نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

    الرائدة التشكيلية العراقية نزيهة سليم


                                       الرائدة التشكيلية العراقية نزيهة سليم
             
          
                          
                          
     ولدت نزيهة سليم عام 1927 في اسطنبول لابوين عراقيين وكان والدها محمد سليم , عاشت في كنف عائلة ولعت بالفن التشكيلي..

         
    وبرز منها كل من الفنانين جواد سليم صاحب نصب الحرية الشهير في بغداد وشقيقها سعاد سليم وكذلك نزار سليم.
        

    الفنانة الراحلة التي تخرجت من معهد الفنون الجميلة في بغداد واكملت دراستها في باريس.

               
                     الفنانة مع امها واخويها ، وكذلك الوالد

     كان والدها ضابطا في الجيش العثماني وينتمي الى الرسامين الاوائل، معلمها الأول.. فقد كان يدعمها ويرعاها الى جانب سعاد وجواد ونزار، وقد شاركت، في وقت مبكر، خلال عقد الخمسينيات والستينيات، في رسم المشهد الحديث للتشكيل في العراق.. لتحافظ على أثر جواد في صياغة اهداف جماعة بغداد للفن الحديث. وجواد ذاته كان قد درّسها تاريخ الفن في معهد الفنون الجميلة ببغداد.

                               

                          الفنان الفرنسي فرناند ليجيه

     ثم اكملت دراستها للفن في المدرسة العليا للفنون الجميلة في باريس ( 1947- 1951) حيث تخصصت في الرسم الجداري الجداريات وتتلمذت على يد الفنان الفرنسي (فرناند ليجيه).

     كان باستطاعتها البقاء كمعلمة للفن في فرنسا بسبب تفوقها حيث كانت الرابعة على دفعتها في جائزة روما، لكنها اختارت ان تعود للعراق على الرغم من ان الآفاق التي فتحت لها في الخارج.

          
    وطوال نصف القرن الماضي شاركت الفنانة في نشاطات مختلفة كإسهامها في جماعة بغداد للفن الحديث.. وفي تأسيس جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، الى جانب دورها التربوي كأستاذة في معهد الفنون الجميلة حتى عام 1982.. واخلاصها لفنها جعلها تكرس حياتها لاستكمال مسيرتها الفنية، فقد عالجت قضايا المرأة، والعمل، والطفولة، بالأسلوب الذي يعبر عن مزاجها وشخصيتها.. فاسلوبها حافظ على فن لا ينفصل فيها الخيال الخصب عن ملاحظاتها الدقيقة في رسم النساء والطبيعة والموضوعات الاجتماعية.
                        
    اعطت كثيرا عبر اعمالها بالحياة الاجتماعية للمراة العراقية واظهرت معاناتها في كل مكان في السوق والبيت والعمل واظهرت تلك الاعمال تعاطفا واضحا مع المراة كانت الفنانة تحس الام المراة العراقية وتعكس معاناة المراة العراقية في قلمها الذي لم ينطفأ طيلة حياتها واكملت زمالة لمدة عام في المانيا الديمقراطية للتخصص برسوم كتب الاطفال ومسرح الاطفال.

       
    ولسوء الحظ سرقت اغلب لوحات الفنانة نزيهة سليم التي كانت في المتحف العراقي للفنون عام 2003 ضمن اكبر حملة سرقات للمتاحف شاهدها العراق , ولم يبق من تلك الاعمال سوى عدد قليل جدا.

       

    عملت استاذة بمعهد الفنون الجميلة منذ عودتها من باريس و محاضرة في كلية الفنون الجميلة.
                    

    كتبت الاقلام عنها لكن جذبني قول بعض النقاد والفنانين وانقل قسم منه نقلا عن جريدة المدى وجمعية المثقفين العراقيين .

                                

                                                الأستاذ مؤيد البصام
     الأستاذ مؤيد البصام فقد تحدث عن الأختلاف بين لوحة جواد سليم ولوحة نزيهة سليم وقال:

    لقد التزم جواد الخط البنائي الفني الشكلي الذي امتاز بالصلابة والقوة بينما اتبعت نزيهة الأسلوب نفسه إلا ان رسوماتها امتازت بالرقة والسلاسة، وربما يعود هذا إلى كونها امرأة.

    القاص والناقد محمد مبارك تحدث عن جذور تجربة الفن التشكيلي لدى نزيهة سليم قائلاً :
    لقد نشأت الفنانة في عائلة مبدعة، كانت شاهده على قدرات الأنسان العراقي الأبداعية ، وقد استمدت خطوطها من التراث العراقي القديم، واستلهمت فنها من معطيات الفن السومري والبابلي والآشوري.
       
    الرسامة (نزيهة سليم) آخر ما تبقى من عائلة تضم اشهر التشكيليين العراقيين، هذه العائلة التي ابتليت بالموت المبكر، فقدت (جواد سليم) ومن بعده نزار وسعاد، وظلت نزيهة سليم تعيش في عزلة، تعالج محنتها الصحية بمفردها، وفي أحيان تزورها تلميذاتها لرعايتها، وضعف الخدمات جعلتها في ازمة صحية قاسية. لك كل المجد ايتها العملاقة وستبقين نجمة ساطعة في تاريخ الحركة النسوية العراقية .

                                        
    ومن سوء حظ الفن ومحبيه ان تراث هذه الفنانة الغزير على مدى عمرها الفني المديد، تعرض بعد الاحداث المؤلمة الاخيرة التي عصفت بالعراق للسرقة والتلف والضياع والتخريب، حتى قبل ان يدقق ويوثق كاملا، وما بقي منه اليوم، كما تأتي به الاخبار لا يتجاوز الست لوحات

            وفي عام 2008 ودّعت بغداد الفنانة التشكيلية العراقية نزيهة سليم عن 81 عاما، بعد وحشة وكآبة عاشتها في سنواتها العشر الاخيرة. ووفاة هذه الفنانة بمثابة طي لصفحة مشرقة من سيرة رواد الأمل في الحياة العراقية المعاصرة. وعزاؤنا في ما راكمته من حضور في التجمعات الفنية مثل «جماعة بغداد للفن الحديث» أو من تأسيسها لكيانات فنية مثل «جمعية الفنون البصرية المعاصرة» اضافة الى دورها التربوي كأستاذة لتدريس الفن في «معهد الفنون الجميلة» ثم لاحقا في «أكاديمية الفنون الجميلة» ما جعلها اسماً متفرداً في فضاء حركة الفن الحديث في العراق

    رحمها الله الرائدة التشكيلية العراقية نزيهة سليم التي رحلت بعد أن ضاعت لوحاتها
    المصادر الحوار المتمدن /  كاترين ميخائيل

    ولن تكونى الأخيرة/ صابر حجازى


    نتيجة طبيعية قصص قصيرة جدا / ماهر طلبة


     

    أمن
    أمره الطبيب المعالج أن يفتح فمه – على اتساعه – ليرى الفاسد داخله.. فخرج من عنده مسرعا ليخطر الأمن.
    ذكر محاسن
    عدّد الجالسون محاسنه لها لعلها تلين وتنهي هذا الخلاف العائلي القائم بينها وبينه.... فلما انتهوا.. شكرت لهم سعيهم.
    الوريث
    نظر إلى ابنه الوليد الذي يلتهم ثدي زوجته بشراهة، وحاول أن يطرد الخاطر الذي يقتحمه... "هل يرث الأبناء الآباء وهم بعد أحياء؟".
    حرب جديدة
    لقد حلمتُ  أمس أني نائمٌ وحين استيقظتُ اكتشفتُ أن حلمي حقيقي؛ فقد كنتِ في حضن ابن ورد.
    سبق ترصد
    شاع في شارعنا أن الرجل القاطن الطابق الثاني من المنزل رقم خمسة عشر يحب المرأة التي تقطن المنزل المقابل. وأن قصة غرامه بها تمر عبر النوافذ المتقابلة .. شاع، لكن لم يتأكد الخبر. حتى أنا نفسي لم أكن متأكدا –رغم ترديدى المستمر للشائعة- فصرت أتعمد إطالة النظر إلى نافذتها –المقابلة- لعلي استطيع الإيقاع بالجانية.
    هزيمة مبكرة
    لأنه كان دائما بالنسبة لها شهريار، لم تستطع أبدا أن تمثل عليه للنهاية دور سندريلا.
    حتمية
    لأن شهريار وسندريلا بطلان فى حكايتين مختلفتين من كتاب الحواديت، كان الطلاق  هو النهاية الطبيعية بيننا .
    نتيجة طبيعية
    تسلل إلى صفحتها ليلا وسرق الحذاء ثم عاد يطالبها بأن تكون له سندريلا... في النهاية طردت من كتاب الحواديت/حياته بعد أن صارت –له- محض خادمة
    فراشة
    تملكتها شهوة الانتقال بين الرجال؛ فسقطت فى حضن "السلوى "*
     
    *السلوى : نبات اكل للحشرات
     

    خزف بابلي يقبض على اللحظة التائهة / محمد اسماعيل



     أوقف الفنان خالد جبار، الزمن، خزفيا، وهو يثبت قطرات ماء تندلق من جرة، ضمن معرض "تسعة فنانين من بابل" الذي نظمته قاعة "حوار" للفنون، مطلع أيار الجاري، وقد عدته منجزا استثنائيا، في سلسلة فعالياتها، بحسب الفنان قاسم سبتي.. مدير القاعة، الذي قال: "تخطى فنانو بابل أزمة الخزف التي تعانيها بغداد بسبب شحة الكهرباء اللازمة لتشغيل الافران".
    فنيا يراهم سبتي: "قدموا تجارب معاصرة.. غير تقليدية، وبهذا تسد الحلة الشاغر الذي تعانيه العاصمة، إذ تدخر مدينة صفي الدين الحلي ثمانمئة قطعة من نتاج هذا العام وحده، في حين لم يستطع المركز الا تقديم بضعة أعمال" عائدا الى إطراء موجودات المعرض: "أعمال فائقة الجمال، تدل على حس فني راقٍ وجهد ومواظبة متفانية، أسفرت عن التفاف هؤلاء الفنانين الشباب، حول أستاذهم حيدر رؤوف "تسعة تدريسيين شباب في كلية الفنون الجميلة بجامعة بابل، أشرقوا على بغداد" قال الفنان د. فاخر محمد، متابعا: "قدموا رؤى جمالية، من خلال تقنيات الخزف، متعاملين مع الشكل باعتباره إعادة لتأسيس الموضوع الواحد مرات عدة".
    عده الفنان فهمي القيسي: "يشي بتطلعات الشباب الاكاديمي" ووجد فيه الفنان محمد شوقي: "تجربة جديدة على عالم السيراميك قاطبة" فيما لمس الفنان محسن الشمري: "رؤى متعددة جمعها المعرض، مستوعبا طروحات قابلة للبحث النقدي طويلا، تفتح آفاق تنظيرية تمتد الى عمق مستقبل الحداثة التشكيلية" مؤكدا: "خزف أصيل، يوحي بتراكم خبرة عقود من السنين، وليسوا شبابا بعمر الزهور".
     "فتحوا أبواب السيراميك المغلقة" قالت الفنانة زهراء البغدادي، إجرائيا، أما فنيا فأوضحت بأنهم استخلصــوا الأشكال الماثلة أمام المتلقي من جهد مبذول في تأمل الطين وتركيب ألوانه، وسبكه كالذهب، داخل إطار غير مرئي من الوعي الفني الذي تحكم بالأفران وطوع نيرانها المهولة لإعطاء نتائج إبداعية مذهلة".
    من المشاركين قال الفنان منذر محمد: "المعرض نتاج تخطيط سنتين، جمعنا معا وكل واحد محتفظ بإسلوبه.. أنا عملت على الصحون والمزهرية المقطعة، التي وظفت فيها رموز العراق القديم" فيما اشتغل نبيل مع الله راضي، على المعالجات التكوينية للشكل الهندسي.. "استخدمت لون واحد وإثنين، في كل قطعة".
    خرم خالد نتاجاته، بحروف كوفية ومسمارية، قابضا على اللحظة الشاردة، في دورة الحياة، بينما قال د. سامر أحمد: "رابطنا 24 ساعة.. نصل الليل بالنهار، على مدى شهور، داخل مشغل كلية فنون بابل، بانتظار الكهرباء كي ننجز الاعمال، طالبا الا يربط الجمهور الاستخدامات النفعية للسيراميك، في صناعة الصحون والأكواز والجرار والادوات الكهربائية، مع خلاصات الفكر الجمالي المحلق الذي يعملون عليه كفنانين وليسوا حرفيين.
    مزجت د. زينب سامي، الموروث المزي ومزجته بالمعطيات المعاصرة.. "الارقام ذات المعاني السحرية، في حضارات وادي الرافدين.. 3 و7 و9.. أم سبع عيون.. الخضرمة.. الطقوس المؤداة والتقاليد المتبعة.. حرف السين، اربطها بالحاضر في خطاب تشكيلي ذي خصوصية لا تبقي أعمالي في نمط واحد، إنما تجريب متلاحق".
    شارك في المعرض كلا من حيدر رؤوف وسامر احمد وخالد جبار ونبيل مع الله راضي وحيدر صباح واطياف علي وسلام احمد وزينب سامي ومنذر محمد.
      

    أكلات شعبية في ذاكرة جوع الفقراء / محمد اسماعيل

             أكلات شعبية في ذاكرة جوع الفقراء
     
    ما زلنا نشتهيها
    يوقظني صوت جدي وجدتي، يستحضران اسميهما من عمق الاهوار.. حسيّن ورسل، كي لا ينسيانه في بغداد التي طوتهم بجوع اخف وطأة من مهانة الاقطاع.. مهاجرين جنوبيين ما زالوا يسمون الجيل الثالث منا (شروگية).
    و(شروگي) كلمة حميمة الى نفسي، برغم تعمدها اهانة وليس توقيرا للنسب، لهذه المفردة اكلات لذيذة ورثناها مع فقر الاهل الذين لا يمتلكون ما يورثوننا، سوى صفات كالميسم في ضلع (السليت).
    تلك الاكلات اقترنت باستيقاظ جدي وجدتي لصلاة الفجر، تصنع لي جدتي (مريسة) خبز يقطع ويحمس بالدهن، فتتكسب اطرافه؛ لذاذة منقطعة نظير الطعم.
    وعندما يستيقظ اخوتي: كاظم.. محامٍ الان وازهار وسعاد.. باحثة اجتماعية وزوجة الفنان علي المطوع، تعد لهم امي (رصاع) وهو خبز تمن ينضج على طاوة، نسميها (تاوة) غير مبتعدين بالتاء عن الطاء، حسب رولان بارت الذي يجيز استبدال التاء بالطاء بالدال في الترجمة.
    اذا ما نفر واحد من اخوتي، متبطرا على النعمة، تقول له امي:

    لاتتبطر لا الله يطيرها علينا.
    فاروح في صفنة تأملات.. هي شحيحة اصلا.. الرزق شحيح، يعني طائر طيب النعمة طايرة منا قبل ان يتدخل الله في طيرانها بسبب تبطر اخي على الرصاع، اذن هل هو الشيطان وحده الذي كان يجوعنا.

    محروك اصبعه

    اذا كان دوامي في المدرسة، صباحا، فانا اعب المعدة بالـ (محروك اصبعه) قبل التوجه خالي الجيوب الى الصف، ارنو الى اقراني يتلذذون بالكيك وانا اتلظى اشتهاءً (أعف اذا انحنت لهن رقاب) فاقنع زملائي بانني اكره طعم الكيك.
    لم يقتنعوا بل كانوا يهينونني: لا انت مو تكرهه بس ماعندك فلوس.. يتيم ماكو احد يعطيك فلوسا.
    طيب ما ذنبي بذلك؟ ولماذا يسخرون من كوني لا املك فلوسا وهل انا الذي امت والدي يوم ولادتي واظل مع اخوتي على يد جد وجدة لم يتقيا الله بيتمنا؟
    الاطفال من حولي في المدرسة لم يقتنعوا لكن المشكلة انا فقط الذي اقتنعت بان طعم
    الكيك كريه، وما زلت حتى زمن الرفاه المالي الذي اعيشه الان، لا استسيغ طعم الكيك بل
    اكرهه عضويا وليس نفسيا.

    عودا الى المحروك اصبعه، خبز يقطع ويغلى بماء يمكن اعتباره منقوع البصل مع شيء من بهارات اذا توفر في حالات الرفاه النسبي، الذي تحسدنا يرابيع الصحراء عليه.
      

    خبز عروك

    اثناء شجر التنور من قبل امي، التي لم تكف عن الخبز ظهر كل يوم، على مدى ثمانين عاما، ومن يعش.. ثمانين حولا لا ابا لك يسأم، فبلغ السأم منها حد استبدال عظام الحوض بعتلات بلاتين اقعدتها على عرش الشيخوخة.
    نقف انا وسعاد على مسافة آمنة، تقينا لهب التنور، اذا فاض نارا، بانتظار خبزتين استثنائيتين، تسميهما سعاد (حنونة) نأكلهما وقد دست فيهما امي اشياء تشبه الشحم او المصارين او البصل او كل تلك الجردة من الرقائق وتلصقهما في بطانة التنور.

    تقسيم البيضة

    اذا شاء جدي ان يرحم بناء، سمح لامي بقلي الرصاع في الدهن، حينها يتحول اسمه الى (خبز بدهن) من التمن ومن الحنطة على حد سواء، وفي مراحل متقدمة، عندما كبرت ازهار.. صار عمرها اربعة عشر عاما، توسط لها جارنا داود رحمه الله، فعينت عاملة في معمل الزيوت، امام رعب مدير عام الزيوت مطلع السبعينيات، من ان القانون يحاسبه على تشغيل قاصر، فاجابه داود: ويحاسبك الله اشد اذا جاعت هذه اليتيمة واخوتها الثلاثة.
    عندما اشتغلت ازهار تمكنا من اضافة بيضة واحدة، توزعها امي على اربع خبزات بالدهن.

    طابك

    عندما كبرت السنوات بنا وعمل كاظم محاميا وسعاد باحثة اجتماعية قبل ان تتعرف الى علي من خلالي.. يتحابان من ورائي ويتزوجان. وانا صحفي، استقرت ازهار تدير شؤون البيت، ناعمة بما زرعت فينا من الفة، اهمها لمة (العيال) حول طابك وسمك كل جمعة.
    والطابك طحين تمن معجون الى حد يعبر عنه باللغة العربية (لازب) اي ثخين على شكل قرص واسع يوضع على طبق طيني مفخور نسميه (طابك) ايضا، وتحته جمر (المطال) المجفف من فضلات البقر، حتى ينضج متيبسا بشكل شهي من حيث الجهة التي يلتصق عندها طبق العجين مع طبق الطين، وتظل من الاعلى (نص استاو) فنقلب المطال عليها لينفذ اجزاء من رماد (المطال) في (الطابك).
    چا اشكد طيب!؟
    مرة يؤكل الطابك لوحده، ومرة مع الزوري.. صغار السمك ومرة مع الكطان في حالات شديدة الكلفة.

                        

    سياح

    يذاب طحين التمن، في الماء، حتى يصبح رائقا وليس معجونا، ويصب على (الصاج) خبزا بسمك ورقة، مكسب ولذيذ مع البيض بالدرجة الاولى يليه القيمر والزبد.





    خريط

    حلوانا في الاهوار (خريط) مسحوق يجمع من رؤوس القصب والبردي، بطعم الشهد، ولنا من الحلوى (كليجة) تعرفنا اليها من وجودنا على (غصور المدن) نتقبل اسمالهم كمسلمات لا هجاس ولا تحسس ازاءها؛ لانهم مدن ونحن فقراء.
    الكليجة تعد في عاشوراء، الى ان جاء من صحح لنا انها للعيد ابتهاجا وليس ليوم (الطبك) حزنا.

                

    العسكرية

    بعد تخرجي في الدراسة، ملتحقا بالخدمة العسكرية الالزامية، تعرفت الى اكلتين شعبيتين لذيذتين من تراث المحافظات الغربية، سائغ طعمها في الذوق الجنوبي، هما (دليمية) و(خميعة).

    دليمية

    كعراقي اتفاخر وعلى الدليم جميعا ان يفخروا بالنكتة القائلة بان دليمي احترق بيته، ولما وصلت سيارات الاطفاء اقسم بالطلاق تتغدون يالله تطفون.
    كما قال الشاعر مظفر النواب: عراقي هواي وشيمة فينا ان الهوى خبل.. والكرم خبل وكل ما هو رائع نتحمس مبالغين به، حد منع الدفاع المدني من اطفاء بيته ريثما يتغدون! كم هو عظيم هذا الدليمي.
    استحضر هذه النكتة المشرفة؛ نظير الاختزالات الغذائية في اكلة واحدة (الدليمية) تؤمن انواع الشهوات: التشريب والتمن واللحم والدجاج، في اكلة واحدة، تدل على ثراء روح الاسلاف الذين تشكل (الدليمية) اكلتهم المفضلة.

    خميعة

    شالت (الخميعة) جزءا كبيرا من ضيم العسكرية على جسدي الواهي، اذ نجتمع بعد العرضات، وهنا تحضر المناطقية حضور خير وليس من باب التفرقة التي يحث عليها الساسة الان، اذ يتولى ابناء الغربية، تحضير الخميعة، ونحن ابناء الجهات الاخرى من الوان الطيف العراقي الذي كان واحدا وفرقوه الان، نتولى اعداد المفاصل المتبقية من الافطار.
    حين لا اكون ضروريا في مفاصل افطار الحظيرة، اشاركهم اعداد الخميعة، التي هي عبارة عن (ثريد) تشريبة حليب، ما ينشبع منها، لا ابالغ اذا قلت استطعم تذوقها من صحراء الرمادي، الى عمق اهوار الجنوب، حيث يفطرني (خميعة) اصدقائي في الفلوجة: رشيد الحمداني.. رحمه الله ومجيد الجبوري وصباح الحلبوسي.


    موبايل بيكاسو” (أشكال مسرحية)/ تأليف: د.شاكر عبد العظيم جعفر


    أشكال النص :

    شكل أول: تايتل

    صورة للطيف الشمسي تظهر على شاشة سينمائية من جهاز الحاسوب، ألوان تتراقص بخلفية موسيقية جميلة وباهرة، لا شيء سوى ألوان الطيف الشمسي .

    تستمر اللوحة هذه لفترة من الزمن حتى يظهر اسم المؤلف

    أسمــاء الممثلين

    اسم المصـــمم

    مونتـــــــــــــــاج

    اسم المخــــــرج

    المنتـج / إن وجد

    ينتهي الشكل الأول

    شكل ثــاني / رقص مسرحي

    يخرج ممثل كان مختفيا خلف تمثل يساوي ضعف حجم الممثل / وهو يرقص على طبول، رقص جسدي متناسق وبارع جدا، يستمر لدقائق عديدة، وبشكل مفاجئ تتوقف الطبول، لينطلق هاربا بين الأشجار والأعشاب. وبعودة الطبول وتسارعها مع أصوات همهمات مخيفة، يعود مختفيا خلف التمثال.

    تنطفئ الشاشة وينتهي الشكل الثاني.



    شكل ثـالث /بانتومايم

    نفس الممثل متكورا على نفسه، وقد اختفى التمثال دون أن يدري، يرفع رأسه ويندهش لهول المفاجأة، يبحث عن التمثال، لا يجده، يحفر في الأرض بأظافره، بمعاول، بآلات متعددة، لا جدوى، يرتقي سلالم إلى الأعلى، يتعبه ارتقاءها اللا ينتهي، يقفز من فوقها، يحلق في الفضاء، يسقط إلى الأرض، موسيقى أصوات سيارات ضخمة وجرافات، ترافق أداءه، يتدحرج على الأرض كثيرا، يقف على قدميه، تختفي أصوات الجرافات والشاحنات، تدخل الفضاء أصوات كلاب كثيرة لا تحصى بنباح متواصل، الممثل يهرب، يركض في كل الاتجاهات، يرتقي الجدران، السلالم الأشجار، يسقط أرضا يتكور على نفسه محاولا الاختباء في ذاته. ينقطع الصوت بشكل مفاجئ، تتوثق حركة الممثل، يصحو شيئا فشيئا، ينهض ببطيء، ما الذي جرى ؟؟ أكان يحلم ؟؟

    فترة صمت بلا موسيقى

    إطفاء / شاشة سوداء

    ينتهي الشكل الثالث

    شكل رابـع : خيال الظل

    الممثل يقف وسط المسرح، خلفه إضاءة شديدة باتجاه المشاهدين، يتحول إلى ظل، تنزل ستارة بيضاء من الأعلى لتغطي واجهة المسرح بكامله ويتحول المشهد إلى / خيال ظل / ينظر إلى أحد الاتجاهات التي منها تظهر فتاة بهدوء وهي تتجه نحوه، يقف بذهول، تصل إليه تقابله تماما يتقابلان، تمد يدها إليه، يرفع يديه خائفا، مترددا، ليمسك بها، مطر يتساقط، برق، رعود، شجرة في أحد جوانب المسرح، يخلع سترته، يضعها على رأس الفتاة ليحميها من المطر، يتجهان نحو الشجرة ليقفا ، للتخلص من المطر. يدخل من الجهة المقابلة شاب آخر يحمل شمسية وبيده عصا يتبختر بها  وهو يدخن بغليونه ومن فمه يتصاعد الدخان. يتوقف المطر، البرجوازي يرمي بالمضلة بعيدا، يخرج كرسيا صغيرا محمولا، يجلس عليه، لحظات ثم يتركه مغادرا، يأتي إليه الشاب والشابة، خارجان من تحت الشجرة، ينظران إليه يدوران حوله، يرفس الممثل الكرسي، ويجلسان على الأرض قريبين من بعضهما .

    إظلام .

    نهاية الشكل الرابع

    شكل خامس / حوار مسرحي تقليدي

    الممثل والممثلة  يجلسان كل على كرسي وقد أدار كل منها ظهره للآخر.

    الممثل : أي سؤال  يجب أن اسأل ؟

    الممثلة : البحور تغرق بالأنين

    الممثل : علي أن اقطف زهرة الجواب، الجواب الذي يحمل مرارة الوجود .. إلى أين نحن ..؟؟

    الممثلة : ما السؤال ؟ هو رفع النقاب عن الظلام أم الظلمة ؟

    الممثل : اكول ؟؟ اليوم شنو الغدة ؟ احس جوعان .

    الممثلة : حوار جريء في قلب الحقيقة

    الممثل : لماذا نحن هنا ؟؟ في هذا المكان ؟ لماذا نحن في هذا الزمان ؟

    الممثلة : الاكل جاهز .تحب شطة مع الاكل ؟ لو تحب كجب؟ همبركرحار؟ احجي .. احجي .. الاكل يبرد .

    الممثل : كل الاحتمالات خواء . لا نهاية لا بداية . نحن في الوسط ، وسط احلام كاذبة . حتام ؟؟ حتام ؟حتاااااام ؟؟

    الممثلة : حتى …………………..

    الممثل : اشعر اني اريد ان اغني .

    الممثلة : اختر عناوينك قبل المشكلة ، اختر عناوينك قبل ال ال ال ال

    الممثل : (يغني بصوت متقع ) نسيت النوم واحلامه … نسيت لياليه وايامه .. بعيد عنك ..حياتي عذاب .

    الممثلة : سأجهز الطعام، سأضع الرز في الماء، واطبخ الحديد والسلاسل في قدر كبير واقلي القيود بنار السنابل ولن اعود، لن اعود

    الممثل : (يستمر بالغناء )

    يسحب كل منهم كرسيه والممثل يردد اغنيته، والممثلة تردد كلماتها .

    إظلام

    نهاية الشكل الخامس

    شكل ليس اخير : مونودراما

     ممثل : الممثل امامه تمثال برأس ضخم للرسام (بيكاسو ) تخرج منه يد اصابعها قرب احدى اذني الرأس، الممثل يروح ويجئ وهو يفكر ماذا يفعل، ملابس الممثل تلطخت بمواد التي صنع منها التمثال، رأس الممثل اشعث وطويل نوعا ما.

    الممثل: بيكاسو، بيكاسو، لماذا تضع يدك بالقرب من اذنيك؟؟ هل تريد ان تصمها كي لا تسمع ما يجري . هل تحكها ؟؟ لماذا لم تضعها عند شفتيك، او لتغطي عينيك. اك تحيرني (يقف قبالة الرأس الذي لا نشاهد وجهه، نحن نشاهده من الخلف فقط) شئ واحد وينتهي كل شيء، ماذا اضع في يدك القريبة من الاذن، ماذا اضع؟؟ دمية ؟؟؟؟ لالالالا، انها تذكرني ينفسي

    أأضع سوطا ؟؟ لالالا انه يذكري بآلام كثيرة. اه وجدتها .. سأضع كتابا ، اها كتابا ، فبيكاسو يقرأ كثيرا …

    (يسرع للمباشرة بالعمل ، يضع ماءا فوق مادة ما ، ويباشر بنحت كتاب ، يستمر وقتا معينا ، ولكنه فجأة يتوقف ، يترك كل شيء ، ويتهض باتجاه التمثال )

    الممثل : ( مع نفسه ) ما فائدة ان تقرأ .. ماهو فعل القراءة . ؟؟ هل انت كتابا لاقول ان بيكاسو يقرأ . (يضحك كثيرا ) يقرأ ؟؟؟ (يضحك بقوة ) ماذا يقرأ ، يقرأ الكف ؟؟ (يضحك اكثر ) يقرأ الفنجان ؟؟؟ (يضحك ) لالالالا ، هذا غير مناسب .

    الممثل (متشنجا ) اذن ماذا يفعل؟؟؟ ماذا ؟؟ ..

    (فترة صمت)

    الممثل : اي بيكاسو ..سأحطم رأسك ان لم اجد ما تصنع بيدك هذه .سأحطمك، سأحطمك. لا بد ان اجد شيئا(يستدرك ) ولكن ربما رفع يده هذه ليغني مقاما عراقيا؟ او موال من احد الاغاني العربية، او موال اسباني؟(ينتبه ) موال اسباني؟؟؟ (يضحك كثيرا ) يا غبي لا يوجد مًوَالات اسبانية، المواويل فقط عندنا نحن. نحن. اذن ما العمل .. حسنا . حسنا حسنا. سأتخلى عنك ايها التمثال الذي لا يريد حلا.

    (الممثل يذهب نحو حقيبة ادواته ويخرج منها معولا كبيرا، ويتقدم ببطء نحو رأس بيكاسو، ليحطمه، يتقدم ببطئ شديد، ترافقه ضربات ايقاع بطيئة وفيها شيء من الترقب، يمضي زمن لابأس به من الدقائق وهو يمثل الفعل ويتفصد ادأءه بمبالغة كبيرة، يرفع الممثل المعول ببطيء شديد، كأنه لا يريد ان يهشم رأس بيكاسو، يرفع يده عاليا وفي لحظة محاولته انزال يده على رأس بيكاسو، يرن موبايل الممثل، يتوقف كل شيء عدا صوت الموبايل، الممثل رافعا يده بالمعول. لحظات تمر يرمي المعول بعيدا يخرج الموبايل من جيبه صارخا فرحا.

    الممثل : (يتراقص مع الموبايل ) شكرا لك، شكرا لك، شكرا لك، لقد فككت العقدة للسيد بيكاسو، شكرا شكرا .

    (الموبايل يستمر بالرنين بنغمة شرقية ، الممثل يضع الموبايل في يد التمثل بيكاسو ، ويبتعد قليلا عنه وهو يتأمله )

    الممثل : ( بعد لحظات من التأمل ) ها قد اكتمل كل شيء ، كنت بحاجة الى موبايل يا سيد بيكاسو .

    (رنين الموبايل مستمر ، الممثل يرقص على النغمة )

    اظلام بطئ جدا

    وتنتهي اشكال النص

     د. شاكر عبد العظيم (2015-02-24)

    مسرحية :”خبز بلون الرماد” تأليف: فاتن حسين ناجي

    الشخصيات:
    الأم : امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها
    البنت: فتاة في السادسة عشر من عمرها
    الجدة: تجاوزت الستين من عمرها

    المكان : باحة خلف المنزل مليئة بالأتربة، تتناثر على اطرافها .. صناديق قديمة ، قدور طبخ غيّر لونها السخام ، خرق اقمشة بالية ، تنور خبز من الطين ، سلة مهملات مليئة بأحذية ممزقة ، عشرات الكتب مبعثرة في كل زاوية .
    - الأم تمسك بيدها ( مسحاة ) أو رفش صغيرة الحجم ، تحفر بصعوبة .
    الام : لو انني احرقتها بكلتي يدي لما استطاعت هذه الارض الصلدة ان تجرح ما بين أصابعي.
    الجدة : وستجدين الدخان المتصاعد من باحة المنزل وكأنه صوت ينادي الجميع ليجتمعوا فوق رؤوسنا وستغدو المصيبة فضيحة لا حدود لها . اكملي الحفر.
    الام : بل سأكمل الدفن .. نعم اكمل دفن ثمن أيامي العجاف .. تمزقت يدي وانا احفر بهذه الارض الصلبة ، لم أعهدها بهذه الصلابة يوما .
    الجدة : لو جاءنا خبر مداهمة الجيش للبيوت وتفتيشها في النهار لاستطعنا حرقها بسهولة أما الان فان تصاعد النيران ورائحة الحرق سيكون كجهاز انذار للجيش وللجيران .
    الام : وستكون مكان جذب للطائرات التي تحوم فوق بيوتنا .. وكأنها غربان تنتظر رائحة الموت.
    البنت: انا لا اقبل ان تحرقوا الكتب، انها آخر عبق لي من رائحة أبي، كيف لهذا العطر ان يغرق برائحة الدخان والرماد؟
    الام : سيان بين رفضك وقبولك، بين رفضه وذلك الذي يتوسد القيود ..وبين قبوله سيان( تصرخ بالأم ) هيا احفري .. احفري .. احفري …
    الجدة: لم يترك لنا من شيء له قيمة تذكر (تشير الى أكوام الكتب) سوى هذه المثقلة بالمشاكلات، كان مصدر جحيم عليك وعلى وأمك.
    الام: ما يملك من نقود يسارع بها الى المكتبات لا يبقي منها ديناراً واحداً ( تترك الحفر وتنزوي بالقرب من الجدار) كنت اتوسل به ان اشتري أوانٍ جديدة بدل الأواني المكسورة التي نأكل بها، ولكنه كان يقول لي: هذه الكتب هي غذاء الروح والعقل. كنت أحمل حذائي الممزق أمام عينيه واقول له: لقد تمزق حذائي، أريد واحدا جديدا، ولكنه كان يقول لي: عندما استلم راتبي الشهري سوف اشتري لك زوجين من الاحذية وتتعاقب الشهور والرواتب وانا بذلك الحذاء الممزق، وهو يستنزف كل نقوده على هذه الكتب (تبدأ بالصراخ ورمي الكتب فوق سلال الاحذية الممزقة) لو انتعلت بسعرها حذاء لكان لها قيمة أكبر .
    البنت: إن قيمتها كبيرة جداً يا أمي.
    الام: اصمتي وإلا مزقت الكتب فوق رأسك، الا يكفيني الـ ١٧ عشر عاماً التي اضعتها من عمري واني انتظر السنابل تطرح ما تجود به ولا احصد سوى العجاف والشداد ؟
    الجدة: ( للأم ) حسرتي عليك يا ابنتي، لم تجدي في هذه الحياة يوماً كريماً، فمن الجوع والفقر الى انتظار من هو في حفرة الموت اسيراً منذ ثماني سنوات، يعود أو قد لا يعود!
    الام: (تأخذ كومة تراب بين يديها وتنثره على شعرها بهدوء) كنت جميلة وصغيرة عندما جاء سعيد جارنا ليطلب يدي من والدي، حينها فرحت كثيراً بأنني سأتزوج من سعيد المثقف الذي يسافر كل يوم الى بلاد اوربية، ويأتي معه بحقائب كبيرة …
    البنت: وهل كنت تحبينه يا امي ؟
    الام : نعم كان قلبي يخفق كلما شاهدته من خلف باب المنزل متوجها الى بيته ( بخجل ) حينها أختلق ألف حجة لكي أخرج والقي عليه التحية .
    الجدة : ساعة السودة ساعة اللي عرفنه بيها سعيد لا شفنه خير ولا شفنه سعادة من الصبر للكبر
    البنت: ( تنتفض ) ماذا تقصدين بالقبر يا جدتي ؟ لالا .. أبي لم يمت ، مازال اسيرا .
    الجدة : وما الفرق بينه وبين الموتى ؟
    البنت: الأمل يا جدتي عندما افتح اي كتاب من كتب والدي واقرأه( تفتح كتاب بالقرب منها ) استمر في القراءة والقراءة الى ان انهي الكتاب في نفس اليوم، واتوجه الى فراشي واحلم بأن ابي عانق الفجر وكلاهما طرق الباب، ويصيح : ها انا جئتك يا ابنتي يا قرة عين والدك. وانا اهرع حوله واقول له لقد انهيت قراءة سبعين كتابا الى الان من كتبك يا ابي، لم تذهب نقودك سداً ، لقد تغذى بها فكري، قرأتك يا أبي في كل حرف، وأبي يجيبني بصوت من بعيد ( صوت يأتي من الحفرة )
    صوت الأب : كنت ادرك اني سأحمل حقيبتي خاوية في نهاية المطاف واجثو فوقها في حفرة الموت، كما هي هذه الحفرة، لكني من اخترت ان تكون خاوية لكي تمتلئ بها حقائب فكرك يا قرة عين والدك .
    الام : ابنتي …ابنتي … اذهبي واحضري المزيد من الكتب، لقد امتلأت هذه الحفرة، وسوف نبدأ بحفر حفرة اخرى .
    الجدة : مخبل سعيد ابن فطيمة كضه عمره مخبل ضيع فلوسه على هاي الكتب لاشبع ولاخله مرته وبنته تشبع .
    البنت : الحمد لله يا جدتي لم نشعر بالجوع يوماً ، نحن افضل من غيرنا بكثير .
    الجدة : لولا ان امك تعمل ليلاً ونهاراً لما استطعت ان تلبسي او تأكلي او تجلسي كأنك ( مثقفة ) وتقرئين الكتب .
    البنت : الثقافة والعلم جزء لا يتجزأ من الطعام والشراب، كلاهما غذاء للروح والجسد .
    الام : ( تضحك بسخرية ) ههههههه اعطني خبزاً اعطيك شعباً مثقفاً ، كان أبوك يردد هذه الكلمات دائما … هيا انهضي واجلبي الكتب بينما نردم هذه الحفرة ( تذهب البنت لكن ماهي إلا لحظات وترجع مسرعة )
    البنت : ( بخوف كبير) أمي .. هناك اصوات كثيرة في الشارع .
    الام : عسى ان لا يكون الجيش قد بدأ بالتفتيش، ادخلي يا ابنتي الى الحمام واغلقي الباب عليك ولا تخرجي ابدا .
    البنت : لماذا يا امي ؟
    الام : ( بصرخة كبيرة ) كفاك جدالاً ادخلي بسرعة قلت لك ، ولا تخرجي الا ان اقول لك اخرجي .
    ( تذهب الأم الى خارج المنزل، بينما تبقى الجدة تطمر بالحفرة وترفع يدها الى السماء والتراب يتساقط على الارض )
    الجدة : يا الله استر علينه وعلى بنياتنه ماعدنه غير الستر يارب .
    ( ترجع الأم مسرعة خائفة )
    الام : إنها مصيبة يا أمي لقد دخلوا الى المنطقة، ماذا نفعل؟ لم نطمر سوى القليل من الكتب ( تضرب وجهها بيدها ) أمي سوف يأخذوننا أنا وابنتي الى غياهب السجون ان ادركوا إننا نمتلك هذه الكتب .
    الجدة : اين وصلوا بالتفتيش؟
    الام : انهم في بيت جارتنا ام جميل، لم يبق سوى خمس منازل ويدخلون الى بيتنا .
    الجدة : انقذنا يا رب
    الام : يا رب لا تخذلني بعد ان خذلني الجميع .. يا رب لم يبق لنا سواك يا الله .
    الجدة : سنحرقها.
    الام : ماذا تقولين يا أمي؟
    الجدة: نعم سنحرق الكتب دون ان يشعر احد فلا نستطع ان نحفر ونردم بهذه اللحظات القليلة .
    الام : لكنهم سيشعرون من النيران المتصاعدة .
    الجدة : جيبي المعجنة وحضري الطحين والخمرة والماي .
    الام : ماذا تقولين؟ انا لا افهمك .
    الجدة : سوف نخبز الخبز للجيش سمعنا انهم اقتربوا من منزلنا ونحن منزل كرم لا يمكن ان لا نكرم ضيوفنا .
    الام : وهل سيكفي التنور لكل هذه الكتب ؟
    الجدة : لن نضيف الحطب، ستكون هذه الكتب هي حطبا لتنورنا الذي سوف نخبز فيه الخبز.
    الام : لكن ابنتي لن تقبل، ستحزن كثيرا .
    الجدة : تحزن على الكتب افضل من ان تحزن على هتك سترها ( تصيح بوجه الام ) اذهبي ، هيا احضري ما امرتك به (تذهب الام لتحضر الطحين بينما تنهض الجدة وتزيح التراب من فوق ملابسها وتتجه الى التنور ، تزيح الاغراض من فوقه وتنحني )
    الجدة : سترك ولطفك ، يا الله .. أعمِ عيونهم عن هذا البيت، يا الله ليس لنا سواك يحمينا .
    ( تدخل الام حاملة معها الطحين والماء ، الجدة تجلس على الارض تتربع والام تصب لها الماء فوق الطحين ، تبدأ الام بالبكاء )
    الام : يمه راسي وجعني كومي شديه .
    الجدة : ( ترد عليها باكية وتتطلع نحو ابنتها ) يمه شد الغرايب ما نفع بي .
    الام : اخ يا يمه تعبت ( تحتضن امها وتجلس على الارض واضعة راسها بحضن امها ، الجدة تضع يدها على راس ابنتها )
    الجدة : انهضي وقفي صامدة كما وقفت منذ تسعة اعوام ولا تجعلي الايام تكسر لك ظهرك .
    الام : كسرتني يا امي ولم يعد لي القدرة على النهوض .
    الجدة : اليوم وفي هذه اللحظات لابد لك بالوقوف والاسراع بالصمود ، اسرعي واسرجي التنور
    الام : هل سنخبز الخبز دون ان يختمر العجين ؟
    الجدة : كفانا اختمارا ، دم اولادنا اختمر وجثث اطفالنا اختمرت ولحى شيخونا خمرها الدم الا يجدر بخبزنا الا يختمر ؟
    الام: نعم يا امي لا يجدر بخبزنا ان يختمر (تبدأ الام برمي الكتب، كتابا تلو الاخر في التنور والنار يتصاعد لهيبها) احترقي يا ايام شبابي وجمالي (النار تتصاعد، تستمر برمي الكتب وتصرخ بصوت عال) احترقي يامن أحرقت الحب والشوق (تتطاير الاوراق المحترقة على الارض تدوسها الام بقدميها وتصرخ) احترقي احترقي، تناثري يا ليالي الشوق والالم، تناثر يا رماد قلبي ولهيب سنوات عمري .
    الجدةً: ( تواصل تحضير العجين وتزيح الرماد المتطاير بكلتي يديها عن الاناء الذي ستضع فيه العجين وتردد بصوت خافت )
    الجدة : شلك على ابن الناس غير مروته .
    الام: اهذه كتبك التي كنت تتلحفها ليلاً وانا اتلحف الخوف والعوز (تضحك بهستيرية عالية وتصرخ) تلحفوا النار كلاكما، تلحفوا الرماد، تعانقوا مع الاب في قعر هذا التنور .
    الجدة: خذي هذه العجينة ضعيها في التنور واشعلي النار بمزيد من الكتب حتى تنضج لهم اول قطعة خبز ليأكلها الجنود ويقرأوا السلام .
    الام:( تضع العجينة في التنور وتضع الكتاب تلو الاخر تلو الاخر ، تبتسم ) أأكلوا ..أأكلوا الخبز ها انا اعطيكم خبزاً لتعطونا شعباً مثقفاً … ها انا اعطيكم خبزاً اعطوني شعبكم المثقف .. اعطوني حبكم المثقف .. اعطوني ثوراتكم المثقفة …
    الجدة: خذي هذه الثانية واكثري من الكتب .
    الام : خبزاً بنكهة الثقافة ( تضع الخبز في التنور وتضحك وهي ترمي بالكتاب تلو الاخر في سجرات النار المتقدة من التنور ) اليس هذا الخبز مميز يا امي ، فهو مليء بالحروف، مليء بالكلمات، مليء بالفكر والجمل والحوارات؟ أليس هذا الخبز يا امي متعدد اللغات والحضارات كما كنت اسمع من سعيد وهو يردد هذا الكلمات ( تردد ضاحكة ) صدام الحضارات …
    الجدة : خذي هذه الثالثة ولا تتواني في وضع المزيد من الكتب .
    الام : شمّي يا امي ، شمّي هذه الرائحة المنبعثة من التنور ، ما اجملها من رائحة ، للتو ادركت ان للثقافة رائحة .
    الجدة : اسرعي فقد بدأت خيوط الفجر تظهر .
    الام : لم تبق سوى كتب قليلة .
    الجدة : حمدا لله لقد زال العبء من على اكتافنا .
    الام : عبء السنين العجاف والشداد .
    (تدخل البنت وتسير بخطى ثقيلة وتتوجه نحو الحفرة وتضع راسها فوقها وتنام )
    الام : لا تتفوهي باي كلمة ان كنت تبحثين عن الكتب، مازال هناك البعض منها في هذه الحفرة .
    البنت : لماذا أحرقتي الكتب يا امي، ليس للكتاب ذنب ان وقع في ايادٍ لا تقدر قيمته .
    ( طرقات قوية على الباب )
    الام : ( للبنت ) انهضي بسرعة وادخلي الى الحمام ، اوصدي الباب من خلفك ، انهضي
    (البنت لا تنهض )
    الام : انهضي (تسحبها من شعرها بقوة ) انهضي …
    ( تنفض الجدة الطحين من فوق ثيابها وتخاطب الام )
    الجدة : اذهبي وافتحي الباب انا سأهتم بابنتك .
    ( الام تتجه الى خارج الباحة لحظات .. ثم تعود )
    الجدة : ماذا ؟ هل دخلوا الى المنزل ؟
    الام : كلا .
    الجدة اين ذهبوا ؟
    الام: رحلوا عندما اخبرهم جارنا انه لا رجال في هذا المنزل .
    ( تنتفض البنت من الارض وتتجه نحو التنور وتبدا بإزاحة الخبز وتصرخ )
    البنت : احترقت أنت يا كتب، وهم لم يأتوا ، تحولت الى رماد .. وهم قد ولوا بعيدا (تأخذ الخبز بين يديها وتقدمه الى أمها )
    البنت : خذي يا أمي .. خذي يا جدتي كلوا الخبز لتعطونا شعبا ملؤه الخوف والخيبة.( تصرخ البنت بصوت عال ) كلوا الخبز ، فهو بنكهة الحب ، بنكهة غياب أبي . هذه كتب أبي اثمرت خبزا .. فماذا ستثمرون أنتم … ؟ كلوا كلوا كلوا …
    ( تبدا البنت بتوزيع الخبز بشكل جنوني في كل زوايا الباحة على أشخاص وهميين، بعدها تجلس قرب الحفرة التي دفنت بها الكتب ، تضع قطعة خبز كبيرة فوق الحفرة )

    ( انتهت )

    فاتن حسين ناجي (العراق – بابل 2014)
    faten222357@yahoo.com

    السيدة / ماهر طلبة


     
    سيدة  تعشق الحكايات، ترتاد مقاهى المشردين والتائهين فى صحراء الدنيا، تجمع ما تناثر من رواياتهم وتحاول قدر استطاعتها هدايتهم إلى خيام المضيفين.. حيث الغذاء والدفء والسمر الليلى والحكايات.. سيدة  ليست هى التلميذة التى تسند كتبها إلى صدرها لتحميه من نظرات المفترسين المشتهين، ولا هى المرأة التى حين تظلم عليها الدنيا مساءً تكون سريراً لرجل واحد أبداً لا يتغير.. سيدة  تفكر دائما فى المشردين والتائهين فى الصحراء.. منذ تخلفت عن الركب ذات مرة، وصارت وحيدة تشارك ذرات الرمال ضياع الصحراء وعطشها..  يومها، مر فارسها، ركب خلفها أو أركبها أمامه، وأوصلها لشط الأمان، يومها ذهبت سيدة إلى خيمة أبيها.. نَشَرت فى الأفق حكايات عنه.. هو النقى، التقى، الورع.. هو الصديق، هو الوفى، هو الكريم،  هو الشجاع، هو زير النساء، هو الخصى...
    تحاول سيدة أن ترسم المتشابه فى المختلف، أن توحد بين ذاته وبين حلمها، لكنها تخفى خلف رؤيتها  نظرات تطاردها وتطارده، لمزات تحاصره وتحاصرها..  سيدة تكره النظرات، تفهم اللمزات، لذلك استترت فى ليلها بالرجال وفى نهارها بالنقاب.
    سيدة ليست امرأة عادية، ليقول عنها التاريخ إنها كانت هنا ورحلت، فآثار سيدة وبصماتها فوق جسد كل رجل مرت من أمامه ، رمت عيونها تجاهه، تركت كلمة أو صوتا أو لونا أو طَعما من فمها على شفاهه، لذلك فتح لها التاريخ صفحة أبدا لا تنغلق..  ليست هذه هى حكايتها الوحيدة ، هى فقط ما استطاع التاريخ أن يضع إصبعه عليه من حكاياتها، لكن لسيدة قصة فى الطفولة قبل أن تغادر دار أبيها وتغادرها، تذكر أنها كانت معها عروستها، تُجلسها على حجرها تهدهدها  كطفلها الذى لن تلده أبدا، تُسمعها حكاية من حكايات الرمل .. الدمع الذى يسقط لوأد النساء، فيجمع فى البئر ليشربه ناس القبيلة والعابرون،  وحوش الصحراء وطيورها.. كانت عروسة سيدة حزينة، لكن ليست مثل سيدة، أتت يومها أمها، أخذتها من يدها، ألبستها ما خلعه عنها آخر لتصير عروسة.. سيدة تترك للتاريخ صفحة مهمة لا تنسى ولا تنغلق – منذ ذلك اليوم-  هى مثل الدمع يسقط من العين، تتلقفه الأرض – الحزينة – تتشربه ، فيخرج نبت أخضر لتأكله بهائم الأرض دون أن تشعر أن هنا دمعاً وألماً..

    مسرحية في انتظار غودو لصموئيل بيكيت.. عبثية الوجود وفوضوية الواقع/أياد خضير

    Talawa_Godot
    المسرحية تدور حول شخصيات معدمة ، مهمشة ، ومنعزلة تنتظر شخصاً يدعى  (غودو) ليغيّر حياتهم نحو الأفضل ، مسرحية كانت رمزاً للمسرح العبثي ،تكتنفها نزعه سوداوية وسخرية لا متناهية ،التي تتمثل باستخدام التلاعب بالألفاظ او بأحداث التوتر الذي يقدم السخرية بدوره ..  الرمزية تغلف كل شيء فيها هي قصة الانتظار ذاتها تتكرر عبر الأزمان والأماكن ، في نهاية الأمر أن “غودو” هو ( الذي لايأتي ) هو المشكلة التي بقيت بدون حلول ، هو اللاسؤال واللاجواب هو اللاشيء ولهذا كانت  مسرحيةً تحاور الذات ، ثرثرة بلا نهاية … الانتظار في مسرحية الكاتب الايرلندي صموئيل بيكت ( في انتظار غودو) بحد ذاته عبث حقيقي لا تشوبه شائبة ، خاصة عندما  يكون الشيء  هو ( الانتظار)  لا وجود له أصلا أو لا معنى له ..
    من هو غودو ؟ – هذه اللغزيه – هل هو المخلّص ؟، أم القاتل ، السعادة ، الحزن ، الموت ، الفراغ ، اللاشيء ؟…  من هو القادم الذي يقضي أبطال بيكت حياتهم في انتظاره ولم يأتي ! هل هو الزمن  الذي يحطم البشرية شيئاً فشيئاً ويسرقنا حتى نموت ؟ أم هو العبث  ؟ حيث ( لاشيء يحدث ولا أحد يجيء ) كما تقول المسرحية. .
    مسرحية ( في انتظار غودو) تحمل في داخلها الكثير من الترقّب والانفعال وتعتبر أفضل أعمال بيكت وأشهرها على الإطلاق ، أنها مسرحية (اللامنطق) في عالم يتظاهر بالمنطق وفي داخله فوضى مرعبة ، الخوف الدائم والإحساس بانعدام الأمن والهامشية عن سابق وعي ذاتي هي العناصر التي تضفي على عمل بيكت الكثير من المعنى ، إن المرء يمكن أن يكون شريداً في بلده كما في الخارج ، عاصر بيكت صديقه الروائي الإيرلندي (جيمس جويس) وتجاربه اللغوية في كتابته الروائية ، وعاصر (كافكا) وأجوائه الداخلية وسارتر وكامو وآخرين ، هؤلاء أصدقاؤه وجدوا فيها مادة غزيرة للمسرح لأنها كانت بالأصل مقاطع كتابيه تتخللها مادة حواريه حولها الكاتب إلى مسرحية من فصلين وخمس شخصيات ، يأتي الانتظار فيها من باب الاستسلام للزمن أو من باب جعل الزمن الخاوي قابلاً لأن يُعاش أو يسكن وهو ذريعة لشيء آخر هو كيف نمرر الزمن عندما يحاصرنا اللامعنى ، اللاتاريخ ونكون عاجزين حتى على الانتحار ، وقبول الحياة هو قبول عجزنا وخلاصنا المفقود ولكن لا أحد قادر على إنقاذ أحد…  ومِمَّ ننقذ بعضنا ؟ أ من الموت ؟ أم من العدم ؟ من العجز ؟ أم من القدر ؟ علينا أن نتدبر أمورنا بتمرير الزمن أو الانتظار كأنه الصيغة المثلى للكشف عن خراب هذا الوجود وكما يقول بيكت نفسه في فعل الانتظار نجرّب مرور الزمن في شكله الأنقى ..
    تدور المسرحية في فصلين لايتغير فيهما المنظر وهو طريق مقفر ليس فيه سوى شجرة جرداء ، وهي فكرة رمزية صورية تعكس عقم الحياة وعذاب الإنسان في منفاه على الأرض ، ويجلس إلى جوار الشجرة في هذه البقعة الجرداء شخصان مهرجان يثرثران ثرثرة لانهاية لها ينتظران غودو الذي لا يأتي ،الشخصيتان هما ( استراجون )الذي يقع دائماً ضحية عدوان في الليل ، إذ يتعرّض للضرب من قبل معتدين مجهولين وقدمه دائماً تؤلمه ، اهتماماته على طعامه وعلى نومه وعلى آلامه .. أما الشخصية الثانية هو (فلاديمير ) رجل مفكر وعقله مشغول بمناقشة الآراء والمقترحات ، وهما مرتبطان ببعضهما ارتباطاً جدلياً … منذ زمنٍ طويل يفكران دائما بالانفصال عن بعضهما لكنهما لايستطيعان وهي دلاله على أن (البشرية هي نحن في هذا المكان ، وفي هذه اللحظة من الزمان ) كما قال أحدهم ، وهما بانتظار شخص ما في يده خلاصهما مما يعانيان من ألوان الشقاء وقد وعد جازماً إنه يأتي ولكنّه لم يحدّد الوقت ، ولذا فان وصوله متوقع في أيّة لحظة ، المشكلة التي تواجههما كيف يقضيان الوقت ؟ كيف يعيشان إلى أن يحين وقت خلاصهما ، شخصان آخران واحد شخصيته  رهيبة متسلطة وهو ( بوزو )، يسوق أمامه تابعه ، الذي يحمل متاعه ، بواسطة حبل مربوط في عنقه وهو (لاكي ).. وقد اختلف النقاد عند هاتين الشخصيتين قسم من النقاد قال السيد والعبد وعند البعض الأخر المضحي والمضحى في سبيله وعند آخرين القوة والعقل .. الشخصية الرهيبة ( بوزو) هو الرجل القوي يعلن أن الأرض ملكه أما الشخص الآخر ( لاكي ) فهو لم ينطق بكلمه واحدة منذ أن ظهر على المسرح إلا عندما وضعت القبعة فوق رأسه وطلب إليه أن يفكر فهو إذن رجل الفكر الذي يسعى أن يفسّر كل شيء بالعقل ، الشخص الأول المتسلط كان يظهر في البداية  بأنه قوي إلا أنه يحمل هو بوادر انهياره عند اعتماده على الشخص الثاني المفكّر ، من الأشياء التي يستدل عليها في المسرحية عندما تنزع القبعة من فوق رأسه في عراك يشتبك به الجميع ومن خلال هذا العراك يفقد الشخص المتسلط ساعته هنا يوحي ألينا بيكت بهذا إنه بانهيار العقل والفكر يفقد الزمن مدلوله .
    يبدأ الفصل الثاني بأغنية عن كلب سرق قطعة من الخبز فضربه الطباخ حتى مات ، تدور معاني هذه الاغنيه حول الحرمان والقوة والموت ، نفس الأشياء القديمة نفس الحياة المملة وهي تتعاقب يوماً بعد يوم وتمضي المسرحية الى النهاية ، الشخصية الخامسة غلام وهو رسول غودو يبلغ برسالة بأن غودو لن يأتي ، لكنه سيأتي غداً وإنّه جادٌ بالمجيء في الموعد ، وهذه الرسالة تتكرر بيد الغلام بين فتره وأخرى يلاقي نفس الأسئلة ونفس ردود الأفعال عن كل مرّة ،  فيقرر الانتحار لكنّه يعجز عن ذلك ، وتنتهي المسرحية  من دون عودة غودو ، هو الغد الذي لايأتي لذلك نمضي العمر في انتظاره ، نبقى نجترُّ حياتنا في الانتظار ببساطة المسرحية تحكي قصة انتظار من لا يأتي ، صبغتها الرئيسية الصمت والجمل القصيرة والقلق ، وبالرغم من الانتظار الطويل … يبقى الأمل قائماً وهذا جوهر القضية .
    إن مسرحية في انتظار غودو، مسرح عبثي وهو تمرد على المسرح التقليدي ، مسرح ضد المسرح تغلب عليه سمات ، عدم المنطقية ، غير العقلانية ، مسرح بلا صراع ، بلا حبكة ، الأفكار غير متسلسلة وغير منطقية ، الحوار ليس محكماً ، عمل يسعى إلى تصوير محنة الإنسان في إبعادها المختلفة حيث سعى صامويل بيكت بمقدرة عاليه وفائقة في صياغة الأحداث والرمزية العالية والمكثفة والغرائبيه دلالة على أنه كاتب مقتدر استطاع أن يطوّر الحبكة المسرحية وينسف تقاليد الدراما المتعارف عليها مثلما نسف تقاليد الحوار وصولاً إلى الذروة ، فالصمت مرعب وسط طبيعة جرداء والانتظار أكثر رعباً .