نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

مازلت انتظرك ايها الحبيب / صباح علال زاير


 صباح علال زاير
نخلتي التي عمرها سبع سنين اعلنت الحداد منذ رحيلك فهي للموسم الثالث على
التوالي فارقت الثمر وحالت، لم يداعب خصرها التمر وعذوق الرطب، كأنها
تبحث عنك، كما انا ابحث عن وجهك بين الوجوه فلا اجدك، مازالت النخلة التي
اشتريناها معا وزرعتها بنفسك في حديقة منزلي تنتظرك عسى ان تسمع حديثنا
تحت فيئها القصير منتظرين حملها الذي تذوقناه ثلاث مرات فقط في كل مرة من
شهر تموز، ربما اعتادت مصافحتك لها كلما زرتني، رشّات الماء التي تجعلها
تحت يديك تستحم هرباً من قسوة الحرارة وقيضها، كان رطبها على وشك النضوج
حين غادرتها الى الأبد، لم تكن من النخيل الفاخر لكني استعذبتها لانك انت
شاتلها، كل شيء فيها يذكّرني بك، رغم ان عذوبة محبتك لا شبيه لها في
الدنيا، احياناً اجلس قربها فاشعر انك معي على المصطبة المقابلة، وحين
اسقيها كأن الماء يمتد من عروقها الى قبرك، وعندما يهتز سعفها تتراءى لي
معالم دارنا القديمة في الريف وقد احاطته المياه والاشجار والبساتين،
ويتجسم امامي مهادك الذي شدّت امّي طرفه بساقك مروراً الى احدى يديها كي
لا تخطفك الامواج وانت في سنتك الاولى عام 1955 عندما اجتاح الفيضان
مدينة سوق الشيوخ واغرق نواحيها واريافها، وبقيت انت وامي واخي الاكبر
هناك، والدتي الضريرة رفضت مغادرة المنزل حياء منها متحدية الموت ووحشة
الليل وانتشار الافاعي التي جرفتها المياه، كان خوف امي عليك اكبر من
خوفها على مصيرها، لهذا كنت اول من التحق بها بعد وفاتها بقليل، اذ مازلت
تشتاق لحضنها او تشتاق اليك، فجاورت قبرها، وفزت ثانية بالسكن معها
قبلنا، وبسببك حرمنا والدي من مرافقته، اذ كان يحكي لنا دائماً ما حصل له
في العام 1960 عندما كنت برفقته وهو يقف على شباك احد المخابز المزدحم،
وحين تحرش الصبية برجل اعمى واثاروه لوّح بعصاه بحركة دائرية بانفعال
وشدة من اجل معاقبتهم وقد تفرقوا عنه وكادت عصاه ان تقتلك لولا ان ابي
انحنى عليك يتّقيها برأسه فاصيب بجرح عميق، ومن يومها قرر ان لا يصطحب
معه اي طفل الى السوق، كانت انحناءة رأس ابي ربما تشبه ما حصل فجر الرابع
من ايلول 1996 وانت تنحب بقوة واضعاً رأسك فوق جسد الوالد بعد ان فارق
الحياة، اتذكر ايضاً عندما زرنا انا وانت مكان مولدنا في الريف شاهدتك
تعود طفلاً تستعيد كل فرحك وبكائك وذكرياتك، فاتفقنا ان نعود ثانية غير
ان ذلك لم يتحقق فالموت صادر فرحتك بعد شهور، وتركت لي نخلة تشاطرني
الدمع والحزن وذكرى رحيلك الثالثة...