف والتصميم واللوحات الداخلية للأستاذ الفنان عبد الحليم حمود .

     ((أنّ المتعارف عيه بأنّ الباب هو المانع والحدّ الفاصل ما بين المحيط الخارجي والمحيط الداخلي , اي ما بين الشاعر وما بين محيطه الذي يعيش فيه , ونحن حينما نطرق على الباب انما نبغى ونريد الدخول الى المحيط الداخلي , اي نعبر من خلال الباب من المحيط الخارجي الى المحيط الداخلي , نطرق على الباب لكي يُفتح لنا لنتأمل ما وراءه ونكتشف العوالم المخفية عنّا , ولكن , اذا كان الباب مفتوحاً فلماذا نطرق عليه ..؟؟!! .

    أنّ الباب أو مدخل هذا الديوان مفتوحاً (طرقٌ على بابٍ مفتوح ) , معدٌّ ومهيئ للترحيب والاستقبال , فذات الشاعرة هنا جلية وواضحة الملامح , لمْ تتخفَ أو تتخذ من الباب حدّاً فاصلا يمنعها عن المحيط الخارجي , فمن خلال هذا العنوان سنرى وجدان الشاعرة , وموسيقية مفرداتها , وكمية المشاعر والاحاسيس . انّ الشاعرة في ديوانها البكر هذا تعلن بوضوح ودون وساطة او تخفّي عن ذاتها الشاعرة , الذات الشعرية العارية من السلام والحبّ والامان والانتماء , إلاّ مِنَ الخراب والتشظي والغربة , هذا الوجع المزمن الذي يكبّلها ويحاول ان يكسّر اجنحة احلامها ويقتل آمالها ويحيلها الى رماد , ورغم كل هذا الرماد الذي يجمّل واقعها بكل هذا القبح , تحاول هذه الذات الشاعرة أن تنبعث وتنفض عن كاهلها الكثير من الخراب والشظايا … جزء من مقالة نقدية عن هذا الديوان بقلم : كريم عبدالله – العراق ) .

    اصدار جديد للكاتب صابر حجازي / صابر حجازى

     صدر للكاتب صابر حجازي
    مجموعة شعرية بعنوان
    الزمن ووجهه العاشق القديم
    لقراءة المجموعة كاملة يرجى النقر على الغلاف ادناه

    لِص فِي مَمْلَكة الأحْرار / إزدهار بوشاقور

    بعد أحداث 05 أكتوبر 1988 ، وبعد سلسلة التوترات في الشارع
    الجزائري إستنكارا للأوضاع المزرية للجزائري تتغير النظرة ويحل
    الجديد .
    يمر الإستفتاء على الدستور الجديد 23 فيفري 1989 بسلام ، وتنظم
    إنتخابات 26ديسمبر 1991وفازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية
    بأغلبية 82% ب188 مقعدا أي منصب صنع القرار. لقد مرَّ عهد النظام
      الواحد والذي تفرَّد بكل ما تَحمله اَلية التحكم من تحكم في السياسة ، الإقتصاد والإجتماع
     والذي شدَّ البلاد بكل قوة السلاح ، هي ذي بداية الثمانينات وحكم المشايخ لا يزال
    سارٍ ، ولأن الإنسان بطبعه يملًّ الروتين ويملُّ الحياة الحنظلية ، مرارة الأنظمة المتعسفة
    يطل فيها العقم علة كافة الأحوال الإجتماعية ، فلا اَفاق عملية تولج عن بُعدٍ مُرسلة شعاع
    الأمل لِيندلِج ضِياؤه ، ويوم بعد يَوم تغرق البلاد في ضلال الضياع ، إنَّها البؤرة ولا مفر
    منها ... الواقع ينبض مرارة والأنفاس تبكي تضمُرًا وتصرخ من إحكام القيود المُكبلة .
    فلا أحد ينكر الأزمة العالمية والداخلية التي عشناها وعانينا منها المرارة .
    وهاهي أمسية 11جانفي 1992........
    وهذا المساء تحلُّ المفاجأة ، السيد الرئيس يخطب في الأمة على الجميع الإنتباه إلى ما يقوله
    الكل يسمع إلاَّ من صَغُر سِنَّه عن الإدراك ، هي الثامنة يجلس الرئيس ليُلقي الخطاب .
    وبعد أقلِّ من خمسة دقائق يَعرف الجميع مُبْتَغى الرئيس .
    إنَّه يُقدِم إستقالته وإعتزاله كرسي الراَسة ، الحقيقة  التي كانت مختبأة وكشف عنها الستار .
    " سيداتي ..سادتي أعلن تخليا عن منصب الراَسة في ساعتها ، لا لسبب أو لاَخر، إنما هو
    الواجب الوطني ، ويجب تلبية النداء 

    رواية الصورة بين النصين الخارجي والداخلي… عذراء سنجار مثالا / محمد يونس

    بعد قراءة رواية ( عذراء سنجار) لوارد بدر السالم اكتمل يقين فكرة كانت قد ألحت عليَ حيال تنظيري لوجود رواية الصورة، بعد دوران في مدار التنظير للفكرة مدة من الزمن، ونشرت ايضا اكثر من دراسة عن الاصول النظرية للفكرة، وكان هناك مثال دائما يقف أمامي لا يتيح لي تجنب الفكرة، ويؤكد مقصدي النظري، فهناك رواية انتجت من صورة احتملت سردا تاريخيا، وهذا المثال النوعي كان، بعد أن قرأت حوارا للكولمبي ماركيز يتحدث فيه عن آليات كتابة لديه تثير الاستغراب، لكنه مؤمن بها تماما، ويقول (حين شرعت بكتابة رواية) وحدد احدى رواياته المهمة، فقال مضيفا (كنت أضع صورة لجدي، كانت تحفل بالكثير من الأحداث)1 التي قد نسميها ما وراء صورة سردية الطابع، ولابد أن هناك مضمونا يواجهك هو لا يعبر إلا عن الشكل البصري للصورة وليس يعبر عن دلالاتها عبر إشارة تتمثل بمعنى معين من مكوناتها، أو بفعل سردي يبدو قد بلغ نهايته ووقف عندها، ولكن تأمل الصورة يبدي لك تدريجيا معاني ودلالات لم تتوقع مواجهتها خارج التأمل، أو هناك علائق بين الصورة ومعاني أخرى، اجتماعية – سياسية – تاريخية – معاصرة، تحيل إلى معاني تتشكل فيما بعد، أو قد تستذكرها عبر علائق حسية بما في داخل الصورة ومضمونها الجوهري، وهناك إحالات عدة تتجلى عبر تأمل الصورة ولتعرف على موضوعتها، ويمكن تقسيم الصورة المسرودة إلى مربعات كما يرى دولوز فتتكون نتائج جديدة برغم أن الصورة ذاتها ستعود إلى وضعها أول، وهناك مناطق للصورة هي، شكل – موضوعة – تاريخ، وتلك المناطق غنية بالمضامين السردية، وتلك المناطق كل له وظائف بمنطق سردي مرتبط بها مباشرة، والشكل يمثل فعل السرد، وأما الموضوعة تمثل المضمون السردي، وأما التاريخ فهو يمثل مصدرا يتداخل فيه المضمون والفعل، إذن ما نحتاجه هو التمرين على ذلك والنتائج المرجوة تتجلى بعد ذلك.
    وبعد تلك المقدمة النظرية، نقف على انموذج روائي لوارد بدر السالم، هو يمثل الرواية التي هي صورة بيانية واسعة، فرواية عذراء سنجار، هي بتفاصيل متعددة الابعاد كما الصورة، وهناك وحدات دلالية في كل من تلك الابعاد، وكذلك وحدات زمن سيان متسلسلة مرة، واخرى تستثني الأزمنة ذلك البعد، ووحدات السرد مؤكدة في الصورة كما في الرواية، وفضاء المكان تجده متوافرا في الجهتين، وأن يكون في الرواية ليس مشهودا كما في الصورة، أو ربما يوصف نيابة عن تمثله الشكلي من خلال أحد الشخوص، وفي الصورة يقين وحقيقة ملموسة يتمثل بجميع الوحدات الجزئية، والتي كل منها يمثل مقطعا روائيا ، يقابله لذلك اليقين حقيقة والمنطق الروائي والسببية، وفي كلاهما تكون الأمور وضعت في نصابها بدقة، وتتفوق هنا الصورة إن خفت وطأة اللعب الفني في الرواية، وفي الصورة معنى عام، وفي الرواية أيضا يوجد ذلك المعنى، وفي كليهما أفكار محسوسة إدراكا، سيان بصريا أو كتابة، وأن الرواية تتأمل نفسها، وكذلك الصورة، وهذا التأمل يواجه بمثيل له من التلقي، فالصورة والرواية وجهان لحالة ما، إذن سيكون أحدهما يعكس الآخر،.
    إن الرواية الصورة ليست أمثولة غير مكتوبة، وتمثل وعيا حرا، بل هي مصطلح تحقق عبر مواد مكتوبة روائية، وجودها تحقق في أزمنة مختلفة، وعلى الأخص في نهايات عصر الحداثة، والتي تمثل ثورة الأخيرة من موضات الأدبية في الحداثة، وطبعا تمثل رواية وارد بدر السالم (عذراء سنجار) احدى أهم اعمال روايات تمثل صورة مسرودة من بيانية مأساة واقعية ورمزية أيضا، وهي صورة تامة وخالصة لما عبرت عنه من بيانيات واقع حي، وأعتقد لابد من دعم التطور التقني للنص الروائي، وبعض كُتّاب الرواية سعوا إلى نقض تراكمات آليات الكتابة السردية، فالسرد نعم هو أداة كل عصر، لكن الفن يصنع الجمال، والحياة تحقق الواقع، ونحن في كل عصر نحتاج الى قيم جمالية ذات نكهة أخّاذة، وبعض الروايات بكرت إلى ذلك، وكما أن الرواية ( عذراء سنجار)قد تحررت بجدية بلاغية عالية، وقدمت خطابا باسلا في العمق الانساني صراحة، وتقنيا وضعت كل آفاق الماضي التقنية وراءها، وسعى إلى أنموذج أدبي يثير أسئلة وليس قناعات.
    تثير رواية ( عذراء سنجار) مسألة حساسة، فهي تقر في بنيتها إن الفن الروائي قيمة الآن، وإن عصر الشكل انتهى وتلاشى وفقد بريقه، والرواية اهتمت بمعنى إنساني عميق وليس بسرد حياة بشرية تقليدية تكررت مرارا بذات الأسلوب، ولم تكن الا أن تراعي الجوهر الإنساني وإخفاقاته، بل راعت أمورا جدلية بحيادية، وكانت رواية الصورة إحدى سياقات الانتفاضة ضد السياقات التقليدية للرواية، وأعتقد ما قدمه وارد بدر السالم برواية (عذراء سنجار)، والتي هي من أجمل الأعمال المكتوبة في أسلوب متفرد ، فقدم عملا روائيا لا يكتب مرتين، وكذلك قدم رواية صورة غاية في التفوق الإبداعي، وتشكل روايته أنموذجاُ لرواية الصورة فنيا يصعب وصفها في شكل فني، وكما بلغت مكانة جمالية ايقونياً ولونياً، أيضا أكدت الرواية إنها عمل فني فتوغرافي خلاق في ما يملك من مميزات إبداعية، وتعتبر الرواية صورة رواية أو رواية صورة بتعددات نظام السرد المنقطع لونيا وايقونيا غاية في البراعة والجمال.
    الصورة المسرودة – كل ما تحتويه الرواية من العنونة الى المدخل، وكذلك الفصول المتنوعة الايقاع السردي، هي تعنى بفعل سرد ثابت الزمن في كل فصل مفصل بذاته، ويرسم ذلك الفعل واقعا وتفاصيل بشكل بياني، ، تكون تامة الملامح ، وبحيادية تامة، وهي بزمن أحيانا يكون تتابعيا، وأخرى يكون متقطعا، ففي الرواية ترتبط فكرة جدل المفاهيم التاريخية بالمكان كبؤرة، فيما هي مرتبطة بالشخوص كعوامل تحقيق الفعل السردي، وكما نجد ذلك في جمع فصول الرواية ، حيث عوامل الجدل تتحول الى واقع مرتبطا بالشخوص بشكل مباشر، ولكن وارد بدر السالم برواية ( عذراء سنجار ) قد سعى إلى مخالفة المألوف فتكون الأمكنة دلالات لتوسيع الفكرة ، والفناء يمثل كلية الصور بطبيعته الوجودية، وعلى مستوى السرد هناك وضوح وتجلي تام للمنظومة السردية في كل فصل من فصول الرواة، ولم يؤثر باي صيغة نمط السرد المنقطع، الذي فرضه كل فصول يبدأ بعد انتهاء فصل اخر للمتعة التي يعتادها القارئ، ويرغب بمواجهة ايقاع جديد بعد تغير ايقاع نهاية فصل سابق، وبداية فصل جديد. الصورة الموصوفة – طبيعي كل نص روائي وأن مال الى السرد بقوة، سيحتاج الوصف كمقطع يعوض عن السرد في مواضع لا قبل له عليها،ومقطع الوصف في رواية (عذراء سنجار)هو انتج صورة فنية رسمت من السارد الخارجي بدقة وتتبع الى الحد النهائي لها، وهي كمقطع وصف غني بالإحالات الإشارية والدلالية يكون فيها الزمن متغيرا أو غير ثابت، وهنا نجد أن الرواية هي ستكون صورة مكبرة، ، تقابل العنونة وتتعالق معها، وفيها كيانات وإمكان هي تشكل مجمل الصورة لكل فصل هي مرتبطة به، حيث توصف مجمل الأشكال مظهرا والأدوات والمكان لأيضا، حتى بلوغ آخرها، وتلك الرواية هي صورة متنوعة الابعاد والايقاعات، لكن اشارة النص الموازي او دلالته العامة، هي تعوض عن مجمل الابعاد في الاشارة العامة، لكن طبيعي هناك تعدد دلالي، يكون اوسع واعمق في مقطع الوصف، ويتحرر زمنه هنا ايضا، ففي الوصف ليس هناك ( سنجار – شنكال)، بل عالم احاسيس وشعور وعمق وجداني واسع، وطبيعي أن ساده التفاوت الجدلي، بل يزيد ذلك من اهمية القضية العامة، وكما يزيد البعد الدلالي قيمة، وايضا ايقاع النص الروائي الخارجي سيكون صوت احتجاج، واما الداخلي فسيفسر مضمون ذلك الاحتجاج، وذلك التميز القيمي هو عائد لامكان مقطع الوصف حفظ الاشارة التي يقوم بها السرد، اضافة الى ما يحققه من اضافات مهمة لتلك الاشارة 
    img

    حين يكون السرد محبك بالترتيب والترابط… قراءة في رواية الرماد للقاص احمد الجنديل / خالد مهدي الشمري

    تبدأ رماد بعنوانها وتدخل حينما تعيش في حفل شواء والسرد يسبقك كي تكمل الحكاية حتى تثيرك الأحداث وتخفي ماهية ميسون التي أكلت اللحم المحترق وتنطلق بأجواء مشحونة بين أسواق وأناس مكتظة للتبضع خوفا من يوم ممطر يعقبه جو مشحون بالحرب والموت لينقطع الحديث عند أحلام التي جعلت جسد جابر يلتهب بالشوق والحنين ليعود بنا الجنديل إلى زمن نهبت به مدارسنا ودوائرنا الحكومية تحت عناوين مختلفة ثم يعود ليوم خيالي حينما تطرق أحلام باب جابر ليلا في سرد مثير يتبعه ترقب وتوتر حتى يطلع الصباح , لنعود لأجواء الحرب.
    احمد الجنديل ذلك القاص الذيقاري الذي بلور ثقافته بين الطين والخضرة في ربوع العراق الكبير, كتب العديد من الروايات والقصص التي تناولها العديد من النقاد وكل منهم صنفها ورآها بعين مختلفة ,بعد خمس مجاميع شعرية تأتي رواية الرماد لتكون الرواية البكر. وهي تؤرخ مرحلة ما بعد الاحتلال عام2003 من خلال شخصية جابر الذي كان محكوما عليه بالسجن في منطقة نقرة السلمان إبان النظام السابق. عند فتح الكتاب تجد العنوان بارز وهو الرماد ليؤتيك المقطع الأول وهو حفلة شواء , نار ودخان ولحم يحترق لتكون رحلتنا من الرماد تنطلق بين ربوع صور ودلائل وسرد القاص احمد الجنديل وأفكاره وخيالته التي نأتي عليها الآن . ينقلونا سرد الصورة للتخيل أفراد ومكونات الصورة من النار إلى جابر وهو العنصر الأساس والبطل ينطلق بحركات تدل على ذاتها مشبعتا بدلائل الزمنية والمكانية كما جعلنا نشعر بالتكهن حينما تكهنا وجود شخص معه لكن ميسون كانت حيوان اقرب إليه من أي إنسان بل كانت ملاصقة له وجعل الحديث عنها بتكهن من تكون مما جعل للرواية طعم خاص . نقلنا جابر من مكان إلى آخر ليكون الدليل والدال عن الأحداث والذي صادف جوا ممطرا وإحداثا مزعجة لتخزين الطعام لينتقل إلى السجن والاعتقال بسبب رجال الشرطة لينقلنا الراوي إلى والدي جابر حتى اسم جابر وكيف جاء الاسم والى لحظة موت والده بعد تعذيب بالسجن ليخرج جابر وتبدأ رحلة العيش الصعب . نقل الروائي هنا العديد من الصور. وحرك الزمن , بفترات متغيره قدم الزمن وأخر وسترجع بعض الأحداث ومنها كيف تم تسمية جابر ومن اقترح ثم ليعود بنا إلى نفس النقطة مع ميسون التي تكون أداة الربط بين الأزمان وبداية الرواية . لن يبعدنا في استعارته للمطر ولدلالة على الحرب والخراب والاستعدادات التي ذهب إليها كما طاف بنا إلى حيثيات المكان والتصرفات التي تنم عن أخبار بما يجري بين أزمنة مرت بنا جميعا وليس جابر فحسب بطل الرواية، في كتاب حينما تتوهج الكلمة للناقد الدكتور علي حسين يوسف يقول : سيمياء التناص في العناوين . في محاولة تصنيف عناوين المنتج المعاصر : يمثل العنوان العتبة الأولى التي تواجه المتلقي في العمل الأدبي , ومن خلاله يمكن متابعة هذا العمل والكشف عن ملامح الأولى التي يجسدها . وحينما صنف عنوان الرواية ( الرماد ) دلالية هذه العنوان وهو الموت.
    خلال تجوالنا مع جابر كانت هناك أرضية مناسبة للمتلقي وليست خالية من الخيال في تكوين الصور السردية المختلفة لتكون صورة واحدة وما أن تبتعد عبر سرد مفعم بالإحداث حتى تعود لتقول انه يتحدث عني في وقت ما . مستخدما زمنين في السرد حيث لم يتقيد بزمن معين أما مسترجع أو مستبق للزمن وجدنا في المقطع الأول على الرغم من الخروج عن مسارات جابر إلا انه يعود ليكون المحور الأساس في الأحداث لينجح الروائي في جعل السرد محبك بالترتيب والترابط . ما يميز النص مثلما نقل الحرب وأدوات النظام والشوارع والرعب وما حل على الناس من أمور وخوف إلا أن الإنسانية والروح التي لا توجد منها في كل بقاء العالم وهو الكرم والضيافة والحمية الإنسانية والذي صوره الجنديل عبر جابر وهو يوزع الفواكه في المحنه التي كانت تعم على المكان والزمان في صفحات الرواية 24 و25 يجوب البيوت ويوزع للأطفال والعوائل ما جعلني استشعر الكرم العراقي والروح العراقية في صورة جابر . لم يجعل الرواية باردة فقد دس لحظات مفعمة بالحس الأنثوي وهو يصف أحلام وكيف فتحت له الباب وأخذت كيس الفاكهة وراح يروي ملامحها وأجزاء جسمها وملابسها الوردية . انتقال جميل بين واقع حقيقي وخيالي لينقلنا بين الصور من حرب وخوف إلى جنس ومشاعر إلى عودة للحروب والقتل ولا يخفى على القارئ هناك مضمر في النص وتكهن لشيء سوف يحدث قريبا جعل في النص مؤثرات حسية تجعلنا نتابع بشغف. وحينما ينقلنا الجنديل إلى موقف خيالي قريب للحقيقة حينما طرقت أحلام باب جابر وهو وحيد والسرد الذي يقطر جنس وإحساس بالرغبة وانتظار الحدث على الرغم من الأحداث تشير إلى الهدوء والابتعاد عن أي نوايا غير شرعية لكن إحساس الرغبة تناما شي فشي لنتوقع حدوث عمل ما . بين أصوات النيران والطائرات والخوف الذي يحيط بهما . بل زادها جمال تلك المقولة التي ذكرها وهي مكتوبة على جدار السجن … ( في ذلك الصقيع المدفون احتاج إلى جسد امرأة يشاطرني ألم الليل ) ليتركنا الجنديل بين هذا وذلك وينطلق بالمشهد الرابع . ينقلنا مجددا إلى ساحة الحرب ليعود بنا إلى أحداث حقيقية ينقلها بين حين وأخر وهذه الحقبة من الزمن وانأ متيقن بنها عالقة في مخيلتنا جميعا والتي استباحت سرقة الأموال العامة ونهب المدارس والدوائر الحكومية بذريعة واهية . لم تخلو الرواية من الشعر بل كانت هناك مقتطفات شعرية في سرد الرواية حيث قال : (فأصبحت مثل دمية سقطت من يدي طفل أنهكه البكاء وهو يركض وراء أمه ’ والشمس لا ترغب بالبقاء فلملمت خيوطها , وجهزت نفسها للرحيل .) لم يترك الجنديل صغيرة أو كبيرة مرت بزمن الاحتلال إلا وذكرها بتفاصيل دقيقة جاعلا البطل يقودنا إلى حلم قد مر وأنتها ولا نتمنى العودة إليه , جعل الجنديل بطله في هذه الرواية كامرة تنقل أحداث مباشرة بين الأزقة والحواري وما اخفاه داخل الغرف وحتى القلوب هنا يبدع في جعلنا نشاهد فلما من زجاج السيارة في رواية الرماد قدم احمد الجنديل مواضيع عديدة وأهمها سجن السماوة – وأحلام والإثارة _ وجابر وقصته _ والحرب وإحداثها . وميسون التي كانت متواجدة في نهاية كل مشهد . قدم أمور عديدة منها … الكرم والسخاء العراقي …حقائق الوجود الامريكي وعبر عنه بالقول لما يستهدفون منازل الفقراء عندما سقطة قذيفة على بيت احد الجيران … وقول أحلام : حتى الفقراء لم يسلموا من هذا الطوفان المدمر . …وحقيقية مهمة السياسة في واد والناس في وادي آخر ..والتي جعلت جابر يفقد صوابه ويجن .

    img