نشاطات ثقافية

حوارات

أصدارات ثقافية

    مسرح الشارع ظاهرة ثقافية / محمد صخي العتابي

    ويمكن لمسرح الشارع أن يكون مكانًا للتعبير عن الهوية الثقافية والتنوع، وهذا يعد أمرًا مهمًا في المجتمعات المتعددة الثقافات. فعندما يقوم الفنانون بتقديم عروض مسرح الشارع التي تعبر عن ثقافات مختلفة، فإنه يمكن للجمهور التعرف على هذه الثقافات وفهمها بشكل أفضل، مما يساهم في تعزيز التعايش السلمي والتفاهم بين المجتمعات المختلفة
    يعتبر مسرح الشارع ظاهرة ثقافية حيث يمثل جزءًا مهمًا من التعبير الفني والإبداع الثقافي في المجتمعات المختلفة وهذا النوع من المسرح الفن المفتوح للجمهور، حيث يتم عرض العروض والأداء الفني في الشوارع والأماكن العامة بدلاً من القاعات والمسارح التقليدية.
    ويعتبر مسرح الشارع ظاهرة ثقافية لأنه يعبر عن قيم وتقاليد وأفكار المجتمعات المختلفة، وينقل هذا الفن البسيط والمبتكر رسالة معينة للجمهور، ويحمل في طياته العديد من المعاني الثقافية والاجتماعية والسياسية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مسرح الشارع يشجع على التفاعل المباشر مع الجمهور، وهذا يؤدي إلى إثراء الحوار الثقافي والاجتماعي بين الفنانين والجمهور، وتعزيز التواصل والتفاعل بين المجتمعات المختلفة.
    ومن خلال مسرح الشارع، يتم توطيد العلاقات الاجتماعية بين الفنانين والجمهور، وتعزيز الوعي الثقافي والتربوي بين المجتمعات المختلفة، كما يتم إعطاء الفرصة للفنانين المبتدئين والمواهب الشابة لعرض أعمالهم والاندماج في المجتمع الفني والثقافي.
    لذلك، يعد مسرح الشارع ظاهرة ثقافية مهمة ويجب دعمها وتشجيعها، حيث يمثل جزءًا مهمًا من التعبير الفني والإبداع الثقافي في المجتمعات المختلفة.
    ويمكن القول أن مسرح الشارع يعد أحد أشكال الفن الشعبي الذي ينتشر في العديد من البلدان حول العالم، ويعكس ثقافة الشعوب وتاريخها وتقاليدها. ويمكن أن يشمل مسرح الشارع العروض الموسيقية والرقص والأداء الشعري وغيرها من الأشكال الفنية.
    كما أن مسرح الشارع يشجع على التعبير الحر والمبتكر، ويسمح للفنانين بالعرض على جمهور واسع، حيث يكون الأداء في الشوارع والأماكن العامة التي يمكن للجميع الوصول إليها. ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن مسرح الشارع يعد أيضًا وسيلة للتغيير الاجتماعي، حيث يمكن للفنانين التعبير عن رؤيتهم وتعزيز الوعي الاجتماعي والتربوي.
    ويمكن أن يكون مسرح الشارع أيضًا وسيلة للترفيه والتسلية، ويستخدم في الأحداث الاحتفالية والمهرجانات الثقافية. وقد يساهم مسرح الشارع في زيادة الحركة السياحية في بعض المناطق، حيث يتم عرض العروض الفنية الشعبية للزوار والسكان المحليين على حد سواء.
    وبما أن مسرح الشارع يشكل جزءًا من التعبير الفني والإبداع الثقافي في المجتمعات المختلفة، فإنه يحتاج إلى الدعم والتشجيع من قبل الحكومات والمؤسسات الثقافية والفنية. ويجب دعم الفنانين المبتدئين والشباب وتوفير المساحات المناسبة لعرض العروض الفنية الشعبية في الشوارع والأماكن العامة.
    ويمكن أن يساهم دعم مسرح الشارع في تعزيز الحوار الثقافي بين الثقافات المختلفة، حيث يتمكن الفنانون المشاركون من التعريف بثقافاتهم وتقاليدهم للجمهور الذي يحضر العروض. وبالتالي يتم تعزيز الفهم المتبادل والتعاون الثقافي بين الثقافات المختلفة.
    ويساعد مسرح الشارع في تحسين الحياة الاجتماعية في المجتمعات، حيث يمكن للفنانين أن يشاركوا رؤيتهم وآرائهم حول القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي يواجهها المجتمع، والتحديات التي يواجهها الفرد والمجتمع بشكل عام.
    وفي النهاية، يمكن القول أن مسرح الشارع يعد ظاهرة ثقافية مهمة وملهمة، ويمكن لهذا الفن أن يعزز التعبير الحر والتفاعل الثقافي والاجتماعي .

     

    البناء الاجتماعي والعقل الجمعي وتحرير الإنسان إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

      الأنساقُ الفلسفية في البناء الاجتماعي نابعةٌ مِن الهُوِيَّة الوُجودية للفرد في رحلة بَحْثِه عن ذاته وحياته . ورحلةُ البحثِ لَيْسَتْ انتقالًا ميكانيكيًّا في الزمان والمكان ، بَلْ هي انتقالٌ ديناميكي في تأثيرات سُلطة العقل الجَمْعي في مَصادرِ التاريخ وقَواعدِ المعرفة . وهذه التأثيراتُ مُرتبطة بجذور المشروع الحضاري للمُجتمع ، وقُدرته على تَوحيد الذاتِ والمَوضوعِ في مَنطِق اللغة الرمزي الذي يتحكَّم بالعلاقاتِ الاجتماعية ، وانعكاساتِها على الأحداثِ اليومية والوقائعِ التاريخية . وسُلطةُ المُجتمعِ المَعرفيةُ لا تتجذَّر في الإدراكِ الحِسِّي والوَعْيِ الفَعَّال ، إلا باعتمادِ التفكير النَّقْدِي في الواقع المُعَاش ، وتحريرِ الظواهر الثقافية مِن قُيود الأحكامِ المُسْبَقَة والقوالبِ الجاهزة . وإذا كانت المعرفةُ تَكتسِب شرعيتها مِن صَيرورةِ التاريخ ومَركزيةِ الوُجود، فإنَّ الهُوِيَّة تَستمد سُلطتها مِن الترابط المصيري بين مَنطِقِ اللغة الرمزي وأشكالِ الحياة اليومية . ولا يُمكِن أن تتحوَّل صَيرورةُ التاريخ إلى حالةِ خَلاصٍ مُستمرة في المُجتمع إلا بِصَهْرِ المعرفة في الهُوِيَّة ، وتَذويبِ التجارب الشخصية في الأفكار الإبداعية الجَمَاعية . وهذا مِن شَأنه تَطهيرُ البناءِ الاجتماعي مِن الوَعْي الزائف ، وتحقيقُ التجانسِ بين المضمونِ العميق لشخصية الفرد الإنسانية ، والبُنيةِ الجَذرية لعملية صِناعة الثقافة .

    2

         العقلُ الجَمْعي لا يَقْدِر على تَحويل مَنطِق اللغة الرمزي إلى هُوِيَّة مَعرفية للمُجتمعِ والتاريخِ ، إلا بتوظيف الوَعْي الواقعي في بُنية الفِعْل الاجتماعي، لأنَّ الوَعْي هو القُوَّة الدافعة للفِعْل. والوَعْيُ والفِعْلُ مُرتبطان بالتَّغَيُّرات النَّفْسِيَّة التي تَطْرَأ على حياة الفرد الداخلية والخارجية . وجميعُ هذه العناصر مُجتمعةً تُشَكِّل النسيجَ المعرفي، والتكوينَ الشُّعوري ، والتطبيقَ العملي . وبالتالي ، يُصبح المُجتمعُ شَبَكَةً مِن زوايا الرؤية المُتَنَوِّعَة والمُتكامِلة ، وحاضنةً للظواهر الثقافية ، والآلِيَّاتِ اللغوية القادرة على تفسيرها وتَوظيفها . وإذا صَارَ الواقعُ المُعَاش أداةً فِكرية للنهضة والإبداع ، فإنَّ التاريخ سَيُصبح رافعةً للوَعْي بِكُلِّ أشكاله وانعكاساته ، وهذا يُسَاهِم في السَّيطرة على المَعْنَى الوُجودي المُتَشَظِّي في العلاقاتِ الاجتماعية ، والمعاييرِ الأخلاقية ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى تحرير الإنسان مِن ضَغطِ الاغترابِ الذاتي ، ومَأزِقِ الخَلاص الفَرْدي ، وقُيودِ الاستهلاكية المادية، وهَيمنةِ الآلَة على الطبيعة .

    3

         تحريرُ الإنسانِ تَجسيدٌ للهُوِيَّة الوجودية في السُّلطة المعرفية ، التي تُمثِّل مَنظومةً مِن الشُّروط الضرورية لإعادة إنتاج الإنساق الفلسفية في البناءِ الاجتماعي والبُنيةِ الثقافية ، مِن أجل بناء ماهيَّة الإنسانية على السِّيَاقات التاريخية القائمة على النَّقْد البَنَّاء ، ولَيس التقديس المَصْلَحي . والتاريخُ الحقيقي هو الكِيَان الواقعي الذي يَستطيع الصُّمُودَ في رُوحِ الزمانِ وجَسَدِ المكانِ اعتمادًا على قُوَّته الذاتية بلا إسناد خارجي ومصالح مُغْرِضَة . وكُلُّ تاريخٍ يَستمد وُجوده مِن عوامل خارجية دخيلة ، وأنماط تفكير استبدادية ، سَوْفَ يَتفكَّك ويَنهار بسبب التناقضِ بين الإدراك الحِسِّي والوَعْي الفَعَّال ، والتعارضِ بين الواقع المادي والتأويل اللغوي . ويجب أن يَكُون التاريخُ تَطَهُّرًا دائمًا مِن الأحلامِ المَكبوتة والأفكارِ المَقموعة ، وتَطهيرًا مُستمرًّا للعلاقات الاجتماعية مِن الوَعْيِ الزائف والوَهْمِ النَّفْعِي المَصْلَحي الذي يُكَرِّر ذَاتَه ، ويُعيد نَفْسَه وَفْق أشكال استهلاكية مادية تَضغط على ذاكرة الفرد ، وتُضعِف شخصيته ، وتَسْلُب حُرِّيته وإنسانيته ، وتُحَطِّم مَركزيته في الطبيعة والوُجود .

    4

         البناءُ الاجتماعي لَيس كُتلةً أسمنتية جامدة ، وإنَّما هو كَينونةٌ مُتماهية معَ مَنطِق اللغة الرمزي ، ومنظومةٌ مُتفاعلة معَ السِّيَاق التاريخي للفرد والمُجتمع ، ومنهجيةٌ مُندمِجة معَ عملية صناعة الوَعْي الفَعَّال . والبناءُ الاجتماعي يَمْزُج التجاربَ الشخصية بمصادر المعرفة،ويُحَوِّل العواملَ النَّفْسِيَّة إلى معايير أخلاقية قابلة للتطبيق على أرض الواقع ، مِمَّا يُنتج بيئةً خِصْبَةً مُلائمة للأفكار الإبداعية ، ويَدفَع باتِّجاه توليد ظواهر ثقافية مُلتصقة بتفاصيل الحياة ، وغَير مُنفصلة عنها ، ولا مُتعالية عليها ، فَتَصِير الثقافةُ _ الشَّعْبِيَّة والنُّخْبَوِيَّة _ حَلًّا عمليًّا للواقع الإنساني المأزوم ، ولَيْسَتْ جُزْءًا مِنه . وهذا يَستلزم أن يَكُون البناءُ الاجتماعي قادرًا على تجاوُز ذاته ، وتَجَاوُز عناصر البيئة المُحيطة به . وهذا التَّجَاوُزُ الدائم للذاتِ والمُحِيطِ يُؤَدِّي إلى تَوليد الأفكار الإبداعية بشكل مُستمر ، وكُلَّمَا تَوَلَّدَتْ أفكارٌ إبداعية ، انبثقتْ تأويلاتٌ جديدة للتاريخ ، مُستقلة بذاتها ، وغَير خَاضعة للأدلجة السِّيَاسية . وهذه التأويلاتُ لا تَخترع تاريخيًّا ذهنيًّا بعيدًا عن الواقع ، وإنَّما تَقُوم بدمج الهوامش معَ المركز، لِتَكوين صُورة شاملة بكل الزوايا والأبعاد ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى تحليل دور الفرد في التاريخ باعتباره إنسانًا فاعلًا في الزمان والمكان ، وصانعًا للحَدَثِ ، ومُكْتَشِفًا للحُلْم ، ولَيْسَ شخصًا مَجهولًا بلا هُوِيَّة، وَمُسْتَلَبًا بلا شرعية ، ومنسيًّا بلا ذاكرة . إنَّ الفردَ مِثْلُ التاريخ ، كِلاهما يُجسِّد فلسفةَ الوجود في رحلة البح
    ث عن المَعْنَى .


    من وحي ١٥ شعبان الأغر / رعد الدخيلي

    عندما نتحدث عن عصر الظهور ؛ إنّما نتحدث عن وعد إلهي قطعه ﷲ سبحانه و تعالى.. بأن يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما وجورا..

    وهذا الوعد الإلهي لا يكون حتى تعجز البشرية عن التخلص من الظلم و الجور فتلتمس المنقذ المخلّص أن ينقذها من ضائقتها الحضارية الخانقة.. فيأتي الفرج ، و تزدهر الدنيا بنور الظهور المنتظر بإذن الله.

    أما ما نحن نقوله من كلام .. بأن الإمام المهدي(ع) لن يظهر حتى نمهِّد له نحن قاعدة جماهيرية أو دولة ينطلق منها لكي يحكم العالم .. فهذا إعتقاد خاطئ و مجترح للغيب ، إذ ما جدوى ظهور الإمام(ع) في أمّة صالحة يصلحها.. هو يظهر في دنيا فاسدة طالحة لكي يصلحها.. تماماً مثلما ظهر الأنبياء و

    الرسل(ع) !..

    علينا أن ننتظر الفرج ؛ عندما نحاول فلا نستطيع أن نقيم دولة إسلامية نسعد فيها  بالعدل.. لنا نحن ، لا أن نبقى نرزح تحت نير الظلم و الجور والعبودية و الرق و الإستعمار و المذلة منتظرين نبيّاً أو إماماً يخلّصنا 

    آفاق فراتية في عددها الرابع / جواد عبد الكاظم محسن

    صدر حديثاً في مدينة المسيَّب العدد الرابع من مجلة (آفاق فراتية) لسنة 2023م، وهي مجلة دورية تعنى بالتراث والثقافة المعاصرة، وقد حفلت صفحاتها كالعادة بمجموعة من الموضوعات القيمة، ففي باب البحوث والدراسات نشرت: (اقتصاديات الكلام) للمفكر الدكتور عبد الجبار الرفاعي، و(السلخ والغصب والسرقة) للأستاذة الدكتور ابتسام الصفار، و(تحقيق نصوص التراث) للأستاذ الدكتور هادي حسن حمودي، و(منهجية المؤرخ عبد الرزاق الحسني) للدكتور نجاح كبة، و(بيانو بغداد) للكاتب علي عبد الأمير عجام.

    وفي باب أعلام وسير نشرت: (عبد الحميد الراضي) للأستاذ الدكتور سعيد عدنان، و(عدنان آل طعمة) للأستاذ الدكتور محسن القزويني، و(عبد الكريم راضي جعفر) للدكتور مصطفى لطيف عارف.

    وفي باب ذكريات نشرت: (يومي الأول في الصحافة) للصحفي الرائد محسن حسين جواد، وجاء في باب قراءات نشرت عرضاً لكتاب (العليون من الشعراء) للشيخ عبد الأمير النجار، وفي باب مكتبات نشرت ما كتبه الأستاذ ظاهر المحسن عن (المكتبة المركزية في جامعة الكوفة)، وفي باب الشعر قصيدة (عروس الفرات) للشاعر توفيق حنون، وفي باب القصة (زيارة غامضة) للقاصة سنية عبد عون رشو، وحفلت أبوابها الثابتة، وهي (نصوص أدبية، كتب، ومسيبيات، وأعلام معاصرون، وفنون، ومحطات ثقافية، وإصدارات حديثة، وغيرها) بموادها العديدة المتنوعة.

        ومن الجدير بالذكر أن هذه المجلة لا تعرض للبيع في المكتبات التجارية، وإنما توزع جميع نسخها المطبوعة - على سبيل الإهداء - إلى الجهات العلمية القريبة مكانياً مثل المكتبات العامة والجامعية والمراكز الثقافية والتراثية وما شابه ذلك، وإلى الأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي، وهو ما يحقق أهدافها في خدمة الثقافة ، ويطابق شعارها (سفيرة المسيَّب الثقافية).

        ويمكن الحصول على نسختها الرقمية والاستمتاع بقراءتها والاستفادة منها.

    اللغة والعقل الجمعي في فلسفة حركة التاريخ إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

    الرَّمزيةُ اللغوية في العلاقاتِ الاجتماعية تُمثِّل شبكةً مِن الأفكارِ الإبداعية والتجاربِ
    الوجودية والظواهرِ الثقافية،وهذه الشبكةُ تُسَاهِم في إعادةِ تعريف مصادر الوَعْي في حقول
    المعرفة، ونقلِ شخصية الفرد مِن البَرَاءة إلى الخِبرة،وتحويلِ التفاعل الاجتماعي مِن تراكيب
    الفِطْرَة الإنسانية إلى عناصرِ المَنهج العِلْمِي والعَمَلِي، الذي يقوم على تحليل دَور المُجتمع في
    فلسفةِ حركة التاريخ ومَنطقِ العقل الجَمْعي . وكُلُّ مَنهجٍ فَعَّال هو بالضَّرورة ثَورةٌ لُغوية تُغيِّر
    طريقةَ تفكير الفرد،بِحَيث يَندمج الوَعْي معَ الأحداث اليومية، ولا يَتَعالى عليها،ولا يَنفصل عن
    السِّيَاقات الحضارية الموجودة في البناءِ الاجتماعي والبُنيةِ الوظيفية للواقع المُعَاش. والثَّورةُ
    اللغويةُ غَير مَحصورة في نِطَاقِ طبيعةِ الألفاظ ومركزيةِ المَعَاني، وغَير مَحدودة في إطارِ
    إشاراتِ التفاهم وَدَلالاتِ التواصل . إنَّ الثَّورةَ اللغوية حياةٌ قائمة بذاتها ، ومُكتملة بِنَفْسِها،
    وهي هَيكلٌ مَعرفي عابر للحواجز الزمنية ، ونظامٌ اجتماعي مُتجاوز للحُدود المَكَانية.
    والمُجتمعُ القائمُ على ثنائية ( الرَّمزية اللغوية / الثَّورة اللغوية ) لا يُولَد في الفَرَاغ ، ولا
    يُؤَسِّس للعَدَم، لأنَّ اللغةَ هي القُوَّةُ الدافعة للعلاقات الاجتماعية، والمُحَرِّكُ الأساسي للفِكْرِ
    والإبداعِ ، والرافعةُ الحقيقية للمعايير الأخلاقية.وهذه الحركةُ الدَّؤُوبةُ_اجتماعيًّا وفِكريًّا
    وأخلاقيًّا_ تَجعل هُوِيَّةَ المُجتمعِ مُتماسكةً ، ولا تُحِيل إلى غائب ، وإنَّما تستعيد التجاربَ
    الحياتية مِن الغِيَاب ، وتسترجع أحلامَ الفردِ مِن الاستلاب .
    2

    تاريخُ العلاقاتِ الاجتماعية لَيس رُجُوعًا إلى الزمن الماضي أوْ هُروبًا مِن المكان الحاضر
    ، وإنَّما هو خِطَابٌ وُجودي يُعاد تشكيلُه باستمرار كواقع مَحسوس يُنقِّب عن سُلطة المُجتمع
    في ماهيَّةِ الفرد، ويَكشِف حقيقةَ اللغة في عملية إعادة إنتاج المعرفة، باعتبارها تأسيسًا
    للمَعنى الإنساني في مُوَاجَهَة قَسوةِ الأحداث اليومية ، وخُشونةِ الوقائع التاريخية . وهذا
    التأسيسُ يُؤَدِّي إلى تحويل مصادر الوَعْي إلى منظومة مِن الأسئلة المصيرية ، مِن أجل اختبارِ
    الماضي لا تَقْدِيسِه ، وتفسيرِ الحاضرِ لا تَحنيطِه . وبالتالي ، تنتقل العلاقاتُ الاجتماعية مِن
    حالة الأُسطورة إلى بُنية المُسَاءَلَة ، وتنتقل الظواهرُ الثقافية مِن وَضْعِيَّة الأيقونة إلى
    مشروعية التأويل ، مِمَّا يَكسِر وِصَايةَ الماديَّة الاستهلاكية على اللغةِ والمُجتمعِ ، ويَصنع
    هُوِيَّةً مَعرفية خالية مِن التناقض ، وذات طبيعة إنسانية بعيدة عن المصالحِ الشخصية الضَّيقة
    ، والتفسيرِ المُغْرِض لمسارات التاريخ في العقل الجَمْعي والتجارب الوجودية والتفكير
    الأخلاقي . وإذا كانَ الكِيَانُ الإنساني هو النظامَ الجامع لِبُنيةِ الفِعْل الاجتماعي ومَضمونِها
    وتأويلِها ، فإنَّ الكَينونةَ المُجتمعية هي المَنظومةُ الجامعة للظروفِ المادية زمنيًّا ومكانيًّا ،
    والرُّؤيةِ الفلسفية لهذه الظروف ضِمن شُروطِ بناء التاريخ في الحضارة، وعواملِ قِيَام
    الحضارة في فلسفة حركة التاريخ . وهذا التداخلُ مِن شأنه إعادة تَفسير مُحاولات سَيطرةِ
    الفرد على ذاته ومُحيطه ، وهَيمنةِ المُجتمع على مساره ومصيره . والتَّحَدِّي الأبرزُ في هذا
    السِّيَاق يتجلَّى في كيفيةِ مَنعِ الآلة مِن السَّيطرة على الفرد ( حماية الشُّعور الإنساني مِن
    التَّحَوُّل إلى نظام ميكانيكي ) ، ومَنْعِ المُجتمع مِن استنزاف موارد الطبيعة لتحقيق رفاهيته ،
    وتكريسِ سُلطته ، وتعزيزِ سَطْوته .

    3

    اللغةُ تَمْنَع العَقْلَ الجَمْعي مِن التَّحَوُّل إلى أداةٍ لقمع أحلام الفرد ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى صناعة
    نظام اجتماعي قائم على القِيَم العقلانية والوَعْي النَّقْدِي . واللغةُ تُحَافِظ على التوازن بين
    المُجتمع والطبيعة ، مِمَّا يُؤَدِّي إلى تكوين بيئة إبداعية قائمة على المعايير الأخلاقية والتعابير
    الجَمَالية . وإذا كانَ الهدفُ مِن النظام الاجتماعي هو دَمْجَ هُوِيَّةِ الفرد معَ سُلطة اللغة ، فإنَّ

    الهدفَ مِن الوَعْي النَّقْدِي هو تحريرُ إنسانيةِ الفَرْد مِن الخَوْفِ ، وإعادةُ تشكيل ملامح
    شخصيته الوجودية بحيث تُصبح آلِيَّةً مَعرفية للانعتاقِ مِن تَسليع الكِيَان الإنساني ( تَحَوُّله إلى
    سِلعة ضِمن ثنائية العَرْض والطَّلَب ) ، والتَّحَرُّرِ من الرابطة النَّفْعِيَّة المادية التي تَجعل البناءَ
    الاجتماعي شيئًا قابلًا للبيع والشراء . ولا يُمكن للمُجتمع أن يَترك بصمةً مُؤثِّرة في فلسفة
    حركة التاريخ إلا إذا تَمَّ بناءُ العلاقات الاجتماعية وَفْق مَنطِق اللغة،ولَيس مَنطِق السُّوق، وهذا
    يَتَطَلَّب حمايةَ شخصية الفرد الإنسانية مِن أثرِ الاغتراب وتأثيرِ الاستلاب ، وتحليلَ البُنية
    الوظيفية الجوهرية في الأنساقِ اللغوية والسِّيَاقاتِ الواقعية ، مِمَّا يَمنح الفردَ القُدرةَ على
    تجاوز الواقع ، مِن أجل صِناعة واقع جديد قائم على الوَعْي الحقيقي لا الزائف . والوَعْيُ
    الحقيقي لا يتكرَّس كَهُوِيَّةٍ وسُلطةٍ وشرعيةٍ ، إلا إذا نَجَحَ في انتشال الأفكارِ الإبداعية
    المقموعة في أعماق الذاكرة الوجودية للفرد والمُجتمع . وهذا يُحقِّق التجانسَ في الحراكِ
    المُجتمعي وحركةِ التاريخ معًا ، وَيَحْمِي المَعنى مِن الغِيَاب ، ويَحْرُس العقلَ الجَمْعِي مِن
    الغَيبوبة .

    الملحمية وتداعياتها في المسرح البرشتي/ مجيد عبد الواحد النجار

    مفهوم المسرح الملحمي الذي صاغة برشت، استند على العناصر التي استفاد منها من المسرح الشرقي التقليدي القديم، فهو يريد منه ان يجعل المتفرج راصدا متعقبا ومتسائلا للأحداث، لا متفرجا مندمجا بالأحداث التي تقع امامه على خشبة المسرح، من اجل ان يوقظ فيه الحيوية والفعالية(1).

    في البدء يجب ان نثبت بان المسرح الملحمي هو من صناعة وتنظير صاحب الريادة اروين بسكاتور الذي تعلم من استاذه راينهارد في وضع الأسس الكاملة لهذا النوع من المسرح والذي أراد من خلاله ان يجعل (المسرح برلماناً والجمهور هيئةً تشريعية)، كما استخدم فيه التقنيات من اجل تعديل وظيفة المسرح وتأثيره على المتفرج، والتي ادخلها فيما بعد على مسرحه السياسي، دون التقليل من قيمة المسرح الاغريقي او (المسرح الارسطي)،او التناقض معه، لأنه يعتقد بل يؤمن بان رسالة المسرح هي تغيير وتطوير ذهنية المتفرج وتحويلها الى ذهنية إيجابية عاملة في المجتمع(2)، هذا من باب الانصاف والاحقية في صياغة المسرح الملحمي، ولا ننسى ان برشت اشتغل مع بسكاتور ولفترة طويلة ويعتبره استاذه في المسرح، لكنه – برشت – اجتهد بان يدخل المسرح الملحمي في (الادب) لذلك كتب نصوصه المسرحية جميعها عن طريق النظرية الملحمية، فبالعودة الى مشهد الشارع الذي يتحدث عنه برشت عن التغريب والذي هو المثال الامثل والمتداول لتجربة المسرح الملحمي، وندقق كل التفاصيل التي تحدث بها، فيما يخص المشخص/ الممثل وما يخص المشاهد، كل هذا يدخل في صلب الادب وليس المسرح، وبالعودة أيضا الى الإشارة (للتغريب) واهميته في المسرح الملحمي والذي يشكل الجزء الأكبر والذي يتناول الاحداث الاجتماعية والإنسانية المطلوب تصويرها وتسميتها على اعتبارها شيئا يدعو للتفسير والايضاح لا مجرد امر طبيعي مألوف من اجل السماح للمتفرج بالذهاب الى النقد بشكل بناء من وجهة نظر اجتماعية (3)، اليس هذا كله موجود في النص!، ولو لم يكن موجودا ماذا على المخرج ان يفعل؟ وماذا على الممثل ان يجسد؟، هل يخلق المواقف والاحداث لوحده؟ وهل بإمكان المخرج ان يقدم مسرحية (البخيل) لمولير مثلا، بنظرية المسرح الملحمي كما كُتبت؟ دون تعديل، وعلينا ان لا ننسى ان هذا المصطلح يعود أصلا الى ارسطو .

    واذا ما ناقشنا (الملحمية) وفسرناها بأبسط تفسيراتها وجدنا بانها (تقسيم المشاهد واستقلاليتها)، وبرشت طبعا يقترب كثيرا من مفهوم (دبلن) في تعريفه للملحمية، والتي يعدها قادرة على تقطيع الدراما الى اجزاء، فماذا نقول عن السينما – الذي اشتغل برشت بها-، اليس تقنية استقلالية المشاهد موجودة في السينما اصلا؟ الم تكن تقنية تقطيع المشاهد موجودة في السينما؟، لماذا لا يكون برشت تأثر بها مثل ما تأثر بالمسرح الشرقي ونقل هذه التقنية التي هي ليس (غريبة) عن الجمهور، فالجمهور كان يتابع العروض السينمائية وهو يعرف ان الاحداث غير متسلسله، وهو متعود ان يجمع هذه الاحداث في النهاية لكي يخرج بقصة مشوقة ومتسلسلة، وتعود في السينما ان يشاهد خطوط فرعية للقصة، وبعضها هامشية، لكنه يتمكن من متابعة القصة الاصلية دون تأثيرات الخطوط الجانبية عليه، كما ان الجمهور كان يشاهد افلام (شالي شابلن) دون حوار،- يذكر (ان (شابلن) استخدم العنصر الملحمي دون ان يكون اشتراكيا او ماديا)(4)– فقط هناك اشارات ورسائل، تكتب على الشاشة، لكنه يتفاعل معها لأنه يفهمها، كما ان برشت كانت له تجارب في السينما مع المخرج العالمي (بايست) في (اوبى القروش الثلاث)، كما عمل مع زميله (فريتز لانج) في لوس انجلس على انجاز (الجلادون يموتون كذلك)، وهو يشير الى أنه تأثر بالسينما الروسية، وسينما ايزنشتاين عندما زار برلين عام 1929.

    هل هذا يقودنا للقول بان نظرية برشت المتعلقة بالمسرح الملحمي، هي ليست ابداعا خالصا حققته عبقريته المسرحية، انما هي عبارة عن تنظيم واعادة انتاج من التجديدات والتجارب التي حدثت في عالم المسرح والدراما (5) ومع هذا  فقد عُدت نظرية برشت متكاملة من جميع النواحي لأنها عالجت العمل المسرحي بأكمله.

    اذا كانت هذه النظرية متكاملة وتم عرض جميع اعماله على هذا الأساس لماذا غير بعد ذلك التسمية الى (المسرح الجدلي)، هل هناك علاقة بين هذا التغير وشخصية برشت الجدلية المزدوجة؟… وهو الذي لم يصبح ثوريا اجتماعيا الابعد ان سلك السبل في عدميته الأولى (6)، هل يمكن ان يكون لهذا الاضطراب النفسي والجسدي الذي عاش فيه برشت اثر على ما قدم من نصوص مسرحية؟ وما نظرته للمسرح وهو المعروف عنه ان جميع اعماله مقتبسة من اعمال أخرى، وبالتالي فهو مقتبس كل ما يتعلق بنظريته من المسرح الشرقي وتحديدا مسرح (النو) الياباني، والمسرح الهندي، والمسرح الصيني، ومن استاذه بسكاتور، اذن اين النظرية، وما هي التجارب التي اجراها عليها؟ وما هي النتائج التي خرج بها من اجل تطبيقها؟، لقد اراد برشت من خلال مسرحه تغير العالم، فهل استطاع ان يغير من خلال نظريته احداً من جمهوره، هل هناك استبيان قبلي وبعدي من اجل معرفة تأثير النظرية على الجمهور؟.

    وبالعودة الى ان المسرح الملحمي يخاطب عقل المشاهد لا عواطفه، اقول منذ متى والمسرح لم يخاطب العقل، اذا ما عرفنا ان المسرح بالأساس انبثق من المعابد، واحتضنته الكنائس فيما بعد، وكانت صبغة التعليم واضحة عندما استخدمته الكنسية الرومانية بطرح تعاليم السيد المسيح وتعليم أبنائهم بنفس الأسلوب وعن طريق المسرح أيضا، وكذلك قام رجال الكنيسة في العصور الوسطى بدعم وتشجيع مسرحيات الاسراء والاخلاقيات كوسيلة لإدماج رسالة الكتاب المقدس (7), فالمسرح الذي يُستخدم لتعليم الأطفال الا يعد هذا  مخاطبة للعقل، لان أساس التعليم هو موجه للعقول وليس للعواطف، اذن من الممكن ان نعتبر ما قاله برشت (تغريبا)، وهو الذي لا يؤمن بالإنسان ولا يحترمه يريد ان يخاطب عقله، نعم لأنه لا يعترف به ككائن له وعي وفهم فقد اعتبره وهذا اعتراف منه في قصيدته (المسكين ب. ب)، ان الكائنات البشرية – وهو يعتبر نفسه واحدا منهم-، (حيوانات كريهة الرائحة) الى حد غريب، كما ان الانسان والطبيعة هما الموضوعات الرئيسية التي تستولي على مسرحياته الأولى والتي يتناول فيها اشكالا من الإنسانية اخطر من ذلك التدهور في بيئة مفزعة، ففي مسرحية (بعل) مثلا نجده يروي حياة شاعر عديم الرحمة ذي ميول جنسية مزدوجة، يشبع غرائزه بدون وازع ضمير، ويموت في النهاية في مهانة وحطة وسط البول والركام معلنا ان العالم ما هو الا براز، وفي مسرحية (طبول في الليل) يصور ما تعانيه الشخصية الرئيسية من فوضى وعزلة… ويسلك اشد السبل اطمئنانا وامانا،(انا خنزير، والخنزير يذهب الى بيته)، وفي مسرحية (غابة المدن) يصور برشت اختلاف الكون وقسوة البشرية التي لا مبرر لها، مختتما المسرحية بتقبل الشر تقبلا سلبيا، هل هذا التغير الذي يسعى اليه برِشت، هل بهذه الطريقة يريد برشت ان يغير العالم، ان هذا الامر يستدعي الوقوف امامه كثيرا، ان هذه الازدواجية الموجودة في شخصية برشت قد انعكست على اعماله وحياته، ولم تتغير نظرته عن المجتمع وعن الفرد، لذلك فهو لا يريد ان يعلم المجتمع من خلال مسرحة او يجعله ثوريا، بل يريد ان يعيد تعليمه وفق ما تملي عليه شخصيته الازدواجية والفوضوية، وضل برشت في حياته الأولى لم يغير من نظرته اتجاه الانسان الذي اعتبره حيوان كريه الرائحة الى حد عجيب ، وهو غير جدير ببطولة او اخلاق او حرية ، او أي شيء اكثر من العمل في سخرية على ما فيه خير هو وبقاءه (8).

    ومن ثم اذا كان كل ما يهم برشت هو الانسان وقضايا المجتمع ،والانسان لديه هو الأداة الرئيسية التي يحرك بها المسرحية، لذ لمَ يحمله مسؤولية الإرادة ويجعلها بيد الانسان وليس خاضعة للظروف الحياتية، التي تجبر الانسان في احيانا كثيرة بان يسير معها، وقد ذكر لنا الله في كتابه العزيز: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (9) ويقول: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)(10)، اذن ما ذنب الانسان ان نحمله مالم يستطيع تحمله، وهو غير خاضع لإرادته وحده، وهو غير عالم بكل ما يحصل له سوى الامور الانية، التي من الممكن ان يخطط لها ويفكر، لكن برشت يصر على ان يحمل الانسان المسؤولية ويخضع كل هذا الى المسرح الملحمي، الذي يعني سرد الاحداث الماضية من حروب ومأسي واعمال بطولية وظروف متعددة من قضايا الانسان ومشكلاته التي مر بها في حياة قاسية ومريره، وطبعا هذا الطرح يكون جماعيا يخص شعبا كاملا مر بهذه المعاناة، واحيانا يكون الطرح فرديا(11). وبالعودة الى كتاب المسرح الاغريقي، نجد انهم اعتمدوا في طروحاتهم على المثيولوجيا، ونقلوا للشعب الاغريقي كل البطولات القديمة، ليتعلمو ويستخلصوا الدروس والعبر منها.

    لكن برشت ينظر للأحداث التي مرت كابوسا كبيرا انهكت الانسان والمجتمع، وعليه حاول ان يوثق هذا التاريخ المرير لشعبه، ومارس هذا الفعل في بادئ الامر في الشعر حيث كتب العديد من القصائد التي اظهر فيها مظلومية شعبه حيث كتب هذه القصائد بين عام 1918 و 1926 ، حيث كانت القصائد للفوضى والعدمية والكآبة والاستلاب الإنساني في تلك الفترة.

    اذن ماذا نطلق على كتابات سنكا وشكسبير، وغيرهم من الكتاب الذين اوخوا لبلدانهم وحكامهم.

    فعملية التوثيق لا تستدعي (التغريب)، لان ناقل الحقائق يجب ان يكون اميناً في نقلها، للجيل الجديد من الشعب، الذي ينتظر هذه الحقائق، وينبغي ان يعرفها كما هي ليقوم بنقلها للأجيال التي بعده، دون تشويش، ودون (تغريب)، ولا يحتاج ان يحللها او يحل رموزها، فنقل الوثيقة مسؤولية كبيرة، فمن مسؤولية الكاتب ان ينقل الاحداث كما حصلت في الواقع، مع بعض التعديلات التي تنفعها لغرض المتعة والتشويق، بشرط ان لا يؤثر على مجرى الاحداث، كون الاحداث الواقعية معرضة الى نقلها من جهات عدة، فاذا ما حدث وان نقلت هذه الاحداث من كاتب اخر فسيكون الكاتب الاول محرج امام جمهوره، وتثار اسأله كثيرة حول هذه الاحداث، علما ان قصائد برشت الاولى كانت صادقة في نقل الواقع المرير الذي يعيشه الانسان المضطهد والمسلوب الإرادة، من قبل البرجوازية، ومن ثم نقل التاريخ لا يحتاج الى نظرية جديدة ننطلق من خلالها لتعريف الاجيال به، فهو موجود في الاساطير، وكتب التاريخ والقصص والروايات، التي استعان من بعضها برشت وحولها بخبرته العالية الى اعمال مسرحية كبيرة.

    ويبقى القول النهائي ان المسرح لملحمي لا يمكن ان يكتمل الا بكتابات برشت نفسها، فهو قد اختط لنفسه اسلوبا ادبيا يكتب اعماله المسرحية المقتبسة من قصص واحداث اخرى، وعلى الذين يرغبون في الدخول بهذه الملحمية بأعمال كتاب اخرين عليهم اعداد النص المسرحي وفق الخريطة التي رسمها برشت او اعادة كتابة النص من جديد .

    الإحـــالات:

    (1): ينظر : يوسف عبد المسيح ثروت ، معالم الدراما في العصر الحديث، (المكتبة العصرية، بيروت ، ب، ت)،ص87.

    (2): ينظر : اوديت اصلان ، موسوعة فن المسرح، ترجمة: سامي احمد، ج2 ( دار الطباعة الحديثة ، ب ـ ت) ص743.

    (3):ينظر : أريك بنتلي، نظرية المسرح الحديث، ترجمة : يوسف عبد المسيح ثروت ( وزارة الاعلام  العراقية ، بغداد ، 1975 ، ص 82.

    (4): مذكور ثابت، الكسر النسبي في الايهام السينمائي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994

    (5): د. سعد عبد العزيز عبد الصاحب، الجدل في المسرح المعاصر، الهيئة العربية للمسرح، الشارقة

    (6): ينظر : يوسف عبد المسيح ثروت ، معالم الدراما في العصر الحديث ، المصدر السابق .

    (7):ينظر: حسن كاظم خضير الخفاجي، توظيف المسرح المدرسي في تعزيز الشخصية الإيجابية (مركز البحوث والدراسات التربوية ، بغداد ، 2011) .

    (8):ينظر : روبرت بروستاين ،المسرح الثوري، ترجمة: عبد الحليم البشلاوي ( دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، ب، ت).

    (9):  سورة المرسلات ، الآية(30).

    (10): سورة الكهف الآية(22) والايه(23).

    (11): ينظر : يوسف عبد المسيح ثروت ، الطريق والحدود : مقالات في الادب والمسرح والفن ، مقالات في الادب والمسرح والفن  (منشورات وزارة الاعلام، سلسلة دراسات/118 ، بغداد، 1977)

    الماركسية والترف الفكري / سمير عادل

    انهى ماركس عمر الفلسفة بعبارته الشهيرة:" فسر الفلاسفة العالم بطرق وأشكال مختلفة، ولكنَّ المهمة تكمن في تغييره".

    أي كان فكر ماركس وإسهاماته الفكرية والسياسية والاقتصادية، ثوريا بالمعنى المطلق، وكان نقده ثوريا بامتياز الى فلسفة هيغل ومادية فيورباخ، واستطاع ان يرسخ نظرية مادية في تغيير المجتمع وإعادة القيمة إلى الإنسان التي عبر عنها بجملته المعروفة،" الإنسان هو أثمن رأسمال".

     تحويل ماركس الى أكاديمي وفيلسوف، هو محض عمل صرف للطبقة البرجوازية منذ ان حول لينين النظرية الماركسية على الصعيد الأيديولوجي والسياسي والاجتماعي الى واقع مادي ملموس، عندما بين ان السلطة ممكنة بيد الطبقة العاملة، وأن الثورة الوحيدة في عصر ما بعد الرأسمالية هي الثورة العمالية وتحت افاق الاشتراكية، وكل بخلاف ذلك، هي اما ثورات مرتدة لإعادة الأوضاع الى سابق عهدها، او ثورات ديمقراطية تحسن وضع تيارات الطبقة البرجوازية على صعيد السلطة والمعادلة السياسية على حساب الجماهير العمالية والكادحة، ولا يمكن نفي بأن وفي ظل أوضاع محددة، وضمن توازن القوى، يتحسن وضع الأخيرة وبشكل نسبي وبدرجات، وهي نفس الأوضاع قد يمهد او يفرض على أحزاب برجوازية تقديم التنازلات السياسية من أجل الحفاظ على سلطتها الطبقية. 

    هذه هي حقيقة ماركس والفكر الماركسي، فلم يكن ماركس فيلسوفا، وقد سدد ماركس ضربة قاصمة الى الفلاسفة، عندما صور تحلق مخيلتهم في تفسير العالم مع انجلز في كتابهما (الأيديولوجية الألمانية)، مثل ذاك الذي يحلق بخياله في عملية الاستمناء أو ما تسمى بالعادة السرية.

    أي بشكل آخر نقول، كان ماركس اخطر قائد ثوري، يقض مضاجع البرجوازية والاقطاع وكل القوى الرجعية في اوروبا، والتي سماه في البيان الشيوعي الحلف المقدس. ولأنه كان كذلك، فقد منع من التدريس في الجامعات، وحظر دخوله او العيش في العديد من البلدان الاوربية.

    ان الأقلام المأجورة و المفكرين البرجوازيين، لم يكن امامهم خيار في الحيلولة دون ظهور لينين جديد، يعلم الطبقة العاملة الطريق الى السلطة السياسية إضافة الى كل أساليب القمع السياسي والفكري وإشاعة التحميق والجهل، نقول لم يكن أمامهم سوى العمل بتحويل الفكر الماركسي الى منظومة اكاديمية معزولة، تدور اما في الجامعات او في ذهن لفيف من مثقفي الطبقة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، في حين منع صاحبه كما اشرنا من وضع أقدامه في تلك الجامعات.

    إن المنطق المتماسك للفكر الماركسي، وتفسيره المادي لكل العلل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، هو احدى العوامل في تبني أولئك المثقفين، الفكر

    الماركسي، ولكن منزوع الثورية، مثل حليب منزوع الدسم، وفضلا على ذلك أن رقي الفكر الماركسي بالنسبة لهم وتبني كل منجزات العلم والتطور الانساني، هو مبعث راحة ضمير عندما يجلسون خلف مكاتبهم ، بأبداء النصح والغوص في التحليلات على أساس الماركسية، التي هي محل اعجاب طيف واسع من الجمهور.

    ومثلما ابدعت البرجوازية من اجل الربح، ابتكار وسائل للترفيه والاستجمام، ابدعت أيضا في تحويل الفكر الماركسي الى ترف فكري يتمتع بالمنتجعات الفكرية مثل المنتجعات السياحية، مثل مراكز الدراسات والجامعات والصالونات، ويحضر إليها شلة من الناس الذين يسمون أنفسهم بالنخبة بالاستجمام الفكري، وينظرون من برجهم العاجي المحصّن من ضربات منجنيق القرون الوسطى، الى الطبقة العاملة والمحرومين وكل أشكال الظلم القومي والعرقي والجنسي وعملية التجهيل المنظمة من قبل الطبقة البرجوازية الحاكمة، وشيوع الخرافات الدينية، بأنهم أي الجماهير العاملة والكادحة، لم ينضجوا بعد، ولم يفكوا بعد شفرة طلاسم الديمقراطية، بينما هم أي النخبة، تمتلك اكسير الترف الفكري.

    إن احدى السمات الإيجابية لانتفاضة أكتوبر في العراق أي انتفاضة تشرين ٢٠١٩، هي انتشار الفكر الاشتراكي بشكل نسبي، وتبني الفكر الماركسي في أوساط اجتماعية عديدة، وقد تحدثنا عنها في وقتها، الا ان ما نريد الإشارة إليه في هذه المساحة، هو سيادة التقاليد النخبوية للبرجوازية الصغيرة على هذه الأوساط، وتنظر الى الفكر الاشتراكي وحتى الحلقات الاشتراكية او التجمعات التي تبلورت حول هذا الفكر، بأن الفكر الاشتراكي هو فكر نخبوي، هو فكر صف من المثقفين الذين ينحدرون من البرجوازية الصغيرة، هو فكر ليس له علاقة بالتغيير، ولا بالتدخل في الحركات الاجتماعية، ولا تعترف بدوره بالتغييرات السياسية والاجتماعية في المجتمع.

    وبموازاة ذلك أيضا يعزل الفكر الماركسي عن الفكر الاشتراكي، وكأن الفكر الماركسي هو فكر تحليلي وفلسفي، بينما الفكر الاشتراكي هو فكر نخبة من الناس المحترمين وطيبي القلب والنيات، ولديهم مستوى من الثقافة والفكر النير حول العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات.

    هذا العزل، او وضع جدار بين الفكر الماركسي والاشتراكي هو من صنع البرجوازية الصغيرة، ويلتقي أصحابهما في نقطة اللاعمل، وحصر كل شيء بالثقافة وتنوير الناس، حتى ظهور "المهدي المنتظر" ولكن ليس نسخته الشيعية، انما بنسخته الاشتراكية ويقود التغيير.

    وان هذا المشهد الكاريكاتوري في أوساط المثقفين الذين يتبنون الفكر الماركسي والفكر الاشتراكي، يمتد الى العديد من المدن، وخاصة بعد انتفاضة أكتوبر.

    إذا لم يمض الفكر الماركسي نحو التغيير الثوري في المجتمع، وانهاء علاقات الإنتاج الرأسمالية القائمة على استثمار الانسان، وبناء المجتمع الاشتراكي،

    فهو فكر له علاقة بكل شيء ولكن ليس له أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد بماركس ومنهجيته بالتغيير الثوري، اما الفكر الاشتراكي دون مد يده الى

    الماركسية كعلم التغيير او كما يصفه منصور حكمت بأنها علم تحرر الطبقة العاملة والذي بالضرورة علم تحرر المجتمع، مثل بقية العلوم الأخرى، يتحول دعاته الى انبياء لا حول لهم ولا قوة، حيث يفتقرون الى المعجزات كي يتبعهم الاخرين.

     وكما ان التصورات والأفكار الليبرالية والديمقراطية والقومية والفاشية تمثل تيارات داخل الطبقة البرجوازية، فان التصورات والأفكار الاشتراكية و الشيوعية والفوضوية والنقابية، تعبر عن ميول وتيارات داخل الطبقة العاملة، ويعتبر الفكر الماركسي هو علم ذلك التيار في الحركة الاشتراكية داخل الطبقة العاملة مثلما يعلمنا منصور حكمت قائد ومفكر الشيوعية العمالية.

    أي ما نريد ان نقوله، بأنه لا مكان للأفكار والتصورات خارج حدود الطبقات، وعليه ان الفكر الماركسي هو الراية النظرية لتيار محدد في الحركة الاشتراكية وهو التيار الشيوعي داخل الطبقة العاملة، وليس راية لكل الطبقة العاملة، شأن التيارات البرجوازية الانفة الذكر، التي تبغي كل واحد منها جر الطبقة البرجوازية تحت رايتها.

     ولكن ماذا فعلت البرجوازية بالفكر الماركسي، فقد فصلته أو بالأحرى ودقيق العبارة انتزعته من طبقته، وحولته إلى راية سياسية للشرائح الاجتماعية

    المتذمرة والساخطة ضد الاستعمار والامبريالية والرأسمال العالمي وضد الاستبداد والدكتاتورية داخل الطبقة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة مع تفريغه من محتواه الفكري والسياسي، وعندما انتفت الحاجة اليه، حولته الى مكتب فكري لترفيه المثقفين من تلك الطبقات.

     بمعنى اخر ان الفكر الماركسي هو راية التيار الشيوعي داخل الطبقة العاملة، ولا معنى للفكر الماركسي خارج طبقته، وكل ما يقال بخلاف ذلك هو محض هراء وفبركة برجوازية، لإبعاد هذا السلاح النظري من يد الطبقة العاملة في نقد الرأسمالية ونظامها الجائر والعمل على قلبه. وليس هذا فحسب فالفكر الماركسي دون تحزبه، دون تنظيم الفصيل الثوري الذي يعبر عنه التيار الشيوعي، دون العمل على سيادة افاقه الفكرية والسياسية والاجتماعية على الطبقة العاملة، فلا يتجاوز فلك البرجوازية ومكاتبها الفكرية، التي ترتعب من ظهور لينين آخر يٌمَكَنّه من تبنيه، و يسلحه بالجسارة الثورية لمد يديه إلى السلطة.

    الوجود والثقافة والمعرفة إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

    1
    الرابطةُ الوجوديةُ بين الظواهرِ الثقافية ومصادرِ المعرفة تُمثِّل منظومةً اجتماعية حاضنة
    للتفاعلات الرمزية المُسيطرة على علاقة الفرد بِنَفْسِه وبيئته ومُجتمعه. والتفاعلاتُ الرمزيةُ
    جَوْهَرٌ أخلاقي مُتجانِس،ونَسِيجٌ مُتشابِك مِن الصُّوَرِ الذهنية والأحداثِ الواقعية ، يُؤَدِّي إلى
    إنتاج آلِيَّات لُغوية قائمة على تأويلِ تفاصيل الواقع المُعاش ، وتفكيكِ أدوات الهَيمنة السُّلْطَوِيَّة
    على الوقائع التاريخية ، واستنباطِ المعاني الكامنة في السلوكياتِ الفردية والمصالحِ الجماعية
    ، وصناعةِ عوالم فكرية قادرة على صهر الماضي والحاضر والمُستقبَل في بَوْتقة واحدة ،
    وفتحِ الزمن على جميع التفسيرات للمَعْنَى الحَاكمِ على السِّيَاق الاجتماعي،والمَحكومِ بطبيعة
    السُّلوك الإنساني، والمُتَحَكِّمِ بشروط إنتاج المعرفة في العناصر التاريخية المُحيطة بشخصية
    الفرد الإنسانية، باعتبارها كِيَانًا حياتيًّا مركزيًّا، وكَينونةً لُغوية مُتجدِّدة. وإذا كانَ التاريخُ
    _كَوَعْيٍ خَلاصِي وإدراكٍ رُؤْيَوِي وإرادةٍ إنسانية _ تَوليدًا مُستمرًّا لفلسفة السُّلطة في المعرفة
    حِسِّيًّا ومَعنويًّا ، فإنَّ اللغةَ _ كَسُلوكٍ مُجتمعي ومَضمونٍ إبداعي ومشروعٍ تَحَرُّري _ إعادةُ
    صناعةٍ للنَّوَاة الأساسية لِهُوِيَّةِ المُجتمع روحيًّا وماديًّا . وعندما يتحرَّك التاريخُ باتِّجاه اللغة ،
    فإنَّ تفاصيل الحياة المَلموسة تُصبح مَركزًا مُتَجَذِّرًا يَستعيد الهوامشَ ، ومنهجًا عقلانيًّا يُحرِّر
    السِّيَاقَ الاجتماعي مِن الكَبْت ، وزمنًا مُتَشَعِّبًا يُعِيد العناصرَ المنسيَّة إلى ذاكرة المجتمع ،
    بِوَصْفِهَا فِعْلًا وفاعليَّةً وتَفَاعُلًا . وعندما تتحرَّك اللغةُ باتِّجاه التاريخ ، فإنَّ تعقيدات المشاعر
    الإنسانية تُصبح جَوْهَرًا فلسفيًّا يُولِّد الأسئلةَ المصيرية في التُّرَاث ، ومنظومةً معرفية تُكرِّس
    مركزيةَ الذات في الذكريات ، ومَرجعيةً رمزية تُحلِّل الدَّوْرَ الحضاري للمنطقِ اللغوي والعقلِ
    التاريخي .
    2
    الوجودُ صِناعةٌ مُستمرة للخِبرات العملية ، والثقافةُ إنتاجٌ دائم للأسئلة المصيرية ،
    والمعرفةُ تشييدٌ مُتواصِل للبناء الاجتماعي. وهذه الأركانُ الثلاثة ( الوجود والثقافة والمعرفة
    )، تُمثِّل نِظَامًا مِحوريًّا لا يَتَعالى على التاريخ، ولا يُقِيم قَطِيعةً مع أنساقه ، وإنَّما يُؤَسِّس
    مناهجَ اجتماعية للكشف عن الشروط الضرورية لتوظيف الأفكار الإبداعية في عملية تفسير
    مصادر المعرفة، من أجل دَمْجها معَ الآلِيَّات اللغوية التي تُسَاعِد العقلَ الجَمْعي على تحويل
    الوَعْي الحضاري إلى تاريخ مُشْتَرَك بين مَاهِيَّةِ الوُجود الحَي والحُر ( طبيعة الفردِ وهُوِيَّة
    المُجتمع ) ومَاهِيَّةِ النشاط الواقعي والعَقْلي ( دِينَامِيَّة الحياةِ اليومية والصَّيرورة الزمنية
    المكانية ) . وإذا كانت الظُّرُوفُ المعيشية تُؤَثِّر في تراكيبِ الهُوِيَّةِ والماهيَّةِ سَلْبًا وإيجابًا ، فإنَّ
    العقل الجَمْعي يُؤَثِّر في تفاصيل الحياة اليومية ، ويَستطيع مَنْحَ الشرعية لها أوْ نَزْعها عَنها .
    والامتحانُ الحقيقي لا يَكْمُن في قُدرة الفرد على تغيير مُجتمعه ، وإنَّما يَكْمُن في قُدرة الفرد
    على تغيير نَفْسِه، مِن أجل إعادة بناء مُجتمعه ، باعتباره هُوِيَّةً وُجوديةً قائمةً بذاتها ،
    ومُتَفَاعِلةً معَ العناصر المُحيطة بها ، ومُتَجَانِسَةً على صَعيد البُنية التحتية والبُنية الفَوقية ،
    ومُنْدَمِجَةً معَ عملية تَحويل الظواهرِ الثقافية ومصادرِ المعرفة مِن الكِيَان إلى الكَينونة، ومِن
    الذات إلى الطبيعة ، ومِن النظرية إلى التطبيق . والمُجتمعُ لَيْسَ مرحلةً زمنيةً عابرةً ، وإنَّما
    هو زمنٌ مُتَجَدِّدٌ ومُتَكَاثِرٌ يَلِدُ نَفْسَه بِنَفْسِه ، لذلك كانت العلاقاتُ الاجتماعيةُ حاضنةً للأزمنة
    المُختلفة . وكما أنَّ الروابطَ بين الأشياء أَهَمُّ مِن الأشياء ذاتها ، كذلك العلاقات بين الأزمنة
    أَهَمُّ مِن الأزمنة ذاتها .
                                                         3

    الثقافةُ تُطهِّر الوُجودَ مِن الوَعْي الزائف ، والمعرفةُ تُنقِّي الوُجودَ مِن الإدراك الوهمي ،
    مِمَّا يُؤَدِّي إلى مَنْعِ العلاقات الاجتماعية مِن إنتاج ذاتها ضِمْن المُسَلَّمَاتِ الافتراضية المُغْرِضَة
    ، والمصالحِ الشخصية الضَّيقة . وكُلُّ تَطهيرٍ للوُجود ثقافيًّا ومعرفيًّا يُؤَدِّي _ بالضَّرورة _ إلى
    تَطَهُّر في العلاقات الاجتماعية شكلًا ومُحتوى ، وهذه العمليةُ لا تَقُوم على الآلِيَّة الميكانيكية ،
    بَلْ تقوم على القَصْدِيَّة الواعية ، التي تَستطيع تحريرَ الفرد مِن المَأزِق الوجودي في بيئةٍ
    مُعقَّدة وعَالَمٍ مُركَّب . والمأزقُ الوجودي هو النتيجة الحتمية لِخَوْفِ الفرد مِن نَفْسِه ومُستقبَله
    ، وعدمِ رِضَاه عن أدائه الحياتي . وهذا يَعْني انفصالَ الفِعْل الاجتماعي عن فاعليته المعرفية ،
    فَتُصبح حياةُ الفردِ حركةً مَحصورةً بين الحُدود الزمنية والمكانية بلا أثر ولا تأثير ، وتُصبح
    السُّلطةُ الاعتباريةُ للفرد مُجرَّد دَوَرَان في حَلْقَة مُفْرَغة ، وعِندئذ يَعْجِز عن الانطلاق مِن تغيير
    نَفْسِه إلى تغيير مُجتمعه . لذلك ، يجب على الفرد _ إذا أرادَ أن يَكُون فاعلًا في الأحداث
    اليومية_ أن يُحَوِّل عَقْلَه إلى أداة لصناعة المفاهيم الجديدة، التي تَقْدِر على توليدِ المَعْنَى لا
    نَسْخِه ، وإبداعِ المفاهيم لا تقليدِها ، ومُواجهةِ الواقع لا الهُروب مِنه .

    جائزة علاء الجابر تطرح شروط مسابقة النصوص المسرحية (للكبار) للمشاركة بنسختها الثالثة

    فرع التأليف المسرحي – النصوص الموجهة للكبار

     دورة المؤلف  العراقي :  هادي المهدي (1965 – 2011)

    شـروط المسابــقة:

    1. المسابقة متاحة للشباب العربي، من سن 18 – 45 عاماً.
    2. أن يكون النص جديداً، لم يسبق نشره بأية وسيلة ورقية أو إلكترونية، ولم يسبق تقديمه في عرض مسرحي من قبل.
    3. أن لا يكون النص قد فاز بأية جائزة من قبل، أو تم تقديمه لأية مسابقة أخرى.
    4. لا تقبل النصوص التي يشترك في كتابتها أكثر من مؤلف.
    5. لا تقبل نصوص الممثل الواحد (المونودراما).
    6. تُقبل النصوص المكتوبة باللغة العربية الفصحى أو اللهجة المحلية.
    7. أن يراعي النص شروط الكتابة المسرحية المتعارف عليها.
    8. أن لا يقل عدد كلمات النص عن 2000 كلمة، ولا يزيد عن 5000 كلمة.

    آلية المشاركة:

    1. يرشح المتسابق عمله بنفسه للمسابقة، ولا تقبل الترشيحات المقدمة من قبل جهات أو أطراف أخرى.
    2. يرسل النص مطبوعاً بصيغة (word)، ونسخة أخرى بصيغة (PDF)، على أن يكون حجم الخط 16، نوع Sakkal Majalla.
    3. لا تتم كتابة البيانات الشخصية على النص إطلاقاً، ويكتب على صفحته الأولى عنوان النص فقط.
    4. ترسل البيانات عبر صفحة منفصلة، تتضمن: الاسم، وعنوان النص.
    5. يرسل الكاتب صورة عن أي مستند يثبت هويته الشخصية، مثل: جواز السفر، البطاقة القومية..إلخ.
    6. يكتب المتسابق تعهداً خطياً، يؤكد فيه أن النص من تأليفه وحده، وملك خالص له.
    7. يكتب المتسابق تفويض
      اً للجائزة بطباعة عمله في حال فوزه بإحدى الجوائز.
    8. ترسل الأعمال المرشحة، وجميع المرفقات إلى الإيميل التالي:aljaber.award@gmail.com
    9. يتم استقبال المشاركات بدء من يوم الاثنين الموافق 12/12/2022، علماً بأن آخر  موعد لتلقي المساهمات هو يوم الأربعاء الموافق 12/4/2023 ولا يعتد بأية مشاركات تصل بعد هذا التاريخ.
    10. لا تتكفل الجائزة بحضور المتأهلين للقائمة القصيرة أو الفائزين بالجائزة، لحفل توزيع الجوائز، سواء كانوا من داخل مصر أو خارجها، وبإمكان المتأهل أو الفائز الحضور على نفقته الخاصة، أو اقتراح من ينوب عنه في ذلك.
    11. لا يحق للمشارك الانسحاب من الجائزة بعد إعلان نتائج القائمة الطويلة، كما لا يحق له الاعتراض على قرارات لجنة التحكيم.

    النتائج:

    • يتم الإعلان عن الفائزين وتوزيع الجوائز وأسماء أعضاء لجان التحكيم في حفل توزيع الجائزة، في موعد يتم تحديده بعد نشر القائمة القصيرة .

    الجوائز:

    • المركز الأول: مبلغ 5000 جنيه+ درع الجائزة + شهادة تقدير.
    • المركز الثاني: مبلغ 3000 جنيه+ درع الجائزة + شهادة تقدير .
    • المركز الثالث:  مبلغ 2000 جنيه درع الجائزة + شهادة تقدير .
    • جائزة لجنة التحكيم الخاصة :مبلغ 1000 +  درع الجائزة + شهادة تقدير
    • مكافأة تشجيعية بقيمة 500 جنيه لجميع الأسماء الواردة في القائمة القصيرة، ولم تحقق الفوز بأية جائزة.
    • طباعة جميع الأعمال الفائزةفي كتاب يصدر في الدورة التالية.

     

    مهرجان المسرح الوطني العراقي يطرح استمارة المشاركة بدورته السادسة


    دورة السليمانية ( للفترة من 22 الى 28 فبراير/ شباط 2023)

    تعلن وزارة الثقافة العراقية – دائرة السينما والمسرح بالتعاون مع (مديرية الفنون سليمانية وجمعية الفنون الجميلة الكردية) عن تنظيمها الدورة السادسة لمهرجان المسرح العراقي (للعروض الوطنية) في الفترة الممتدة من 22 الى 28 فبراير/ شباط 2023، بمحافظة السليمانية (بطريقة تنافسية).

    فعلى جميع الفرق المسرحية العراقية والمؤسسات التعليمية المتخصصة بالمسرح الراغبة في المشاركة الضغط على الرابط واتبع التعليمات وملأ الاستمارة الالكترونية:

    فعلى جميع الفرق المسرحية العراقية والمؤسسات التعليمية المتخصصة بالمسرح الراغبة في المشاركة الضغط على الرابط واتبع التعليمات وملأ الاستمارة الالكترونية:

    https://n9.cl/ujkln 

    و ارسال المعلومات المطلوبة على اميل المهرجان: theaters.cinemamasrah.iq@gmail.com

    أخر آجال لاستقبال الطلبات هو: 30 / 12/ 2022

    رئيس المهرجان: د. احمد حسن موسى

    للاستفسار :

    ـ منير راضي : مدير المهرجان ( ‭009647722543753‬)

    ـ حيدر جمعة : سكرتير المهرجان ( ‭009647901585535‬)

    ـ محمد سامي : لوجستك (009647710501996)

    أهمية أشتراك التلاميذ في نشاط المسرح المدرسي/ محمد صخي العتابي


    أذا أتخذ النشاط المسرحي دعامته من المجتمع ذاته وأوضح بجلاء الاتجاهات التي يأمل أن يحققها ذلك من مستقبل المجتمع وحاضره وماضيه يؤثر تأثيرا قويا في أي من أعضائه وقد يأتي هذا التأثير بطريقة عارضة مادام هذا الفرد عضوا في المجتمع ولاكن متى مابذلت الجهود العامدة لتحقيقة بصورة واعية فأن حياة الفرد لابد أن تكون متمشية في حاضرها ومستقبلها مع طبيعة الاحداث التي يعيش فيها وأن مهام هذه الانشطة تعزيز العلاقات الانسانية والاجتماعية بين التلاميذ والعمل على تعميق الشعور بالمسؤلية وتحملها وتضحية وممارسة مختلف الاساليب الديمقراطية في التعامل الاجتماعي وأحترام القوانين والانظمة والتحلي بأخلاق والثقة بالنفس .
    وتتيح للتلاميذ في مختلف مراحل العمر فرصا يعبرون فيها عن كثيرمن الموضوعات التي تعكس الحياة من حولهم فأن من بين الوضائف العامة التي يؤديه المسرح المدرسي في المدارس هي أتاحة الفرصة للتلاميذ للتنفيس عن مكبوتاتهم فيفصحون عن هذه الانفعالات المخزونة وليدة الماضي .
    ومن هذا أن التربية الفنية الواعية يجب أن تدخل في حسابها كيف يكمن أن يتحول التفكير الاجتماعي الجديد الى صورة واقعية ملموسة.

    مسرحية رماد أحزان الكوفة تأليف حسين عبد الخضر


    لمشهد الأول

    ( المسرح خال من الديكور ، سوى قفص يقف خلفه رجل عجوز ، جميع الأصوات الأخرى تأتي من خلف المسرح ) .

    صوت الجوقة : الكوفة تجتر المأساة ، تنشد حزن الماضي ... غادرنا الطيف ، أردته رصاصات

                           الغدر شهيدا . غابت شمس الكوفة . فلتبكي الأشجار عليه . فلتبكيه الأنهار . يصـوم

                           الأذان وتحتد الصلوات . رحل النور وعاد الليل طويلا يتوعدنا . رحل النور فليس     سوى حلم تغطيه السنوات.

    العجوز : ( ينظر وكأنه يرى الناس أمامه ويخاطبهم ) أنا لم اقتل أحدا . نصــــحت سعيدا وهانيا

                 لأني كنت أرى خاتمة اللعبة .

    صوت الجوقة : الصمت هو القاتل . الصمت وجبن الجبناء .

    العجوز : سكت لأني كنت أرى في الظلمة . سوط الجلاد وسيف القاتل ، سكت لأني كــــــنت أرى

                 آلاف الأموات يلتهمون الأحياء ( يجلس ) جسدي ينحل وقواي تخور . إني أكــثر موتا مـــــــن نفس  الموت .     

    ( يدخل طيفا هاني وسعيد) .

    الطيفان : لماذا أطلقت علينا النار ؟

    العجوز : ( بفزع ) أنا لم اقتل أحدا .

     الطيفان : بل أطلقت علينا رصاصات صامتة .

    العجوز : قلت باني لا أقوى أن أطعن أو أُطعن .

     طيف هاني : ادعوك أن تتوحد مع نفسك .

     طيف سعيد : لماذا تتركنا الآن ؟

    (يخرج الطيفان ) .

     

    العجوز : مالي أصبحت أرى الأشباح تطاردني ؟ لماذا يتعزز فيّ شعور أني القاتل ؟ ( يحاول أن

                 يبدو طبيعيا ) أنا لم اقتل أحدا وقدر الكوفة أن يغشاها الليل .

    صوت الجوقة : القاتل ينكر طعن المقتول . يذرف دموع الحــــــــزن ، ويهيل الدمع على أوزار  جريمته القاتل يلبس كفن المقتول . لكن الكوفة لا تنسى الشـــــــــــهداء ولا تغفر للجلادين . .  عروس الليل المغتصبة لا تغفر للنخاسين .

     (صراخ . يهرب العجوز إلى القفص . صمت . يخرج من القفص ويكلم أشخاصا يتوهمهم ) .

    العجوز : سعيد مالك ترمقني شزرا . لا داعي للفرقة ما دمنا رفيقين . ألسنا صديقين سعيد ؟ هاني . . ولو أني لا اعرفشيئا عن مزج الألوان وهذا الخط الباهت يفرق بين الأبيض والأسود لكني أرى أن اللوحة مازالت تحتاج إلى بعض الإصــــلاحات .. لماذا لا تتكلم ؟ تكلما . . إني اغرق وحدي في هذا الحزن . اغرق وحدي في هذا البحر من الظلمة . . سنوات.

     صوت الجوقة : الكوفة يغشاها الليل . يشرد فيها الأيتام ويسرق خبز الفقراء . انهار الكوفة عطشى

                          وليس لضام فيها شربة ماء .

     العجوز : مالي والأيتام ، مالي والفقراء ، لماذا تطاردني الأشباح وتبصق في وجــهي الجدران ،

                  أنا لم اسرق أحدا . أنا لم اقتل أحدا . قدر الكوفة أن يغشاها الليل .

     صوت الجوقة : من أطفأ شمس الكوفة  منذ سنين ؟ من أوقد نار الفتنة فيـها فعادت تغرق في         الظلمات؟ملعون من شتت شمل الأمة وفرق بين الـــناس الأحقاد . الكـوفة لا تنسى الشهداء ولا  تغفر للجلادين . .عروس الليل المغتصبة لا تغفر للنخاسين .

     العجوز : أعوام مرت ظلماء . أدور على نفسي كالمجنون . لا أغفو ليلي . لو أغمضت عيوني ،

    تفتح في وجهي عين وتشير إليّ أصابع كل الموتى في الكوفة وأصابع كــل المحتجزين في الزنزانات وتحت الأرض . هو ذاالقاتل . وأرى عنقي يـدور بحبل المشــــنقة . أراه يدور . . . ولكني أحيا ونفسي أكثر موتا من نفس الموت .

     ( يدور العجوز على الخشبة . الضوء مسلط عليه فقط ) .

    العجوز : حبال سود تلتف عليَ السنوات . صخور جرداء تتراكم حولي الأيـــام . أتمنى لو أطرد عن   ذاكرتي رائحة الدم والمـوت . أتمنى لو تختصر السنــوات إلى القبر . فيبتعد القــبر وتمتد الســنوات . الإثم يخيــم في ليل النفس وأرى روحي تلتهب بنيران النـدم . . . الندم اللا   مجــدي . كالجبل على ظهــري يجثم ذاك الــماضي . . الــماضي . يضج بـرأسي صراخ المــاضي ، يزدحم خيــالي بمشاهد ذاك الماضي . كــأن الأحداث تمر الآن . . . كأن الأحداث تمر الآن .

    المشهد الثاني

    (  المسرح شبه مظلم ، يقف ثلاثة شباب خلف أقفاص عالية موزعة على خشبة المسرح . الجوقة تقف خلف قفص كبير في وسط المسرح من الجانب البعيد وأيديها مقيدة إلى القضبان ) .

    ( يعلو صوت صراخ لرجل يعذب من خلف المسرح فيتلوى الجميع ألما . ينظر الشباب الثلاثة بخوف إلى كل الاتجاهات ) .

    هاني : ( وهو ينظر إلى الأعلى ) . ثلاثون عاما والسماء تمطر دما أسود

     سعيد : ثلاثون عاما والظلام يفترس المدينة . يغتال الأقارب والأصدقاء والأحلام .

    رشيد : ثلاثون عاما هي كل عمري الذي لم أحيا منه يوما واحدا . ثلاثون عاما هي الخوف والانتظار .            انتظار اللحظة التي اصرخ فيها صرختي الأخيرة وأتلاشى .

     هاني : ( نحو الجمهور) اللوحة مازالت تستقبل الغبار . الألوان تجف باستمرار . وأصابعي مازالت

               متحجرة .

     سعيد : ( نحو الجمهور ) . حاولت كتابة قصيدتي فبدت الكلمات أثقل من الصخور . هذا زمن لا يصـلح لغير الصراخ . وهذه مدينة لا تحيا بغير الصمت ؟ ! فكيف اكتب الصمت ؟

    رشيد : ( نحو هاني وسعيد ) كفى أيها الحالمان . لاشيء أمامنا سوى أن نمـوت في هذا الظلام وننسى           لقد ولى زمن الأحلام .

     هاني : لو كان صحيحا ما تقول . فيجب أن اكســر ريشتي واطــمر أصابعي في الــتراب . لو ولى زمن الأحلام ، فما قيمة أن يجري الماء بنهر ميت . ما قيمة أن يحيا الإنسان ويلتهم الساعات .

     سعيد : لا . . لا يمكن أن يرضى ذلك حتى فار  يقضم في جحر تحت الأرض خبزا يابسا وينام .. لابد لنا            من حل . . محاولة أخرى .

     رشيد : ( منتفضا ) محــاولة أخــرى ؟ ! محاولة أخــرى هي مــوت آخر ، سجون أخرى ، عذاب     آخر . مازلت أتنفس رائحة الدم . مازال السوط على ظهري يكتب تاريخ النكبة ( يجلس بعيدا عنهما ، يضع رأسه بين يديه . يسلط الضوء عليه ) مازلت اذكر ذاك اليوم .. مازلت اذكر .

    ( يضيء المشهد عن الجوقة وقد تجاوزت القفص وهي تهتف ) .

     

    الجوقة : الــموت للظلام . . الــموت للظلام  . . يأيــها الفارس الذهبي أقبل . تعال واروي العطشى . تعال واحــمي الأيتام . . الــموت للظلام . انهض أيها الراقد في الأحــلام . تعال وامتطي حماس تلك الحشود . . تعال . . تعال .

    ( تتوقف الجوقة عن الهتاف وهي تنظر صوب جهة بعيدة ، الشباب الثلاثة ينظرون أيضا إلى تلك الجهة ، مترقبين ظهور احد ) .

    الجوقة : لاشــيء يأتي من هناك . لاشــــيء حتى الآن في الدرب البعيد . ولا أحد . ( ترتفع أصواتهم )

     هبت على نيراننا ريح الملل .. والجمر يخبو ويخبو على راحة الانتظار .

    (  الشباب الثلاثة وقد ملوا الانتظار أيضا ) .

    هاني : الطيف الأبيض لم يأت بعد .

    سعيد : لم يأت بعد . الجمرة في جسدي تبرد . عسى أن يأتي قبل غروب الصبر .

    رشيد : عســى أن يأتي . عســى أن يأتي . الغائب لم يأت والظلمات احتشــــدت في كل مكان . . من كل   مكان .

    ( أصوات معركة . قصف بالمدافع والأسلحــــــة الخفيفـة . يتخبط كل من على الخشبة في حركة

    تراجع إلى الخلف ) .

    رشيد : ( بصوت عال ) مؤامرة .

     سعيد : ( بصوت عال ) الليل يهاجمنا من كل مكان .

     هاني : ( بصوت عال وهو يشعر بالدهشة وخيبة الأمل ) من باع الكوفة ؟ من خنق الأصوات ؟ من            فتح الباب لهذا البحر الأسود وأغرق بظلمته الكوفة ؟

    ( يغادرون الخشبة فيظلم المسرح لينكشف من جديد عن الجوقة وهي تقف خلف قفصها الكبير مقيدة اليدين تبدو عليها آثار التعذيب ) .

    الجوقة : ( تنشد بطريقة تشبه النواح ) ارتدت الحياة ثوب حدادها الأسود . الموت والدماء عنوان هذه الأرض . تخــلى الفارس عن صهــوة جواده . هــذا اليــوم  لا يشبه يوم آخر في التاريخ .

    الكوفــة تبحث عن فــارسها . الكوفــة تنادي شهابها الجديد . . رفـــعت صوتها بوجه الظلام فاكتست الشوارع جثثا واغتسلت الأرصفة بالدماء

    ( يتسلل الثلاثة الواحد بعد الآخر ) .

    رشيد : ها ؟

    هاني : جثث حمراء ودماء سوداء وسكون .

     سعيد : ( يضع أذنه على الأرض ) قلب الأرض ينوح . بعينيّ رأيت الأطفال تحطمهم سرفات الدبابات .           رأيت النسوة والشبان يقادون إلى الموت زرافات .

     ( يرقد رشيد كالنائم بينما يدور هاني وسعيد على الخشبة ، كأنهما يبحثان في المدينة عن أثر للحياة . يسمعان صوت رشيد وهو يهذي ) .

    رشيد : لا . لا تقتلوني . لا تحرقوني . أنا لم افعل شيئا . أنا لم اصرخ . أنا لم اصرخ . لا تدفنوني . . لا. ادفنوا هاني أو سعيد . ادفنوا هاني أو سعيد 

    ( يوقظانه فيستيقظ فزعا ، خائفا وهو يصيح بصوت مريض  ) .

           : لا . . لا تقتلوني .

    هاني : لا بأس عليك رشيد .

     سعيد : ( وهو يضع يده على جبهة رشيد ) غارت عيناه وحرارته ارتفعت .

                ( رشيد ممدد في وسط الخشبة ، يجلس إلى جانبه هاني وسعيد بمواجهة الجمهور ) .

    الجوقة : مــاتت عصافير الكوفــة فوق الأغصان . ماتت وهي تردد لحن الغائب . فتحول لحن العصفور إلى هذيان . الدم والمـوت صديقان . اللحن صديق الدم . والدم عدو الإنسان . لا منجي للكوفة من الهذيان . تفترش الأحلام وسادة حزن قاتمة الألوان وتهذي . . تهذي .

    المشهد الثالث

    ( المسرح شبه مظلم . حبال وسلاسل تتدلى من سقف المسرح . الشباب الثلاثة خلف أقفاصهم والجوقة في قفصها . خلفية المسرح صورة مدينة مدمرة ) .

    الجوقة : من يعطي خبزا للجــائع ، صوتا للأخرس ، حزنا لهذا القلب الفارغ ، حملا لهذا الزمن العاقر،

               سيفا تتحد عليه أصابع يدنا المبتورة ، فتات الأحلام . . . من يهدي للروح فتات الأحلام  ؟

     هاني : ليس لنا سوى أن نحلم . وحتى الأحلام بلونين فقط .

     رشيد : ( مقاطعا ) لا تتكلما . . لا تتكلما . الشوارع مزدحمة بالعيون . الجدران تتجسس علينا . توقف            أيها الرسام عن أحلامك اللعينة وكف عن هذيانك أيها الشاعر .

     سعيد : صـارت الحيـاة هي الهذيان . كلام بلا فائدة ، كلام يجر الكلام ، كلام يتخم السجون ، كلام يقتل،  كلام يزرعالجوع في قلوب المشردين . أليست هذه هي الحياة ؟ أليس هذا هو الهذيان؟

     رشيد : آه أيها الشــاعر المهذار ، ما أكثــر ما تتكلــم ، ما أكثر ما تمشي على الحد الفاصل بين       الأرض وبطــن الأرض . . . استمعــا اليَ . أنصتا لصوت الحكمــة . كل النوافذ مغلقة  بإحكــام. كل أمل يتفسخ في مكانه ويموت . من يسكت يعش أكثر أما من يتكلم فلا مكان له في هذا العصر .

     هاني : الموت والسكون متساويان . الفرق هو أن الساكت فوق الأرض يعد الأيام .

     سعيد : ملعــون من خذلنا . من سلمنا لموتنا بهذه السهولة . حـــاول أن تصل إليه بخيالك أيها الفنان. وأنت يا رشيد .

     رشيد : ألا تستطيع أن تسكت . . أسكت ، فالموت ضريبة الكلام .

                  سعيد : أتمنى لو تتمكن من إقناعي . لكن هل تتمكن من كبت الأمل الذي في داخلي ؟ لابد من فجر    جديد أراه في أحلامي . في يقظتي أراه . . فجر يحتضن بجناحيه الكوفة .

     هاني : هل مر على الكوفة ليل بلا نهار ؟

    الجوقة : تلاشت ظلمــات كثيرة . افــلت شموس وأقمار . ليــس للحياة وجهـا واحدا أبدا . مهما تفرعن الظلام . مهما طغى . لابد أن يشع في يوم ضياء . فجر آخر يولد من رحم الأيام . فلنبحث عن

    خلاصنا الأتي . فلنبحث عن ماء لأنهارنا . . عن ثمر لأشجارنا . فلنبحث.

     سعيد : ( متسائلا  ) نبحث ؟

     رشيد : أين ؟ الظلام يطبق قبضته على المدينة . لا مكان بلا ظلام والبحث ضريبته الموت .

     هاني : نبحث في الطرق السرية .

     رشيد : لا تــوجد طرق سرية . في الكوفة لا يوجد غير الموت يجوب الطرقات ، فالتزما مثلي  الصمت. كل الناس أجادوا فن الصمت . فلماذا تتكلمان ؟ الكل يطبق جفنيه ليغفو وأنتما وحدكما  الحالمان .

    سعيد  : ما قيمة أن يغفو الإنسان بلا أحلام . . الحزن عصارته حلم عن فجر آت .

     هاني : الحــلم خيال الإنسان الأبيض يبحــر في بحر ازرق يطوقه حزن اسود فدعنا نحلم أن نكسر هذا الطوق  .

     رشيد : تأتي الأحــلام مع الليل . تحمـل معها روحا منه . فما يدرينا إن الأحلام ليست جاسوسا للظلمة؟ أكثر من دفنواأحياء كانوا ضحايا الأحلام .

     هاني : الأحلام ضماد جراحات العالم . زهرة حب ببيضاء تبقى بعد دمار الحقل . فلا يمكن . . .

           رشيد : ( مقاطعا ) بـل يمكن . يمكن أن تصبح هذه الزهرة سوطا بيد الجلاد . أو حبلا يلتف كأفعى فوق الرقبة .

     سعيد : رشيد . أراك تشــل إرادتنا . حتى الأحـلام تحطمها . . حتى الأحلام ، ولا تفتح نافذة أخرى ، لكنك تغلق كل الأبواب فقط .

     هاني : يكاد كلامك يقتلنا . فإنك تطلب منا أن نتجمد كالتمثال لنحيا .

    رشيد : لا جــدوى من بحثكما . الجبن يعشش في النـاس ، والهم الأوحد أن يستـــلوا رغيف الخبز ولو

              بالحيلة . فكيف تريدون من الكوفة أن تتبع شمسا لن تشرق .

    (أصوات ترتفع من خلف المسرح ) .

    : بالروح بالدم نفديــك يا ظلام . . بالروح بالدم نفديــك يا ظلام . يعيش الظـــلام . . حبيب القلوب                                                        الظلام.

     رشيد : أرأيتم كيف انقلب الناس . أرأيتم كيف تغيرت الكوفة . ها قد سمعوا صوت الحكمة .

     سعيد : حكمت هذا الزمن الضال . ترهات الحكماء المهزومين . سوط ناعم يقود الناس إلى الليل .

    هاني : نداء الخوف . . رغيف الخبز الصعب . . وهؤلاء ( مشيرا إلى جهة الصوت ) ليسوا كل الناس .

     رشيد : الخوف هويتنا . لا تقفا ضد التيار . ليكون الماضي لنا عبرة .

      ( يطرق الثلاثة لفترة كافية للتأمل  ) .

          الجوقة : ليــس التيـار سوى الخـوف . الخوف هو الظلمة ، سجن النفس ، سوط الجلاد ، دماء القتلــــــى ، القبر المجهول تنوح عليه حمــامات سـود ، هو الخــوف . الكــوفة بأزقتها  السوداء ، بعيون يتاماها انقلبت خــوفا . أين الفجــر الموعود ؟ أين نجوم الشهداء ؟ . . . عيون الأطفال ، نبض الأبطال . أحلام عذارى الكوفة تترقب . تنظر صوب الدرب الصحراوي .

     سعيد : ولو أن اليأس يطبق فكيه على القلب ويغرق هذا القلب ببحر الظلمات ، حتى أصبح أعمى ، لكن            هتافايعلو في نفسي يولد عندي أملا ، بل إحساسا ، أكاد اسميه يقينا . . إن الفجر لات .

     هاني : تعدد ألوان الطيف ، يجعلني أدرك ، أن هنالك لون آخر سيرسم وجه الكوفة .

    الجوقة : ( تنظر صوب جهة بعيدة ) لم تطرقه قدم حتى الآن . الدرب الصحراوي المهجور ، تعوي فيه الريــح وتحرك ذرات الرمــل ، تنمــو على جنبيـه الأشواك . تخاف الكوفة أن تغزوه الأشواك

    فيضع لدرب الصحراوي إلى الكوفة ويضيع القادم .

     هاني وسعيد : ( وكأنهما قد تذكرا سيئا قد غاب عنهما ) الدرب الصحراوي . . الدرب الصحراوي .

    ( يذهب الجميع صوب الدرب الصحراوي خارج المسرح ، يبقى رشيد وحيدا ثم يتبعهما على غير   قناعة ) .

    المشهد الرابع

    ( المسرح شبه مظلم . خلفية المسرح (( مسجد الكوفة )) . هناك منبر في وسط الخشبة من الجانب البعيد . الشباب الثلاثة يقفون خلف أقفاصهم . الجوقة تقف خلف القفص الذي تغير موقعه إلى الجانب الأيمن من الخشبة)

    الجوقة : ( صوب الجمهور) الكــوفة تستبشر خيــرا . عــذراء وجدت فارسهـا . وجدت من يطعن قلب                       الظلمــة بالكلمــات ويدميهــا ، فيرديهـا . موعدكم يوم الجمعة . . في المسجد من يوم الجمعة

    تبتدئ ألطف .

     سعيد : أتسمعان ؟ شمس الكوفة تشرق .

     هاني : يتسلل إلى نفــسي خيط من ألوان . هنالك أمل يتدفق من بين صخور الظلمة . الكوفة لن     تعطش بعد اليوم .

        ( يتوجه بالكلام إلى رشيد المنزوي عنهما كأنه لا يسمع ما يدور ) .

           : أسمعت رشيد . شمس في الكوفة تشرق . فجر آخر عبر الصحراء متجها صوب مدينتنا .

    رشيد : ماذا يطلب هذا الفجر في بلد أنهكه الجوع ؟ ماذا يغريه ببلدتنا ؟ للثروة جاء أم السلطان  ؟

     سعيد : تهب الشمس أشعتها مجانا . ترسلها في كل مكان ، لتضيء دروب الناس . لا من اجل الثروة

    والسلطان .

     هاني : للكوفة حين يجن الليل صباح . هذا قدر الكوفة ، ويكون الأجدر أن لا نخطئ في التقدير .

    رشيد : ها قد قلت . يكون الأجدر أن لا نخطئ في التقدير ، فما يدريك بأن القادم نورا ؟ ما يدريك بأن

    الظلمة لأتلبس وجها آخر ؟ فكيف نفرق بين النور أو النار ؟

     سعيد : لا يــوجد ابسط من ذلك . الفرق الواضح في الأقوال وفي الأفعال كالفرق بين دم المقتول                    وسيف القاتل .

              رشيد : ( بصوت عال منطبع بنبرة الخوف ) في الظلمة لا تدرك فرقا بين القاتل والمقتول ، في الكوفة           لا تدرك فرقا بين عدو وصدق . عدو اليوم صـديق الأمس ، وإذا ما استــعرت نار الحرب ستجد الكل يريدون هناك قتالك .

     سعيد : الظلمـة لا تمنع عاقلا أن يشم رياح القاتل أو يتنفس ريح المقتول ، والشمس إذا طلعت تسفر         عن هيئتها ، لكنك تمعن في ظلم الناس ، لماذا تلقي اللوم على الناس ؟

     هاني : رشيد . أراك تراوغ نفسك . تلتف على رغباتك . تحاول أن لا تبصر . اهو الخوف رشيد ؟

    رشيد : ( بتردد ) لا . لكن الحكمة تدعوني أن أتروى . فغدا من يعرف ما يخفي الغد ؟

    هاني : من يتردد في الحكم على نور الشمس مجنون وليس حكيما .

    رشيد : دعني أتمعن في الأمر .

    ( تمر فترة من الصمت . يرتفع بعدها صوت الأذان . يسلط الضوء على المنبر . ثم يرتفع صوت السيد الشهيد محمد صادق الصدر(( قدس سره ))  ) .

     صوت السيد : ( اللهم صل على محمــد وآلــه الطيبين الطاهرين . توجد ملاحظة أود بيانها قبل الابتداء بالشيء الرئيــسي في الخطبــة . في الحقيقــة البلاء الدنيوي إذا لاحظناه منسوبا إلى قضــاء الله وقدره ، كالفقــر أو التعرض للشمس أو انقطــاع الكهرباء وان كان صعبا ويحتــاج إلى صبر وجلد ومعاناة إلا انه يحدث نتائج طيبة في الدنيا والآخرة معا . أما في الآخرة فعلو الدرجات . وكلما كانت الدنيا أصعب وبلاءها أكثر كانت الآخرة أسـهل . وكلــما كانت الدنيا أدنــى كانت الآخرة أعلى ولنـا أسوة حسنة بالحسين عليه السلام الذي قيل له (( لك مقامات لن تنالها إلا بالشهادة  )) .

    ( يشع الضوء في كل جهات المسرح . يقترب هاني وسعيد وكذلك الجوقة من المنبر أثناء الخطبة بينما يقف رشيد بعيدا عنهم ) .

     الجوقة : ( تقف في وسـط المسرح ) أشرقت شمسكـم يا أهل الكوفة . قوموا إلى أرضكم فاحرثوها

    الفرات يــنادي أرضكم المجدبة فشقـــوا أنهاركم واحيوا بساتينكم . هذا الشهاب الأبيض ينادي في أزقتكم . توشك الأشجار أن تضع ثمارها فلا تضيعوا جنيكم .

    ( تعود إلى مكانها خف القفص ) .

     سعيد : ( يــخاطب المنبر ) أيهــا الشهاب الفريد . أيهـا الرجل الأبيـض . خذ بأدينا إلى عالمك النوراني                    حيث تفجر الكلمات ينابيع الروح فيتدفق الشعر انهارا من عسل .

    هاني : ( يرفــع يديه إلى أعلى ويحــرك أصابعه ) أصابــعي بدأت تتحــرر . أرى لوحة جديدة تتكون في داخلي . . كم كانصعبا أن أرسم في الظلمة شيئا آخر غير الظلمة . أتشعر مثلي أيها الشاعر؟

    سعيد:  أرسم يا صديقي لوحاتك الآتية . . وسأكتب قصائدي . سأدعو الكوفة لاستقبال هذا الصباح .

    رشيد : الكـوفة لا تؤمن بالكلمات أو الألوان . الكوفة تتبع قاتلها ، أنسيتم أن الدفة ليست في أيديكم بعد؟ مهلا حتى تتضح الأحداث وتنكشف الغبرة .

     سعيد : ستصير الدفة في أيدينا ، ونحن الأقوى لو يجتمع الناس .

     رشيد : لو يجتمع الناس . . اجتمع الناس لمرات قبل الآن ، لكن الكوفة تتفرق لو لمحت سيفا أو       مدفع . الناسإذا سمعوا صوتا يلتفون ، بدوافع شتى يأتون . لكن لو شموا رائحة في الريح وتوجس أحدهم خوفا ، فإن الناس يفرون .

     سعيد : الكــوفة هذا اليوم ليست كالكــوفة بالأمس . رفــع الناس بشعبان صــوت الرفض ، وانتظروا  . . انتظروا حتى ذابوا في الليل ، فلا تطلب منا أن ننتظر الآن .

    هاني : فهــذي الشمس تضيء ، ورأيــت الأشباح المذعــورة تنسحب إلى الظلمات ، لكني لم أرك هناك   رشيد .

     رشيد : مازلت أدقق في الأمر .

    سعيد : أنت تخاف رشيد .

    رشيد : لا ، لســت أخاف، لكني أتمعن ، فهذا عصــر الحيـرة والشك ولابد لنا أن نتروى في الحكم على  الأشياء ولا لوم علينا.

    هاني : من يتمعن في الشمس طويلا يصبح أعمى .

    رشيد : ( مترددا ) ما زلت اشك .

    هاني : لا تنفث شكك بين الناس فتعميهم . الأفضل أن تسكت . أو أن تعزل الناس .

    هاني : لا تسكــب ظلمة نفســك في نفس أخــرى . كل الأرواح البيضــاء تتطلـع صوب النور ، إلا    أنت ، فلتنسحب إلى كهف ، ذلك أفضل من أن ترشق وجه الشمس ، بغبار اسود .

     رشيد : لو ننظر في الأمر قليلا . لو نتمهل . لو ..........

    سعيد : كفاك ، كفى . تختلق الأعذار .

    الجوقة : ( نحــو الجمهــور ) في الزوايــا المظلمة تحاك المؤامرات . تنسج العناكب خيوطها الفولاذية وتنصــب المشــانق في بيــوت الطغــاة . ليس الطغــاة وحـدهم يبغون اغتيال الشمس . هناك

    المنافقون والانتهازيون ومروجوا الإشاعات . حذار يا أهل الكوفة من رؤوس نسجت أفكارها في الظــلام . حــذار من الحكمــاء العــوران اللاعقيــن صحون الحرام . اقتلعوا ما زرع الآباء الماضون من العار . فجر آخر جاء يناديكم فرووا عطشه . . فجر جاء يناديكم فرووا عطشه .

     رشيد : ( يدور في المسرح (ألا يوجد لون آخر بين الظلمة والنور ؟ ألا يوجد غير الدم والجلاد ؟

    هاني : يوجد لون آخر بين الأبيض والأسود ، واراك تزينت به الآن فأصبحت بوجهين .

    رشيد : لا افقه شيئا من لغة الألوان . فاخبرني ما تقصد ؟

     سعيد : يقصد انك مشمول باللعنة . لا مع أو ضد . والرجل الواحد لا يملك قلبين ، لكن من المكن أن

              يعيش بوجهين .

     هاني : ندعوك لان تتوحد مع نفسك . أرفع من روحك أستار الظلمة .

    رشيد : لا . . لا . مازلت أرى نهر الدم . مازلت أرى الأجداث بلا أسماء . . . مازلت أراها .

    ( ينسحب إلى خارج المسرح ) .

    الجوقة : ( نحو الجمهور ) يا أهل الكوفة . . لم يخرج أشرا أو بطرا . لا يطلب جاها أو سلطان . بل                   جاء لإصلاح بين الناس ، لأمر بالمعروف ونهي عن منكر . لا تذروه وحيدا . . . لا تذروه وحيدا . . .  لا تذروه  .

    هاني : ما بال رشيد ؟

     سعيد : يخاف .

     هاني : ليل الكوفة كان طويلا . . ورشيد ليس سوى . . . . فلنذهب نستطلع أحوال الناس .

    المشهد الخامس

    ( خلفية المسرح صورة لمدينة الكوفة . المنبر في وسط المسرح ، يلفه قماش ابيض ، أقنعة عديدة وأوراق تشبه المنشورات معلقة على جدران المسرح) .

    ( هاني وسعيد يدخلان من الجانب الأيمن للمسرح ) .

    هاني : ما بال النــاس ؟ كأن الكــوفة تهوى خلط الألوان . كــأن الحيات تنفث سمــا في الأبصـار وفي

             الأذهان .

    سعيد : رغم شروق الشمس مازالت ناس الكوفة تتخبط مثل العميان . . . . الخــوف ! وماذا يخشى من  يقترب رويدا نحو الموت ، كل نهار .

     هاني : ( مفكرا ) سماء الكــوفة تغطيها غيــوم حبلى بالفتن . وأخشى أن تندلق القرب بنهر الدم          ( إلى سعيد ) أسمعت صراخ الأصوات الخرساء ؟ أسمعت عواء الشيطان ؟

     سعيد : أخشى ن تلد الأيام الحبلى طاحونا مجنونا . يطحن كوفتنا ويذريها في وجه الريح ( يدور على

      الخشبة وبلهجة يشوبها الخوف والرجاء ) لكن الأمر بعيد . . الأمر بعيد ( يضع كفيه على         رأسه) قل إن الأمر بعيد .

     هاني : الأمر بعيد . . أتمنى لو كنا نحلم ، لكن الكوفة ، كل الكوفة تتكلم عن واقعة أخرى ، وكهوف الليل ابتلعت أفواج الناس .

    سعيد : ( وهو يفرك صدغيه ) اخبرني ما الأصل بهذا الكون ، النور أم الظلمة ؟

     هاني : الظلمة والنور عدوان ، لكن البعض يحب النور والبعض الآخر يهوى الظلمة .

     سعيد : والكوفة ماذا تهوى ؟

     هاني : الكوفة تحب النور وقد قالت ذلك في شعبان .

     سعيد : إذن ، فماذا يجري الآن ؟

     الجوقة : ( تدخل من الجانب الأيمن للمسرح وهي تصيح بلهجة المنادي ) لا تذروه وحيـدا . . لا تذروه وحيدا . .صبرا يا أهل الكوفة . لا تحرموا القادم من شربة ماء . لا تمنحوه بيعة كاذبة أخرى، ثم تفرون بوجه السيــف . إنها الفتنة والله . وهذه الأقنعة ، جاءت لتخدعكم فخلوا الأقنعـــة . هذه الأبــواق لــم تأو يتيما . هذه الأبــواق لم تشبع جائعا . . لا تذروا القمر وحيدا . فلقد هبت ريح الفتنة وتكدست الظلمة فوق الظلمة كي تبتلع النور .

    ( تخرج الجوقة من الجانب الأيسر . يدخل رشيد بملابس سوداء اللون ) .

    رشيد : علمتم ما يجري ؟

    هاني : نعلم . . نعلم أن الظلمة تهم بمحو النور .

     سعيد : رأينا الأسلحة المشهورة نحو مصلين عزل .

     رشيد : انسحبا . . . انسحبا ، فالوقت يضيق إمام المعركة الكبرى . ستكون المعركة كبيرة تتناثر فيها

               الأشلاء . كيف يقف مصلون عزل بوجه قذائف وبنادق ، ها ؟ كيف يقف العزل أمام الدبابات ؟

    سعيد : من حقك أن تسـال رشيــــد . . . من حقك أن تســال . فليس العيش لــديك سوى خبز وفراش .

              والسكن بجحر تحت الأرض هذا يعني انك بأمان .

     رشيد : لماذا تنكر أني املك نظرا ؟ وبأني أحسن بقدير الأشياء ؟

    سعيد : نعم . اعرف أنك تمتلك سجلا كبيرا للأعذار . . . وبأنك يمكن أن تصنع من فاسق أتقى الأبرار .

     رشيد : هاني ، أوقف صوت صديقك هذا المتبجح .

     هاني : لا وقت لدينــا للصــمت الآن . الصـمت مكان خصب لنمو الأقذار . الصمت هو الموت رشيد    وما دون الموت ، فلماذا تطلب أن يصمت صديقي هذا التبجح ؟

    رشيد : حسنا . فانا لا أنسى بأنا كنا أصحابا  . وحلمنا نفس الأحلام .

     سعيد : فلماذا تتركنا الآن ؟ ما دمنا كنا نحلم نفس الأحلام .

     هاني : كنا نحلم بالنور . رسمنا أطيافا فوق الجدران السوداء وحلمنا أن نبصرها نورا . فلماذا             تنسحبالآن ؟

    رشيد : ( مطرقا يكلم نفسه ) أريد حيــاة صافية بيضــاء . لا رأس شهيــد فيها أو سيفـا يقطر بالدم . لا   أقوى أن أطعن أو أُطعن . أريد حياة خالية من كل الأخطار .

     سعيد : تلــك هي الجنـة . والجنـة لا تأتي من غير عناء . من قال بان الجنـة تهــدى للساكــت عن                                                             جوع الفقراء . فلا تحلم بالجنـة وأنت تسير بدرب آخر .

     رشيد : ولماذا لم تكن الجنة في هذي الأرض ، هنا ؟

    هاني : في الأرض الأبيض والأسود والجنة كانت بيضاء .

     الجوقة : ( صــوتها يأتي من خلــف المسرح ) في المسجــد من يوم الجمعــة سيناديــــكم . في يوم غد سيناديكم من بين حراب الظلمة .فلبوا يا أرتال الشهداء . في المسجد من يوم غد توعده الجلاد بطف أخرى . فلبوا يا عشاق النور ولا تذروه وحيدا . . لا تذروه وحيدا . . لا تذروه .

     سعيد : أسمعت رشيد ؟

    رشيد : سمعت ولكن . .

    هاني : لكن ماذا ؟

    رشيد : ( ساكت )

    سعيد : ( لرشيد ) أنت جبان والجنة ليست مأوى للجبناء .

     صوت السيد : ( واقتــرب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بـل كنـا ظالمين . انتم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون . لو كــان هؤلاء آلهــة ما وردوها وكل فيهـا خالـدون لهـــم فيها شهيق وزفير وهم فيها لا يسمـعون . إن الذين سبقت لهم منـا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهــم فيما اشتــهت أنفسهم خالــدون . لا يحزنهم الفـزع الأكبـر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتمتوعدون ) .

    ( صوت إطلاق نار كثيف . يسلط ضوء احمر على المنبر. هاني وسعيد صريعان وسط ضوء اخضر ) .

    يرتفع صوت القارئ :

    ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) .

    ستار

    حسين عبد الخضر

    husayna73@yahoo.com