نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

المَوْرُوثُ الثَّقِيلُ / الدكتور أحمد إبراهيم مرعوه

المَوْرُوثُ الثَّقِيلُ

قَالَ لِي أَحَدُ الْإِخْوَةِ الْأَعِزَّاءِ أَنَّهُ يَعْرِفُ أَحَدَ النَّاسِ كَانَ ابْنُهُ مريضًا فَأَلْحَقَهُ بِمَدَارِسِ التَّعْلِيمِ الْأَزْهَرِيِّ، وَلَمَّا شَفَاهُ اللهُ وَعَافَاهُ، حَوّلَ لَهُ مِنَ الْمَسَارِ الْأَزْهَرِيِّ إِلَى مَسَارِ التَّعْلِيمِ النِّظَامِيِّ! وَهَذَا إِنْ دَلَّ عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الارْتِبَاطِ الْوَثِيقِ الَّذِي زُرِعَ فِي أَنْفُسِنَا مُنْذُ الصِّغَرِ، بِأَنَّ كُلَّ ذِي عَاهَةٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ ضِمْنِ حَفَظَةِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ تَلَاَمِيذِ الْمَدَارِسِ الدِّينِيَّةِ حَسَبَ كُلِّ دَوْلَةٍ، وَمِنْهَا الْأَزْهَرُ فِي مِصْرَ!

فَهَلْ يَا تُرَى كَانَتْ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ مَقْصُودَةً؟ وَمِنْ أَيِّ جِهَةٍ أَتَتْ، وَهَلْ زَرَعَهَا الاسْتِعْمَارُ، أَمْ عُمَلَاَءُ الاسْتِعْمَارِ، أَمْ لِأَنَّ مِصْرَ كَانَتْ فَاطِمِيَّةً فَفَعَلَهَا الشِّيعَةُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي الدِّينِ نَفْسِهِ كَمَا بَنَوْا الْمَقَابِرَ ذَاتِ الطَّوَابِقِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَبِنَاءَ الْأَضْرِحَةِ لِلْمَشَايِخِ فِي بَهْوِ الْمَسَاجِدِ، وَظُهورَ الْمَوَالِدِ وَالاحْتِفَالَاتِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْمَوَائِدُ عَامِرَةً، بِجَانِبِ الأَغَانِي وَالْمَدِيحِ وَالْمَوَاوِيلِ وَالْمَجَاذِيبِ السَّاهِرَةِ، وَالْبِدَعِ الَّتِي ظَهَرَتْ وَكَانَ فِي ظَنِّ مُبْتَدِعِيهَا تَفْرِيغَ الدِّينِ مِنْ مُحْتَوَاَهُ، وَتَغْرِيبَ الْأُمَّةِ فِي هُوِيَّتِهَا الْإِسْلَامِيَّةِ!

إِنَّ الْفَاطِمِيِّينَ هُمُ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا وَغَالُوا فِي كُلِّ مَا ابْتَدَعُوهُ حَتَّى فِي مَدْحِ النَّبِيِّ ﷺ وَالَّذِي مَدْحُوهُ حَتَّى أَعْطَوْهُ صِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ كَمَدَدِ يَا رَسُولَ اللهِ مَدَدٌ وَأَغِثْنَا وَأَعِدْنَا وَأَعِذْنَا وَأَرِحْنَا، وَهُمُ الَّذِينَ أَعْطَوْا سَيِّدَنَا الْحُسَيْنِ صِفَةَ (وَلِيِّ النِّعَمِ) وَأَعْطَوْا سَيِّدَنَا عَلِيٍّ صِفَةَ الْأَنْبِيَاءِ، بَلْ هُوَ النَّبِيُّ الْمُرْسَلُ عِنْدَهُمْ، وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ إِلَّا أَنْ أَخَذَ النُّبُوَّةَ مِنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النُّبُوَّةَ كَانَتْ لِعَلِيٍّ، ثُمَّ أَخْطَأَ سَيِّدُنَا جِبْرِيلَ، وَأَعْطَاهَا لِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَهَذَا بُهْتَانٌ وَإفْكٌ عَظِيمٌ، وَمَا بِالُكُمْ لَوْ سَمِعْتُم مِنْ أحَدٍ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ اللهُ ذَاتُهُ. وَالْعِيَاذُ بِاللهِ، حِينَمَا يَقُولُونَ لِعَلِيٍّ يَا مُنْزِلَ الْمَطَرِ، كَمَا يَفْعَلُ الْعَلَوِيُّونَ فِي الشَّامِ!

وَهُنَاكَ بِدَعٌ كَثِيرَةٌ ظَهَرَتْ فِي الْمُجْتَمَعِ سَلَّمَ النَّاسُ بِهَا مَعَ اِنْتِشَارِ الْجَهْلِ وَالْخُرَافَاتِ وَالْأَسَاطيرِ، حَتَّى اِنْتَشَرَتْ ظَاهِرَةُ التَّسَوُّلِ بَيْنَ الدَّرَاوِيشِ بِالْمَعَازِفِ وَالْمَزَامِيرِ، وَحَذَا حَذْوَهُمْ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ وَبَعْضُ الْخَفَافِيشِ إِلَى أَنْ وَصَلَتِ الْبِدَعُ لِلْاِحْتِفَالِ بِمَوْلِدِ أَبِي حَصِيرَةَ الْيَهُودِيِّ الَّذِي رُبَّمَا تَرْبِطُهُ صِلَةُ قَرَابَةٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَبَأٍ الْيَهُودِيِّ ولِمَا لَا؟ وَرَغْمَ أَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ بِأَبِي حَصِيرَةَ، إِلَّا أَنَّهُ الْجَهْلُ الَّذِي انْتَشَرَ بَيْنَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْمَجَاذِيبِ وَالْأُمِّيِّينَ وَبَعْضِ الْمُثَقَّفِينَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ!

وَظَهَرَتْ مَوَالِدُ الْأَتْقِيَاءِ مِنَ النَّاسِ كَالْسَّيِّدِ الْبَدَوِيِّ بِطَنْطَا، وَالشَّيْخِ: إِبْرَاهِيمَ الدُّسُوقِيّ بِدُسُوقَ بِكَفْرِ الشَّيْخِ، وَمَوْلِدِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدّيقِ َ بِمِيتِ دَمْسِيسَ أَجَا َ دَقَهْلِيَّةٍ، وَمَوْلِدِ مَارِي جِرْجِسَ بِقَرْيَةِ مِيتِ دَمْسِيسَ َ أَجَا دَقَهْلِيَّةٍ، وَمَوْلِدِ أَبِي غَنَّامِ ِ وَالشَّيْخِ الْعِرَاقِيِّ وَالشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ بِالْبَسَاتِينِ أَجَا دَقَهْلِيَّةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْهُ الْكَثِيرُ مِنَ الْبِدَعِ وَالْاِبْتِدَاعِ فِي كُلِّ رُبوعِ مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ!

وَفِي هَذِهِ الْاِحْتِفَالَاتِ تَجِدُ الطَّعَامَ الْمُقْتَطَعَ مِنَ الْأُسَرِ الْفَقِيرَةِ قَبْلَ الْغَنِيَّةِ، وَالَّتِي كَانَ الْقَصْدُ مِنْهَا إِطْعَامَ الْفُقَرَاءِ وَاِبْنَ السَّبِيلِ، وَالسَّائِلَ وَالْمَحْرُومَ، فَإِذَا بِهَا تُقَدَّمُ لِقُطَّاعِ الطُّرُقِ وَسَارِقِي الْمَحَافِظِ مِنَ الدَّرَاوِيشِ وَالْمَجَاذِيبِ حَتَّى أَصْبَحَتْ فُرْصَةً لِتَسَوُّلٍ بَائِعِي السَّجَائِرِ، وَبَائِعِي الْمَشْرُوبَاتِ الَّتِي تَضْبِطُ أَدَمْغَةَ الْمَجَاذِيبِ، وَتَارِكِي أُسَرِهِمْ، وَزِرَاعَةِ الْأرْضِ الَّتِي تَبُورُ، وَتَمُوتُ الدَّوَابُّ بِعَطَشِها أَوْ سَرقَتِهَا، وَضَيَاعَ الْأَوْلَاَدِ أَوِ اِخْتِطَافَهُمْ مُقَابِلَ الدِّيَةِ الَّتِي تَكُونُ فِي مُعْظَمِهَا سَخِيَّةً، وَهَذَا كُلُّهُ تَسَوُّلٌ صَغِيرٌ يَصُبُّ فِي مَحْفَظََةِ المُتَسَوُّلِ الْكَبِيرِ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى مُخْتَلَقِي طُرُقِ التَّسَوُّلِ!

وَالْغَرِيبُ الْمُرِيبُ أَنْ تَرَى أُسَرًا فَقِيرَةً وَأُخْرَى غَنِيَّةً تَرَكَتِ الْقُرَى وَالْمُدُنَ وَصَارَتْ تَمْشِي وَرَاءَ هَذِهِ الْبِدَعِ مِنَ الْاحْتِفَالَاتِ، وَكَأَنَّهُمْ ذَاهِبُونَ إِلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا أَدْرِي مَاذَا أَصَابَ النَّاسَ، هَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْجُنُونِ الْخَفِيِّ، أَمْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ إِدْمَانِ الْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ، أَمْ هِي بِلَادَةٌ أَصَابَتِ الْفِكْرَ فِي مَقْتَلٍ، فَلَمْ نَعُدْ نُفَكِّرُ حَتَّى سَلَّمْنَا بِالْمَاضِي الْعَتِيقِ، وَهَلْ سَنَعُودُ يَا تُرَى لِتِجَارَةِ الرَّقيقِ، أَمْ هُوَ إِرْثُ مَنْصِبٍ فَقَطْ عَلَى كُلِّ مَا يُنْتَجُ مِنَ الزَّيْتِ وَالدَّقيقِ (الْكَعْكِ) وَالْغِنَاءِ وَالطَّبْلِ وَالزَّمْرِ وَهَزِّ الْوَسَطِ مَعَ التَّسْبِيحِ بِمَسْبَحَةٍ مِنَ الْخَرَزِ وَالْعَقِيقِ!

وَهَلْ هُوَ التَّسَوُّلُ مِنْ أَجْلِ التَّسَوُّلِ، وَالَّتِي تَضِيعُ فِيهِ الْأَمْوَالُ، وَيَضِيعُ فِيهِ الْفِكْرُ، وَيَضِيعُ الْوَقْتُ سُدًى، بَلْ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَكَانَ الْأوْلَى أَنْ نَسْتَغِلَّهُ الِاسْتِغْلَالَ الْأَمْثَلَ فِيمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَمِنْ ثَمَّ يَعُودُ بِالنَّفْعِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ، لَكِنَّنَا سَنَبْقَى هَكَذَا ِ إِلَى أَنْ نَتَخَلَّصَ مِنْ هَذِهِ الْخَزَعْبَلَاتِ!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَاجِسْتِير: أَحْمَدُ إِبْرَاهِيمُ مَرْعُوه

وباحث في مرحلة الدكتوراه

عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية ـ فرع القاهرة.