نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

التقويم الميلادي بمناسبة رأس السنة الجديدة / صباح راهي العبود

 صباح راهي العبود
المعنى اللغوي للتقويم هو الإصلاح والتعديل والتحديد . أما المعنى الإصطلاحي له فهو حساب الزمن وتقسيمه الى وحدات زمنية (يوم ,إسبوع ,شهر , سنة )  بسبب  حركة الأرض حول الشمس ,وحركة القمر حول الأرض( وهي معرفة حديثة العهد    لحساب الزمن) إتخذ الإنسان تقويما له بترتيبات تختلف باختلاف حضارته وحسب الأزمنة وكالتالي:-             
-التقويم القمري .يعتمد على الفترة ما بين هلالين متعاقبين ( الشهر القمري 29 يوم  و14 دقيقة و  336  ثانية  ),فهو أقصر من الفترة الشمسية بنحو(10) أيام و(23) ساعة, وإن شهور التقويم القمري شهور طبيعية يحددها موقع القمر من الأرض بشكل دوري .
- التقويم الشمسي . يتحدد بمدة حصول الفصول الأربعة (الشتاء , الربيع , الصيف  الخريف) منذ مرورالشمس في نقطة الإعتدال الربيعي وحتى مرورها مرة ثاتية من النقطة نفسها وهي سنة شمسية ,وشهور السنة الشمسية هي وضعية رتبها الإنسان ,  فهي ليست طبيعية .
يعتقد بعض المؤرخين أن السومريين في بلاد الرافدين هم أول من عرف التقويم في الألف الثالث قبل الميلاد وهو تقويم قمري ,فقسموا الزمن الى سنين وأشهر وأيام ,والسنة  (12) شهرا ,وعرفوا الأسبوع  واليوم (24) ساعة ,وأن طول الشهر(28.5 ) يوم ,لذا يترتب على هذا  أن هناك بعض الشهور (29) يوما. وجرت على هذا التقويم عدة تعديلات من قبل الأكديين و البابليين وعرب الجاهلية . وفيما يلي نستعرض سريعا أهم التقاويم التي ظهرت عبر التاريخ  وهي:-      
1- التقويم المصري .طول سنته (365) يوما فقط إنطلقوا في حساباتهم على نجم الشعرى اليمانية ,والسنة النجمية تكون أطول بيوم واحد من السنة الشمسية والتي طولها (366.2422) يوم ,فقسموا السنة الى (12) شهرا وكل شهر (30) يوم ,والأيام الباقية من الستة تضاف الى نهاية السنة (أسموها أيام النسيء ) وهي عطلة نهاية السنة . بدأ المصريون بإستعمال هذا التقويم عام( 4236 ) قبل الميلاد  , وهو بدء التأريخ المكتوب لديهم.
2- التقويم الروماني . إستخدم الرومان بعد تأسيس روما عام (739) قبل الميلاد , تقويما سنته (304) يوم  موزعة على عشرة شهور ,وهو  تقويم لاشمسي ولا قمري , ثم عدله (توما)ليصبح (355) يوما , وأضاف له شهران , ثم حذفت بعض التغييرات الفوضوية من التقويم ,الى أن جاء إصلاح يوليوس قيصر.                                                                                 
3-التقويم السرياني . وهو تقويم شمسي سنته البسيطة (365) يوم ,والكبيسة (366) يوم ,ويتقدم هذا التقويم على التاريخ الميلادي (311) سنة و(92) يوم .
4- التقويم الفارسي,بدايته في (6) يونيوسنة (632) ميلادية ,وطول سنته (365) يوم مقسمةالى (12) شهرا  وكل شهر (30)يوم, رأس السنة يسمى يوم نوروز .
5- التقويم الجلالي .تقويم شمسي وضعه المسلمون سنة (488) للهجرة ,وهولايقل دقة عن التقويم المعمول به حاليا في العالم (وهوالتقويم الغريغوري) .وضع التقويم الجلالي (جلال الدين شاه ) وهو سلطان سلجوقي .
6- التقويم الصيني سنته (365,242190) يوم,إنتهى العمل به في 31 كانون الأول عام (1273 ) للميلاد .
7- التقويم الهجري .يعتمدعلى زمن دورة القمر لتحديد الأشهر فهو تقويم قمري عدد ايامه (354.367056)  في السنة , وأشهره أما (29) يوم أو (30) يوم ,يستخد مه المسلمون  لتحديد المناسبات الدينية .أنشاه الخليفة عمر بن الخطاب (رض) وجعل هجرة  الرسول (ص) من مكة الى المدينة في 22 ربيع اول (24 سبتمبر 622) مرجعا لأول سنة فيه ,وهذا سبب تسميته بالهجري .أما اسماء شهوره فقد سبق أن سميت في زمن الجاهلية . اول يوم في هذا التقويم هو الجمعة الأول من محرم سنة  واحد للهجرة (16 يوليو 622 للميلاد) . بعض الدول العربية تستعمل التقويم الميلادي الى جانب الهجري , ماعدا السعودية التي تستعمل التقويم الهجري على المستوين الرسمي والشعبي . 
بعد هذا الإستعراض السريع لإبراز أهم التقاويم الموضوعة على مر الأزمنة ,نعود الى التقويم الروماني الذي يعد الأساس للتقويم المعمول به حاليا في كل دول العالم . فهو معروف منذ (736) سنة قبل ميلاد المسيح (ع) ,وكان هذا التقويم الذي سمي بالميلادي  يبدأ من سنة ميلاد السيد المسيح (ع) , وصفه بهذا  الراهب دينسيوس الصغير . خضع لتعديلات قام بها البابا غريغو يوس الثالث عشر الى ان أصبح على ماهو عليه الآن ,وهو التقويم (اليولياني) نسبة ألى يوليوس قيصر.
مراحل تطور التقويم الميلادي :-                                                                                                           
السنة الميلادية مكونة من الفصول المناخية الأربعة, ويقدر هذا الزمن (السنة) بعشرة شهور فقط, وعندما جاء توما الثاني ( 716-673 قبل الميلاد ) , أضاف شهري يناير( كانون الثاني) وفبراير (شباط)  فأصبحت السنة تتالف من (12) شهرا أي (355) يوم .ومع مرورالأيام ,وبسبب (الخطأ في حساب طول السنة ) تغيرت الفصول المناخية عن مكانها تغيرا كبيرا ,وعند ذاك قام يوليوس قيصر بإستدعاء الفلكي المنجم المصري المعروف (سوريجني) من الإسكندرية في عام (46) ق.م  وطلب منه وضع تأريخ حساب يعتمد عليه ويؤرخ به , فاستجاب الفلكي المصري ووضع تأريخا مستندا الى السنةالشمسية . وبعدها تحول الرومانيون من العمل بالتقويم القديم الى التقويم الشمسي دون ربطه بتاريخ السيد المسيح (ع) ,سمي هذا التاريخ باليولياني . أما بداية العمل به من أول السنة الميلادية نسبة لميلاد  السيد  المسيح (ع)  فكانت من اول يناير (كانون الثاني ) سنة واحد للميلاد وهويوم ختانه كما يقولون .                         
 بدأ التقويم الميلادي من1-1-45 ق.م  وهو يعتمد على تكرا ر الفصول الأربعة ,والوحدات الزمنية في هذا التقويم هي  اليوم الشمسي  والشهر الميلادي والسنة الفصلية إذ أن السنة الفصلية يساوي (365,2422) يوم .ولكي يتم تفادي الكسر في السنة , فقد جعلت السنة (365) يوم لثلاث سنوات متتالية (سنوات بسيطة ) بحيث تجمع الكسور قي السنة الرابعة لتصبح (366) يوم ,وهي( سنة كبيسة  ) , أي السنة التي يقبل رقمها القسمة على (4) بدون باق  يضاف  اليه اليوم الزائد في السنة الكبيسة الى شهر فبراير (شباط) ليصبح (29) يوم  ,وبهذه الطريقة أصبح متوسط طول السنة اليوليانية يساوي (365,25) وهذا يعني أن السنة اليوليانية تزيد على السنة الحقيقية بمقدار(0.0078) يوم و(11) دقيقة  و (14) ثانية , أي يوم كامل لكل (128) سنة , وهذا يعني أن التأريخ  وطبقا للتقويم اليوليانيي   سيكون متأخرا قليلا عن التأريخ الحقيقي  , وعددالشهور حسب هذا التقويم (12) شهرا ثابتة في أطوالها ما عدا الشهر الثاني . وبالرغم من ضآلة الفرق بين السنة اليوليانة  والسنة الحقيقية ,إلا أن عملية  تراكم الخطأ مع مرورالسنوات كانت واضحة ولا يمكن أن تتماشى مع الواقع .وبالفعل فبعد مرور حوالي (16) قرنا من بدء التأريخ اليولياني أي في ( 5-10-1582 ) لوحظ تأخر عن التأريخ الحقيقي  عشرة أيام بناءا على يوم الأعتدال الربيعي  ,الأمر الذي أدى الى لزوم ضبطه ,إذ أضيف هذا الفرق  ليصبح التأريخ الجديد  (15-10-1582)وهوالتأريخ الذي يجب ان يكون . ثم تم تعديل التقويم الغريغوري كالتالي :
التعديل الغريغوري - لاحظ غريغور الثالث عشر بابا روما أن يقوم الإعتدال الربيعي في (11) مارس بدلا من ( 21) مارس ,فكلف الراهب اليسيوس بتعديل التقويم اليولياني  , فحذف هذا الأخير (3) أيام من كل  (400) سنة بحيث تكون السنة القرنية سنة بسيطة إذا قبلت القسمةعلى (400) دون باق . لكن الدول غير الكاثوليكية  رفضت هذا التغيير الى أن إستقر الأمر في القرن العشرين فقبلته كل دول العالم .أما الكنائس الآرثودوكسية الشرقية والكنائس الآرثودوكسية الرومية فقد إستمروا على إستعمال التقويم اليولياني الذي أصبح الفرق بينه وبين  التقويم الغريغوري حاليا (13) يوم , لذلك وحسب تقويم غريغور المستعمل يكون عيد الميلاد عند النصارى الشرقيون (7) يناير مع أن عيد الجميع هو (25) ديسمبر وكل حسب تقويمه .
السنة الغريغورية  (365.2425) يوم مقابل ( 365.2422) يوم أي بفارق (0.0003) يوم , اي يوم واحد لكل (3333) سنة , ومنذ يوم ضبط التقويم حتى يومنا هذا أصبح التأريخ الحالي متأخرا بمقدار (3) ساعات تقريبا عن التأريخ الحقيقي , او بتعبير آخر وأدق يتأخر التقويم الغريغوري عن التقويم الحقيقي (26) ثانية كل سنة ,وتكون فصول السنة ثابتة  تقريبا في وقت محدد. أما في نصف الكرة الجنوبي من الكرة الأرضية (استراليا مثلا ) فتكون الفصول عكس ما هي عليه في النصف الشمالي منها ,فالصيف يقابله شتاء .
إذن تعديل غريغوري قام بإصلاح التقويم اليولياني الشرقي  وكالتالي :-  
  1- معالجة الفرق المتراكم في التقويم اليولياني الذي بلغ  عشرة أيام في عام (1585).    2-   معالجة التباين بين السنة اليوليانية والسنة الغريغورية البالغة (0.0078) من اليوم الواحد والتي تصل الى ثلاثة أيام لكل (400) سنة .
 إن التعديلات المهمةالتي قام بها غريغور  لضبط التقويم الميلادي الشمسي لها أهمية كبيرة في تنظيم كثير من شؤون الإنسان لعل من أهمها هي الزراعة  . بقي الآن لدينا مسألة توزيع الأيام على أشهر السنة وهي (366)  يوم للسنة الكبيسة  و (365) يوم للسنة البسيطة ,  فتم ذلك بجعل يناير (31 ) يوم ,يليه  فبراير (30) يوم  وهكذا يصبح أحد الأشهر (31) يوم  والذي يليه (30) يوم ,وفي هذه الحالة ستكون حصة شهر يوليو (31)يوم , بينما ستكون حصة شهرأغسطس (30) يوم, مما أغضب أغسطس فأمربجعل شهر أغسطس (31) يوما أيضأ, أسوة بشهر يوليو, فأخذ هذا اليوم من شهر فبراير وجعلت أيامه (29) يوما للسنة الكبيسة , و(28) يوما للسنة البسيطة ولثلاث سنوات متتالية  ثم يتكرر الحال بعد أن أعيد النظر بتحديد عدد أيام كل شهر .وبغية عدم حصول تكرار لثلاثة أشهر متتالية تحوي ثلاثين يوماً هي ( يوليو, أغسطس, سبتمبر) قاموا ببعض التغييرات. فجعلوا سبتمبر (30) يوماً وديسمبر (31) يوماً .
أما أسماء الأشهر الميلادية فكلها ذات منشأ روماني كما موضح في ادناه :-
يناير (كانون الثاني )  31 يوم , نسبة الى يانيوس إله البوابات والبدايات الزمنية عند الرومان واليونانين .
فبراير (شباط )  28 يوم أو 29 يوم  , نسبةالى فيبرا  أي التطهير باللاتينية  وهو شهر التطهير (النظافة والإغتسال ) عند الرومان مارس(آذار)  , 31 يوم ,  وهو إله الحرب عندالرومان .
أبريل (نيسان) 30 يوم  من أفرل,وتعني الربيع , أن هذا الشهر يكون بداية الربيع .
مايو(مايس) 31 يوم  , إلإلهة مايو عند الرومان ووالدة عطارد  إذ يصبح كوكب عطارد واضحا لماعا في هذا الشهر
يونيو (حزيران) 30 يوم  , يونيوس تعني باللاتينية الشباب , إذ يحتفل فيه الشباب بعيدهم .
يوليو (تموز) 31 يوم  , نسبة الى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر .
أغسطس (آب) 31 يوم  , نسبة الى ا لإمبراطور الروما ني أغسطس (إبن يوليوس قيصر) .
سبتمبر (أيلول) 30 يوم , من سبتا تعني رقم (7) عند الرومان أي البداية .
أكتوبر (تشرين أول ) 31 يوم , من  أوكتا وتعني رقم (8) عند الرومان .
نوفمبر (تشرين ثاني ) 30 يوم ,من نوفا  وتعني  رقم (9) عند الرومان .
ديسمبر (كانون أول ) 31 يوم , من ديكا  وتعني رقم (10) عند الرومان .
ولا بد من أن نشير إلى أن أسماء الأشهر المستعملة في العراق ( كانون ثاني , شباط , آذار, ..... ) هي أسماء الأشهر باللغة السريانية ( الآرامية) ولا علاقة لها باللغة العربية على الإطلاق.
يتضح فيما سبق أن التقويم الميلادي نتاج بشري خالص مولود في بيئة روحانية وحضانة نصرانية , نشأ برعا ية القياصرة وتعديلات الرهبان ولم يعرف وينتشر الا بعد ميلاد السيد المسيح (ع)  بقرون متعددة ,ولم  يؤسس على مولده أصلاَ . وواضح من أسماء الأشهر في التقويم الميلادي أن غالبيتها أسماء مرتبطة ببعض الآلهة القديمة أو بأسماء القياصرة وكبار الرهبان .